هل تخرج “شركة إسكان” من مستنقع الزويرات؟
تتزايد في موريتانيا أزمة السكن والمساكن، وتتفاقم يوما بعد يوم، وهو ما استدعى من الدولة وضع سياسة رامية إلى إنجاز مجموعة من المنازل من أجل تخفيف وطأة انعدام السكن وغلو الإيجار، وكانت ضمن البرنامج عاصمة تيرس الزمور، فمنذ عامين أشرف وزير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي على انطلاق مشروع بناء 600 وحدة سكنية في مدينة الزويرات، الوزير آنذاك با يحي بوكر ثمن الحدث، الذي أطلق في 5/مارس/2013، واعتبره مشروعا عملاقا، يدخل في سياسة رئيس الجمهورية الرامية إلى محاربة السكن العشوائي، وتأمين حياة كريمة للمواطن، وحث الوزير الشركات بما فيهم “إسكان” على احترام المعايير الفنية، والآجال القانوينة.
ومن أجل تنفيذ واستكمال المشروع تعاقدت “شركة إسكان” المكلفة به مع مجموعة من أصحاب المقاولات، حيث وقعت عقودا مع 18 مقاولة وطنية عاملة في مجال البناء والأشغال العمومية، ، وكان من المقرر أن ينجز المشروع في ظرف محدد، لا يتجاوز 18 شهرا، وبكلفة 7 مليارات، و262 مليونا، و380 ألف أوقية، ويساعد في تشغيل ودمج 150 من حملة الشهادات العاطلين عن العمل.
ومرت الأيام بازويرات الحالم بتسليم المساكن، التي تبنى مناصفة بين الدولة، وشركة اسنيم، فثلاثمائة مسكن تبنى على نفقة الدولة لصالح الموظفين، فيما تبنى الثلاثمائة المتبقية للشركة الوطنية للصناعة والمناجم “اسنيم”، ومع مرور الوقت اقتربت لحظة تسليم العمل، لكن العمل لم يكتمل، وبدأت الأمور تتحول إلى ما يشبه مستنقعا من الصعب الخروج منه.
المستنقع الذي دخلته “إسكان” ألغى بظلاله على وضعية المقاولات، التي تعمل في المشروع، تلك المقاولات التي كتبت عنها جريدة القلم المشهورة الناطقة بالفرنسية “le calame” في عددها رقم: 964، الصادر في 4/فبراير 2015، وكان الموضوع الذي صدر في الجريدة تحت عنوان: “مقاولات البناء والأشغال العامة تدق ناقوس الخطر”، وقد تناول المقال بشيء من التحليل الأزمة القائمة بين شركة إسكان من جهة، وبين المقاولات التي تعاقدت معها الشركة من أجل القيام بالعمل في أجله المحدد.
هذا فيما كتب قبلها موقع تقدمي ذائع الصيت عن أسباب عرقلة عمل إسكان، ففي مقال على الموقع المذكور ظهر في 15 سبتمبر 2014 تم تناول الموضوع تحت عنوان: “خلافات ولد أوداعة وولد جعفر الشخصية تعرقل مشروع إسكان ازويرات”، ومن خلال ذلك المقال رصدت تقدمي مجموعة من النقاط الأساسية، التي اعتبرت في تحليلها للموضوع أنها تقف خلف تأخر المشروع المنتظر.
ومن خلال الكتابتين المشار لهما أعلاه، ومن خلال التسريبات المتوافرة هنا، وهنالك، فإنه توجد مجموعة من الأمور المهمة والأساسية يمكن من خلالها فهم أزمة مساكن “إسكان”، التي تجاوزت الأجل الذي كان مقررا لإنهائها وتسليمها، فقد تجاوز عمر المشروع المفترض تاريخ التسليم، الذي كان مقررا له سبتمبر 2014، ليصبح ذلك التجاوز قريبا من دخول الشهر الخامس، ما يعني أن أحلام عمال الدولة واسنيم في السكن بالستمائة مسكن يكاد يقتله الإنتظار إلى أجل غير معلوم.
المقاولات التي تعاقدت مع شركة إسكان لم تنه منها العمل إلا خمس -5- مقاولات، فيما بقيت المقاولات الأخرى في المستنقع الكبير، لأسباب من بينها أسباب تعود إلى نقص في الدراسات، التي على أساسها يتم تنفيذ العمل، وقد نبهت المقاولات في رسائلها إلى الشركة على وجود النقص المشار له، لكن الشركة لم تهتم بالموضوع، إلا في مراحل متقدمة من إنجاز وتنفيذ العمل، كما أن الشركة تتأخر كثيرا في دفع المستحقات عن التاريخ المحدد لدفعها عند التعاقد، ومن المفارقة العجيبة أن المقاولات التي أنهت العمل بقيت معلقة، فلا هي تم تنزيل العمل عنها، ولا هي دفعت لها مستحاقاتها المتبقية على عاتق شركة “إسكان”، وهي مستحقات تناهز 300 مليون أوقية، ويحدث هذا الأمر الغريب في ظل أنباء متداولة، وقريبة من اليقين عن أن الدولة والشركة الوطنية للمناجم دفعتا لشركة “إسكان” كل تكاليف المشروع، فشركة اسنيم دفعت للشركة المعنية بإنجاز المشروع 4,6 مليار أوقية، فيما دفعت الدولة المبلغ المتبقي عن استكمال تكلفة المشروع العملاق، التي وصلت –كما سبق وقلنا- 7 مليارات، و262 مليونا، و380 ألف أوقية.
عدم تنزيل إسكان لما تم من العمل لم تقدم عليه سببا واحدا للمقاولات المعنية، التي كتب أصحابها مرات للشركة أملا في أن تتجاوب معهم، وبقيت المقاولات المتضررة تضع الأسئلة على نفسها: لماذا لا تعطينا شركة إسكان حقنا؟ …، أهكذا يتم احترام قوانين ونظم العمل من قبل “إسكان”؟ …
المقاولون –جميعا- من أنهى العمل، ومن لم ينهه كتبوا للجنة الوزارية المكلفة بموضوع شركة إسكان، وبناء الستمائة -600- مسكن، مطالبين بتكملة نواقص الدراسة، التي منها ما يتعلق بشكليات العمل، وبنوعية الرخام المستعملة، وبالأبواب، ونوعها، وما شابه، وفي ذات الوقت يشتكون للجنة الوزارية من توقف شركة إسكان عن دفع بعض المستحقات، ذلك التوقف، الذي يحدث أحيانا، ويستمر لبعض الوقت.
وتطالب المقاولات المتضررة في رسالتها للجنة الوزارية بإيجاد حلول لكافة المشاكل المطروحة، يكون مراعيا لقوانين ونظم العمل المعمول بها في المجال، وعلى رأسها قانون الصفقات العمومية.
وبعملية حسابية بسيطة يمكن القول أن الثمانية عشر مقاولة، حين أنهت منها العمل خمسة فقط، فقد بقيت ثلاثة عشر مقاولة في مكان العمل، تراوح مكانها، ومن المتوقع بحسب المراقبين أن لا تنه العمل المتبقي لها إلا في غضون سنة من الآن، ما يعني تأخرا كبيرا في الأشغال، تتحمل الشركة المتعاقدة مع المقاولات جزء كبيرا منه.
وكانت الصحف المحلية غداة انطلاق المشروع أكدت أن المساكن ستدشن في الثامن والعشرين من نوفمبر المنصرم، أي في عيد الاستقلال الوطني، وربما يكون ذلك هو السبب الرئيسي الذي جعل المقاولات الخمسة المنتهية من العمل تنه العمل قبل الأوان المحدد لنهاية العمل بشهر أو اثنين على الأقل، ما كان سيجعل –لو أنهت المقاولات الأخرى عملها- الاحتفال بالمشروع في 28 نوفمبر المنصرم 2014 أمرا واردا، خاصة أن نهاية المشروع بأكمله كان من المقرر لها التاسع من سبتمبر 2014 .
تعثر مشروع 600 مسكن في ازويرات سيلغي بظلاله الكثيفة على مشهد الإسكان والعمران في البلد برمته، حيث تتزايد مشاكل السكان بسبب قلة المساكن المعقولة، وارتفاع أجورها، مما جعل الدولة تعاني كثيرا من المشاكل في هذا السياق، وكان ازويرات على رأس هذه المعاناة، ففي تلك المدينة لطالما عانى موظفو الدولة من قلة المنازل، التي في متناولهم من ناحية الإيجار، كما عانى موظفو اسنيم من ذات السبب، واتفقتا -الدولة واسنيم- معا على تجاوز المشكل، لكن العراقيل تبدو قوية، ومن المتوقع أن تعصف هذه الأزمة بشخصيات كبيرة.
وكان موقع تقدمي في مقاله السابق الذي أشرنا له قد عزا المشكلة كلها إلى محاولات لــي الذراع، التي رجح قيامها بين مدير اسنيم محمد عبد الله/أوداعة، وبين مدير شركة إسكان محمد محمود/ولد جعفر، حيث تحدثت تقدمي عن وجود خلافات قوية بين الرجلين منذ أيام ولد جعفر يتبوأ منصب أمين السياسات في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وتأسيسا على الخلاف بين الاثنين فقد ألزم ولد أوداعة المقاولات القائمة ببناء الوحدات السكنية بزيادة ارتفاع المساكن بمتر وأربعين سنتيمترا، ما يعني زيادة التحملات الملقاة على عاتق المقاولين، مع تثنية تلك الزيادة في الارتفاع بتأخير دفع مستحقات “إسكان” من قبل اسنيم أحيانا.
وينفي مطلعون على واقع الأشغال قضية فرض ولد أوداعة لزيادة في الارتفاع، وفي ذات سياق يتحدثون عن فرضه لتكملة النواقص الغير واردة في الدراسات على المقاولين، ودون وضع مقابل لذلك من السيولة، يكون تعويضا عن العمل بمواداه وأتعابه المختلفة.
ويرى مراقبون للحدث أن العملية كلها لا تتعدى فشل “إسكان” في القيام بمهامها، وزيادة الطين بلة على ما هو عليه حاليا، حيث أزمات عمال اسنيم المتفاقمة، وزيادة الاستقرار في المدن الذي يحدث بوتيرة متصاعدة، في ظل عدم وجود الوحدات السكنية الملائمة لذلك، وزيادة عمال الدولة باضطراد في ظل غلاء أجور السكن، وضعف علاوته، وصعوبته خاصة في المدن، التي تشهد اكتظاظا غير مسبوق.
وإذا كان الموظفون في ازويرات وعمال اسنيم هنالك يترقبون قاطرة اكتمال مشروع بناء الوحدات السكنية، فإن عمالا آخرين في كل صوب وحدب من الوطن يتمنون أن تنتهي مساكن أولئك المنتظرين، ويغلق ملفها، لتفتح الدولة مشروعا مماثلا في مكان آخر من الوطن يسهم في توفير السكن اللائق للمواطن والعامل على حد سواء، ويتمنى الجميع بناءً عليه أن لا تبقى شركة “إسكان” غارقة في مستنقع مشاكل إنجاز الستمائة مسكن في مدينة أزويرات.