مللنا القذح في أهلنا

مع أن الحكامة في موريتانيا لم تكن يوما حكرا على مجموعة أو جهة بعينها فقد سلَّم سياسيُّوها أمرَهم للواقع على عِلاَّتِهِ ومرارته من أول وهلة , لتمضي كل مرحلة وفق أهواء حكامها وبِطانتهم , دون أن تسجل نخبنا التي عايشت جميع المراحل أي تحفظٍ يذكر على الانتهاكات والتجاوزات التي كانت تقع , رغم وفرتها والإصرار على المجاهرة بها , بل كان من بين تلك النخب من كانوا شركاءَ في صنع القرار لحد الارتباط بأحلك الفترات التي شهدتها البلاد وأكثرها بشاعة ودموية !!!

بقيت كل مرحلة من عمر الدولة الموريتانية المعاصرة محسوبةً على جهة أو مجموعة معينة أو هما معا , ولم يسلم من هذا التصنيـف حتى أبو الأمة الموريتانية المرحوم المختار ولد دادَّاه , وإن كانت عقارب الساعة توقفت مع زوال نظامه , لتأتيَّ من بعده أنظمةٌ مستبدة تعشق الإهانة والتنكيل وتؤمن بالتطبيل والتزمير والتصفيق , توقفت معها دورة حياة الدولة وأصبحت في حكم الموت السريري تتلقى صدمات كهربائية على وجه الإنقاذ .. كلُّ انقلابٍ بمثابة صعقةٍ جديدة علَّهُ يعيد الأمل إلى جسم بدأت الروح تفارقه وهو ينازع من أجل البقاء.

في خضم تلك الغيبوبة طغت على المشهد وجوهٌ ألِفَها الشارع , ودخلت من بابه الواسع لتجد طريقها إلى عالم القيادة في بلد أصيب كل مواطنيه بالعمى , فهان على العُور التسلق إلى قُمرة قيادته , منهم من كاد أن يصل إلى المِقود في إحدى المحاولات لكنه سرعان ما وقع وداسته الأقدام , ومنهم من ظل يعوي كما هي عادته ويدعي الوصول – مغالطةً منه – إلى مكان ليس ببالغه طال الزمان أو قصر لبعده من تطلعات المواطن وكثرة اعتماده على الآخر (الأجنبي) في إعادة تطبيق تجارب لا تتماشى وطبيعة الموريتانيين , ولا يقبلون بها كطريقة بديلة في إدارة شؤونهم.

ظلت الحال على ما هي عليه في دور مسرحي هزيل , أبطاله من كرتون , وجمهوره مكرهٌ لا معجب , لتتوالى العروض على غير عادتها في الهواء الطلق ومن غير خشبة , دون أن يعترض عليها أحد ولو من باب الإنكار بالقلب (أضعف الإيمان) , أحرى أن يجرؤ على التعرض لوسط اجتماعي أو جهوي بعينه ولو كنايةً , بل كان الجميع يهلل بحمد الرئيس وحاشيته ومحيطه ويسبح , وبقيت الدولة رهينة حفنة من المتنفعين , كلما جاءت فئة لعنت من كانت قبلها , وبدأت هياكلها في التلاشي , ومع ذلك حرص الجميع على عقوقها وبالاتفاق , فلا “مولودٌ” المحسوب على النظام واساها ولا “مصطفى” المعارض اكترث لحالها وهي تحتضر , وكأن الكل بات يستعجل تلك اللحظة تعطشا للحسم.

ونظرا لتقدم الحالة مرضيا فلم تُجْدِ معها عملية (أغشت 2005) ولا نقاهة (إبريل 2007) رغم أنهما أنعشتا الآمال لدى الجراح , ليتخذ فيما بعد قراره المصيري بإجراء عملية (القلب المفتوح أغشت 2008) التي استعادت من خلالها الدولة عافيتها , ودبَّت الحياة في مفاصلها من جديد , كأن لم تصب بالأمس , وهذا ما غاظ الكثيرين ممن طبع عليهم الحقد والحسد , فلم يسلم من رميهم قريب ولا قريبة , ولم يبق شيخ ولا تاجر ولا إطار ولا موظف ولا شاب كادح حتى النشء إلا ونال نصيبه من السباب والشتائم والنيل من وطنيته لحد التشكيك فيها , وكأن الانتماء إلى هذا الوطن لا بد له من وصفة يعتمدها هؤلاء.

فإلى متى ستظل سيرة قبيلة بأسرها ملهاة لأفواه مسعورة يتخفى أصحابها وراء أسماء مستعارة وأقلام مأجورة , لا لشيء اقترفه أبناؤها سوى أن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز واحدٌ منهم؟ إذا كان ذلك هو الجرم والغاية التي يبرر بها اؤلئك الهجَّاؤون وسيلتهم , فليعلموا أننا مللنا القذح في أهلنا , ولن نسكت بعد اليوم , ومن بيته من زجاج عليه أن لا يرمي الآخرين بالحجارة.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى