نقيب المحامين لدى افتتاحه السنة القضائية ينتقد واقع العدالة في موريتانيا(نص الخطاب)
نواكشوط – وانا – قال نقيب المحامين الموريتاني ان الجهاز القضائي يشهد اختلالا تاما مشيرا الي ان وضعية السجون لا يمكن تصورها في ظل دولة قانون.
وأضاف ولد بوحبيني- الذي كان يتحدث اليوم الاربعاء خلال افتتاحه حفل افتتاح السنة القضائية وسط حضور كبير للمحامين والمهمين بحقل العدالة في موريتانيا- ان السلطات لا يروق لها تصميم الهيئة على احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، كما انها لا تقدر نضال الهيئة من أجل العدالة حق تقديره، خاصة في جانبه المتعلق بهيمنة السلطات التنفيذية التي أصبحت تشكل مصدر قلق بالنسبة لنا على كافة المستويات –يقول نقيب المحامين – وقد سبب لنا ذلك بعض أضرار نحاول جاهدين أن تكون انعكاساتها محدودة.مشيرا الي ان استقلالية القضاء لاتعدو كونها شعاراحيثت مارس السلطة التنفيذية رقابة على الجهاز القضائي لم يسبق لها مثيل .
أود ابتداء أن أوجه تشكراتي الخالصة إلى الشخصيات التي شرفتنا بحضورها لافتتاح السنة القضائية المنظم من قبل الهيئة الوطنية للمحامين تحت شعار “الهيئة الوطنية للمحامين .. اثنان وثلاثون سنة من العطاء”.
كما أود أن أحيي العمل الجبار المقام به من قبل عمدائنا خلال السنوات الصعبة والفترات الاستثنائية، والأحكام العسكرية، حيث كانت الهيئة دائما خلالها تقف ضد التعسف والظلم.
إن الهيئة الوطنية للمحامين، التي تشكل مصدر فخر بالنسبة لنا اليوم، كانت دائما إلى جانب كافة معتقلي الرأي في البلاد، وكان دورها بارزا في النضال من أجل الحرية والعدالة، واحترام حقوق الإنسان.
وقد تم ذلك في ظروف صعبة بفعل النظرة التي ينظر بها المجتمع للهيئة، وبفعل تعاقب الأنظمة العسكرية الاستثنائية.
لقد كان لفيف الدفاع المشكل من الهيئة جاهزا وعلى الدوام لمؤازرة ضحايا الحيف : حركة الحر، العسكريون، البعثيون، الإسلاميون، الناصريون، رؤساء الأحزاب (أحمد ولد داداه، اشبيه ولد الشيخ ماء العينين، محمد خون ولد هيدالة)، محاكمة واد الناقة … حتى لا أذكر غير هذا.
كما ساهمت الهيئة في التحسين من وضعية القضاة من خلال عدة مذكرات صادرة عنها.
أريد أن أطمئن عمداءنا وزملاءنا، بأننا استلهمنا جهودهم، وسنواصل في نفس الاتجاه بتصميم وفعالية أكثر، ولكن يبدو – وللأسف – أن الأمر ليس أسهل من ذي قبل.
فالسلطات لا يروق لها اليوم تصميمنا على احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، ولا تقدر نضالنا من أجل العدالة حق تقديره، خاصة في جانبه المتعلق بهيمنة السلطات التنفيذية التي أصبحت تشكل مصدر قلق بالنسبة لنا على كافة المستويات، وقد سبب لنا ذلك بعض الأضرار، نحاول جاهدين أن تكون انعكاساتها محدودة.
إن الهيئة تواجه في الوقت الراهن، الخرق المتكرر للقانون، والتراجع الملموس للعدالة في بلادنا، الذي يتجلى في مستويات عدة، نذكر منها على سبيل المثال:
1- على الرغم من صدور القانون المتعلق بالمساعدة القضائية وكذا المرسوم المطبق له، لا زالت وزارة العدل تمتنع، إلى حد الساعة ،عن وضع نظام المساعدة القضائية الذي يسمح للمواطنين الأكثر هشاشة من الولوج للعدالة، بل وأكثر من ذلك، وفي خطوة غير مفهومة، تعمل الوزارة على إجهاض الإنجازات المحققة من قبل الهيئة الوطنية للمحامين بالشراكة مع التعاون الفرنسي والاسباني الذي أحييه في هذا المقام.
كما تم منع هيئتنا قبل عدة أشهر من مؤازرة معتقلي سجن دار النعيم، واليوم وفي خطوة مماثلة يتم منعنا من إسداء نفس المؤازرة للسجناء في ألاڮ، وروصو، وسجن النساء.، وبشكل عام الدخول إلى كافة السجون.
2- يشهد الجهاز القضائي اختلالا تاما، فلم يعد بالإمكان معرفة من يفعل ماذا في ظل تداخل واضح للأدوار.
ومن أجل أن نظل أوفياء لالتزامنا القائم على أن لا نسرد في هذا الخطاب غير القضايا المحددة، نذكر أن إحدى تجليات هذا الاختلال تتشكل في أن المحكمة الجنائية تقوم اليوم بالبت في القضايا المتعلقة بالمحاسبين العموميين وسوء التسيير، في حين أن الاختصاص في مثل هذه القضايا يعود إلى محكمة الحسابات التي انحصر دورها كما هو حال وسيط الجمهورية في الجوانب الاحتفالية.
3- إن النيابة العامة تحول دون السير المنتظم للعدالة من خلال ممارساتها المتمثلة في وضع يدها على الملفات، وحجزها لديها عندما تحول إليها لإبداء الرأي.
وقد لجأت النيابة مرارا إلى مثل هذه الممارسات من أجل منع القضاة من البت في القضايا عندما تكون وزارة العدل تقف دون إلغاء قرار كانت تتمسك به ابتداء.
تمثل القضية رقم 06/2012 (إدارية)، المحتجزة من قبل المدعي العام مثالا صارخا على ذلك.
4- إن اتصال المحامين بالأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية المقرر بموجب المادة 58 من قانون الإجراءات الجنائية، مرفوض تماما من قبل النيابة، الأمر الذي يشكل مصدر قلق، خاصة أن التعذيب والتعامل المهين مع المعتقلين تعد ممارسات معمول بها خلال استجوابات الشرطة، وقد تجسد ذلك في حالة الطلاب الممارس في حقهم التعذيب في مفوضية لكصر خلال شهر فبراير 2012.
5- إن الوضعية الحالية للسجون لا يمكن تخيلها في ظل دولة القانون.
فسجن السلفيين في مكان سري وغير محدد، بعيدا عن الاتصال بعائلاتهم، ومحاميهم، يعتبر خرقا سافرا للنظم الدولية، وللقوانين الوطنية التي تنظم المؤسسات السجنية.
كما أن اعتقال القصر إلى جانب الكبار في زنزانتين من 24م² في انواكشوط، وحالة 52 قاصرا الذين تجاوزوا الآجال القانونية للحجز التحفظي، وحالة 17 قاصرا المحتجزين إلى جانب الكبار في انواذيبو حسب معلوماتنا منذ أسبوعين، كل ذلك يشكل انتهاكا واضحا لحقوق الطفل في موريتانيا.
6- إن الاعتقالات التعسفية تشهد تزايدا مطردا، تماما كما هو حال المحاكمات السياسية التي يقام بها تحت مظلة محاربة الفساد، والتي تخرج في الغالب عن طور العدالة ليتم تسييرها مباشرة من قبل السلطة التنفيذية.
7- إن السلطة التنفيذية تمارس اليوم رقابة على الجهاز القضائي لم يسبق لها مثيل، فاستقلالية القضاء لا تعدو كونها شعارا، ويتجلى تحكم الجهاز التنفيذي في القضاء على نحو واضح في النقطتين الآتيتين:
أ- لم تعبأ السلطات العمومية بالرغبة المشروعة التي أبداها القضاة من أجل خلق إطار نقابي يدافع عن مصالحهم ويضمن استقلاليتهم، ففي الوقت الذي كانت الانتخابات تسير في ظروف عادية، عمدت وزارة العدل إلى مصادرة صندوق الاقتراع أثناء عملية الفرز، وبعد ذلك، وخلال الأسبوع الماضي، سلمت وزارة الداخلية – بتدخل من وزارة العدل – وصل الاعتراف رقم 092 بتاريخ 12 ابريل 2012، لرابطة معدة على المقاس، تتشكل من القضاة “الأوفياء” حتى لا أقول تحت وصاية وزير العدل المدينين له بترقيتهم الأخيرة.
لقد تم إنشاء هذه الرابطة في ظرف غامض، ولكن الأكثر غرابة أن وصل وزير الداخلية يحيل إلى جمعية عامة مفترضة للقضاة بتاريخ 11-04-2012، لا أساس لها، لأنه وببساطة لم تعقد جمعية عامة للقضاة بتاريخ 11-04-2012.
لقد كررنا منذ بعض الوقت أن للقضاة الحق في إنشاء إطار نقابي و بكل حرية .
فلماذا يتم منعهم من ذلك؟
ولماذا تفرض عليهم بالقوة نقابة يتم تعيين أعضائها من قبل وزير العدل؟
ب- إن مشروع تعديل القانون الأساسي للقضاة بمبادرة من وزارة العدل، ينص في مادته 30، على جعل تقويم القضاة من اختصاص المفتش العام للقضاء.
لم يعد ينقص سوى هذا الإجراء الذي يأتي في خضم الحديث عن مشروع آخر يهدف إلى تجزئة الهيئة الوطنية للمحامين من خلال إنشاء نقابات جهوية من أجل إفهام القضاء أنهم تحت السلطة الفعلية لوزير العدل، والقضاء نهائيا على مبدأ استقلالية القضاء.
إلى جانب هذه الأمثلة المنتقاة من ضمن أخرى، نظرا لكونها تجسد التراجع المسجل على مستوى قطاع العدالة، نحن قلقون نظرا للحيف الذي تشهده البلاد بشكل عام.
فمن أجل ضمان العدالة، ومساواة المواطنين، يتركز اهتمامنا دائما على محاربة العبودية، ونطالب بالصرامة والالتزام في اتجاه محاربة هذه الظاهرة.
كما نطالب بتقوية الوحدة الوطنية من خلال إجراءات واضحة وفعالة.
إن الظلم بشكل عام، الذي نندد به، يتمثل في عدم العدالة في توزيع ثروات البلاد، التي يتم تسييرها على نحو شخصي، كما أن عدم تساوي الفرص يشكل تجليات مرئية للظلم تمس قوت المواطن الذي يتشبث بالذود عنه ليس من أجل حياته فحسب ولكن من أجل كرامته كذلك .
نحن قلقون كذلك اتجاه الأساليب الردعية ضد المظاهرات السلمية، سواء تعلق الأمر بالطلاب أو بغيرهم، وهي مناسبة لتذكير أولائك الذين يعمدون إلى مثل هذه الممارسات من ضمن قواتنا الأمنية، أن هذه الأفعال من شأنها أن تعرضهم للملاحقة الشخصية بمجرد تحديد هوياتهم، ولن يشفع لهم عندئذ التذرع بصدور الأوامر إليهم من رؤسائهم المباشرين.
إن اللجوء المتزايد لعمليات التنصت على الهواتف الذي يشكل مساسا خطيرا بالحرية، وانتهاكا للحياة الخاصة يعد أمرا مقلقا هو الآخر.
لقد حرم مؤخرا القاضي الاسباني المشهور “كارسون” من مزاولة مهامه مدة 11 سنة بسبب لجوئه إلى عملية تنصت على الهواتف في إطار تحقيقاته القضائية.
إننا بإدانتنا لهذه الوقائع التي تشكل تراجعا غير مسبوق للعدالة في بلدنا، نعمل – وبشكل مسؤول – على تحسيس الرأي العام، وكذا الفاعلين، والسلطات العمومية من أجل العمل على سيادة القانون واستقلال القضاء، وفصل السلطات، واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة المنتهكة في موريتانيا.
إن نضال الهيئة الوطنية للمحامين، يهدف إلى سيادة القانون
التي تعد شرطا للتنمية، وضمانا للسلم.
ذلك أن السلم والتنمية في أي بلاد لا يمكن توافرهما إلا في فضاء يضمن سيادة القانون ويجعل من المساواة، واحترام حقوق الإنسان مبادئ، لا يمكن المساس بها.
لقد عملنا منذ بعض الوقت على التحسيس بضرورة وجود مؤسسات ذات مصداقية ذلك أننا بحاجة إلى مؤسسات قوية أكثر من كوننا بحاجة إلى رجال أقوياء .
كما عملنا على أن نفهم السلطات أن نضال الهيئة الوطنية للمحامين ليس موجها ضد أي كان، فهو وقود مهمتنا، و سنبقى متشبثين به مهما كلفنا ذلك من ثمن للوقوف ضد أي ظلم أو حيف يمارس في هذا البلد وللتنديد بأي خرق للقانون يقع على أديمه ولمواجهة أي قمع في حق مواطنيه فذلك توجهنا وتلك رسالتنا .