حتي لا تسقط آخر طائرات جيشنا الوطني … ركضا وراء الذهب والنحاس!!!!
في كل مرة حينما يلم بهذ البلد الحبيب خطب خطيب ، أو تغشاه مأساة قاصمة ، لا يجد أولي الأمر فيه والفابضون بتلابيب الشأن العام غير الصمت والصمت المريب المرير .
خلال الأسبوع المنصرم عاش البلد احدي تلك المآسي الأليمة التي يدخل حزنها وأساها كل بيت وكل قلب دونما انتظار أو استئذان ، وذلك حينما تحطمت طائرة عسكرية تقل علي متنها سبعة من أزهار شباب هذ الوطن المسكين المغلوب علي أمره .
تقول الروايات المتواترة لبعض ساكنة حي دار النعيم القريب من المطار ، إن الطائرة ترنحت كثيرا وغالبت قدرها لدقائق قبل تحطمها ، كما لو أن قائدها النقيب الشهيد الحسن ولد شيخان اصر قدر المستطاع أن يجنب تلك الساكنة أذي سقوط الطائرة بين ظهرانيهم ، لكن ما لم يفلح فيه النقيب الشهيد هو ان يحول دون تطاير شظي تلك الطائرة بعيدا خارج ارض المطار الذي وقعت فيه ….. أجل، لقد تطاير الشظي بعيدا … بعيدا ليعم كل قارات الدنيا ، فيدخل الحزن بيوتا كثرا حول العالم في أوربا وأمريكا وافريقيا واماكن أخري ….
وحقا لا يملك المرء وهو يقرأ أخبارا كتلك التي ملأت صفحات المواقع والجرائد خلال الاسبوع المنصرم ، ويري تلك الأنهر المتدفقة من الدمع علي خدود المكلومين والمفجوعين الا ان يعتصر قلبه كمدا وحزنا ويسيل قلمه مدادا يسائل اسئلة حائرة لا تسمن ولا تغني ، لكنها – ولربما – تتكاثف يوما وتتعاظم ليرتفع صداها عاليا فيختلط من وراء السحب وفوق الغمام بأسئلة مفجوع أوأنات مكلومة فيحدث ذلك كله أثرا أو ينشأ صدا أو يرمي بحجر في ماء بركة واقع البلد الآسن الهامد … ولكن عن ماذا عساها تكون الأسئلة في مثل هذ الوقت العصيب …؟
1- لم يعد خافيا أن الطائرة التي أقلت صباح الخميس الماضي من مطار نواكشوط وعلي متنها نقيب وملازم ورقيب وجمركي ومدنيون كانت في مهمة “خاصة ” لصالح شركة تازيازت سيئة الصية و”داكنة ” السمعة (موقع الوكالة الموريتانية للأنباء :12_07_2012م) كما ليس سرا أن الطائرة تابعة لسلاح الجو الموريتاني ، وأنها تغدو وتروح في كل اسبوع مرتين لذات الغرض ونفس المهمة، يتعاقب عليها خيرة ضباط الجوية الموريتانية ، ورغم أن احاديث الناس اليوم متواترة عن علاقة يعوزها الوضوح وتنقصها الشفافية بين الرئيس ولد عبد العزيز وشركة تازيازت فإن احدا – بحسب ظني – لم يبلغ به الخيال حد تصور أن الرجل سيوظف لتلك العلاقة طاقات الجيش وإمكانياته ، وتحت أي مسمي كان ذاك التوظيف ( تأجيرا … تعاونا … مساعدة ) إذ قل لي بربك كيف يتصور أن ضابطا في سلاح الجو رباه هذ البلد وانفق عليه من قوت ابنائه ليتعلم في جامعات العالم وكونه علي عقيدة الاخلاص والولاء للوطن وصبرعليه الليالي ذوات العدد حتي استوا واستقام عوده ليصبح بعد ذلك اجيرا برتبة سائق لدي شركة “تازيازت” ، أي زواج متعة رخيص محرم علي المذاهب السياسية العشر ذاك الذي يمكن أن يجمع بين شركة تجارية أجنبية جاءت من خلف البحار بحثا عن المال والمال فقط ، وبين جيش وطني جمهوري يفترض فيه التفرغ لحماية الثغور والذود عن الحمي ، خصوصا وهو الذي تتربص به الأعداء الدوائر ذات اليمين وذات الشمال.؟؟
2- رغم كثافة سحابة الحزن العميق التي اظلت ساكنة نواكشوط ساعات بعد وقوع الحادت وتوافد الآلف إن لم يكن عشرات الآلف منهم الي مسجد ابن عباس لحضورصلاة الجنازة والقاء تظرة الوداع – كما يقال – علي الشهداء فإن أيا من المسؤولين – حتي لا أقول أولي الأمر- لم يكلف نفسه عناء خطوات من منزله أو مكتبه ليحضر تلك الصلاة ولو رياءا وتظاهرا أمام العامة وأهالي الشهداء الذين تفطرت قلوبهم حزنا وأسا ،
لاحظ أن الوكالة الرسمية للأنباء لم تزد في الأمر كله علي خبرين يتيمين مقتضبين كان الأول منهما- والعهدة في الأمر علي – 04:30 عصرا ، رغم وقوع الحادث في تمام الساعة السابعة وخمسة واربعين دقيقة صباحا ( بيان وزارة الدفاع : 12_07_2012م) أما الإذاعة الوطنية واذاعة الشباب فقد واصلت طوال اليوم بث إذاعة الأغاني والبرامج غير المناسبة ( برنامج ضيف البادية في اذاعة الشباب مثلا )
… تري ما ضر الإذاعة الوطنية لو قطعت بثها وذاعت القران الكريم أو غطت الحادث وماضر ولد عبد العزيز أو ولد الغزوان ومن علي شاكلتهم لو حضرو تلك الصلاة وأبانو للناس ولو تكلفا أنا هنا … اليس ذلك أولي من حضور واستقبال المسيرات كل يوم علي أبواب القصر الرئاسي ، وأولي من الصلاة خلف القذافي … أوقل كلفة من المبيت في ( الابل ) علي طريق اكجوجت … أوليسو ضباطا وموظفين شهد القاصي والداني بنبلهم وتضحياتهم وإيمانهم بوطنهم … أم أن تلك هي مشكلتهم …. ؟؟.
3- لم تخلو حادثة الطائرةعلي فجاعتها من خلط كثير ومتعمد للأوراق ، ولم تكن تصريحات وتعليقات تناثرت هنا وهناك بالبريئة أو العفوية ، ورغم انسانية الحادث بامتياز فان اجهزة اعلام ناطقة باسم النظام ومسبحة بحمده حاولت تضليل الرأي العام وبث معلومات واضحة الهدف بادية المغازي … خذ مثلا ما كتبته صحيفة موريتانيد بتاريخ : 12_07_2012م من أن الطائرة من طراز جديد وأنها بحالة جيدة ، ويعلم ربي ورب موريتانيد بأن الطائرة ليست بالجديدة ولا القريبة من ذلك بل هي طائرة مهترئة تصلح لكل شيء الا شيئا واحدا هو ان تكون طائرة ، كما أن الصيانة التي زعم البعض انها اجريت لها ساعات قبل الاقلاع لا تزال بحاجة لكثير من شواهد الاثبات وعلامات الثبوت حتي تتأكد وتستقر في أذهان الناس …. فما المقصود يا تري بمثل هذه المعلومات والاخبار …؟؟؟
4- تقول الروايات الواردة من مطار نواكشوط وضواحيه إن الطائرة المتحطمة طائرة قديمة مهترأة بفعل كر الليالي وتعاقب العاديات وسوء الصيانة ، وبحسب تقرير أو تحقيق أعدته مؤسسة السراج الاعلامية فإن الطائرة حين حلقت لم تصاحبها أي سيارة اسعاف سواء كانت تابعة للجيش أو للحماية المدنية ، وأن مقاعدها متهالكة وغير مرقمة ولا تتوفر علي اي احزمة أمان أو اجهزة تكييف للضغط ، كما ان الطائرة خالية من ادوات النجاة من قبيل ادوات القفز و الباراشوت ، وتنقل السراج عن احد عمال تازيازت دائم السفر علي الطائرة أنها تعطلت الاسبوع المنصرم عندما كانت تهم بالاقلاع من تازيازت محملة بالذهب عائدة الي نواكشوط، ولولا ربك وبطارية هايلكس لما كتب لها ان تتحرك من مكانها ذاك ، ثم انها وفي وقت سابق من هذ الشهر لم تستطع الهبوط بسبب توقف نظام العمل باحد اجنحتها ، ويضيف عامل اخر لتازيازت ( كنا الاسبوع الماضي بنفس الطائرة ولم تستطع الهبوط بسبب عطب بها ( السراج 12_07_2012).
الي هنا والأمرجد مؤلم ، لكن الأمر سيكون اشد ايلاما لو علمت أن مصادر شبه متطابقة تفيد ان المسؤولون علي علم بكل تفاصيل وحيثيات وضع الطائرة المؤلم الحزين … فهل بعد هذ البيان من بيان ، وهل تري تحقيق الوزارة الموعود اذا تأكدت له كل هذ ه الحيثيات فاعل … أمرا ؟.
5- حفظت قبل حين من الزمان عن أحد اساتذتي في السياسة مقولة كثيرا ما كان يرددها وهي قوله : لقد استقال وزير الدفاع الأمريكي لأن ستتة عشر أمريكيا قتلوا بمنطقة الخفجي بالسعودية ، واستقال وزير نقل مبارك علي علاته لان قطارا انحرف عن مساره فسبب مقتل المئات من المصريين … واللائحة تطول ممن استقالوا تحملا لمسؤولياتهم السياسية واخلاقياتهم المهنية حين يعجزون عن تحقيق الهدف الذي من اجله انتخبو او عينوا …لست أدري لم تذكرت كلمات استاذي تلك وأنا اسطر هذه الحروف ، ولكنني تساءلت وقد عرف الناس الكثير من خبايا كارثة تحطم الطائرة ، ومن هول الاهمال الذي احاط بها ، هل يستقيل ولد عبد العزيز اعترافا بالمسئولية واحتراما لهولاء الفقراء المساكين الذين انتخبوه ، أم ان من سيستقيل هو وزير دفاعه كون الامر يتبع قطاعه ويأتمر اهله بأمره … أم الأمر لن يتجاوز استقالة الجنرال صاحب الجنرال كونه قائد الاركان … لا اتمني السيئ!!! ولا ارجم الغيب لكنني اشك في أن من يبخل بدقائق من وقته ليحضر صلاة جنازة يعبر من خلالها عن حزنه وتعاطفه اشك ان كان يمتلك من الشجاعة والحس الوطني ما يخوله ان يعلن للناس جهارا : الا قد فشلت في حفظ ارواح الناس الذين كنت مسؤولا عن حياتهم ، لذا اعلن استقالتي واترك الامر لغيري …. فهل تراني أهذي أم ان هول الامر خلط الأوراق في رأسي ….؟؟؟؟
6- بحسب المعلومات المتوفرة لدي فإن الفتية السبعة الذين سقطوا في الحادث المؤلم في المجمل ينحدرون من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ، وهم أعمدة وأركان بيوت سبعة علي الأقل ، وإذا ماكانت ثمة أياد “بيضاء ” سخية قد امتدت قبل حين من الزمان لجيوب ممتلئة في (غزوة بدر بن عبد العزيز الاولي ) لتنفق ملايين تقارب الخمسين وتؤجر علي جناج السرعة طائرة خاصة للمغرب وتصرف مصاريف طائلة لا يعلمها غير رب العالمين ، فان تلك الايادي اليوم مدعوة لتدخل بيوت الشهداء من بابها الواسع ، موقدة شموعا قد أوهنها الضني واطفأها الحزن والأسي … فهل تري تلك الأيادي فاعلة أم أن بي مسا من الهلوسة والخيال ….. ؟
7- أخيرا وقد أعلنت الوزارة – مشكورة – عن تحقيق في الموضوع فأنه لا بد وأن يبرز سؤال عن المسار الذي يراد لذاك التحقيق أن يسلكه ، وبحسب السياسي المخضرم النائب المصطفي ولد بدر الدين فان ذاك التحقيق ليس سوي ذر للرماد في العيون ( الأخبار : 17_07_2012م). ولكن وبعيدا عن تجاذبات المعارضة والنظام وأهل السياسة فهل لنا أن تساءل أين المؤسسة القضائية من كل هذ الهرج والمرج …. أين محاكمنا الابتدائية والاستئنافية والعليا ، بل وأين النيابة التي يفترض فيها انها القائم مقام الشارع والمدافعة عن حق المظلومين ؟ … ، ولنا كذلك أن تساءل مادام القضاء غائبا أو مغيبا والتحقيق سيقوده شاب عسكري برتبة متدنية ( موقع موريتانيد : 13_07_2012م) ، والأمور في العرف العسكري تقوم علي الامر والطاعة في تراتبية معروفة ومحفوظة ، لنا أن تساءل إن كان الفتي خير من يقوم بهذه المهمة ..؟ لا ريب أن معلومات الفتي الفنية قد تسعفه وتعينه في الامر وهو القادم للتو من ميدان العلم اللاحب الواسع، ولكن هل تري معارفه القانونية والقضائية هي الأخري ستسعفه؟ ، وإذا ما قدر له أن يسمو فوق أواصر الدم والقربي التي تربطه بمدير الطيران –( المتهم الاخلاقي الأول في الأمر حتي تثبت براءته ) ، فهل تراه يسمو فوق رتب أكابره ومسؤوليه الذين يفترض ان التحقيق سيطالهم ويشملهم ،
أم تري ولد بدر الدين هذه المرة – مرة أخري – علي حق ، أرجو أن لا يكون الأمر كذك وأخشي أن يكون كذلك .
bisselkou@hotmail.com