وزير الدولة التهذيب … الفتوة في تسيير القطاع

يروى في فلكلورنا الشعبي أن أحد الأدباء المبدعين كان له دين على أحد البخلاء المماطلين، فمطله كأشد ما يكون المطل، وأعيى الأديب أن يأخذ حقه في بلاد السيبة وغياب السلطة والنظام، فاستنجد بقريحته المتوهجة المتدفقة وأرخى عزالي قصائده تسح هجاء مميتا لمن به رمق كرامة أو عزة نفس، لكن الأديب فوجئ بمعين قريحته يكاد ينضب وأحس بأنه ربما لم يعد قادرا على أن يأتي بهجاء أروع ولا ألذع مما سارت به الركبان وتسامرت به النوادي، فلم يجد إبداعا أحسن من مدح البخيل المماطل فخاطبه قائلا: (( لقد قررت امتداحك لأن هجاءك نفد أما مدحك فلم يكشف له حجاب ولم يهتك له ستر)).

ولا شك في أن من له حظ طفيف من الذكاء والمقارنة والتحليل سيدرك أن هذه القصة شبيهة إلى حد كبير بحال الأساتذة مع وزير الدولة للتهذيب الوطني والتعليم العالي والبحث العلمي في تسييره لقطاع هو أبو القطاعات وقلبها النابض.

لقد كشفت البيانات والمقالات والمقابلات الصادرة عن الأساتذة وهيئاتهم الممثلة لهم مستوى الفشل الذريع لوزير الدولة للتهذيب في تطوير القطاع الذي يقود، أو المحافظة على مستوى الضعف الذي ألفاه عليه، من باب أن ما لم ينتقص كأنما زاد، كما أبانت تميزه في هدمه على كافة الجبهات، مما أفقد شخصه أدنى مستويات التقدير والاحترام من قبل جماهير القطاع تلامذة وطلابا وأساتذة وإداريين، باستثناء ثلة من النكرات المأجورة على ركيك الكتابات معنى ومبنى لتوهم أن ثمة من يرضى عن تسيير الوزير لهذا القطاع.

ولما لم يجد نفعا أسلوب التنبيه على الأخطاء الذي كان السلف الصالح يدعونه إهداء العيوب ويترحمون على فاعليه، فلا مناص من ترسم خطى الأديب المبدع وتجشم عناء التنقيب عن محامد تسيير وزير الدولة للقطاع، وسنقتصر من هذه المحامد على خاصية هي أبرز خصائص الوزير ألا وهي الفتوة المكتسبة بالضر المقدور عليه بدل النفع المعجوز عنه، ومعلوم أن الضر هو الباب الخلفي الاضطراري للفتوة كما أسس الشاعر لذلك بقوله:

إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يراد الفتى كيما يضر وينفع

1- وهكذا فإن وزير الدولة للتهذيب لما لم يقدر على النفع بزيادة الرواتب والعلاوات، ضر بقطعها وقطع صنوف الامتيازات، ولما كان الضر الهواية المفضلة لمعاليه فقد امتدت يده به إلى المعاونين والمستشارين، فقطع علاوات الكثيرين منهم في خطوة أبانت مستوى من الارتباك واختلاط الأوراق لا يصدقه إلا متابع تسيير الوزير للقطاع عن كثب.

2- ولما فات معالي الوزير أن ينفع بتحقيق نسبة نجاح محترمة وبزيادة أعداد وحجم المنح كان مضطرا إلى تقليص وتحجيم كل ذلك لكونه فتى يضر حيث لم ينفع، فعرفت نسبة النجاح في الباكلوريا أدنى مستوياتها، كما شهدت أعداد المنح تقليصا كبيرا.

3- ولما لم يتمكن وزير الدولة من نفع المنظومة التربوية بتنظيم منتديات للتعليم تتمتع بمستوى من الجدية والمصداقية ويمثل فيها الجميع ويسهر عليها الأكفاء من أهل الخبرة والاختصاص ، أضر العملية التربوية وأجهز على رمق الأمل في بعثها فحولها طبقا لقاعدته في انتهاج البديل الأبخس إلى مهزلة من أكثر مهازل الوزارة مدعاة للسخرية والامتعاض.

4- ولما لم ينفع الوزير بتطوير معايير الترقية والتحويل وإصدارها في مقرر يكسبها صفة قانونية إرساء للعدالة في القطاع، أو يطبقها على الأقل كتفاهمات عرفية مع النقابات كما وجد قبله، ألجأته فتوة الإضرار إلى إعدامها واستبدالها بالنفاق والمحاباة والخنوع والمحسوبية، وألقى الحبل على الغارب لبيادقه يعيثون فسادا بالتحويلات والترقيات عبر الهواتف والمشافهات.
5- ولما لم يتأت لمعاليه غرس مبدأ احترام القانون، وإشاعة جو التسامح بين مكونات القطاع مهما تباينت وجهات النظر واختلفت طبائع الوظائف فيكون في ذلك من النفع ما لا يخفى، أضر بالإفراط في استخدام القوة والشطط في التعسف في استخدام المنصب وطغت لديه روح الانتقام، وحمل الأحقاد على خيرة الموظفين وبناة الوطن رغم أن رتبته الوظيفة عالية، وجرى الغضب منه مجرى النفس مفندا بذلك كله قول الشاعر:

لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب

وكان آخر تجليات ذلك الحقد والغضب إصدار المذكرة رقم 174 والتي تحدى بها كافة النقابات المجمعة على رفض ما اشتملت عليه من تحويل أكثر من مائة أستاذ تحويلا تعسفيا في سابقة وطنية من حيث الحجم والأسباب.

أما بالنسبة للحجم فإنه يعسر على الوزارة وغيرها من الوزارات الوطنية أن تخرج من إرشيفها مذكرة عمل طالت حوالي 300 عامل وكانت نسبة التحويل لضرورة العمل فيها حوالي 40% من غير الخريجين ولا الإداريين، بل من عموم قدامى الموظفين الذين طار صيت معظمهم في أماكن عملهم وغيرها، وتلقوا التهانئ والتقويمات الإدارية المتميزة السنة تلو الأخرى، وتقتضي ضرورة العمل إبقاءهم في أماكن عملهم لا تحويلهم عنها وتركها شاغرة كما هو الحال في كل الولايات التي تضررت من التحويلات.

أما بالنسبة للأسباب فهي طبقا لرسائل الولاة التي قرأها مسؤولو الوزارة على ممثلي النقابات:

– التحريض على الاحتجاجات

– التحريض على الإضرابات

– ممارسة السياسة

وهي رسائل مسؤولي حكومة ترى أنها تبني دولة القانون، وبتوجيه وإشراف من وزير مكلف بالحوار مع السياسيين ويعمل تحت قيادته وزير هو أمين عام لأحد أكبر الأحزاب السياسية.
ولقد كان من المحولين من لا ينتمي إلى أي حزب سياسي لكنهم كانوا جميعا نشطاء في الإضراب ما عدا أستاذا واحدا هو الأستاذ الذي واجه الوزير في وادان وكال له الصاع صاعين ويجمعه مع المضربين عزة النفس والقدرة على التحدي، وإن لم يقتنع بخطوة معينة حددتها النقابة.

ووزير الدولة يروم من هذا الإجراء إيصال رسالة إلى مجموعتين من الأساتذة:

• مجموعة الأساتذة المضربين التي سلمت من العقوبة مفادها لقد خاطرتم وسلمتم ولكن حذار ثم حذار من النضال ومن رفع الرأس، عودوا إلى الحظيرة.

• مجموعة الأساتذة غير المضربين مفادها: إياكم أن تفكروا في ما قام به زملاؤكم حتى لا يكون مصيركم كمصيرهم أو أشد قسوة، لا تذكروا لا إلا في تشهدكم.

والمجموعتان تقولان لمعاليه: الجواب ما سترى لا ما تسمع، إنك بإجرائك هذا خالفت قاعدتك – طبقا للاستثناء المكرس للقاعدة لا الناسف لها- فنفعت من حيث بغيت الإضرار ونحن اليوم في خندق نضالي واحد وكثير ممن كنت تعول عليهم تذكروا الطعن بعد نسيان.

الأستاذ محمدن ولد الرباني

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى