توقفوا ، وإلا.. فبلادنا تترنح بفعلكم أيها (العباقرة) الساسة بقلم/ أبو العتيق

شهد الحراك السياسي منذ سنوات حالة مد وجزر أشبه ما تكون بعملية فيزيائية لكرتين معلقتين بخيطين على أرجوحة بمسافات وأوزان متساوية، تسمح لهما بالالتقاء في نقطة معينة بذات السرعة وما إن تلتقيا حتى تعود كل واحدة منهما الى موقعها في عملية سيزيفية لا طائل من ورائها،

تماما كما هو الحال بالنسبة لساستنا موالاة ومعارضة، حيث يسمع المراقب منذ فترة ليست بالقصيرة عن محاولات نظنها جادة للحوار ونسمع تصريحات وندوات ومؤتمرات صحفية ثم ما تلبث الأمور أن تختفي وتتلاشى، ثم مؤتمرات وندوات يحاول كل طرف فيها أن يحمل مسئولية ذلك الفشل للآخر ويلقي عليه باللائمة ثم ينتهي كل شيء كما بدأ أول مرة..

ويستمر المشهد في صمت رهيب يتخلله سباب وقذف وتجريح ووعد ووعيد ، كل يزمجر ويعربد ويهدد ويتوعد دون أن يلوح في الأفق بصيص أمل في حوار جاد يفضي الى مسار إنتخابي نزيه وشفاف، يقود إلى بناء مؤسسات ديمقراطية فاعلة وفعالة تؤمن وتحمي هذا البلد المسكين من غوائل الأيام المتربصة بالبلاد، أم أن اليأس وحب الذات والنرجسية طغيا على الكل وأخذا بزمام كل فرد من أفراد ما يطلق عليه تجاوزا النخبة السياسية موالاة ومعارضة ؟؟؟

اليس فينا رجل رشيد؟ ألا تنوء عاصمتنا ومعظم بلادنا بالمثقفين والسياسيين والمفكرين ؟؟؛؛ ألم تدرك موالاتنا ومعارضاتنا بعد أن البلاد تترنح منذ أمد بعيد ليس بسبب الفساد وحده الذي اقترفته أيدي الجميع، والذي طال جميع أوجه الحياة فحسب وإنما أيضا بسوء تفكير وأداء وأنانية نخبنا السياسية جميعها؟ الم يدرك هؤلاء (العباقرة) حسب زعمهم أن السقوط الذي يأتي عادة بعد ترنح طويل يصعب إن لم نقل يستحيل النهوض منه؟ وعندها سيندم الجميع ، ولاة حين مندم على تصرفاتهم وسلوكم في التعاطي ، حيث لم يعد أمامهم حين ذالك سوى تقليب الأكف على الخيبة التي هي حصاد فعالهم الخائبة اليائسة القاصرة وتفكيرهم السقيم..

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

الم يدرك هؤلاء (العباقرة) بعد أنه في عوالم الأمل فضاء رحب ، لكن لا يستطيع فهم أبعاده ،ولن يتمكن من التبصر عميقا في مزاياها ، والإرتواء من معينه الزلال، وخصائصه المشبعة بماء الحرية والديمقراطية والتسامح والفضيلة سوى القليل ، والقليل جدا من أصحاب الفكر والقلم ، وثلة من زبابنة السياسة المسكون فكرهم بالهم العام، المشرئبة أعناقهم دائما ، وأبدا إلى الأفضل ، والأحسن والأجمل في هذه الحياة في حالة وجدانية حالمة متفائلة ترى في اليأس وميض الأمل المنشود المفعم بالحياة الجميلة الحرة الكريمة ، وفي العمل خطوات على طريق النجاح، والفوز في معركة الحياة دائمة الأنوار…

قليلا ما هم هذا الصنف من الرجال الذين تمكنوا من التجرد من ثياب العجز ،والكسل ،واليأس ،وتدثروا بدثار الأمل والتفاؤل والثقة في المستقبل ، وفي قدرات الأمة والشعب ،وفي التشبث بمعاني الحياة السامية التي خلقت أصلا لغاية واحدة هي إتاحة الفرصة لتباري أبناء الجنس البشري في تشييد وبناء عالمهم المثالي بتلك المواصفات التي ستظل عصية التحقيق من خلال التنافس الايجابي في فعل الخير ،وتشييد الحضارة المنجز الأفضل والأعلى قيمة في تاريخ مسيرتهم والهدف الأسمى لوجودهم منذ نشأتهم الأولى..

ولعل ما انتاب المشهد السياسي في بلادنا منذ نشأة الدولة الحديثة من فشل طال معظم المشاريع السياسية التي تم عرضها على الساحة الوطنية كان بسبب إغفال واضعيها والمبشرين بها لتلك الحقيقة الأمر الذي أصاب الجميع بالإحباط نخبة وساسة وعامة..

في خضم هذا الواقع المثقل بالهموم ساد رجال كثر ثم صالوا وجالوا حتى خيل للكثيرين أن الحياة لن تستقيم بدونهم؛؛ ، ثم ما لبثوا أن بادوا ،واختفوا من مسرح السياسة ومن المشهد العام قاطبة دون أن يتركوا أبسط ذكرى ايجابية في نفوس الناس أحرى فعلا حضاريا يحسب لهم ضمن سيرهم الذاتية إذا ما عرج احد المؤرخين الهواة على تلك المراحل التي تبوءوا فيها مواقع هامة خلال مسيرة البلاد في فترات دفعت بهم الأقدار ،وسوء الواقع وتناقضاته إلى تبوئها؛؛ وهو أمر قد يحدث، بل سبق أن وقع أكثر من مرة حيث ذكر لنا التاريخ بعض النماذج الواهنة المتواضعة التي قذفت بها الظروف دون كبير جهد منها إلى مواقع هامة وبصورة عابرة ، ولكن ذكرها ورد بما يقارب الذم والنقد في حالات معينة كان من الأفضل إغفالها وتناسيها لولى الظروف المحيطة .. فالتاريخ كما يقال يعيد نفسه أكثر من مرة ويجتر مع عودته الكثير من الأحداث التي يتمنى البعض ممن واكبوها أن تقتطع تلك الفترة من تاريخهم إلى الأبد لسوء فعالهم نتيجة ضعف في النفوس أو قصور في الفكر والأداء…

ثم اختفوا في أماكن قصية من المشهد السياسي عندما تغيرت الظروف التي جاء ت بهم دون كبير عناء إلى تلك المواقع ..

وفي الجهة المقابلة من المشهد هناك نماذج من الساسة لم يعرفوا يوما طعم المناصب ولم يتكالبوا على الموائد ولا الوظائف وقد ظلت أدوارهم المتواضعة وإخفاقاتهم وفشلهم وهزائهم شعلة لا تعرف الانطفاء ومبراسا يضيء لهم طريق مجابهة ومغالبة الواقع العنيد الذي يتحدى الجميع دونما كلل أو ملل متعالين عليه ومتجاوزين له سبيلا إلى خلق واقع أفضل وأحسن لم يثنهم تهميش ولا حرمان ولا إقصاء ولا سجن يوم كان السجن مأوى لكل من يحاولة التعاطي في مجال السياسة ومنزلا لكل من تسول له نفسه نقد أو مواجهة ذالك الواقع المرير الذى ظلت البلاد تتخبط في وحله عقودا..

إنهم قلة إستمرأوا الهم العامة بعفة وتصميم لا تبديل ولا اعوجاج في مسيرتهم سوى النزر القليل مما يعرف في قاموس السياسة بالتكتكة : (إجراء ظرفي، يشي بانحراف عن النهج العام خدمة للهدف الأكبر أو مهادنة ظرفية لوا قع عجز عن مواجهته حتى يتسنى التغلب عليه في الغد أو اليوم الموالي ضمن يوميات معركة الحياة الأزلية..

هذه الفئة من الساسة _ على قلتها _ استطاعت أن تنحت لنفسها مواقع في نفوس وعقول المواطنين قبل المثقفين عن طريق أدائها وممارستها السياسية عبر عقود دون أن تقدم تنازلا على مستوى القناعات أو على مستوى النهج بفضل تصميمها وقناعتها بمبادئها التي ظلت مصممة على التمسك بها وظلت تجالد في سبيلها مغريات الحياة المختلفة من وظائف ومناصب وغيرها من نشب الحياة الذي أغرى الكثير من أقرانها، واستمروا على ذالك النهج دون تبديل ولا تحريف خدمة لمشاريعهم التي يرى فيها الكثير ممن استعجلوا المنافع الذاتية الكثير من الطوباوية وعدم الواقعية…

صحيح أن الالتزام بالمبادئ والصرامة في العمل على تحقيق الأهداف أمر محمود يحسب لهذا الصنف من الساسة بل ويعد فضيلة في هذا الزمن الذي أضحى فيه المذهب (الميكافيلي) موجها لتفكير وسلوك معظم الفاعلين من سياسيين وغيرهم دون مراعاة لأية إعتبارات أخرى قد تتناسب طرديا مع أخلاقيات العمل السياسي بالنسبة للكثير من المثقفين والمفكرين الذين يلاحظون باخلاقية خجولة على بعض المواقف السياسية الموغلة في الإنتهازية التي تبدر من بعض الساسة والمثقفين الذين يتشدقون ببعض الالتزام خلال الممارسة السياسية ..

قد يكون من الإنصاف بل من الحكمة التنويه بمثل هاؤلاء الساسة الذين ما زالوا رغم حجم المعاناة يتشبثون ببعض الثوابت الأساسية في ميادين الوطنية والوحدة والهوية والدين والعدل والمساواة وغيرها دون أن يقبلوا أي مساومة في هذا المجال مهما كانت الضغوط والمغريات المقدمة لهم فهم بذالك النهج يمثلون مرجعية ثرة وذخرا نادرا حتى لمن يتظاهرون بمخالفتهم تحت إغراءات معينة في ظرفية تاريخية ما موالاة لهذا النظام أو ذاك ومحاباة لذالك الحزب أو تلك الفئة ، فتلك الثقة التي يحظى بها هذا الصنف من الساسة حقيقية لكونها تمثل في جوهرها – بالنسبة للجميع -الحلقة الصحيحة المتماسكة التي تحافظ بصرامة على النهج الصحيح والطريق المستقيم الذي يضمن سلامة وأمن واستمرارية البلد من الإنزلاقات والهزات التي لم يعد هناك بلد في مأمن منها.. ولكن، اليس من حق الجميع على هؤلاء الرجال الذين يحظون باحترام وتقدير معظم المواطنين والفاعلين من مثقفين وسياسيين وغيرهم صرحوا بذالك أو أخفوه لحاجة ما في نفس يعقوب أن يتحلوا بالمزيد من المرونة وسعة الأفق ويبتعدوا ولو قليلا عن منهج الصرامة المفرطة في التفكير والممارسة وأن يترجلو عن عروشهم التي حبسوا أنفسهم فوقها أو بداخلها ويستثمروا مخرونهم المتراكم من الخبرة والثقة التي يكن لهم الجميع في سبيل التقدم بأفكار موضوعية محقة ومنصفة يضعوها أمام الجميع سبيلا إلى خلق جو توافقي يفضي الى تفاهمات تسهل انسيابية العمل السياسي وتبعده أشواطا عن أجواء الشحناء والشد والجذب التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تفضي إلى ما هو ايجابي وبناء؟؟ فتلك مسئوليتهم التاريخية التي سيسائلهم التاريخ عنها يوما إذا ما فرطوا فيها بحكم تجاربهم وخبرتهم في المجال كما أن عليهم أن يدركوا بدورهم أن الحياة تتغير بسرعة وأن اللعبة السياسية تتطلب الكثير من الحيوية ،والمرونة وعدم التخندق حتى تكون أكثر نفعا وأغزر فائدة على البلاد.. وإلا فسيكون دعاة تجديد الطبقة السياسية الذي يدعو له البعض على قدر كبير من الموضوعية ولو كان ذالك بصورة تعسفية عكس ما يفترض أن يحدث بهي تاريخيا…

والا فسوف نصدق ذالك الاتهام الذي كنا نسمع دائما ونرفض مجرد الاستماع اليه ، أحرى تصديقه، أننا نحكم من خارج حدودنا، وأن تفكيك البلاد أصبح ستراتيجية حكامنا البعيدين… لست أدري؟ ولكني أدري أن من لايستطيع حماية بلده ويمتلك وسائل إنقاذه من السقوط أو التفكيك ليس له الحق في البقاء على وجه أديمه أحري قيادة سفينته.. ففي فضاءات السياسة يكون الامل والعمل أفضل وسيلة لتحقيق الاهداف الكبرى وتخليص البلاد من السقوط..

بقلم/ أبو العتيق

نقلا عن وكالة النبأ الإخبارية

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى