خاص …. في أول لقاء مع الرئيس ولد عبد العزيز من داخل مشفاه بباريس .

الأمس ( الخميس الموافق 18 اكتوبر – 2012م) وفي الصباح الباكر ، وبينما أنا أُلملم أوراقي بردهة فندق (GRAND HAYATT SAN ANTONIO) استعدادا للقاء الدكتور (PAUL RENE BOUCHER) من جامعة (KENT) الفرنسية .إذ رنّ هاتفي المحمول فلم أنتبه له بادئ الأمر أو تستطيع أن تقول إني لم أشأ أن أرد عليه ، لكن الخط انقطع وعاود الهاتف الرنين مرة أخرى ، فأخرجت الهاتف من جيبي لأجد أن المتصل رقم فرنسي ولم يكن المتحدث منه سوى صاحبي سيدي محمد الذي كنت قد اتصلت عليه قبل دقائق لكنه لم يرد ، ورغم أنني اتصلت بصاحبي على رقمه الموريتاني ( ماتال ) فإني لم استغرب حين جاءني صوته قريبا ومن رقم فرنسي ، لعلمي بعلاقة الرجل وصلته الوثيقة برئيس الدولة الذي يتعالج هذه الأيام هنا في باريس …كان أول ما سألت عنه صاحبي هو صحة الرئيس ، فردّ علي بصوت واثق ومطمئن : صحة الرئيس جيدة ومعنوياته عالية وهو يستجيب للعلاج بشكل سريع … وأنا الآن في طريقي إلى المستشفى لرؤيته ، سكت صاحبي قليلا كأنما يفكر في أمر ، ثم أردف قائلا : وإن شئت أخذتك معي إليه .. لم أتردّد البتة فقلت في اندفاع وبقوة : أنا جاهز الآن ، وسيكون ذلك فضلا منك وكرما لن أنساهما لك …. ولأنني جديد علي باريس ودروبها وحوارييها فقط طلبت من صاحبي أن يكمل معروفه ويمرّ علي في الفندق الذي أمليته عنوانه بالكامل …

بعد دقائق غير كثيرة كنت أجلس بجانب صديقي في سيارته المرسيدس ذات اللوحة الفرنسية ، وكان صاحبي على ما يبدو بعكسي تماما خبير بطرق باريس وتشعباتها … كان الجو في الخارج باردا بعض الشيء رغم أن الشمس ترسل بعض الأشعة الدافئة فيما كانت السيارات تملأ جنبات الطرق ذات اليمين وذات الشمال ، وبعد وقت أحسست كأنما قد خرجنا من وسط باريس المدينة فسألت صاحبي إن كان المستشفى قد أصبح قريبا ، فقال نحن على بعد عشرة دقائق بالضبط من المكان …
أخيرا انعطف صاحبي ذات اليمين في طريق يؤدي الي المستشفى ، توقفنا في البدء أمام حاجز أمني ، طلبوا هوياتنا وتصاريح الدخول وأشياء اخرى لم استبنها جيدا ، فيما انبرى أحد أفراد أمن الحاجز يفتشون السيارة تفتيشا دقيقا … وأخيرا أخرج صاحبي من جيبه بطاقة وقدمها للرجل الذي بدا معتادا على مثل تلك البطاقات ، فتبسم ابتسامة عريضة وفسح لنا الطريق .

كان المستشفي يبدو كما لو كان ثكنة عسكرية بكل المقاييس والاعتبارات ، لم تكن ثمة مارة كثيرة ، وكانت المواقف تقع تحت المبنى في الدور (B3) ومع توقف سيارتنا كان ثمة ثلاث موريتانيين يركبون سيارة تحمل لوحة دبلماسية ركنت علي القرب من الموقف الذي توقفنا به .. على الفور عرفت أحدهم وكان الوجيه الاجتماعي سيدي ولد الداهي في ما عرفني صاحبي علي الاثنين الباقيين أما احدهما فكان رجل الاعمال أحمد باب ولد اعزيزي ولد المامي فيما كان الآخر سفير موريتانيا بباريس محمد محمود ولد ابراهيم اخليل ، وهو من كان يقود السيارة وقد خرجوا للتو ثلاثتهم من زيارة الرئيس ….

أخذنا المصعد نحو الاعلي وتبين لي من الزر الذي ضغطه صاحبي ان الرئيس يرقد في الطابق السابع من المبني ، كان ثمة استقبال خاص لكل دور علي ما يبدو ومرة أخري اخرجنا هوياتنا وتصاريح الدخول و ” البطاقة ” لكن الامور هذه المرة كانت أخف إذ الممرضات أو احداهن علي الأقل تألف وجه صاحبي وتفهم صلته وعلاقته بالرئيس ….

أخيرا وصلنا الجناح الخاص بالسيد الرئيس ، كان الجناح بسيطا انيقا ، يتألف من غرفتين منفصلتين يقع أمامهما “هول ” به كراسي انتظار وتلفزيون والي حانبه مطبخ صغير وحمام عام …

طلب الي صاحبي ان اجلس علي احدي الكراسي ب ال “هول” في ما دلف هو الي الغرفة الكائنة يسارا ، وبعد قليل فتح الباب ونادي علي لأجد نفسي وجها لوجه مع السيد الرئيس ، ولأول مرة في حياتي … كان الرجل يلبس زيا أزرق يتبع للمستشفي وينام علي سرير كبير أثير يضع يده اليسري علي جبينه في ما يمسك بيمناه جريدة فرنسية أخال انها ( لوموند ) ، لم اعرف ما اذا كان قد انتبه لدخولي الغرفة أم لا ، لكنه بدا غير مكترث بالامر … كان الارتياح باديا علي محياه ، بيد أن سحابة حزن أو قلق علي وجهه لم تكن بخافية علي أي ذي عينين …

نادي الريئس صاحبي باسمه المجرد واسر اليه بشيء في اذنه لم استبنه ، فجاء صاحبي يعتذر مني ويخبرني أنه سوف يغيب لنصف ساعة ويعود … والحق انني فرحت بذلك أيما فرح كوني راغب في ان ابقي مع الرجل لوحدنا …. بدا الرئيس لطيفا بسيطا وهو يسألني عن اسمي ، وحينما اجبته سألني عن قبيلتي … والحقيقة أنني اصبت بنوع ضيق داخلي إذ لم أشأ ان اجيب علي هذا السؤال أو تستطيع أن تقول إنني كرهت أن يسألني رئيس دولة عن سؤال بهذ الحجم من الجزئية والبساطة ، لكن الرجل لم يترك لي مجالا وهو يعيد السؤال بصوت أرفع مثبتا كلتا عينية بوجهي ، فقلت علي عجل أنا من ” الفلانيين ” ، فتهللت أسارير وجهه قليلا وقال : ” وخيرت … ذوك احنا أهوما ألا ش واحد …. ” .حاولت أن استجمع قواي وأن أسأل السؤال الكبير الذي يختلج في صدري ، لكن الرئيس كان اسرع مني حين سألني ( هل انت معنا أم أنك من المعارضة ؟) ، هممت أول الأمر أن اصارحه واصدقه القول لكن ذلك بدا لي نوعا من الجفاء ليس له من داع في هذ الوقت ذي الخصوصية العالية ، فقلت مبتسما : البلد اليوم كله صف واحد خلفكم يا سيدي حتي يمن الله عليكم بالشفاء وتعودو سالمين غانمين ان شاء الله تعالي …. بدا عليه الارتياح أكثر منذي قبل فقال : هل أنت مقيم هنا في فرنسا ، وماذا تعمل هنا ؟ ، قلت أنا لست مقيما هنا ياسيدي الرئيس بل انني جئت منذو أربعة أيام فقط ، وأنا احاول التسجيل للدكتوراه في جامعة فرنسية هنا بباريس ، فقال وفي أي مجال سوف تتخصص ؟ ، قلت في العلوم السياسية ، فتبسم ضاحكا من قولي وقال : العلوم السياسية ! كلكم هكذا … وهل البلد بحاجة لمزيد دكاترة في العلوم السياسية ، لم لا تدرس الرياضيات أو الهندسة أو أي علم يفيد البلد وأهل البلد … بدا فجأة انني أغضبت الرئيس من حيث لم اقصد ، فقلت مبتسما محاولا تخفيف جو التوتر الذي ساد الغرفة فجأة : علي كل حال … أنا ثانويتي العامة علمية وأنا لم اسجل بعد ، فاذا ما كنتم تقترحون تخصصا معينا فسيكون ذلك خير دليل لي …

لم يعلق الرجل علي كلماتي بل وبدا كأنه لم يسمعها ، وساد الصمت لنصف دقيقة قبل أن احزم امري وأقول : السيد الرئيس … كيف صحتكم الآن ؟ ، أرجو أنكم تحسون بتحسن مستمر هنا … بدا عليه اهتمام ملحوظ وهو يحلق في وجي ويقول : الحمد لله أنا بخير ، وصحتي في تحسن مستمر ، والحقيقة أنني مررت بوقت عصيب ليس حين اطلقت علي النار من مكان قريب – ( مد الرجل الراء بالياء كثيرا )- ولكن أيضا حين خضعت لعملية جراحية حرجة … لقد أختلف اثنان من الدكاترة حول شكل العملية النهائي ، ورغم انه كان من المقرر ان تستمر العملية ساعتان ونصف الساعة بالكثير فقد امتدت لأزيد من اربع ساعات ، تصور أن مفعول التخدير أوشك علي الانتهاء وهما لما يحسما امرهما بعد ، وأخيرا وتحت الحاح خطير انتهاء مفعول التخدير رضخ الدكتور “كان ” لصالح رأي الدكتور ” مكيه ” ورغم أن الاطباء هنا لم يحسموا امرهم بعد فان غالبهم يري ان الصواب كان مع الدكتور “كان ” ، وخلال اليومين القادمين سأخضع لعملية جراحية جديدة باذن الله …ونرجو من الله الشفاء العاجل

شجعني نوع الشرح والتفاصيل التي قدمها الرجل في الاستمرار ، فقلت عفوا سيدي الرئيس … إن لي سؤالا خاصا ارجو أن لا يزعجكم … فقال مبتسما : سل ما بدا لك ولا تخف ، قلت هل حقا أن ضابطا من كتيبة عسكرية ب اطويله هو من اطلق عليكم الرصاص .. ؟ تمتم الرجل بصوت خافت وهو يقول : اطويله .. اطويله ..!! قبل أن يقول : سأخبرك الحقيقة يابني ، لكن علي ان تبقي سرا يموت معك .. فقلت مقاطعا الرئيس لأول مرة : يا سيدي وعد علي ذلك … سركم في بئر عميق ، وقبل أن انهي كلماتي كان هاتف (SAMSUNG GALAXY3) الذي بجانب مخدة الرئيس يملأ رنينه جنبات الغرفة ، فلوح بيده نحوي بإشارة فهمت منها أن علي أن اسكت ، رد الرجل علي الهاتف وانخرط في حديث طويل بالفرنسية – الا قليلا – ولأن لغتي الفرنسية أضعف من الضعيف ، ولأن الرجل كان في مرات عدة يتعمد أن لا اسمع ما يقول فقد غاب عني مجمل الحديث , وإن كنت سمعته يردد اكثر من مرة اسم ” الغزوان” ، والغريب أن الرجل كان في كل مرة ينطق اسم صاحبه بالتصغير ومع نبرة ضيق وتبرم ، كان مما سمعته ووعيته أنه يسأل الطرف الآخر كم استمر لقاء الغزواني مع السفير ، ولم اتبين عن اي سفير يتحدث … كما سمعته يسأل إن كانت هواتف ( فلان وفلان .. وفلان ) لا تزال مراقبة مراقبة جيدة أم لا ..، ومرة سمعته يسأل عن فيرسماه بعض السيارات ..قبل أن اسمعه يأمر الطرف الاخر بتشديد الرقابة علي المواقع الاربعة رغم أنني لم اتبين أي مواقع يقصد … محذرا المتحدث من اعطاء رقمه لأي كان …. وزيرا أو سفيرا أو وجيها ، ولعل الطرف الآخر سأله عن الدكتور ملاي ، لأنني سمعته يقول : ولا حتي د.ملاي ( لعله يقصد الوزير الأول ).
كان بالرئيس نوع ضيق وانفعال حين اغلق الخط ووضع الهاتف جانبا ، ولكنه مع ذلك التفت الي وواصل حديثه وهو يقول : سأخبرك الحقيقة كما قلت لك ولكن .. ولكن تذكر أنه سر لا يعرفه حتي بعض افراد خاصة اسرتي …

عدل الرجل وسادته تحت رأسه وبدا متحفزا للحديث ، لكن صوت انفجار أو اطلاق نار كان يسمع خارج المبني أوقف حديثه ليسأل بفرنسية غير مفتعلة : ” ماهذا ؟ ” بعد ذلك سمعنا جلبة قوية خارج الغرفة ، وماهو الا ان انفتح الباب بقوة ليرتطم بالجدار محدثا صوتا قويا من فرط شدته تحركت فزعا في سريري ، بل وأفقت من نومي لأجدني حيث نمت قبل ساعات …. بعيدا الاف الاميال عن باريس وبعيدا أبعد من ذلك عن الرئيس وحاشيته … فتذكرت أنني البارحة قبل منامي كنت قد اكثرت من قراءة الاخبار والتحاليل المتعلقة بالموضوع …. فدعوت للرجل بالشفاء ، وتمتمت في نفسي ثلاثا ” اللهم اني أعوذ بك من شر مارأيت في منامي … قبل أن أعدل انا الآخر الوسادة تحت رأسي واستمر في نومي …

تصبحون علي خير ….

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى