مفوض محكمة الحسابات ورئيسة المجموعة الحضرية
قد يبدو العنوان غريباً فما الذي يجمع بين محكمة الحسابات والبلدية , في العادة لا تتقاطع الخطوط كثيراً , فلكل مرفق منهما خصوصيته , وقد يتبادر لذهن القارئ إسقاطات من قبيل “التفتيش ” وشفافية التسيير , ولكن الأمر غير ذلك , فما يجمع الوزير السابق ومفوض محكمة الحسابات صو آدما صمبا والوزيرة السابقة رئيسة المجموعة الحضرية اماتي بنت حمادي , مشهد ناصع وصورة رائعة للمسئول المؤمن بهُويته , فقد رفض الرجل الوقور التحدث بالفرنسية على شاشة التلفزة الوطنية في سابقة هي الأولى من نوعها في بلادنا رافضا التحدث بغير العربية أو اللغات الوطنية , في حين دشنت رئيسة المجموعة الحضرية عهدتها بتعريب المخاطبات في المجموعة ورفضها لاستقبال أية مراسلة رسمية أو خطاب بغير اللغة العربية ,
ليت لنا ثلة قليلة من المسئولين تحوز من الوعي بالذات والشعور بالمسئولية والكرامة ما امتلكه كل من الوزير ورئيسة المجموعة الحضرية , ليت لنا من المسئولين ثلة قليلة تعي العمق الحضاري للغتها وهُويتها , ولا تجامل في ثوابت الوطن والدين والتاريخ .
ذلك أن جوهر الإنسان , لُغة وهُويَّة ، هي لسانه , وفكره, وهي في المحصلة هُويته و انتماؤه ، ويستوي في ذلك الفرد والأمة , من الثابت تاريخياً أن تراجع لغة أمةٍ ما ,منذر بتراجعها يقول ابن خلدون: (غلبة اللغة بغلبة أهلها ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم)
إن دولاً مثل كوريا ,والصين ,وفيتنام ,وفنلندا(5 ملايين شخص فقط) ,وإسبانيا, والهند ,وإيطاليا ,والبرتغال وفرنسا ,وروسيا,تعتبر اللغة الوطنية لغة التعليم , والتواصل , والصناعة ,والفن , وكل ما يتعلق بالمنتج المعرفي , والحضاري , والعلمي ,والشأن اليومي ويعتبر أي انتهاك لحرمة اللغة ” في هذه البلدان” انتهاكاً لكرامة وروح الأمة , بل لقد سن بعضها قانونا لحماية لغته الوطنية ,كقانون توبون( نسبة لوزير الثقافة والفرانكفونية الفرنسي جاك توبون) تحت مسمي ” قانون حماية اللغة الفرنسية ” في 04/08/1994.( في حين يشنون علينا حرباً شعواء لهجر لغتنا )
وفي ألمانيا نجحت طالبة في شهادة الثانوية العامة , لكنها رسبت في مادة اللغة الالمانية , فقررت الهيئة التعليمية عدم منحها الشهادة رغم نجاحها في باقي المقررات الأخرى بامتياز فرفعت الطالبة قضيتها للقضاء الألماني ضد الهيئة التعليمية , فقررت كل من محكمة فرانكفورت وكذلك المحكمة الاتحادية العليا (التي تعتبر قمة الهرم القضائي الألماني ) رسوبها ,فحسب كل من المحكمتين : “اللغة الألمانية هي التعبير الأسمى عن الفكر الألماني المستقل والمترجم الأمين عن شخصية الألمانيين وهُويتهم , وهي أهم مادة في الامتحان , وأن الضعف في اللغة الألمانية لا يمكن أن يغطيه التفوق في المواد الأخرى”
هذا في وقت تواجه فيه اللغة العربية حرباً شرسة في بلادنا,لصالح لغة لا تمتلك ثراء الفصحى ولا تاريخها ولا (بركتها), فمتى نمكن للغتنا التي نتعبد بها الله في صلواتنا ونقرأ بها قرآننا على اختلافنا وألواننا ؟ وحتى يتحقق ذلك نقول بكل إجلال واحترام شكراً سيادة القاضي المحترم , وشكراً سعادة رئيسة المجموعة الحضرية الفاضلة , فقد عبرتما بكل شجاعة وإخلاص عن مشاعر وطموحات أبناء هذا البلد وامتلكتما الجرأة في وقت فقدها فيه الكثيرون , فكنتما بحق صورة ناصعة لموريتانيا تقف مع هُويتها.