من أين لك هذا ؟
خلال العصر الغابر حينما فتح الرئيس السادات الباب على مصراعيه لما يسمى بالانفتاح الاقتصادى، وبدأ الفساد يتفشى فى أركان الدولة حيث لم يواكب الانفتاح تعديل فى الأوضاع المالية والإدارية لموظفى الدولة، وترك النظام الموظفين يأخذون حقوقهم من المواطنين فتفشت الرشاوى وترسخت فى عهد مبارك وأصبح الفساد مقننا بشكل كبير، كان السادات قد أصدر قانون «من أين لك هذا؟»، وهذا القانون كان يطبق على من يريد الحاكم فقط، أما المرضى عنهم فقد كانت أموال الدولة وأراضيها وكل خيراتها هبات لهم يفعلون فيها ما يشاؤون.
أما الآن فإن من أول القرارات والالتزامات التى يجب أن يفعلها الرئيس المصرى الجديد محمد مرسى هو قانون «من أين لك هذا؟» وأن يكون قدوة ويبدأ بنفسه، يخرج اليوم على الناس ويقول لهم ماذا يملك هو وزوجته وأولاده، ويقدم كشفا عن أملاكه وأملاك عائلته حينما يخرج من السلطة، أو حينما يطلب من الشعب أن يجدد له لولاية ثانية، وكذلك يجب أن يفعل كل مسئول يتولى الوظيفة العامة من الوزراء وكبار المسئولين فى كل قطاعات الدولة. كذلك يجب أن يخرج محمد مرسى على الشعب ويقول لهم ما هى مخصصات رئيس الجمهورية وراتبه وامتيازاته، تماما كما يعرف الفرنسيون والبريطانيون وغيرهم مخصصات من يحكمهم، نحن نريد أن نعرف ماذا كان يتقاضى مبارك وما الذى سوف يتقاضاه مرسى، فقد فوجئنا بأن رئيس مجلس الشعب فى عهد مبارك فتحى سرور المقيم الآن فى سجن طرة كان يتقاضى شهريا 750 ألف جنيه مصرى، وظن الناس أن الكتاتنى يتقاضى نفس الراتب غير أن الكتاتنى رفض وكان يتقاضى راتبا موازيا لكل أعضاء مجلس الشعب، وكان بين اثنى عشر إلى ثلاثة عشر ألف جنيه مصرى فقط فى الشهر، الشعب يريد أن يعرف راتب كل وزير ومخصصاته، وأن يقدم لنا كشف حساب يوم توليه المنصب وكشف حساب حقيقيا يوم خروجه منه. هذا التقليد موجود فى الإسلام أولا ويطبق الآن فى كل الدول التى تحترم شعوبها وتحترم النظام الديمقراطى، وأولى بمحمد مرسى أن يضرب مثلا فى كل ما يقول ويفعل حتى يسن سنة جديدة للمصريين ويشعرون أنه بحق رئيس مختلف كما حرص أن يفعل من أول يوم.
الأمر الهام الآخر هو أن الوظيفة العامة يجب أن تكون مسئولية وليست هبة كما كانت فى عهد المخلوع، ومن ثم فإن كل من يتولى الوظيفة العامة عليه أن يقدم رؤية عما يمكن أن يقوم به ويحققه من خدمات للشعب والدولة خلال فترة توليه الوظيفة، وأن يناقش من قبل اللجنة المعنية فى مجلس الشعب لإجازته ومحاسبته من بعد، وأن يحاسب إن قصر فى عمله ويعزل إن أخفق، ويطبق هذا على الوزراء وكبار موظفى الدولة والسفراء وكل من هو بدرجة مدير عام، لا يكفى أبدا التدرج الوظيفى للحصول على المنصب، فهناك كثير ممن يتولون الوظيفة العامة ليسوا أهلا للمناصب وتدهورت المؤسسات فى عهودهم تدهورا شديدا، وهناك سفراء ووزراء لا يصلحون حتى للقيام بأقل الوظائف فى مؤسساتهم، وضعهم النظام الفاسد البائد السابق على رؤوس البشر، فساهموا فى عملية الإفساد والفساد التى استشرت فى أركان الدولة.
إن إصلاح المنظومة الإدارية للدولة بدءا من مؤسسة الرئاسة وانتهاء بأصغر جمعية زراعية فى أبعد نجع من نجوع مصر، هو الطريق الأساسى لتحول الوظيفة العامة إلى مسئولية وأمانة، وأن تعم المحاسبة والثواب والعقاب، وأن يحصل كل مصرى على حقه دون ما يسمى بـ«الواسطة» أو التجاوز على حقوق الآخرين.
إننا ننتظر من الرئيس محمد مرسى أن يبدأ بمؤسسة الرئاسة، وحسنا فعل حينما لم يجعل الحرس الجمهورى وهو على المنصة يعزله عن الناس، فقد كانت لفتاته الإنسانية البسيطة كافية لينقلب كثير ممكن كانوا يعادونه وينتقدونه إلى معجبين بأدائه، لكنها البداية والطريق طويل، وأول ما ينبغى أن يعرفه الجميع هو أنه سيسأل دائما «من أين لك هذا؟».