في تونس مصحة بخمس نجوم (تقرير مصور)

- أول ما يتذكره المسافر العربي على “بساط الريح”، لدى قدومه إلى تونس هو قول الشاعر :
يا تونس الخضراء جئتك عاشــقا وعلى جبــيني وردة وكتــــــــاب
وفي مطار تونس قرطاج قوله :
يا ساكنات البحر في قرطاجة جف الشذى وتفرق الأصحاب
إنها تونس، هل واحد من بينكم تغنى بأسمهان، وهي تشدو بصوتها الشجي :
بساط الريح يا بو الجناحينْ مراكش فين؟ أتونس فيــــنْ ؟
- 1 – اللوحة
أما القادم إلى مصحة التوفيق، فأول ما يتبادر إلى ذهنه إنه في فندق خمس نجوم.
في الخارج، مساحات خضراء ملونة بأزهار بهية، وفي المدخل قاعة انتظار فارهة مزينة بلوحات زيتية من الحجم الكبير.
وفي الداخل، ثلاثة مصاعد تنقل العمال والزائرين بين طوابق المصحة السبع.
أبواب ومصابيح تعمل بالخلايا الضوئية.
- 2 – العين
العمل هنا متواصل ليل نهار. جموع من الأطباء، والمهندسين، والممرضين، وعمال النظافة، يتعاقبون ليل نهار على إنجاز مختلف المهام.
مختصون في الحاسب الآلي يرابطون في الطابق العلوي يديرون الشبكة، تلك العين الخفية التي ترقب المكان عن كثب.
في الطابق السفلي مسجد للصلاة، جناح للرجال وآخر للنساء. وفي كل غرفة من غرف المصحة صورة مصغرة للكعبة الشريفة على الجدار، تبين اتجاه الصلاة.
الناس هكدا، غادون ورائحون.
هذا جاء لإجراء عملية جراحية مبرمجة منذ أيام، وهذه مكلفة من قبل المخدر بتحضير المريض، وتلك تحمل الطعام، وهؤلاء زوار جاءوا يعودون صديقا لهم في العمل.
لا يفرق المرء في مصحة التوفيق بين هؤلاء وأولائك. لا يفرق المرء بين لابسات البذلات البيضاء والزرقاء، جميعهن سائرات في درب واحد، يرتدين زيا واحدا، يتحدثن بلغة واحدة : طريق العمل، زي الأناقة، لغة الجزالة واللباقة.
هذه عائشة الشيحي، مختصة في التنفس الطبيعي، تُطَمئن الأقارب – بمنتهى اللباقة – وتعتني بالمريض إثر الجراحة، وتلك أخرى : نائلة هنتاتي.
- 3 – الحرب
الرجال في مصحة التوفيق، كالرجال في ميدان الحرب. عندما يدخل الأستاذ أو الجراح و المختص في أي قسم أو جناح، يتحول الجميع إلى جنود ينتظرون أوامر الطبيب. لا أحد في مصحة التوفيق يراجع الطبيب في أي من أوامره، إلا إذا كان زائرا أو مريضا. أوامر الطبيب أوامر عسكرية يتم تنفيذها فورا بدون نقاش.
لا يناقش الجراح في أوامره إلا شخص واحد : المخدر.
-
وحده الجابري، بأسلوبه الهادئء والرصين، يملك القرار الأخير أمام الجراحين الكبار :
- منذر اللوز، رضى اللوز، شيخ روحو، منجي الميلادي، علي الدبابي …
حقيقة الأمر إنهم هنا في حرب، وهؤلاء أمراؤها، ولا وقت لديهم للنقاش. حرب ضروس، حرب ضد المرض، ضد عدو خفي غريب الأطوار، لا يرى بالعين المجردة، فمرة يأتي على شكل ذبابة، أو بيضة بعوض، ومرة يأتي على شكل ذرة أو قرنفلة.
واللغة لغة الحرب “التدخل السريع”، “نقل الدم”، “غرفة العمليات”.
في الخلف موقف للسيارات مخصص للأساتذة الكبار، مربط خيول أمراء الحرب.
حرب جنودها أغلبهم نساء.
- 4 – شيماء
ترى المجندات اللابسات البذلات البيضاء، والخضراء، والزرقاء، والبنفسية، من ممرضات وعاملات نظافة، يقفن على خط المواجهة، خط النار، يحملن البنادق والرشاشات.
هذه شيماء، بلطفها المعتاد، تحقن الدواء لهذا وذاك، وتانك فاتن ومنيرة ترشان الماء والطهر في كل مكان.
ما إن تنتهي صفى أو مروى من إنجاز مهمة مستعجلة، حتى يأتيها بلاغ بأخرى مستعجلة، مستعجلة، مستعجلة … فأين أنت يا صافي ؟ وأين أنت يا مروى ؟
ومثلهما اعتزاز، وسناء، وأميرة، وألفة، وغالية، وسلمى؛ أولاك هن الحاملات على أعتاقهن عبء المعركة. يعرفهن جهاز ضغط الجرس بجوار سرير المريض، ويعرفنه.
هن الساهرات المنصتات إلى الأنين.
أولاك هن اللابسات مدامع الناس في مصحة التوفيق، وقصائد الشاعر الدمشقي في تونس الخضراء. أهن مها المرسى ؟ أو مها حلق الواد ؟ أهن اللائي قيل فيهن قبل عقود :
اللاّبسات قصائدي ومدامعي عاتبتهن فما أفادَ عِتـــــابُ
أيام تدشين مصحة التوفيق من قبل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في التاريخ 18 دجنبر 1979.
حين غنى فريد الأطرش وشقيقته أسمهان : تونس آية خضراء يا حارق الأكباد …
تونس، السبت 19 مايو 2012
سيد أحمد ولد مولود
مرافق في مصحة التوفيق مع والده الدي جاء للعلاج على نفقة الدولة الموريتانية CNAM.
الغرفة 444 – 439
صور التقرير مرخصة بالكامل لكافة الصحف والوكالات