الربيع : الدرك عذبني لأنني فتحت فمي..
“المحيط” – نواكشوط:
من الربيع ولد ادوم:
يوم امس الاربعاء 14 مارس 2012 تعرضت للإهانة.. وتعرض سلك الدرك للإهانة ايضا.. وتعرضت الجمهورية لصفعة.. لقد سقطت ورقة التوت..
بالأمس تقدمت لإجراء التقييد السكاني، وللاسف اتضح ان هذا التقييد يواجه اخطاء البداية، المشكلة انه “تقييد” حقيقي فهو مبني على مصادرة أبسط الحقوق.
وصلت الى مكاتب الإحصاء الساعة الثانية ظهرا، وأكملت الاجراءات الاولية وبقي ان التقط صورة، التحقت بمكتب الكاميرا والتوقيعات والبصمات.
منذ ذلك التوقيت وانا انتظر مع مجموعة مواطنين بسطاء مثل الذين يرفع الرئيس شعار انه رئيسهم، أغلبهم اساتذة، عمال، وربات اسر وحوامل.من 02:00 حتى 06:00 تواجدنا امام الباب، كان الدركيون يتجاوزوننا بطريقة مهينة وهم يسحبون المدنيين ليكملوا اجراءاتهم، كانوا اقاربهم ومن يدفعون لهم، كان مهينا ان تجلس في بلدك لتكمل اجراءات تتعلق بالادارة، وان يكون أول من ينتهك النظام هم المشرفون عليه.. ظل الدرك دائما قلعة قانون، لكن الدرك بات اسوأ جهاز يمكن ان تتعامل معه، الدركيون يدخلون ويخرجون ويدوسون كرامة الموطن بكل حقارة.
اكثر من ثلاث ساعات ونحن ننتظر افواج “الزبناء الخصوصيين” الذين يظهرون براحة كاملة وينجزون مهمتهم ويبقى المواطن كسيرا أمام الأبواب المغلقة.
كان بامكاني ان استعمل الف وساطة، فنصف رؤساء المكاتب اصدقائي وزملائي في الدراسة.. نصفهم الاخر من قرائي، لكنني قررت كما افعل دائما ان اكون مواطنا عاديا، وان امر بالاجراءات التي تمنيت ان تكون باحترام.
بعد ثلاث ساعات بدأ تذمر في مجموعة الطابور، طرق شاب الباب، وقال لقائد الدرك الموجود في المكتب، انه لا يجوز الاستهزاء بالمواطنين لهذه الدرجة، وانه هو شخصيا يحترم الدرك وان عليهم ان يخففوا من الوساطات لنتمكن من اكمال ملفاتنا والانصراف الى هموم لا تنتهي هي في انتظاهرنا.
ابلغه الدركي انه لا يوجد غير هذا التعامل وان من لا يحبه عليه ان ينسحب والا تعرض لما يكره (يتم وضع رقبته تحت الاقدام) وصفق الباب في وجهنا جميعا.
تحلى الشاب بشجاعة وطرق الباب على الدرك.
. خرج الدركي وامسك ياقة قميصه، وثنى يده خلف ظهره وسحبه من الطابور الى قاعة خاصة بالدرك.. الشاب تبين فيما بعد انه استاذ تاريخ ولغة عربية في مدرسة حرة ومدير دروس.
اعلنت احتجاجي على هذا التعامل الظالم.. وقلت للدركي انت لا تحترم بدلتك ولا رتبتك، انت تنتهك القانون وتستعمل الوساطات وتتحدى كرامة البشر، ومع ذلك تستعمل سلطتك تعسفيا في قهر البشر، أمرني عناصر ان اسكت.. رفضت ذلك، قال لي قائد الدرك اذا لم تسكت سوف (……شتائم ……….) قلت له فلتفعل ما تشاء، اذهب بنا الى حيث تذهب بهذا الشاب، فما دام المواطنون نعاجا كل يوم تذبحون منهم واحدة فهذه ليست حياة.
اعتقلني عناصره وسحبوني الى قاعة الدرك – فرقة الطوارئ- مجموعة حفظ النظام- قسم الدرك الوطني، وكأنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة.. امسكني اثنان واخذ الثالث يضربني على الوجه والصدر، كنت حريصا على تفادي اصابة عيني اليسرى التي سبق واجريت لها عملية جراحية، ومع ذلك تلقيت صفعة عليها.
بعد ذلك تم اعتقالنا لساعات، تمكنت من التواصل مع صديقي المختار السالم عن طريق “أس أم أس” وابلغت مراسلا لصحراء ميديا حول القضية والتعذيب الذي تعرضت له، كذلك اتصلت ب”25 فبراير”.. طبعا غضبت زوجتي لانني لم ابلغها، اعرف ان الموضوع كان ليكون اكثر انتشارا وأكثر زخما لو انني ابغلتها.. كانت السيدة لتقلب العالم من اجل القضية، فهي رغم حداثة سنها تعرف ما تفعل في مثل هذه الحالات.
ساعدني الشباب والصحافة في اذاعة الموضوع وبدأت الاتصالات، كان ما حدث غريبا، ان يعتدي مجند في سلك الدرك بهذه الطريقة العنيفة دون مبرر لذلك على مواطن.
بعد العنف بساعات بدأ الموضوع ياخذ ابعادا جديدة.. كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز يعقد مؤتمرا صحفيا في انواذيبو ويتحدث عن الحريات وعن “موريتانيا الجديدة” حين كان مواطن من بلاده يتعرض للضرب في من طرف الدرك في مكتب مدني “للتقييد”., قوانين الجمهورية لا تسمح بتعذيب رجل موريتاني ولا امرأة.
ان مصادرة التعبير والتعريض للتعذيب والشتائم هو جريمة، يعاقب عليها القانون، هؤلاء الناس من قال لهم ان التعذيب يدخل في صلاحياتهم، من قال لهم ان المواطن ليس له حق في الكلام، من قال لهم ان المسؤول عن التنظيم يجب ان يكون أول من يعتدي على النظام.. من قال لهم ان المواطن ليس سلطة؟؟!
يؤسفني انني تعرضت للضرب من قبل شاب.. انا الذي آمنت بالشباب الموريتاني حد الخروج في ثورة.. حد تحدي النظام الحاكم.. يؤسفني ان شابا من الدرك قد يعذب مواطنا لانه تكلم.. يؤسفني ان تعجز فرقة من الدرك الى حد تعذيب انسان لانه تكلم.
يؤسفني اكثر انه سينال العقاب.. يؤسفني انه ارتكب جريمة.. يؤسفني انني مضطر لعدم السكوت فهذه ليست اول مرة اتعرض فيها للتعذيب ويفلت الجناة، فقد تعرضت له اكثر من مرة، اكثرها لفتا للانتباه (عذبتني الشرطة في ساحة عامة لانني احمل العلم الوطني واطالب بالاصلاح، كان شيخ مسن من الشرطة وصاحب تجربة كبيرة يحمل قضيب حديد ويضربني دون رحمة- انظر الصورة).. التعذيب يعيق التنمية ويضعف من شخصية المواطنة.. في النهاية يكون الضحية مطالبا بالصفح ليذهب الجاني طليقا وبدون حساب ليعذب مواطنا آخر.
لكن لماذا ضربني هذا الرجل؟ ان الموضوع يحتاج الى اعادة فهم.. الاكيد ان ضرب رجل لانه تكلم يكفي لثورة.. سحب مواطن بطريقة مهينة لانه اعترض على فساد السلطة يكفي لتقوم ثورة اخرى.
ان مصادرة كلامي لا تقل اهمية عن قطع الكهرباء والماء عن القصر الرئاسي وقطع راتب رئيس الجمهورية، لن يقبل الرئيس طبعا بذلك وسيعاقب الجاني، انهم متعودون على تعذيب الناس بدون عقوبة، يجب ان لا يتكرر هذا.
تعرضت لضغوط في القسم لأذكر قبيلتي.. قلت لهم انا في مكتب مدني امام رجال قانون، معلوماتي المدنية موجودة، لو آمنت بالقبيلة كبديل للدولة ما حضرت للتقييد السكاني رغم اخطائه وعلاته.. ورغم انكم من يحميه.
ما حدث جعلني اطرح سؤالا: هل صورة الدرك كمؤسسة قانون التي كانت لدينا صحيحة؟! هل تقييد يحميه هؤلاء سيكون محترما؟! هل تسير الدولة الى الهاوية؟
لماذا كل هذا العنف والظلام.. لماذا اصبح الناس بهذا السوء في بلد جمهوري؟ لماذا يسطوا لابسو البدلات هكذا على المدننين؟ الا يعلم الرجل انه يتلقى راتبه من اموال الشعب.. حتى الكلاب لا تعض من يعطيها طعامها.