بلادنا أمانة في أعناقنا
صدق القائل : بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام
لا شك أن أمن بلادنا واستقرارها يبقى من أولى الأولويات، أيا كانت الظروف ومهما كانت الأسباب وفي كل الأزمنة والأمكنة، فبلادنا أمانة في أعناقنا جميعا مهما كانت رؤانا أو مواقفنا، وأيا كانت مواقعنا في الموالاة أو في المعارضة أو في غيرهما من مختلف التشكيلات المجتمعية المدنية الأخرى.
فهذه السماء التي تظلنا والأرض التي تقلنا قد حبانا الله فيهما بالأمن والاستقرار، وتكرم على أمتنا بالتعايش السلمي بين مختلف القوميات المكونة للنسيج المجتمعي الوطني من مختلف الأطياف والألوان في البلاد، وهذه نعمة من نعم الله نشكره عليها، ومطالبون جميعا ببذل كل ما هو غال ونفيس من أجل المحافظة عليها، والذود عنها، وحمايتها من مكر الماكرين، وأطماع الطامعين، وعبث العابثين ممن يحسدوننا على هذه النعم ولا يريدوا لنا الاستمرار فيها.
إن بلانا ولله الحمد تنعم بخيرات كثيرة في مختلف المجالات،حيث تتوفر على موارد اقتصادية هامة، وفي طليعة ما تتوفر عليه من موارد وثروات نذكر على سبيل المثال لا الحصر الحديد والنحاس والذهب، وغيرهم كثير هذا بالإضافة إلى الثروة السمكية الهائلة، حيث تمتد العاصمة السياسية، والاقتصادية للبلاد ـ على التوالي انواكشوط وانواذيبو ـ على شاطئ المحيط الأطلسي على مسافة تزيد على 700 كلم، كما تمتد المناطق الجنوبية للبلاد والمحاذية للنهر السنغالي والممتدة من غابو بولاية كيد ماغ وحتى انجاكو بولاية اترارزه مرورا بأجزاء هامة من ولايتي كوركول ولبراكنه، على مسافة تزيد على 550 كلم، ويعود هذا النهر على البلاد بفوائد اقتصادية كبيرة وهامة.
ويعتبر الشاطئ الأطلسي الذي يمر بالبلاد من أغني الشواطئ في العالم بالأسماك، ويتوفر على مختلف العينات السمكية وبمختلف الأحجام ذات القيمة الغذائية العالية، وتوفر هذه الثروة السمكية عائدات مالية هامة لخزينة الدولة من العملات الصعبة، وكما تعمل على توفير العديد من فرص العمل لليد العاملة الوطنية المتخصصة، وتتيح فرص التكوين في هذا المجال لتلك غير المتخصصة من أجل إكسابها خبرات جديدة وتشغيلها.
ويلاحظ من حين لآخر تزايد فرص العمل في هذا الميدان، وهو ما من شأنه امتصاص البطالة في صفوف حملة الشهادات خصوصا، والعاطلين عن العمل عموما وخاصة في أوساط الطبقات الأقل حظا.
وقد عرف قطاع الصيد في هذه السنوات الأخيرة تحسنا ملحوظا من خلال إعطاء الأولوية لليد العاملة الوطنية المتخصصة، وفرضها على المستثمرين في هذا المجال، حيث استفاد ـ من هذه الإجراءات الحكومية الهامة، والمتخذة لصالح العمالة الوطنية ـ عدد كبير من أبناء الوطن المتخصصين في هذا المجال، كما تحسن العائد من هذه الثروة على البلد من العملات الصعبة جراء الإتفاقيات التي تصب في المصلحة العامة للبلد للإستفادة من خيراته.
ولا يقل المجال الزراعي هو الآخر أهمية عن المجالات الأخرى المكونة للثرة الوطنية وموارد البلاد، حيث تتوفر بلادنا على مساحات زراعية كبيرة وخصبة، وصالحة للزراعة على مدى فصول السنة، وبمختلف العينات والمحاصيل الزراعية، وقد عرفت الآونة الأخيرة من حكم البلاد وتسييرها التركيز وبشكل أساسي على الزراعة الحديثة وهي الزراعة المروية، وخاصة ما يتعلق منها بزراعة مادة الأرز السلعة الأكثر استخداما في البلاد حيث يتم استهلاكها على نطاق واسع، وقد عرفت تجربة القمح كذلك نجاحا منقطع النظير، حيث أن الكمية المنتجة من القمح في الهكتار الواحد تفوق مثيلاتها في بعض الدول الأخرى التي تعرف زراعة القمح منذ زمن بعيد، وذلك حسب تصريح الخبراء في هذا المجال، والذين تابعوا هذه التجربة عن قرب، وهو ما يبشر بإمكانية تعميم التجربة في العديد من مناطق البلاد الصالحة للزراعة من أجل تحقيق اكتفاء ذاتي على الأقل من هاتين السلعتين الأساسيتين من الأرز والقمح أساسا، هذا بالإضافة إلى مشروع سكر موريتانيا الواقع بمنطقة آفطوط الشرقي، وتحديدا ببلدية فم لكليته التابعة لمقاطعة امبود بولاية كوركول، والذي سيشكل هو الآخر من دون شك إضافة نوعية في المجال الصناعي لهذه المادة الأساسية في الحياة اليومية للمواطنين.
وقد استفاد من هذا القطاع الزراعي وخاصة زراعة الأرز وبشكل مباشر العديد من أبناء بلدنا، وخاصة من أصحاب حملة الشهادات، حيث تم توزيع العديد من الهكتارات الصالحة للزراعة على الكثير من هؤلاء، ودعمهم ماديا من أجل تمكينهم من القيام بأنشطتهم الزراعية في أحسن الظروف، وقد أكدوا من خلال الحملة الزراعية الماضية على أهمية هذه التجربة ونجاحها، وذلك من خلال العائدات والأرباح التي حققوها من زراعة هذه الهكتارات المستصلحة، وبذلك تواصلت هذه العملية التوزيعية للقطع الأرضية المستصلحة الموزعة من طرف السلطة القائمة في البلد من أجل دمج المزيد من حملة الشهادات في الحياة النشطة وتشجيع المنتوج الزراعي وتحسنه، وزيادة المردودية.
وفي هذا الصدد دائما لا يمكن إهمال القطاع الرعوي الذي يشكل بدوره ثروة هامة للبلاد من خلال ما يوفره من لحوم، وألبان ومشتقاتهما، وغير ذلك من العائدات الهامة بالنسبة للمواطن خصوصا وللوطن عموما.
ولا شك أن بلدا كبلدنا يتوفر ولله الحمد على هكذا موارد طبيعية غالبيتها موارد متجددة، فإنه لا ينقصه سوى أن يعمل الجميع يدا بيد من أجل الإستفادة الكبرى من هذه الموارد التي لا تتوفر عليها العديد من البلدان، والتي قد يحسدنا البعض عليها، وقد يسعى جاهدا من أجل خلق جو ملائم له حتى ولو كان ذلك على حساب أمننا واستقرارنا، فعلينا جميعا أن نكون يقظين وحذرين، وأن نعمل على تفويت الفرصة على أعداء وطننا وحساده، ولن يتسنى لنا ذلك إلا من خلال تحملنا لمسؤولياتنا كاملة أمام الله وأمام التاريخ من أجل الحفاظ على أمن بلدنا واستقراره، ولا نقبل التلاعب به، وأن نعمل بكل جد وإخلاص على تنميته وتقدمه، وبذلك نكون قد أسهمنا جميعا في تحقيق مستقبل زاهر ينعم فيه الجميع بالأمن، والأمان، والعيش الكريم.