حتى لا تكون رصاصة رحمة
في هذه اللحظات الحزينة التى يرى فيها الشعب مظهرا من مظاهر المعاناة الجسدية والنفسية لأي مصاب في حالة ضعف بشري يلين فيه أصحاب القلوب القوية وتنهار فيه القلوب الضعيفة وهي تضرع إلى الله ليمن على الجريح بالشفاء العاجل، نجد المشاعر الإنسانية الصادقة في أسمى تجلياتها،
وإن تعلق الأمر بمن يشغل المركز القانوني الأعلى في الدولة تختفي كذلك مظاهر الصراع السياسي والتوتر الإجتماعي ويطلق العنان لمشاعر الأخوة الوطنية بين النخب السياسية وجموع المواطنين تعبيرا عن التعاطف والتضامن مع رمز السيادة الوطنية بوصفيه الاعتباري والإنساني،ويستهجن التشفي البعيد عن روح الأخوة الدينية والوطنية والإنسانية في هذه المواقف،وهذا ما شاهدناه من تداعى سائر الجسد الوطنى إلى المستشفي العسكرى للإطمئنان على صحة رئيس الجمهورية – شفاه الله- فبالنظر إلى الجانب الإعتباري لشخصية الرئيس وما يمثله غيابه – ولو مؤقتا- من فراغ حسي ومعنوي في السلطة يبدوا كم هو ضروري لاستقرار الوطن أن لايبقى المنصب الأسمى شاغرا لما يسببه من مخاوف قد تفتح الباب أمام احتمالات الاضطراب السياسي والأمني الذي ينعكس على الحالة الاقتصادية والاجتماعية في بلد لدية من المعاناة ما يكفي، وهو بحاجة إلى الشعور الوطني العام لحمايته من الانزلاق غير الحضاري نحو الصراع على السلطة من جديد عبر وسائل عسكرية انتهازية،وهو أمر وارد في مثل هذه الحالات وإن كان يصطدم بالجانب الأخلاقي المرتبط بحالة الغياب الاضطراري لرئيس الجمهورية مما يجعل الأمر مستبعدا – وإن كان العسكر لاتؤمن بوائقهم والصديق والعدو منهم في ذلك سواء – إلا أننا نفترض بعض الحكمة منهم فليس التهور هو السمة اللازمة لهم .
لكن من يدرى؟
قد يفتح هذا الوضع الباب أمام الكتائب البرلمانية -إن رغب العسكر – في تطبيق العجز القانوني للسيد رئيس الجمهورية – لا قدر الله- ويسوغون وجود فراغ دستوري يتطلب مرحلة انتقالية بموجبها يتولى “أمباري “ولاية ثانية تحت سمع وبصر العسكر،وعلى مقاسهم ،هذا بعد أن فشلت فرضية رصاصة الرحمة داخل المستشفى العسكري حين توجه المغدور بنيران صديقة إلى دولة صديقة لتلقي العلاج حتى لا يفتح وضعه الصحي شهية العسكر المعهودة للسلطة،ولاشك أن فرنسا الصديقة (وهي التى تمنع قوانينها القتل الرحيم ) ستسعى إلى إنقاذ حياة الضيف لأسباب مهنية وسياسية حيث سيكون الإملاء عليه عن قرب حين يتماثل للشفاء- بإذن الله – ويكون هو أكثر إصغاء.، لكن هل يمكن أن تنقلب محنة الشعب في رئيسه إلى منحة لصالح كليهما؟
هذا ما نتمناه حين يسترد رئيس الجمهورية عافيته ويعود إلى وطنه سالما ويرى الشعب في استقباله ويفتح قصره لاستقبال التهاني ويجد من بين المهنئين أغلبيته ومعارضته الناصح منها والناطح جنبا إلى جنب في التحام بين المشاعر الوطنية والإنسانية،وقد يقول الرئيس – حينها- فى نفسه : لقد ظلمتكم وتجاهلتكم وفرطت في العلاقة بكم وهذا أوان رد الجميل (والإنسان قريب من الله حينما يكون حديث عهد بالمصائب ) وعند ها قد يفتح رئيس الجمهورية قلبه ويسغى لمطالب شعب سكت عنه في السراء واحتضنه في الضراء ويقتنع بأن السلامة تكمن في منح الشعب حرية الاختيار والحق في العيش الهنئي والتنمية ،وقد يفضل السيد الرئيس بعد ذلك الإسترخاء في حضن عائلته الصغيرة وينسحب إلى مزرعته عبر طريق معبد بعيدا عن نيران الصديق والعدو ، ويكون قد انتقم بشكل ناعم من تلك النيران الصديقة بفتح مناخ سياسي تشاركي مدني وحضاري جديد بعيدا عن خشونة العسكر وسلطة الفرد ويفتح الباب أمام التحول الديمقراطي المنشود الذي لم يستوعبه أصحاب المرجعية العسكرية الذين ظهر ارتباطهم العضوى بمصدر النيرا ن ومن أصدرت إليه حتى عندما كان الجميع يرغب في الإطمئنان على صحة الرئيس – وهو في المستشفى – وحرم الجميع من ثواب عيادة المريض إلا الجنرالات .
وقد يكون خروج الرئيس بعيدا عن مصدر النيران إلى حيث يعالج من إصابته فرصة للتأمل تؤدي إلى الاقتناع بأنه كان في المكان الخطأ عندما اعتقد أن العسكري الناجح قد يصبح سياسيا ناجحا بمجرد خلع بزته العسكرية، فهل ستشكل لحظات التأمل تلك المفترضة بداية الانفصام بينه وبين رفاق السلاح وتمهد الطريق لانسحاب العسكر إلى الثكنات و حماية الحدود تنفيذا لمهامهم الدستورية ؟
إن ملك الرئيس القوة مستقبلا – بعد تماثله للشفاء- لإبعاد العسكر عن المكان الخطأ في الزمان الخطأ فإن طليعة التغيير في الشعب الموريتاني ستكون ممتنة له وستنسى المزارع والدور والقصور وقد لاتسئله “من أين لك هذا” فلكل شعب من أمره ما تعودا وعادة الشعب الموريتاني الكرم والتسامح وبعض الزهد عما في أيدي الحكام المنزاحين!