ماذا قدم لنا الوطن لنتمسك به ؟
موريتانيا ذلك البلد المليئ بالتناقضات، ذلك البلد الغارق في التخلف والعنصرية والفساد، ذلكم ببساطة شديدة أقل ما يمكن أن يوصف به هذا البلد المثخن بجراح الماضي البعيد والقريب، فموريتانيا التي عرفت أحكاما عسكرية متعاقبة عجزت لحد الساعة عن إيجاد قاعدة مشتركة ، صلبة ومتينة تستطيع فئات هذا الشعب اتخاذها مرجعية تتكاتف حولها، فلا يخفى على أي كان ملاحظة أن غالبية “عنصر البيظان” (غير المتعلم وبعض المتعلمين) يرى أن الزنوج ليسوا إلا دخلاء على هذه الأرض وينبغي إعادتهم من حيث أتوا، لن تجادلني أيها القارئ الكريم، فهذا واقع بالنسبة للكثير من الموريتانيين و إن كان يحاول إخفاءه بعبارات رنانة سرعان ما تنكشف عند أو حدث مثير على مستوى البنية الإجتماعية. ثم إن الفئات الزنجية على اختلافها منطوية على نفسها بدرجة معينة وترى في ” البيظان ” ذلك الشيطان الذي لا يهمه إلا نفسه ويحاول بشتى الطرق إقصائهم مما يعتبرونه دولتهم ووطنهم الذي ليس لهم سواه ، أما ” لحراطين” فيحاولون الوقوف على الحياد في هذا الصراع البارد، لكن الواقع يجعلهم طرفا من حيث لا يشعرون، طرفا لأنهم يرون أنفسهم غير ممثلين في هذا البلد وبالتالي سيجدون أنفسهم بحاجة لإثبات موريتانيتهم عطفا على كونهم صاروا يسعون لتفرقة البلد وتفتيته بمجرد أنهم طالبوا بما يرون أنه حقهم المشروع في هذا البلد المحتكر( لن أخوض في هذا الموضع لأنه خارج السياق الآن)، و لن أدخل في نقاش نقطة ثانوية بالنسبة لي وهي ” عروبة لحراطين من عدمها ” لأنني أرى أن الأولى إثبات موريتانيتنا جميعا ثم نفكر بعد ذلك في الإنتماء الخارجي.
ما أثار هذا النقاش كله هو تصريح ” حركة افلام” بضرورة وجود حكم ذاتي – و ليس انفصال كما يُتدال – في الجنوب الموريتاني، دعوني أولا قبل الخوض في هذا النقطة أقول إن هذا المطلب مرفوض جملة وتفصيلا وليس مطروحا حتى للنقاش، لكن ردة الفعل المبالغ فيها حد السذاجة التي جُوبه بها هذا المطلب تعبر عن عنصرية دفينة ومتجذرة ، فطلب ” افلام ” هذا على لا واقعيته، يمكن أن يُرد عليه بهدوء وروية، ثم ألسنا أبناء وطن واحد؟ إذا ألا يتطلب هذا نقاشا بيننا حتى نثبت لبعضنا صوابية أو خطأ ما ذهب إليه، أما أن نطالب فورا بإقصائه وطرده من بلده فذلك تهور وإقصاء غير مقبول بتاتا.
لكن دعوني أتسائل معكم ، لماذا تطلب حركة ” افلام ” حكما ذاتيا في الجنوب ؟ أليس لشعورهم بالغبن وبالتهميش ؟ أليس لأنهم لا يرون أنفسهم من هذا البلد ؟ أليس لأنهم مطلوب منهم – وهنا أعني فئات الزنوج جميعا والتي أجزم أن الكثير من أفرادها يوافقون على طلب افلام هذا – إثبات موريتانيتهم في كل مرة ؟ ألا ننظر إلى أحدهم في كل مرة ونقول – بهمس – ما ذا يفعل هذا السينغالي هنا؟ لم لا يذهب إلى وطنه؟ ، لنتعامل بصراحة ونفهم أن هذا الوطن الجريح للجميع ولا يحاول بعضنا إقصاء الآخر بحجج ثبت خطأها وعدم إمكانية تطبيقها.
ولنفهم أن مشكلتنا الأساسية مع العسكر وحساباته الخاطئة التي يحاول بها الإمساك بيد من حديد بهذا البلد، وهم أصل الداء الذي يجب استهدافه مباشرة، هذا فقط إن كنا نريد بلدا متصالحا مع ذاته ، وللتذكير فقط وللتأكيد أيضا، أقول إن كل هذه الحساسيات أصلها العسكر وليس غيره، فلنتكاتف لإزالته أولا، ولنتخلى عن نظرة الريبة تلك التي ننظر بها لبعضنا البعض.
هنا قبل أن أختم ينبغي أن أشير إلى أن خطوة رئيس حزب تواصل السيد جميل منصور تعد خطوة جريئة وفي محلها ، فالإنفتاح على طيف أو فئة من فئات الشعب يعد مسألة في غاية الأهمية وتبعث على التقارب والتفاهم ، وحبذا لو فهم الكثر من المواطنين أن الأمور تحل بالحوار والتفاهم وليس بالإقصاء والتخوين ، ذينك الإتهامين الجاهزين دائما عند الغوغاء الذين لا يملكون حججا قادرة على إثبات آرائهم، كما أن خطوة حزب اتحاد قوى التقدم الجريئة هي الأخرى تعبر عن نضج سياسي ونظرة عميقة لمستقبل هذا البلد، أما التهرب والتنديد تماشيا مع ما يريده العامة فذلك تخاذل وتراجع في وقت التقدم والجهر بالحقيقة.