بيع السيادة ..بعد خمسين عاما من الاستقلال
ربما يحتاج الحديث عن الوضع السيادي للبلاد الموريتانية بعد خمسين عاما من استقلاها إلى التذكير ببعض مضامين مقال سبق تدوينه بعنوان : خمسون عاما من الفضائح ، حيث بينت أن التقديم السياقي يقتضي تقديم كشف موضوعي لهذا الوطن الذي شكل ملاذا، لشذاذ أفاق لفظتهم قسوة طبيعة جيرانهم خلال القرون الماضية ، وجمعهم القدر هنا. كما أشرت إلى ضرورة استحضار ثلاثة أمور تتعلق أولاهما بأهمية الإقرار بأن الوجود الفرنسي بهذه البلاد هو الذي سمح بإنشاء كيان دولة هنا. هذا إلى جانب التذكير بأن خطابات الفشل الرسمي كثيرا ما عمدت إلى التذرع للعالم الخارجي بحداثة عمر الدولة بهذا البلد. أما المسألة الثالثة فتتعلق بالتنبيه إلى الكيفية التي يحاول بها بعض (رؤساء) موريتانيا تبرير تفريطهم أو عجزهم عن حل مشكلات الناس بحجج تراكم الأزمات الحديثة للبلد (البطالة ، والفساد والرشوة..تخلف التعليم…). الأمر الذي يعني ببساطة أن هذه البلاد(الدولة) قد انتقلت ، حسب هذا المنطق، من طفولة طويلة الأمد إلى شيخوخة مبكرة.
راهنيا، يبرز الوجه السياسي للبلد من خلال تواصل سلط الدولة/ القبيلة الماضية في طريق إعادة تشكيل ذاتها القبلية، واستمرار الحكام العازمين على إخضاع البلاد لنزواتهم، وظهور(لديمقراطيات) تبطن توالي الفراغات، ورؤساء(جمهورية) لا يتقنون إلا الزور و التزوير . فبدل أن يقسموا خيرات البلد على أهله، أو يعطوهم منها، راح المتلاعبون بالبلاد يمنون على الناس (بمنحهم) حق الحياة والتعبير عنها. لهذا ما زالت آليات استدلالي تجعلني أحس بأننا مازلنا نحمل رائحة القرن 19، أو أننا أشباحا تجفل منها العين حين تراها، وينفطر العقل من عقاله حين يصبو إلى تعقلها. يشهد على ذلك سوء حالة المسكن والمأكل والملبس..، وتعليق أحد أعضاء البرلمان الإسرائيلي الذي تعزا له مقولة: والله لا يشرف دولة إسرائيل أن تقيم علاقة مع دولة تفتخر أنها أدخلت الماء والكهرباء لمدنها.
الآن و قد أصبحنا واقعين – بعد خمسين عاما- تحت فعل أناس لا خير فيهم ، يحق لنا ، على الأقل، أن ننكر ما نشهده اليوم من علامات دامغة على جعل سيادة هذا البلد بمثابة سلعة تعرض للبيع لدى الفرنسيين . لهذا قد يتعجب البعض من حديث ولد عبد العزيز عن السيادة في وقت يجبر فيه على خوض حرب ضد المسلمين بأمر من الفرنسيين .
أما أنا فقد مكنتني خبراتي أن ندرك أن حقيقة مزاعم ولد عبد العزيز هو نقيضها . يعتقد البعض ، من جهته ، وفي مقدمته فقهاء وزارة الداخلية أن ما يجرى الآن من إجراءات استكمال بيع السيادة و الأرض الموريتانية للفرنسيين مقابل نفخ الروح في جسد السيد الرئيس و تأمين وجوده في السلطة يعد واجبا شرعيا . قد يتساءل البعض هنا بالقول :
هل يعقل أن يبيع شخص بلادا كي يصبح سيدها ؟ الجواب بكل بساطة هو النفي ، لكنه سيصبح واليا عليها . و تلك نتيجة عالية للسيد الرئيس مقابل حرصه على الوجود و حرصه على البقاء . الأهم من كل هذا هو اندفاع ولد عبد العزيز و نحو ضرب كل المقومات المتعلقة بإمكانية وجود إجماع وطني بالبلاد السائبة ، حيث يقوده الهوس إلى الانهماك في وضع الاجراءت التي تعمل على استئصال مواد الهوية . تلك المعارف التي تزرع في الإنسان روح المواطنة ..
ليس نظام ولد عبد العزيز وحده من يخون مسؤولياته اتجاه المجتمع و إنما تشاركه ، في ذلك ، إلى حد ما معارضته .
ذلك أن هذه المعارضة التي يفترض أنها تمثل نقيض النظام القائم وتعمل على تقويضه لا تسلك في مجابهتها لمن يسلب الثروات الطبيعية للمجتمع و يتحدى خيارته السياسية إلا وسيلة الضعفاء . لذلك نجد هذه المعارضة تتخبط و تتردى و تنتقل من المطالبة بالرحيل إلى المطالبة بالملف الطبي لسيدها . في وقت يفترض بها أن تطالب فيه ، على اقل ، بتطبيق حدود لله علي كل من ارتكب فاحشة عظمى ، هذا إذا لم تكن المعارضة ترى أنه يجب عليها أن تزكي روايات البعض عن نفسه بحيث أن مخيالها لا يستطيع التعامل معه إلا كرئيس فقط .
أعود إلى قول أن من المسيء لي أن أرى المجتمع الموريتاني و هو تداس سيادته ألان، و يستباح حقه في الاستفادة من عائدات ثرواته . لهذا يتوجب على كل نفس شريفة هنا أن تخضع نفسها لمرحلة شاقة من الإعداد العقائدي و النفسي، و أن لا تتخفى خلف خطابات القاعدين من الرجال ، في وقت نحتاج فيه إلى استعمال شيء من العنف.
أما أنا فسأبقى ضد هذا النظام إلى أن يزول احدنا. و مما يشرفني في هذا الموقف أنني ما رأيت نفسا كريمة و لا حرا إلا وهو ناقما عليه. بينما تتكون قاعدة أنصار هذا النظام من من تتركز مشاغله على همومه البطنية، إلى جانب آخرين يتحدثون على طريقة فحيح الثعبان.