الحلقة الثالثة من لقاء الشعب (ساخرة)

بمناسبة الحلقة الرابعة من المسلسل التركي “لقاء الشعب”، أقدم لكم إعادة للحلقة السابقة (لقاء مدينة أطار):

  • في السماء إلى اطار:

استيقظت باكرا على غير عادتي في ذلك اليوم الذي وددت أن لا يشهده المنافقون.. كنت مرهقا مثقلا بأعباء هذا البلد المتخلف ومشاكله، وكان علي السفر إلى أطار التي يزعم أهلها أنهم يحبونني.. مدينة المتناقضين الرطب والصخور..

ركبت الطائرة الرئاسية بوجه عجوز غاضبة من لا شيء، وصحت في ربانها عندما أول اهتزازة:
– هل تجر بنا عربة حمار؟ لم أترك المطبات السياسية تحتي لأجدها فوقي..

وحيدا في سماء الدنيا الأولى أتذكر ضعفنا نحن البشر، وغرورنا الخادع.. الفراغ يعتصرني بقبضته الخانقة.. ما أعجب هذه الحياة الدنيا.. يوحي زيفها لنا بأننا أعظم مخلوقاتها في حين أننا أضعفها..

أتأمل المدينة الوادعة المفترشة للصخور تحتي، إنها تهمس بلسان كثير من المنافقين وقليل من الصادقين: “مرحبا بالرئيس”..

أهتف في أحد المستشارين: أين هي إنجازاتي، أين هي أيها اللصوص، أريد رؤيتها من نافذة الطائرة..

  • يجيبني متلعثما:

– لم تكتمل أيها الريس، لا زلنا في بداية طريق الإصلاح..
اهتف غاضبا:

– ماذا سيقول سكان المدينة عندما أخبرهم بأنني حققت 70 بالمائة من برنامجي؟ أتريدهم أن يقولوا: كذبت..

لم يحر جوابا، فصحت فيه:

– ألم تفهموا بعد أنني أحب رؤية إنجازاتي من هذه السماء..

أتوهم أحيانا أن المعارضة الحمقاء قد تكون محقة في بعض هذيانها حول المحيطين بي، فأغلبهم منافقون..

اقتربت الطائرة من الأرضية التي تستقبلها بالأحضان، هالتني الجموع المحتشدة من أجلي.. ليتني كنت وليا ملهما لأميز بين الصادقين والكاذبين.. كم أكره الإطراء الفارغ الذي ينفخ الإنسان حتى التفجير.. كم أكره الناعقين الذين يهتفون بإسمي من أجل تحصيل منافعهم الأنانية.. إنهم أسوأ من الجهل والفقر والأمية التي أحارب في هذه الأصقاع..

الوجوه الكالحة تجاهد الضنك والشقاء لتبتسم في وجهي.. إنه القدر، أن أحكم هؤلاء التعساء الذين انقسموا في بين رافع فوق السحاب وواضع تحت الثرى.. لولا النفاق المتفشي في هذا البلد لقلت واثقا أن الأغلبية تحبني..

حتى الوقوف في صفوف بإنتظام يعجز هؤلاء المتخلفون عنه.. إنهم يستقبلونني بالهتاف باسمي كما يستقبلون لاعب كرة قدم غبي.. إنهم يتسابقون إلى تقبيل يدي ورأسي.. وأحيانا خدي.. يسرون لي بأحلامهم ومشاريعهم التي لن يريحهم منها إلا الموت.. حقا: لولا الطمع لما سأل أحد غير ربه..

نفس الوجوه التي كانت تضحك للمخلوع تقهقه لي.. نفس الوجوه المهاجرة تتبعني أينما حللت كما لو كنت أرضع أصحابها ثروة هذا البلد.. كم أتمنى رؤية وجوه المعارضة العابسة التي نسيت الابتسام.. على الأقل سأجزم حينها بأن الديمقراطية قد تحققت، لكن الحسد والتخلف يعميان بصائر أولئك المعاندين..

الحرارة هنا لا تطاق.. إنها تعطيني فكرة عن حر يوم القيامة.. على كل حال لقد قمت بأعمال مباركة جليلة.. فتحت دكاكين التضامن، ووزعت الأسماك الطرية، وبنيت الطرق، ولن أنسى الأرصفة، ونقلت الكزرات من مكان إلى مكان، وحاولت اكتتاب معظم العاطلين عن العمل، والحد من ابتلاع المسيرين للوزارات و الإدارات.. ولكنني يد واحدة، لا التصفيق وحدها..

  • في ليلة اللقاء:

قد أكون أول رئيس يسهر مع شعبه.. الأمم المتخلفة تحترم الوقت، ولكننا هنا نسخر منه كما نشاء.. لكن للضرورة أحكام، ولا ضرورة أكبر من لقائي بشعبي الجائع، ومعرفة أخباره المملة عن قرب..
لا يمكنني الوقوف مكتوف اليدين أمام معارضة تحط من شأني ليل نهار.. لن أسمح لها ولا لأي أحد بأن يمس من هيبة إنجازاتي.. ومن عنده كلمة ليقلها هنا في هذا اللقاء أو ليصمت..

أرى بعض المجانين الذين أرسلتهم المعارضة يهتفون “ارحل.. ارحل”.. نفس العبارات الغبية التي اخترعتها ضفادع الربيع العربي.. أردد في أعماقي ساخرا “لن أرحل.. لن أرحل.. ارحلوا انتم”..

بعض الحساد يرفعون لافتات تسبني، وبعض الأطفال المجانين يخرجون ألسنتهم لي..
“ارحل.. ارحل”.. لنفرض أنني وافقتهم ولملمت شتاتي، ورحلت في هذه الليلة الحالكة.. ثم عشت ما بقى من عمري في واد قريب آكل التمر واعبد ربي طمعا في قصور الجنة وحدها.. أين من هو أفضل مني ليخلفني؟ ألسنا جميعا بيظان؟

أغلب المستقبلين يضحكون بنفاق.. نفس الوجوه المتكررة.. نفس الفرق الصحفية البغيضة، ونفس المنافقين القادمين من العاصمة.. ونفس الأسئلة.. ونفس الأجوبة.. ونفس اللقاءات..
المعارضة تعاديني لمجرد أنني رئيس.. المتذمرون من أقدارهم السوداء يتظاهرون أمام قصري ليل نهار.. الإنجازات تزاحم الإحباطات على أبواب محاولاتي، والمسئولية تصبح أثقل من الحجر، والرضا يتحول إلى أمنية تدخر نفسها للقاء الشعب التالي..

سيد محمد ولد أحمد

sidisid1@yahoo.fr

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى