مستقبل الجنرال المفزوع!

بسم الله الرحمن الرحيم

خرجَ استهداف الجنرال للإسلاميين في موريتانيا عن سياق التحليل منذ اللحظات الأولى لبدء تنفيذ مخططه المبيَّت بإعلان حل جمعية المستقبل والخطوات التي تلت ذالك، وبات الأمر هجمة واقعة يتقدم فيها الرجل بتكتيك معيَّن هو جزء من سياسة الاستهداف وطريقة إخراجها وتسويقها-وتسويغها-للداخل والخارج.

  • سياق الأحداث

نعم كان للتحليل مسرح قبل شهر من الآن أو حتى قبل أسبوع واحد، يومَكانت علامات الاستفهام تحتل واجهة الاهتمام؛ من أجل ملاحقة اليد التي تعبث بالمشهد العام بشكل مستفز،حيثُ يُحاول الكثيرون فهم ما يحصل ومن هي الجهة/الجهات التي تقف وراءه، ويحاول القليلون فهم انعكساته المستقبليةوتداعياته في واقع المجتمع والدولة!

ولم يكن يخطر ببال أكثر المتشائمين-من أهل هذه البلاد- ممن لم يعش أيام حكم الجنرالأن تُحرق كتب-بل أمهات- الفقه المالكي على ثرى شنقيط الطهور، ثم لا يكون الحدثُ الصادمُ للمجتمع أكثرَ من منبر للدعاية السياسية الفارغة!، ثم يُساءَ إلى مقام النبوة الأسمى-على صاحبه أفضل الصلاة والسلام-فلا يكون للكلام المسيء-المؤذيلمشاعر المسلمين في كل مكان- من “تأثير” أكثر منإعادة نفس الدعاية بالعرض البطيء!، (بالله عليكم لا تعترضوا

عليباعتقال المعنيين فإننا نعرف مصير كثير ممن اعتقلوا من قبلُ ممن هم اليوم أدواتٌ لتنفيذ مخططات النظام ويده لضرب خصومه من المواطنين الشرفاء، كان ذالك جزءا من ترميزهم في الداخل والخارج وحمايتهم-ربما- إلى حين) وكأنه يُقال لمن يقفون وراء هذه الأفعال تقدَّمُوا فنحن نرعاكم بقدر ما تقدمون لنا من فرص للدعاية السياسية الناجحة، هذا على فرض عدم التنسيق القبْلي مع تلك الجهات وهو ما لا يرجحه عدد من المراقبين!

وهنايصِلُ التحليل إلى النقطة الأهم وهو يُحاول إخراج الخيط الرَّابطِبين الجهتينمن بين فرْث نابِتة الإلحاد والانحلال-التي تنمو في المكان الخطأ، وتعبر عن نفسها منذ فترة بطرق صادمة-ودم الجهات الأمنية التي لا تعير للأحداث من أهمية أكثر مما يخدم صورة الإخراج المناسبة لخدمة الظرف السياسي “لرئيس العمل الإسلامي”، حانية –وحامية- للجهة المستفزة وغيرها ممن يعبثون بالمقدسات ويعيثون في الأرض الفساد، كيف لا وهي تتبادل معهم الأدوار في تكامل مثير يخدم أهداف الطرفين، وتختار لهم أو يختارون لها الأوقات المناسبة تماما للقيام بتلك الأفعال الفاضحة، مما يحارُ له المواطن المسكين؟!، وفي النتيجة يتم تحويل أنظار الغالبية من الشعب إلى الوجهة التي يريدها النظام، وقد كتب عن هذه النقطة عدد من الكتاب فأتجاوزها للاختصار معطيا المثال فقط بضرْب قضية تدنيس المصحف لما بُذل من جهد حول منتدى الديمقراطية، ليكتمل المشهد بإسكات صوت المنتفضين غضبا للمصحف بهجمة أمنية على المؤسسات الإسلامية(يمَّه عينك عين النعجة)!

  • خوفٌ يغذيه الانتقام
  • ويلوحُ لي أن قرار الهجوم على الإسلاميين يوجد في أدراج مكتب الجنرال-وإن بالقوة- منذ انقشاع غبار الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة، فالجنرال الذي جلب بخيله ورجله ووضَع هيبة الدولة وزخمها في ميزان حزبه المعلول، لم يستطيع بكل ما أوتي من أدوات “التأثير المفزع” أن يَحرِف-رغم جهود لجنة الانتخابات وتزويرها المكشوف- بعض النتائج التي كان يعتبرها عنوان المعركة مع منافسيه الأشداء(كرو، والطينطان مثلا) فخرجت النتائج مخيبة للأمل وصادمة، وأكثر من ذالك مبشرة بانتخابات رئاسية محزنة، خاصة إذا ما استطاعتقوى المعارضة أن تتجمع خلف مرشح مقبول.

وفي ظل الوضعية القلقة التي عاشها الجنرال على خلفية الانتخابات جاءت رياح الأخبار بما لا “تشتهي السفن”حيث يقول معارض قوي وخصم عنيد للجنرال: إن الطريق إلى مستقبل موريتانيا مرهون بخروج الجنرال من حاضرها، ولا سبيل إلى ذالك في الأفق المنظور غير إقناع العلامة الشيخ الددو بمنازلة الرجل والتوحد خلفه مرشَّحا في مواجهة الجنرال. تناهى الحديث إلى الجنرال، وفي هذه اللحظة بالذات وُلدتْ فكرة”التأثير المفزع” التي سيتم خروجها من بعد إلى العلن في مبررات إغلاق جمعية المستقبل التي يرأس مجلس إدارتها الشيخ الددو، وتقرّر توجيه ضربة ممهدة للشيخ نفسه،ولم تبْق إلا عملية الإخراج فقط، فأُمْعِن في استهداف المقدسات فكان رد القوم هادئا ومتزنا، واعتدي على الشيخ فاحتسبها عند الله!، ولم يعدْ بإمكان الجنرال المرعوب مزيد وقت للانتظار، خاصة أن التأخر ربما فوَّت عليه فرصة مؤاتية يمكنه من خلالها القيامُ باللازم وردُّبعض العمولات إلى جيبهمقابل النزول عند رغبة

بعض”الأسخياء” في ظاهر الأمر !

لا تقل لي إن اقتراح الرجل سطحي ويشي بعدم معرفة واضح للشيخ، فالأمر كذالك، ولكن منطق الجنرال أن مجرد إمكانية التفكير في الأمر ينبغي أن توضع لها نهاية فالأمر مؤثر ومفزع!

  • قبل المعركة

وإذن وقد بات ضرب الإسلاميين قرارا ينتظر آلية التنفيذ فلا بُد من مباشرة الإجراءات الضرورية لذالك، وهو ما قام به الجنرال في الأسابيع الأخيرة ويوشك على الاكتمال؛ فقد بدأ الرجل بتنقية فريقه من الأصوات المعتدلة ممن قد يكون لهم في المعركة المزمعة رأي مختلف، فتم إبعاد رئيس الحزب الحاكم بدون مقدمات وبطريقة تشي باستخفاف الجنرال بالعملية الديمقراطية برمتها، وعيِّن مكانه مدير الديوان السابق إسلكو ولد إزيد بيه وهو رجل متطرف في نظرته إلى الإسلاميين وفي موقفه من فئات الوطن ،ذو سوابق سيئة في هذا المجال، تعرف منها أدواره في الفتنة العرقية بالجامعة مستعد للذهاب إلى أبعد الحدود فيما يُراد منه، وقبلها قُذف بقائد الكتيبة الانقلابية إلى موقع وزير الإعلام ليدق طبول الحرب في اللحظة المناسبة،وهو ما بدأه الرجل فعلا بعد هبة المصحف بالهجوم على وسائل الإعلام وتسويق مقاربته في تقديم الأمن على الحرية،-وكأن بين الأمرين تناقضا-! وساعده في شرح مقاصده بلاطجة محسوبون على رئيس الحزب المعيَّن إسلكو ولد إزيد بيه تجمهروا أمام قناة المرابطون في حالة تذكر باعتداءات سابقة تمت على الصحفي أحمد ولد الوديعة والرئيس محمد جميل ولد منصور وكانت الجهة التي تقف وراءها معروفة ومكشوفة.

الصورة إذن هي أن هناك قرارا متخذا بضرب الإسلاميين وُكِل تطبيقه إلى جهات أمنية وإعلامية لبعضها ثأر فكري وسياسي مع القوم وقد أخذ النظام أهبته على المستويين، وبدأ بجس نبض الساحة الإسلامية والمتعاطفين معها من خلال إغلاق أكبر مؤسسة ثقافية دعوية تربوية في البلد(جمعية المستقبل) وشفع ذالك بإغلاق ثلاث مؤسسات ذات طبيعة مختلفة يجمع بينها فقط قربها من التيار الإسلامي المعتدل أو بعض رموزه، وإن كان بعضها خصوصيا وتجاريا(مدارس الأطلسي)، ومن اللافت أن إحداهن وهي المؤسسة الصحية معروفة لدى أهل انواكشوط باسم (طب الإصلاحيين) بمعنى أنها تُربط بحزب تواصل في لا وعي الجمهور لا بجمعية المستقبل، فلما ذا تتذرع الشرطة في إغلاقها بوهم تبعيتها لجمعية المستقبل إن لم يكن المقصود-وهو ما لم يُقل بعد بشكل صريح-هو ضرب مدرسة إسلامية ذات خط فكري معين وإن تعددت الأسماء واختلفت التخصصات، يزكي هذا التحليل أن القوم/الأمن عادوا إلى المركز بعد أن تركوه بناء على الإفحام بالخطأ من قِبل إدارته ليسلموا معداته إلى وزارة الصحة في تحضير لإلحاقه بجهاز الدولة الصحية المهترئليقول إعلام الداخلية إن أي مؤسسة لم تغلق وإنما تم إلحاقها بالقطاع المعني كما مألوففي سابقة نادرة من التبرير الفج!.

وما زال الإسلاميون إلى الآن يضبطون أعصابهم متفائلين بأن الاستهداف غير شامل ولا عميق وآملين أن يتغلب صوت العقل في معسكر النظام على صوت الإقصاء والحلول الأمنية التي قد تجلب كثيرا من الضرر على البلد وعلى النظام نفسه، في إصرار على أن يحرموه من أي فرصة يمكنه التذرُّع بها لرفع وتيرة الاستهداف.

ومهما يكن من أمر فإن استهداف النظام للإسلاميين يقف على مفترق طرق يمكن أن يجنح إلى أي منها في الأيام القادمة غير أن يمنعه ذالك من سلوك طريق آخر في الوقت الذي يقرره النظامأو تفرضه عليه منازلة خصومه المتُمرِّسين!
الطريق الأول: أن يكتفي النظام بما حصل حتى الآن من غير أن يطوره بل ربما يفتح فرصة للتراجع عنه، أو عن بعضه ولو من خلال القضاء، وهذا في حالة ما إذا لم تكن هنالك رغبة داخلية جادة في ضربة قوية للقوم في الوقت الراهن بين يدي الانتخابات، الرئاسية -إذا كان النظام أصلا جادا في إجرائها في وقتها المحدد-، بل مجرد استجابة لرغبة خارجية غير كبيرة التأثير، ولست ممن يرجح هذا التحليل.

الطريق الثاني: أن يتبع النظامخطة استهداف طويلة النفس تستهدف المؤسسات وتتذرع في إغلاقها بالحيل القانونية، لضرب القوة الناعمة لتيار شعبي عريض لا يستغنيعن مؤسساته التي تخدم المجتمعوتحمل رسالته إلى الناس، من غير أن تباشر اعتقالات أمنية ودون أن تضرب وسائل الإعلام، وهو ما يمكِّن النظامَ من تسديد ضربات موجعة لأهم منافسيه السياسيين دون أن يستفز الشارع العام ، ويتعزز هذا الخيار إذا كان سقف الاستهداف المطلوب خارجيا غير مرتفع جدا أو مرتبطا بمرجعيات رمزية ذات تأثير خارجي مثل العلامة الددو، وفي هذه الحالة لن يصل الاستهداف إلى حزب تواصل قطعا، ولكن لن يُعاد فتح جمعية المستقبل، غير أنه لا يمكن أن يصل الأمر إلى اعتقال الشيخ محمد الحسن لأن ذالك سينسف كل فرص التهدئة، وسيجعل النظام في مأزق سياسي وأخلاقي لا يُحسد عليه.

وسيكون من شأن هذا الخيار إذا تم التوسع فيه-من غير اعتقالات-أن يجر الإسلاميين إلى اتخاذ قرار بمنازلة صريحة للنظام حتى لا يستفرد بهم بعيدا عن الظهير الشعبي، ومن ثم فسيحركون كل الإمكانات المتاحة لديهم لمواجهته، وسيعملون على تكوين جبهة عريضة من المجتمع المدني والسياسي لمواجهة مثل هذا النوع من الاستهداف الخبيث.

الطريق الثالث: أن يكشف النظام عن وجه الاستهداف الأصرح باعتقالات في صف القيادات الإسلامية، أو يتقدم باتجاه حل حزب تواصل، أو إغلاق المؤسسات الإعلامية المحسوبة على التيار الإسلامي، حينها سيكون عجَّل الدفع بالمنازلة إلى أقصاها وسيساعد القوم في تجييش الشارع في منازلتهم معه.

وعلى كل فيبدو القوم جاهزين لأسوأ الاحتمالات مع الدفع باتجاه التهدئة تعكسه التصريحات الصادرة عن أبرز شخصيتين في المشهد الإسلامي بالبلد حتى الآن الشيخ محمد الحسن الددو والرئيس محمد جميل منصور، غير أن من يعرف طبيعة الأمور يدرك أن القوم جاهزون للمنازلة إذا اقتضتها الظروف مع قدر من الثقة بكسب الرهان في نهاية المطاف.

وكان أحد الكتاب المدونين قد انتبه-في هذا السياق- إلى ملمح مهم في تدوينة له عنونها ب(مرحبا بكم في2003)، وهيمع ما تنطوي عليه من تحسر على التقهقر إلى الخلف عشر سنوات فإنهاقد تحيل على مسار الأحداث الآتية؛ بما هي تكرار لمشهد سابق، كان أهم ملامحه الاستهداف الأمني للإسلاميين وكانت نهايته معلومة لكل أحد.

ولله الأمر من قبل ومن بعد


11-53.jpg

بقلم سيدي محمود ولد الصغير

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى