إضاءات لتلافي الوطن
كثيرة هي انتظارات الناس دهماء ونخبة من الدولة.. يريد منها الجميع، لكن الأعز هو أن تدلف من يشتغل على إعمال العقل والتفكير في الوطن في فك طلاسم الأحداث في تفسير المواقف فيه.. واستنطاق صوامتها.. إذ في هذه الأخيرة يكمن خطر القوة غير المنظورة والتي قد تنبعث من تحت الركام أو من بين أحلاس ليل الغياب والإعمال..
فالوطن حضن حنون وأم رؤوم.. دوحة وارفة الظلال إذا ريعت أغصانها وتعهدت بخالص العناية وخالص التدبير.. إمكانات وإمكانيات.
فهو الجامع لكل خصائص الجمع من تنوع وتعدد في العناصر والمكونات.. تجسيدا لهدف التآلف والتأقلم المفضيان إلى التعايش والتعمير (فالجمال هو الانسجام على رأي الجاحظ).
ولعلها خصائص تميز وطننا الحبيب عن غيره من الأوطان المفتقرة لذلك البعد من جهة، وفضلا عن فقدان الأمم القوى المعزز لكل العرى وأوثقها ألا وهو المشترك المتمثل في الدين الاسلامي الحنيف المائز بالوسطية والاعتدال من جهة ثانية.
تصاغ كلمة مواطنة من الوطن كمصدر على وزن مفاعلة ولذا تنجو بنفسها من قساوة حكم الدكتور عبد الصبور شاهين (أحد مداميك اللغة العربية) الذي توصل في أبحاثه إلى الملغوم من الأوزان والصيغ الداخل في حكم المصدر الصناعي.. اذ هنا يضيق الحيز عن نقاش الفكرة ومتأتاها.
فالمواطنة في بعدها النظري مقرة في جميع الدساتير والمواثيق السياسية لبلدان العالم.
إلا أن الأسمى من مفاهيم المواطنة هي المواطنة العضوية: لأنه في ظل شيوع مشاريع تفكيك الهوية إلى هويات فرعية (وهو ما باتت وللأسف ملامحه تبدو بارزة في بلادنا) أو ما يدخل في مفهوم التفكيكية لوحدة الناظم ( مفهوم القومنة) وهنا يصبح من اللازم إعادة النظر كرتين بغية تبييئ الأرضية الخصبة والملائمة لإنبات وتجذير مشروع الاخوة والوحدة على أساس وقاعدة المساواة في الحقوق والواجبات مع تكريس العدالة الاجتماعية وشيوع الحرية الفردية والجماعية لكن طبعا تبقى الأخيرة مقيدة، إذا ما لامست حرية الآخر من جهة أو تجاوزت بالتساوق حدود التسامق نحو ثابت أومقدس تحقيقا للتنمية بمقومها الشامل اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا بما يضمن تقليص الفوارق بين ابناء البلد الواحد، بغية توجيد مواطن صالح قادر على العيش بأمن وسلام.. وبروح وطنية وثابة تكفل التناغم والانسجام سبيلا لتحقيق البناء والتقدم.
هذا ويبقى تجذير ثقافة الاخوة والمواطنة متوقفا على تضافر جهود التأصيل والتوصيل (على حد تعبير الشيخ عبد الله ولد بيه)
التأصيل: المنوط بالعلماء والحكماء وأهل الاختصاص والعارفين بأحوال العصر ومناطاته.
والتوصيل: الذي هو مهمة الوسائل والوسائط المختلفة والتي في مجملها إعلامية وتعليمية دون إهمال دور الدولة باعتبارها الجامع لكل ذلك وما يترتب عليها القيام به سواء من الناحية المعنوية في بسط لحاف الهيبة والحضور في كل التمفصلات والمظان (فاستعراض واظهار القوة لا يكون لمنع استخدامها) كي يدرك الجميع مدى قوة الحاضن وحرصه على تجسيد الوحدة الوطنية الكاملة.
ومن الناحية المادية أن تعمل عبر برامجها –وقد شرعت في ذلك- إلى العمل على ردم الهوة السحيقة وتقليص الفوارق التعليمية والاقتصادية والصحية.
حتى يلمس الجميع أنه في دائرة الاهتمام على سلم الأولويات (مقترب التمييز الايجابي) فكلما تمتع المواطن بحقوقه ترتب عليه أداء واجبه والعكس بالعكس..
كما يجب أن يحضر وبقوة كذلك دور النخبة وهنا أعني السياسية بالتحديد في تمثل مقترب التنقيات الثلاث:
– تنقية الصدر
– تنقية الالسن
– تنقية الايدي والجيوب
من كل ما له علاقة بثقافة التفتيت والتنخيل لعرى النسيج المجتمعي العام وما توصيات مؤتمر “أفلام” – المنعقد أخيرا في العاصمة نواكشوط وسط حضور لافت لأحزاب سياسية فاعلة في الساحة- عنا ببعيد.
وهي التوصيات التي يمكن إدراجها في دائرة اللاوطنية، إن لم نقل أمقت من ذلك. وعلى الجميع أن يدرك أن المتربصين بالوطن الدوائر في تزايد وعلى تنسيق مما يقتضي منا جميعا تضافر الجهود ورص الصفوف سبيلا إلى تأمين الوطن من مخاطر ومثالب الانزلاق والتردي في أتون الفوضى وعدم الاستقرار.
كما يظل في الاعتبار كبير الدور الملقى على عاتق العلماء وخطباء المساجد ومعتلي المنابر والمتمثل في توعية الناس وحثهم عبر المواعظ والتوجيهات على مخاطر الشحن والتفرقة والفوضى وعلى فوائد التعاضد والوحدة.
واليوم قبل أي وقت مضى أمام الجميع سانحة تاريخية من خلال التنزيل الفعلي لمقتضيات التوجيه والارادة السياسية التي عبر عنها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في خطاب التنصيب 02/08/2014 والذي ركز فيه على ضرورة تجذير وتكريس المواطن والمواطنة الحقة تحقيقا لأهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
وكذلك تجسيدا لخيار التحديث والتطهير الذي ينشده الرئيس محمد ولد عبد العزيز القائم على تشخيص بنيوي عميق ينهض بالمجتمع.. يجدد بناه السياسية والاجتماعية والثقافية ويطور قدراته في كل المجالات في الوقت الذي يسمح بالمشاركة الواسعة تحقيقا لهدف التقدم والتجديد الحضاري.
كل ذلك عبر مقترب يأخذ من الفئة الشابة الحيوية والطاقة والفعل باعتبار الشباب العنصر الفاعل في أي مجتمع وقطب الرحى في أية تنمية يراد لها الاضطراد والحياة، ومن مشروع المواطنة حاضنة تضمن التفاعل الايجابي والمطلوب في بئة تعكس التنوع والغنى من جهة وتعكس القوة والانسجام من أخرى.
مع الاستمرار قدما في مشروع مكافحة آفة العصر ومشكل مشاكل القرن المتمثل في معضل الفساد عبر تفعيل آلية الرقابة والمتابعة كي تكتمل أركان المشروع الوطني الكبير. مع اسهام الجميع كل من موقعه في غرس لبنات غدنا بخطوات رشيدة وحكيمة وهادئة معززة بالحوار الجماعي الديمقراطي الجامع بين الصدق والحرص على كرامة المواطن ووحدة الوطن.