إذا انتفت المحاذير: بيان الموقف من الأحزاب السياسية والعمل فيها

كنت قد قلت لموقع السراج الإخباري في معرض نفيي أي علم لي بخبر يتعلق بالسعي لتأسيس حزب سياسي جديد ذي مرجعية إسلامية ” إنه ليس من شأني دخول الأحزاب السياسية “.


وأرى من واجبي توضيح ما قصدته بذلك فأقول: إن الهدف من العمل السياسي الإسلامي: إقامة الدين وحفظه، ورعاية حقوق العباد ومصالحهم، وسياسة الدنيا وتنميتها وتطويرها بما ينفع الناس ويعمر الأرض ولا يتعارض مع الدين؛ ويتطلب تحقيق هذه المقاصد قدرا كبيرا من التجرد والصدق وترك الانغلاق والتعصب لفهم أو منهج ما، مع التمسك بثوابت الشرع والرجوع إلى نصوصه فيما اختلف فيه، وترك المداهنة أو المجاملة في الحق، وجعل فتوى أهل العلم المأمونين حاكمة على القرارات الحزبية والبرلمانية وعلى الاتفاقيات والتحالفات، ولو أدى ذلك إلى صدود الناس وفقدان الشعبية. ذلك أن الحرص الزائد على الشعبية يؤدي إلى التنازل عن الثوابت والمقاصد الشرعية، وإلى تقديم الرغبة في الوصول إلى السلطة على الدفاع عن الحق والتقيد بالمبادئ والأهداف؛ وقد يؤدي ذلك إلى التحالف مع ذوي توجهات مناقضة للإسلام، أو الانحياز إلى سلطة يتحكم في مفاصلها الفاسدون المفسدون أو حزب قائم على حفظ مصالح مجموعات الضغط النافذة؛ كما قد ينجر عن إقامة الأحزاب على منهج مدرسة ما صدام بين مدارس العمل الإسلامي ولو على توافه الأمور، وهو الأمر الذي أرجو أن ألقى الله غير متدنس بأي مساهمة فيه؛ كما أرجو أن لا أتخذ أي عمل إسلامي ضرارا أو كفرا أو تفريقا بين المؤمنين أو إرصادا لمن حارب الله ورسوله؛ فليس من شأني دخول الأحزاب ما بقيت الخشية من هذه المحاذير قائمة؛ وهذا ما قصدت، لا أني أرفض مبدأ العمل السياسي الإسلامي أو اتخاذ الأحزاب وسيلة له، فلا مانع عندي شرعا من دخول مثل تلك الأحزاب .

ولذلك فإنني إذا وجدت من يرى معي هذه الأسس ولا يتقيد بمدرسة ما من مدارس العمل الإسلامي فسأكون سعيدا بالعمل معه من خلال أي وسيلة مشروعة حزبا كانت أو جمعية أهلية أو منظمة غير حكومية، يعمل فيها ـ جنبا إلى جنب ـ ذو الانتماء الإخواني وذو التوجه السلفي وذو الميول التبليغية والمسلم العادي الذي لا يتبنى فكرا لائكيا أو لا دينيا ولا يجاهر بالكبائر ولا بالبدع الأصلية؛ تلك ملامح من أرغب في أن يجمعني معهم عمل سياسي إسلامي، مع احترامي لخيار الإسلاميين جميعهم، ودعائي لهم بالتوفيق والتسديد، وظني بهم أنهم ما أرادوا إلا خيرا، وما أبرئ نفسي من الخطأ والقصور والتقصير، ” إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب “.

وأعلم أني قد أرى في تجربةٍ مَّا انتفاء تلك المحاذير فأدخلها ثم أجد الأمر على خلاف ما ظننت فإذا وقع ذلك ـ ولا أرجو أن يقع ـ فسأسارع إلى النأي بنفسي والرجوع إلى موقفي الحالي.

وفي انتظار وجود من يرون مقاصد العمل السياسي الإسلامي كما أراها ويتقيدون بها ويتقون محاذيره المشار إليها آنفا، سأبقى ـ إن شاء الله ـ كما كنت، أنأى بنفسي عن الأحزاب، وكلما حلت انتخابات يترشح فيها من أظن أن فيهم الأهلية ـ كل في الموقع الذي يترشح فيه: رئيس جمهورية، أو نائبا برلمانيا، أو عمدة ـ صوتُّ لذوي الأهلية حسب ظني واجتهادي، وإن اختلفت أحزابهم.

وأرجو أن لا يفهم أحد أن هذا التوضيح يقوم مقام نقد للآخرين، إذ الأحرى أن يكون توضيحا يقوم مقام بلاغ شعبي أو دعوة جفلى، مع ظني ـ من غير تشاؤم ـ أن الاستجابة لها قد تتأخر وقتا ما؛ ولا أرجو أن يقول قائل :(اقعد فم إل إجيك …)
وفق الله الجميع لما يرضيه

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى