عن محرقة الهواتف
بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو أن محرقة الهواتف قد أثارت جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك فقد يكون من الضروري جدا تقديم بعض الملاحظات المبعثرة عن هذه المحرقة:
1 ـ لقد استغربتُ كثيرا سرعة تلك الإحصائية التي نشرتها بعض المواقع، والتي أكدت بأن عملية الحرق قد شملت ألف هاتف من نوع “سامسينغ”، ومن المستغرب جدا أن يكون هناك ألف متظاهر في مسيرة شارك فيها الآلاف (بعض المواقع تحدث عن المئات فقط)، يملك كل واحد منهم هاتفا من نوع “سامسينغ”، وأن يكون كل واحد من أولئك الألف على استعداد كامل لأن يحرق هاتفه. وبالمختصر المفيد فإن رقم الألف هاتف الذي تحدثت عنه بعض المواقع هو رقم مبالغ فيه جدا، ويبقى الخلاف: هل أن هذا الرقم الكبير لعدد الهواتف المحروقة تم تقديمه بسوء نية، أم أنه فقط نتيجة لعدم المهنية ولعدم الدقة التي عُرفت بها صحفنا ومواقعنا الوطنية؟
2 ـ من الغريب جدا أن هذا الخبر لم ترفق معه أي صورة رغم أن عملية الحرق قد جرت في مسيرة تمت الدعاية لها منذ أسبوع كامل.
3 ـ تبقى الصورة الوحيدة التي تمكنتُ من مشاهدتها لمحرقة الهواتف هي صورة بثتها قناة الساحل في نشراتها الإخبارية، وقد كان من الواضح جدا بأن الهواتف المتضررة ليست بذلك العدد والحجم الذي تم الحديث عنه، ولاهي أيضا بتلك الجودة التي تحدث عنها البعض، وإنما هي مجرد هواتف عادية ومن النوع العادي جدا.
4 ـ القلة التي أحرقت هواتفها ربما تكون قد فعلت ذلك استجابة لردة فعل عاطفية يمكن تفهمها حتى وإن كانت غير مقنعة وغير مبررة. وفي النهاية فمن أحرقوا هواتفهم فقد أحرقوا “ممتلكات خاصة”، ولذلك فقد كان من المستغرب أن يتم انتقاد عملية الحرق تلك بدرجة أكثر حدة من عمليات الإحراق والتدمير التي تتعرض لها بعض الممتلكات العمومية أو الخصوصية أثناء بعض المسيرات والمظاهرات الأخرى. ومن اللافت أن عملية حرق الهواتف قد تزامنت مع مظاهرات أخرى تم الاعتداء فيها ـ حسب ما ذكرته بعض المواقع ـ على مقر إذاعة محلية ومع ذلك فلم نسمع عن تنديد بذلك.
6 ـ وفيما يخص الموقف من المحامي “ولد شدو”، والذي أثار موقفه من قضية المقال المسيء جدلا كبيرا، فإنه علينا أن نعلم بأن المحامي الذي تعينه المحكمة أو الذي يدافع عن مجرم لم يجد من يدافع عنه، قد يلتمس له العذر، ومهما كان جرم ذلك المجرم الذي سيدافع عنه، وذلك باعتبار أن الدفاع في هذه الحالة عن المجرم هو جزء من إقامة العدل. أما في هذه الحالة فإن الأمر يختلف، فالمحكمة لم تعين “ولد شدو” للدفاع عن كاتب المقال المسيء، وكاتب المقال المسيء لديه ثلاثة من المحامين سيدافعون عنه، ولذلك فإن دخول “ولد شدو” على الخط كان خطأ فادحا.
7ـ ولكن في المقابل، على أولئك الذين أحرقوا هواتفهم أن يعلموا بأن من يدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم عليه أن يتحلى بفعله صلى الله عليه وسلم، وعليه أن لا يقدم إلا على فعل راشد وعاقل، لا يخالف الشرع. ومن المعلوم بأنه ليس من الشرع، ولا من الأفعال الراشدة ولا العاقلة أن يتم تحميل الابن وزر ما ارتكبه الأب من أخطاء و جرائم. كما أنه ليس من الحكمة أن تتم معاقبة شركة أجنبية، لا لشيء، إلا لأن ابن المحامي الذي تبنى قضية الشاب المسيء هو أحد ثلاثة قيل بأنهم يمثلون تلك الشركة في موريتانيا.
8 ـ على المنظمين لمسيرات نصرة النبي صلى الله عليهم وسلم، أن يبينوا موقفهم من عملية حرق الهواتف، وإن لم يفعلوا ذلك، فعليهم أن يعلموا بأنهم قد أعطوا الحجة لمن يشكك في تلك المسيرات لأن يدعي بأن هناك جهات تعمل على الانحراف بتلك المسيرات من أجل تحقيق مكاسب تجارية لا صلة لها إطلاقا بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالتأكيد فإن استغلال نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق مكاسب تجارية آنية هو أيضا من الأفعال المسيئة التي تستدعي تنظيم المسيرات للتنديد بها.
اللهم صل وسلم على محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حفظ الله موريتانيا..
elvadel@gmail.com