موريتانيا: من محمد “تي” إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز (ما بين دهاليز المالية وتأملات حول حكومة أغشت2014)

أيام شبابه -قبل الالتحاق بأهل حمود- ومن ثم الجيش بعد أخطاء مراهق مع أهل حمود كان يعمل محمد ولد عبد العزيز في “المالية” مع مصطفى السالك، تقريبا بمستوى بواب يصنع الشاي باتقان، مما دفع العلوي الكادر بالميزانية إلى أن يطلق عليه “محمد تي”، اللقب الذي لا يخلو من دعابة ملاطفة له وتحديد لمستواه المنخفض وقتها، صناعة “اتاي” و”انهيم” أي الإرسال في بعض المهام البسيطة طبعا، وحرص مصطفى السالك جزاه الله خيرا، على تعليم صاحبنا الذكي “الشاطر” الطباعة، وقال: “قصدت ذلك حينها، لعله من خلاله يحصل على عمل لائق نسبيا”، لكن أقاربه أهل حمود سألوه عن عامل يصنع الشاي، ويساعد في بعض المهام، فما كان من مصطفى السالك إلا أن بادر إلى الإيعاز به لديهم، وقال لهم إنه فعلا يجيد صنع أشاي وبعض المهام و”امعيدل”، أي مؤدب منصاع لأوامر البطرون، طبعا على نهج سياسة يتمسكن قبل أن يتمكن، وهي سياسة معروفة في الكون، مارسها “ول محروك بيو”، قبل عزيز فلما حصل على قطيع معتبر من الإبل وبدأ يستغني عن من يطلقون عليه الاسم المهين، المذكور آنفا، أخبرهم أن المرحلة الانتقالية قطعت، ولم بصعوبة، ولم يعد “ولد محروك بيو”، وبدأ إشعاع عهد جديد، رغم ما سبق من عقد ومراحل لاشك أنها ستترك الأثر البالغ السلبي الدفين الانفجاري.

وقد قال محمد ولد عبد العزيز، ذات مرة لسيده مصطفى السالك: لا تطلق علي هذا الاسم، فقد أصبح بعض العمال يرددونه على منوالك.

ولكن الشاب المراهق الصبور الذكي، المتكيف بدقة حسب ضرورات المرحلة انتقل إلى أهل حمود، وتحت ضغط الحاجة ارتبك خطأ بسيطا بأقل من مائة ألف أوقية، وقد يكون وقتها مبلغا مؤثرا على دكان أهل حمود الناشئ، حسب أدعاء البعض، وانتقل إلى مخفر الشرطة مؤقتا.
وربما من هذه المرحلة تعقد من الشرطة، فأعطى جل مهامها لاحقا لمسغارو، ضمن صفقة تلاعب مكشوف هابط بوظائف الدولة ومقدراتها المالية والاعتبارية، المستغلة على منحى بالغ منهك، وبقيت الشرطة شبه مرتهنة على قارعة شارع أو زقاق الإهمال الضيق الانتقامي ربما!.

ومن مخفر الشرطة، وبعد فترة وجيزة التحق بالجيش، لأنه كان في تلك المرحلة مأوى الفاشلين، في الدراسة وغيرها، وبوساطات والفرص والحظ العجيب، الذي لا يخلو أحيانا من الاستدراج على رأي البعض، ترقى عزيز في الجيش ووصل إلى مدرسة عليا في مكناس بالمغرب، قصد التكوين، ولم يتمكن من النجاح إلا بصعوبة، على وجه التغاضي مع ملاحظة “غير مؤهل للقيادة” في كتاب نجاحه الهش، مع اختصاص “الميكانيكا”!.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

ورغم الاختلاف هل يعني الجانب “الميكانيكي” عند الجيش عمليات التزويد ومؤن الجيش المختلفة وذخائره، أم تعني مستوى اقل من ذلك؟!.

ولان اسماعيل ولد اعبيدن الذي وظف “صاديا” ولو مؤقتا قبل انقلاب12/12/84 وبعده بقليل، وهي حرم الرئيس السابق معاوية، اسماعيل هذا الأخ لأم لصهر عزيز لاحقا ماء العينين ولد النور ولد أحمد، (وهو الآن لله الحمد من أسن أسرتنا وهو رمزها الاجتماعي)، فقد تمكن عزيز من دخول دهليز السلطة وحراسة القصر لاحقا، من خلال علاقات اسماعيل المذكور بمعاوية، الذي عرف اسماعيل بأخيه الأصغر لأم ماء العينين ولد أحمد، وانتهز عزيز العلاقة القوية، المبنية على القرابة والمصالح، أي قرابة أهل اعبيدن وأهل الطايع وتوظيف المرحومة ساديا، وبأسلوب محترم وقت الشدة، قبل دخول معاوية الرئاسة، وهو قوي العهد، على خلاف عزيز، الذي لا يخلو من تطبيق شبه حرفي أحيانا لما ورد في بعض الأثر: “أبت النفس اللئيمة أن لا تخرج من الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها”.

فمصطفى السالك العلوي الكادر السابق بالميزانية، الذي أتقن معه الشاي، واستحق معه لقبا ولو مثيرا للضحك وسخرية القدر “محمد تي” لا يحب أن يراه، وعندما يتقابلان أيام “بازب” والحراسة في الملعب الأولمبي وكلاهما يمارس الرياضة، لا يسلم أحدهما على الآخر، والأصغر أجدر بالإقبال على ولي نعمته السابق والاعتراف بجميله ولو عن طريق السلام، وأهل حمود خفر عهد وظيفتهم فأحاله للمخفر، وخلص من ورطة الشرطة والاستجواب المسجل حتى الآن، ودخل ساحة الجيش المفتوح أمام الأشقياء والفاشلين وغيرهم من السوقة في أغلب الأحيان.

فاسماعيل ولد اعبيدن، أغلق هذه الأيام مؤسسة أبنائه خالد وعبد القدوس، الذين يشتركون عبرها “أتلانتيك لندن كيت” مع بريطانيين في ميدان التأمين، وضمن مستوى محدود من النشاط تحت ضغط الحصار، وتحت تأثير موقف عبد القدوس المعارض السلمي، دفع الشركاء المحليون والأوروبيون الثمن من خلال إغلاق الشركة، على خلفية تفتيش ضريبي، وبدون شك على خلفية المعارضة في الجانب الأقوى، وليس أرقام المسوغ الضريبي الصرف المدعى، وأغلقت فعلا هذه المؤسسة وجميع حساباتها المالية في البنوك، وربما سيتحول النزاع الضريبي المقلق، -المؤشر بمصاعب جمة للاستثمار المحلي والأجنبي في موريتانيا- إلى القضاء ليحسم لهؤلاء أو أولئك، رغم معرفة النتيجة مسبقا، لأن القضاء في أغلبه، إلا من رحم ربك مرتهن لقرار السلطة التنفيذية والمافيا الأسرية والعسكرية والمدنية الحاكمة.

وهكذا عاقب الولد العنيد المعقد الكاره للبشر والإنسانية جمعاء ربما، كل من أحسن إليه، وأخيرا غدر بولي نعمته معاوية، رغم أن ذلك أقل الأمر، إذا وضعنا في الحساب أن القادة العسكريين الكبار في موريتانيا، أغلبهم لا عهد له ولا خلاق، لأنهم يقدسون المال والسلطة تقريبا ويفضلونها على كل ذمة أو اعتبار معنوي أخلاقي محدود الأهمية في نظرهم وقياسهم النظري والعملي، بموازاة العقارات و”ليبال” قطعان الإبل والسفيهات والنزوات الحرام والعقار، وما أدراك ما العقار عندهم، فهو فتنة أكثرهم وشغلهم الشاغل، وما ترى كثيرا منهم، إلا ويبني، وهو سيبنى عليه قبره قريبا، ربما قبل انتهاء بنيانه الدنيوي الحرام أو المشبوه على الأقل.

أتف، باصنادرت موريتانيا الأغنياء، ما أجرأهم على الحرام والنساء والانقلابات والضعفاء، وأجبنهم في ساحة الوغى، وأكبر “كروشهم” فلم يعودوا يصلحون إلا للأكل والشرب والنوم فحسب، حتى أن بعضهم لا يتمتع ببعض عشيقاته الحرام إلا عن طريق “لفياغرا” القاتلة تدريجيا، المعذبة للأعصاب لاحقا، في الدنيا قبل الآخرة، فليس انقلابيه -أي عزيز- على معاوية، إلا ربما أقل الخفر ونكث العهد، لأنهم كلهم في الغدر سواء، بحجة أو بأخرى، وكل واحد منهم، إلا من رحم ربك أصبعه على الزناد ينتظر الفرصة، وكأننا مجرد عبيد في أسر مؤسسة عسكرية انقلابية، تخلت عن مهمتها الأصلية الجمهورية المشرفة، حماية الوطن بأي ثمن، حتى الروح إن اقتضت الحاجة، وأصبحت المهمة الجديدة القذرة استغلال الوطن، بأي ثمن دون تورع حتى عن الروح أحيانا، إن اقتضت الغاية الذميمة والمقصد الوضيع.

لأنهم، لا حياء لأغلبهم، ومع ذلك يمدحون في المجالس وغيرها أنفسهم بأنفسهم، ويحبون أن يمدحوا يما لم يفعلوا، على غرار بعض أخلاق المنافقين، ويتماشى معهم في ذلك تأييدا وتصفيقا ونفاقا مكشوفا هابطا دنيئا مقرفا، بعض أصحاب الضمائر الميتة من “السفيهات”، و”اللحلاحات” و”اللحلاحين”، والمخنثين، والوسطاء “الاجتماعيين”، وما هم باجتماعيين على وجه الحقيقة واليقين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت”.

وهكذا عبرت موريتانيا خط برليف، من الحياء إلى اللؤم والانتقام، ممن أحسن فحسب.
فلا تستبعدوا معشر الوزراء المقالين أن يسجنكم أو ينكل بكم ويتحامل عليكم عزيز هذا، ظلما وعدوانا مجانيا، لأنكم خدمتموه يوما أو سنة أو أكثر، فالرجل غريب الأطوار، سيء الطوية والجوار، حسب ما يبدو من حاله الظاهر المتكرر المتواتر.

فالعياذ بالله من حالكم لحرصكم على قربه ومنادمته المهينة، فقد دفعتم الثمن باختصار!.
ولد محم خارج السرب، ولو مؤقتا، ولا يهمنا إن أعيد تكليفه أولا، لكن “المساج” العام، هو تكريس لهذا المعنى السابق: ” أبت النفس اللئيمة أن لا تخرج من الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها”.

ثم في الأثر أيضا: “كيف ما تكونوا يول عليكم” فلو لم ينتشر الزنا والخنا ونكث العهد والعقوق وسوء الأخلاق والنوايا والمقاصد السيئة المخفية والمعلنة أحيانا، وتهجر الفضائل إلى المساوئ والموبقات، لما تحكم في رقابنا عزيز وأشباه عزيز.

فلنبادر بالتوبة النصوح الشاملة، الجذرية الحازمة الصادقة، الباترة القاطعة لهذا الارتكاس الجماعي، وإلا فسيظل واقعنا السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي والديني والأخلاقي والنفسي، مصداقا للقولة الشهيرة في الأثر المتوارث البليغ: “كيف ما تكونوا يول عليكم”.
يا سبحان الله، استغفر الله العظيم وأتوب إليه، ولنستغفر جميعا.

وأقول ختاما مسكا، ما من صواب فمن الله، وما من خطإ فمني فاستغفر الله منه، ومن كل ذنب قديم أو حالي أو لاحق إلى أن ألقى الله مقبولا عنده إن شاء الله بشهادة صادقة في غزة هاشم أو في القدس أو غيرها.

وقد اجتهدت في الصراحة في الحق، ولو كلفتني حياتي، أي هذه الصراحة الطبعية، وما ترك لي الحق من صاحب.

وفي النهاية، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
اللهم أحفظنا وألهمنا رشدنا وقني شر أنفسنا.

ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم آمين، يا رب العرش العظيم
قال تعالى: “أقبل ولا تخف إنك من الآمنين”، “لا تخف نجوت من القوم الظالمين”، “لا تخاف دركا ولا تخشى”، “لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى”، “لا تخف إنك أنت الأعلى”.

يا معشر الكتاب والقراء، من خاف الله خافه كل شيء، ومن ترك خوف الخالق وأبدله بخوف المخلوق، خاف من كل شيء، ولا أدعوكم للتهور، وإنما للتوبة من هذه الزيادة في الحساب للمخلوق، والتفريط الواضح الجلي في حق الخالق جل شأنه.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى