الأقصى “بدر”

قال تعالي: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ”.

وقال جل شأنه أيضا: “بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين”.

قال قتادة كان هذا يوم بدر أمدهم الله بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف، فذلك قوله: “إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين”، وقوله: “إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ”.

حدثت بدر في مثل هذا اليوم السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة (الموافق 13 مارس 624م، وهو ميقات أهل المدينة المنورة ومن جاء من جهتها وهو مكان يسمى بدر يبعد عن مكة 400 كلم، وبعد المشورة تم القضاء على مصدر الماء الشروب في الموقع وترك منبع واحد تحت سيطرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، حتى تتم مضايقة العدو القادم من عمق مكة: “أجلاف قريش من الكفرة وقتها قبل أن يسلم بعضهم لاحقا طبعا”، كانت غزوة الكبرى بدر نهارا، واشتدت المعركة التاريخية الحاسمة في بوصلة مسيرة الإسلام، إما إلى اندحار أو بروز وظهور، لا يرتد أبد الدهر، بغض النظر عن حالة الصعود والهبوط في كل مسار، أي كل عمل بشري أيا كان.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

وحتى لا يكون هناك مجال لغلبة عنصر بشري على آخر، بحكم اختلاف العدد والتسليح، وهو معيار حاسم في المعارك على هذه الأرض، وتلك سنة مركوزة في هذا الكون، من أهم القواعد والسنن، التي لا ينبغي إغفالها إطلاقا، تدخلت السماء، كما تدخلت دائما في تدبير كل أمر في هذه الأرض وغيرها من ملكوت الرحمان، وبعد أن اتضح كامل الاستبسال وقمة الاستعداد للتضحية والاستشهاد، وبعد أن قتل المسلمون الكثير من المشركين القرشيين، وبعد أن استشهد بعض الصحابة، وبعد إلحاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وأبوبكر يطمئنه بأن نصر ربه مؤكد، وأنه لا محالة آت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع طريق النصر، ليتركه للأمة من بعده، مدرسة ومنهجا، اتخاذ كافة الأسباب المادية والمعنوية، ومن أهمها الثبات والإقبال والخطة العسكرية المحكمة والمؤن والزاد ووجود أهم عنصر للجند، الماء الشروب، ومنع العدو منه، وقت المعركة خاصة، ومن قبل ذلك ومن بعده الدعاء، فهو القائل سبحانه وتعالى: ” قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ” وفي هذا المنعرج بالذات من المعركة، وليس في بدايتها، نزل الملائكة مثبتين ومقاتلين أحيانا، ومعهم الروح الأمين جبريل عليه السلام.

ووقتها كان لابد من حسم المعركة لصالح المسلمين، بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، وكان عددهم ما بين 313 والـ 317 رجلاً، منهم ما بين الـ 82 والـ 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخزرج، معهم فَرَسان وسبعون بعيراً، يتعقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد. وذلك بعد اكتمال عناصر وشروط النجاح، وبذل الجهد البشري وصفائه وإخلاصه لوجه الله وحده، وليس بغرض حب الظهور أو ليقال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أقوياء شجعان فحسب، فحاشا، وإنما لنشر الحق والدين الجديد الخاتم، المهيمن على ما سواه من الأديان السابقة، وبوجه خاص هيمنة هذا القرآن المنزل من عند الله على ما سواه من الوحي المنزل سابقا، مما حرف أو بقي على حاله وهو قليل طبعا، ليكون النصر في غزوة بدر الكبرى، إيذانا ومدخلا، للمرحلة الإسلامية الجديدة، الخاتمة لتاريخ الإنسانية، بالحق ودين واحد لا يقبل الله التعبد إلا من خلاله: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.

بدر تركت بركة ثابتة في هذا اليوم، مفعمة بالدروس والسر الرباني المتجدد.

ومن باب التأمل في تاريخنا الراهن وصلته بيوم بدر، ففي مثل هذا اليوم سقط الطاغية القذافي، التي استهزأ بالسنة، ونادرا ما يسمع عنده الصلاة على سيد الثقلين محمد بن عبد الله عليه أفضل السلام وأزكى السلام، أجل سقط حكمه وإهتز، في 17 رمضان من سنة 2011، وفي مثل هذه اليوم تاريخيا أو قبله أو قريبا منه، عادة ما يتكرر النصر الرمضاني البدري، وتتجدد الانتصارات وانكسارات العدو، من مختلف المشارب الداخلية والخارجية.

وفي مثل هذا اليوم جدير بذاكرة الأمة الجمعية، أن تستحضر دائما وخصوصا عند حلول الذكرى المباركة في مثل هذا اليوم العظيم المعركة الفاصلة، المسماة قرآنيا، يوم الفرقان (الذي أطلق على غزوة بدر)، والذي ارتبط اسمها بحكم هذا الموقع المكاني المبارك، التاريخي، فعرفت الغزوة اختصارا ببدر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بدر سائرهم، ممن شاركوا في هذه المعركة الحاسمة في مسيرة الحق المنزل قرآنا من فوق سبعة أرقع.

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَالِكِيُّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بْنِ وَرْدَانَ السَّمَرْقَنْدِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ , وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ , قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ , يَقُولُ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ , قَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخَ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا , فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ , قُلْنَا : أَخْرِجِي الْكِتَابَ , قَالَتْ : مَا مَعِي كِتَابٌ , قُلْنَا : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لِتَقْلَعِنَّ الثِّيَابَ , فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا , فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا حَاطِبُ مَا هَذَا ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لا تَعْجَلْ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفَسِهَا وَكَانَ مَنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ , وَلَمْ يَكُنْ لِي فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُهُ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ ” . قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ , قَالَ : ” إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ –انتهى الإستشهاد”

وفي هذا الشهر في العام الثامن من الهجرة (الموافق 10 يناير 630م، وفي رمضان وقع الكثير من المعارك الحاسمة في تاريخ الفتح الإسلامي أو التوسع الإيجابي لصالح هذه البشرية، المستبد بها من قبل أنظمة ظالمة تحجبا عن الحق، ولأنها لا تريد الدخول في الإسلام ولا تريد فتح المجال بحرية لسكانها ليغترفوا من الحق، لإنقاذهم من براثن الارتكاس والبوار والخسران الدنيوي والأخروي، كان لزاما يوما أن تزاح بالقوة هذه الأنظمة المستبدة مثل النظام البزنطي في روما، والنظام الفارسي المجوسي في إيران حاليا بلاد أصفهان سابقا، أدى الفتح الإسلامي لبلاد فارس (637-651) إلى نهاية الامبراطورية الساسانية وتراجع الديانة المجوسية في فارس. وقد بدأت تلك الفتوحات بغزو المسلمين للعراق عام 11 هـ / 633 م بقيادة خالد بن الوليد، فبقي حتى استكمل فتح العراق بالكامل، ثم انتقل خالد بعد ذلك إلى الجبهة الإسلامية الرومية بالشام لاستكمال الفتوحات.

ولتقام الدولة الإسلامية الجامعة، الممثلة للخلافة الراشدة، التي ستهيمن يوما ما مرة أخرى على سائر المعمورة، إما مباشرة عبر بسط النفوذ المباشر أو غير المباشر، عندما يصبح المسلمون القوة الأولى، بمجرد تمسكهم بدينهم وعروتهم الوثقى وأخذهم بالأسباب المطلوبة كاملها، بصورة صارمة تامة، لا ضرر فيها ولا ضرار: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ”

وقال تعالى: “ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ”

وقال جل شأنه: “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون”

ونذكر في هذا السياق التاريخي الرمضاني أيضا، على سبيل التذكر بالنصر الرمضاني البدري المتكرر في يوم بدر بالذات، أو قريب منه، أو في عموم شهر رمضان، مدرسة التقوى والانتصارات وتزكية للنفس، وتربيتها وتعويدها على الجد في الحق والعمل الصالح الخالص لوجه الله، حتى مع الحر والعطش والجوع، وهذا جزء تلقائي من التعبئة البدنية والروحية.

أقول فعلا، جزء من التعبئة العامة في عموم صفوف المسلمين للحرب ضد أعدائهم، وذودا عن الحق، يجعل البدن دائما في حال صبر على المتاعب وبعد من المعاصي، وتوق لجو التقوى وإرضاء الرحمان، فهذا في حد ذاته تعبئة متكاملة، واضحة المنحى والفائدة، في كافة المجالات، وهي حالة طوارئ دورية لإعادة التعبئة والتنبيه للمسلمين، أن لهم مهمة في هذه الأرض، ولهم طابع خاص عدائي، ووضع دائم للأصبع على الزناد فهو أبدا في رباط، حكمة وحزما، لا اعتداء أو تجنيا.

فقد حدثت معركة الزلاقة أو معركة سهل الزلاقة في التاسع من شهر رمضان 479 هـ ، الموافق 23 أكتوبر 1086م بين جيوش المسلمين من دولة المرابطين وجيش المعتمد بن عباد، والتي انتصرت على قوات الصليبيين الملك القشتالي ألفونسو السادس. كان للمعركة تأثير كبير في تاريخ الأندلس الإسلامي، إذ أنها أوقفت زحف النصارى المطرد في أراضي الاندلس ملوك الطوائف الإسلامية وقد أخرت سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس لمدة تزيد عن قرنين ونصف تقريبا.

ونحن في يومنا هذا رغم المعركة في غزة لنا بدور أخرى، لا تقل عن البدور العسكرية، معركة الحرية وعتق الشعوب من نير حكامها الداخليين قبل أعدائها الخارجين، معركة لا تقل خطورة وأولوية وأهمية بصورة خصوصية مما سواها من المعارك الدامية أو غير الدامية المباشرة على الأرض، لأننا باختصار، لن نفتح الطريق لحكم إسلامي مدني يسع الجميع ويفتح فرصة لتحرير الأقصى الأسير وغيره، ويشارك في هذا الحكم المنتظر المنقذ من أنظمة الإستبداد والاستحواذ المنتشرة أيامنا هذه وجميع أطياف المسرح السياسي في الوطن العربي والعالم الإسلامي بل، ووقتها نشق الطريق بسلاسة نحو ماهو أهم، استكمالا للمشوار الإسلامي التحريري الخلافي الواسع (نسبة للخلافة الراشدة).

إن النصر في بدر -رغم أنه تم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق ومعه صحبه أي البدريون وهم أفضل فصيل بشري بعد الأنبياء والمرسلين- لم يتم إلا وفق السنة الربانية، فمن سورة السجدة الموضحة لشروط الإمامة والقيادة الراشدة:”وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون”.

إذن الإمامة و قيادة في الأرض لن تستقيم إلا بالدين الحق وبالصبر وبذل الجهد، في أقصى حدود المستطاع، ومن ثمة تفتح لهم الأبواب –أي المؤمنون الممكنون- بوضع قبول الله لعباده في قلوب خلقه، والكرامات وصنوف العون الرباني، دنيويا قبل الآخرة، وخلاف المعتاد أحيانا مثل تنزل الملائكة والمرائي الصادقة وغيرها.

قال تعالى: ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين .

ثم إن المعركة في مراحلها الأولى، ينبغي تركيزها على الحسم والقمع، قصاصا واحترازا، رغم أن ذلك لا ينافي الوفاء لحالات خاصة جدا، مثل حالة زواج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسير القرشي الكافر وقتها، عندما أرسلت قلادة أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخديجة تمثل “الفيتو الأخلاقي” الإستثنائي الواضح المبرر والمسوغ عقليا وأخلاقيا، ودينيا بحكم تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى.

فالمرحلة الأولى اقتضت الصرامة إلا في حالات محدودة مقنعة، وتلزم الاستثناء، رغم الأسلوب النبوي المؤدب، إن رأيتم أن تفدوا لها أسيرها، ما هذا الأدب يا رسول الله، يا سبحان الله، أسلوب القيادة الآمر بأدب كأنه طلب، سبحان الله ما أعلم ربنا بنبينا صلى الله عليه وسلم، وإنه لقرآن منزل حقا من لدن عليم خبير، اللهم رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

قال ربنا في وصف مثل هذا الخلق النبوي الجم المعجز وغيره: “وإنك لعلى خلق عظيم”.

أقول في هذا السياق أكد الله على تفضيل صيغة القصاص بالقتل من هؤلاء الأسرى، الذين سبق بذل جهدهم العدائي الكامل في ساحة المعركة وقبلها، ضد الرسالة الجديدة العهد، بالغلبة وحتى الظهور، فكان من حكمة الله التوجيه بقتل أسرى بدر من المشركين، بدل الفداء، تأكيدا على منحى الجهاد والحسم وقطع دابر العدو الصائل المعتدي، حتى تترسخ أركان الدولة الجديدة، وتقف على ساقين متينتين، من القدرة العسكرية وتماسك الصف، على أساس عقائدي، مع التخلص قدر الإمكان من أدران وخاصية العنصر الإنساني، الغريزي، والتعاطي والتآزر على أساس الدم والآصرة ولو على حساب الحق أحيانا، وخصوصا أن القبلية وقتها كان ذات شأن كبير، ومازالت إلى اليوم، بوجه خاص عند بعض المرابع العربية التقليدية.
قال تعالى في هذا المنحى: ” لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”

قال بن عباس: “كانت الغنائم حراما على الأنبياء والأمم، فكانوا إذا أصابوا شيئا من الغنائم،ى جعلوه للقربان (أي التقرب) وكانت تنزل نارا من السماء فيأكله، فلما كان يوم بدر أسرع المؤمنون في الغنائم وأخذوا الفداء، فانزل الله –عز وجل-” لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عذاب عظيم”، يعني لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحل لكم الغنائم، وقال حسن ومجاهد وسعيد بن جبير، لولا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وستظل بدر، مدرسة للشهادة ومدرسة الإعداد البدني والمعنوي الكامل لكل معركة حق، قديما وحديثا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى