مباشر من رابعة العدوية في انتظار المعجزة
الساعة الثالثة والنصف زوالا بتوقيت القاهرة.. بعد أكثر من ثماني ساعات من ضرب الرصاص المتواصل، وسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، أتأمل المحاصرين المتبقين في ميدان رابعة.. اسمع صوت الرصاص المزعج الذي يأبى أن يتوقف، وأرى رجالا يمرون بجوار امرأة منقبة في وضع انحناء تجنبا للرصاص، وهي شامخة برأسها كأنها لا تخشى الرصاص ، وآخرون يتلقفون قنابل الغاز بأيديهم ليبطلوا مفعولها.. الجميع محاصرون من قبل الموت متجسدا في صورة قتلة يستحلون قتل كل من خرج حبا لله..
أرى رجلا يجري منحنيا وهو يمسك بطفلته الصغيرة التي أظنها في حدود العاشرة من عمرها ليجلسا في مكان آمن فأشفق عليه وعليها، أهذا هو قدر من ينتصر للإسلام في هذه الأيام؟..
أسمع تكبيرا متواصلا من على المنصة، وقائلا يقول: “أشيروا إليهم بالسبابة وكبروا ليكفينا الله بأسهم بما شاء وكيف شاء” فاعرف ما الذي يحتاج إليه أولئك المعتصمون..
شعب خرج أعزلا ليدافع عن رأيه الذي فرضته الأغلبية الديمقراطية فانتزع منه ظلما وعدوانا كما تنتزع أرواحه عنوة منذ الإنقلاب.. شعب يُقتل من طرف مجرمين يستقصدون القتل تقربا إلى الشيطان.. شعب مستضعف لا يتكل إلا على ربه في ظل حرمة سفك الدماء على المسلمين الفاهمين، وتخلى العالم المنافق عن الحق كما اعتاد انتصارا للشيطان..
أرى البلتاجي يحمل القاتل السيسي دماء الشهداء، ويحذر الجيش المصري من التورط في سفك االدماء.. أراه متماسكا رغم الألم.. يتحدث بتعقل، ويدعوا الشرفاء من الشرطة والجيش الذين آذوه إلى العصيان..
يبدو الغضب في صوته، ويتعرق جبينه، لكنه يتماسك حتى اللحظة التي يذكر فيها استشهاد ابنته الوحيدة.. تخنقه العبرات، ويتعتع، ويجاهد لحبس الدموع في عينيه، وينجح في ذلك بقوة عجيبة رغم فقده لأغلى ما يملك، ابنته الوحيدة التي قضى عمره في احتضانها وحمايتها من مصائب الحياة..
أرى آخرون يتحدثون بحسرة عن أحبتهم الذين فقدوهم، وأسمع صوت التكبير والتلبية والأذان تمتزج بصوت الرصاص فاعلم أن ما نحتاجه اليوم هو ما يطلبه جميع المحاصرين في هذه اللحظة: “معجزة ربانية” تذكر الغافلين والمبعدين بأن الله يدافع عن الذين ينصرونه.. معجزة ترينا أننا على الحق وأن ديننا هو المنتصر الأخير.. معجزة ترينا أن قوة الجيوش العسكرية مجرد هباء أمام قدرة الله العزيز العظيم.. معجزة تريح المحاصرين المظلومين من السيسي وجنوده كما أراحت موسى وقومه من فرعون وجنوده، وما ذلك على الله بعسير..
إن نصر الله لأوليائه أكيد لكننا اشتقنا إلى تلك المعجزات التي تزيدنا تثبيتا وتفضح المنتصرين للباطل وتسلبهم ورقة التوت التي يتسترون بها.. ونحن راضون بكل ما يقدره الله لنا فهو الحكيم، لا يقدر لمن يحبه وينصره إلا الخير..
sidisid1@yahoo.fr