إسلاميو سوريا بعد الضربة الأميركية
الإسلاميون في سوريا بكل ألوان طيفهم الفكري والسياسي والجهادي يشكلون رقما صعبا في المعركة مع نظام بشار الأسد، والنتيجة المنطقية أن يصبحوا رقما صعبا في معادلة ما بعد سقوط النظام السوري الذي يواجه هذه الأيام تهديدا جديا، وهذا يعني ضرورة سرعة استعداد الإسلاميين المبكر للمعركة السياسية لما بعد الضربة. إن صعوبة المعركة السياسية وتعقيدها وتشابكها لمرحلة ما بعد سقوط النظام تجعل المعركة السياسية للإسلاميين جهادا أكبر مقارنة بالجهاد الأصغر، وهو إسقاط النظام، لأن الأغلبية الساحقة من الشعب السوري بمكوناته الحزبية والفكرية والسياسية متفقة على هدف إسقاطه، أما جهاد السياسة فبالغ التعقيد، حيث الاختلاف الشديد حول إدارة البلاد بعد عقود من الديكتاتورية الدموية وحرص كل فصيل على فرض موقعه على الخريطة السياسية.
ولا أعني باستعداد الإسلاميين السوريين للمعركة السياسية الدخول فيها بروح المخاصم الشرس المتحفز للمزاحمة الشديدة للأحزاب الأخرى، والذي لا يهمه في هذه المرحلة إلا حجم قطعته من «الكيكة» السياسية عطفا على إسهامه القوي في إسقاط نظام دموي شرس، بل لا بد أن يدرك الإسلاميون أن شعبهم السوري المظلوم قد أفاق للتو من كابوس بشار الذي رزح على صدره فحرمه من «الحرية والأمن ولقمة العيش الكريمة»، وهذه الثلاثة هي التي ينشدها الشعب في هذه المرحلة، والحصيف في القوى السياسية، إسلامية أو ليبرالية، هو من يوجه خططه واستراتيجياته نحو هذه الشريحة ليس بالكلام والخطب الرنانة، بل بالأفعال والبرامج المقنعة، وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل تغليب المناكفات السياسية بين الإسلاميين أنفسهم أو بينهم وبين التيارات الأخرى.
إن المعارضة السياسية السورية تتكون من فسيفساء دينية ومذهبية وفكرية ويستحيل، كما أثبتت كل تجارب الثورات العربية في مصر وليبيا وتونس، أن ينفرد توجه أو فصيل، وهذا باليقين يدركه الإسلاميون نظريا، لكن تجاربهم في دول الثورات العربية اعتورها بعض القصور في مد الجسور مع الأطياف الأخرى، مما جعل خصومهم يعوضون ضعف تنظيمهم وعدم تجذرهم جماهيريا في الائتلاف بينهم ضد التيار الإسلامي، مستفيدين من سيطرتهم الإعلامية والمالية ومساندة الدول الإقليمية، وقد نجحوا في رمي معسكر الإسلاميين من قوس واحد، ولو أنهم مارسوا «المكر السياسي» كما يفعله كل سياسي محترف، وصنعوا ائتلافات حقيقية مع غيرهم لأضعفوا جبهة خصومهم السياسيين، وهذه بالذات أخفق فيها الإخوان في مصر وحققت حركة النهضة التونسية نجاحا معقولا فيها، ولهذا سقطت الأولى سقوطا مدويا، طبعا من ضمن أسباب جوهرية أخرى، وما برحت الأخرى تقاوم بفعل تحالفاتها السياسية الذكية.
كما أن التحالفات السياسية لإسلاميي سوريا بمثابة «التعويذة» التي تحميهم من الحلول الاستئصالية العنيفة، وهذا بالضبط ما جرى في «رابعة» و«النهضة» بعد سيطرة العسكر على المشهد السياسي المصري، فمع التسليم بمشاركة شريحة غير منتمية، من عامة الجماهير المصرية في هذه الاعتصامات، إلا أن اللون «الإسلامي الحركي» كان هو الطاغي على المشهد، مما جعل خصومهم في الساحة الإعلامية والسياسية يصورون للجماهير أن هذه الاعتصامات الحاشدة ضد الشعب بمختلف أطيافه الدينية والمذهبية والفكرية والحزبية.
وفي تقديري، فإن حشودا قليلة العدد مع تنوع فئوي وفكري ستكون أكثر تأثيرا في الساحة السياسية السورية من حشود ضخمة ذات لون إسلامي واحد، وقل ذات الشيء مع تحالفات الإسلاميين السوريين السياسية مع التيارات الأخرى، حيث إن النوع أكبر تأثيرا من الكم.
h.majed@asharqalawsat.com