“اسنيم” في خطر / محمد الأمين ولد الفاضل
بسم الله الرحمن الرحيم
أصيبت شركة “اسنيم” بشلل تام يوم الخميس الموافق 05 ـ 03 ـ2015، وتوقف تصدير الحديد بشكل نهائي في هذا اليوم، ومع ذلك فإننا لم نسمع عن إقالة وزير، ولا عن سجن مدير، ولا عن تشكيل خلية أزمة لمواجهة المخاطر التي تهدد أهم شركة في موريتانيا، لم نسمع شيئا من ذلك، ولكننا في المقابل تلقينا في هذا اليوم درسا رائعا في علم المعاني قدمه لنا الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي.
الوزير لم يتحدث في مؤتمره الصحفي عن هذه الأزمة الخطيرة التي تمر بها شركة “اسنيم” إلا بكلمات معدودة، وقد قال في تلك الكلمات بأن “شركة اسنيم ستُحَلُّ في الأيام القادمة”، فهل كان الوزير يعي ما يقول، وهل يعني ذلك بأن الشركة قد حُسِم مصيرها، أم أن خوف الحكومة من الاعتراف بوجود أزمة داخل شركة “اسنيم” هو الذي جعل الوزير يتجنب استخدام كلمة أزمة مما أوقعه في مثل هذا الخطأ الفادح؟
لقد حاولت الحكومة أن تتجاهل أزمة “اسنيم” وذلك رغم القوة التي بدأ بها الإضراب، وقد ظلت إدارة”اسنيم” تمطرنا ببيانات كاذبة تقول فيها بأن الإضراب لم يؤثر سلبا على الإنتاج، بل على العكس من ذلك، فقد ادعت الإدارة بأن الإنتاج قد زاد في فترة الإضراب، ولقد أكد الرئيس خلال اجتماعه مع البرلمانيين بأن الإضراب لم يؤثر سلبا على الإنتاج. ظلت الحكومة تكرر تلك المعلومات المغلوطة والكاذبة إلى أن حدثت الكارثة، وإلى أن أصيبت الشركة بشلل كامل، فما كان حينها من الناطق الرسمي باسم الحكومة إلا أن انشغل في مؤتمره الصحفي عن تلك الكارثة بتبيان الفوارق بين الجملة الخبرية والجملة الإنشائية!!
المرة الوحيدة التي حاولت فيها الحكومة أن تتعامل مع الإضراب بوصفه يشكل أزمة تمثلت في إرسال وزير الطاقة والمعادن إلى العمال المضربين في “ازويرات” و”نواذيبو”، وليتها لم ترسل ذلك الوزير. لقد تحدث الوزير إلى العمال بلغة مستفزة وخيرهم بين أن يعودوا إلى عملهم لتتفاوض معهم الشركة بعد ذلك، أو يتركوا الشركة تنهار، وكانت النتيجة الوحيدة لتلك الزيارة هي أنها استفزت بعض العمال الغير مضربين وجعلتهم يلتحقون بالإضراب.
لقد كان التعامل الرسمي مع هذه الأزمة الخطيرة تعاملا ساذجا، سخيفا، غبيا، ومستفزا، ويكفي أن نعلم بأن الحكومة ظلت منشغلة باستقبالات السفير الأمريكي حتى في اليوم الموالي لليوم الذي توقف فيه تصدير الحديد بشكل كامل.
ففي يوم الجمعة (06/03) تم استقبال السفير الأمريكي من طرف ثلاثة وزراء، وهم: وزير التهذيب الوطني، وزيرة الشباب والرياضة، والوزيرة المكلفة بالشؤون المغاربية والإفريقية. وكان هذا السفير قد تم استقباله في الأسبوع الأول من هذا الشهر من طرف وزيرة التجارة يوم (3/3)، ووزير التعليم العالي، ووزير المياه، ووزير الإسكان والعمران في يوم (2/3). كل هذه الاستقبالات تمت فقط في الأسبوع الأول من شهر مارس، أما استقبالات الوزراء لهذا السفير في الشهرين الماضيين فلا أستطيع أن أعددها لكثرتها. يضاف إلى ذلك اللقاءات الكثيرة التي نظمها هذا السفير برؤساء الأحزاب وبالمنظمات المرخصة وغير المرخصة، هذا فضلا عن تغلغله الغير بريء في المجتمع الموريتاني حيث تكرر ظهور هذا السفير في المحلات الشعبية، وحتى في الأعراس، فتارة يظهر هذا السفير وهو يرقص تحت خيمة، وتارة يظهر وهو يرافق العريس والعروس، وما يقوم به هذا السفير من تحركات مشبوهة في بلدنا لا يختلف عن تلك التحركات المشبوهة التي كان يقوم بها على أرض السودان الشقيق من قبل تفككه.
ذلكم قوس كان لابد من فتحه للفت الانتباه إلى التحركات المشبوهة التي يقوم بها السفير الأمريكي، وبالعودة إلى إضراب عمال “اسنيم”، فإنه لابد من تسجيل الملاحظات التالية:
1 ـ يحاول البعض أن يُحَمِّل عمال “اسنيم” جزءا من المسؤولية فيما حدث، وذلك رغم أن عمال “اسنيم” لم يطالبوا بغير ما تم الاتفاق عليه في يوم 03 مايو 2014 بين مناديبهم وإدارة الشركة، وهم لم يطالبوا بأكثر من فتح حوار مع الإدارة، ولكن الإدارة ظلت ترفض فتح أي حوار، ولو أن الإدارة فتحت حوارا مع العمال وبينت لهم بالأرقام بأنها لا تستطيع أن تنفذ بنود الاتفاق في مثل هذا الوقت لتفهم العمال ذلك، ولكن الإدارة لم تفعل ذلك، لأنها تعلم بأنه وحتى في ظل انخفاض أسعار الحديد عالميا فإن الشركة لا تزال تحقق أرباحا كبيرة.
2 ـ يتحدث البعض عن انخفاض أسعار الحديد، ويتناسون بأن سعر الحديد كان مرتفعا في السنوات الماضية، وبأن الشركة قد راكمت أرباحا خيالية خلال تلك السنوات، وبأن تلك الأرباح كانت تكفي لأن تحل كل مشاكل العمال خلال عدة سنوات قادمة، ولكن الشركة اختارت أن تبدد تلك الأموال في استثمارات وصفقات مشبوهة، وفي منح قروض لشركات خاصة (15 مليار أوقية لشركة لم تف بالتزاماتها، فبدلا من أن يتم تغريم تلك الشركة فقد تم منحها هذا القرض الضخم من طرف شركة “اسنيم”). ألم يكن الأولى بالشركة أن تخصص جزءا يسيرا من تلك الأرباح الطائلة لزيادة رواتب عمالها، والذين يرجع لهم الفضل في تحقيق تلك الأرباح الطائلة؟ يبقى أن أشير هنا إلى أن الحكومة تنسى دائما أن تذكرنا بانخفاض أسعار المحروقات في الأوقات التي تذكرنا فيها بانخفاض أسعار الحديد، فبأي منطق يطلب من عمال “اسنيم” بأن يتحملوا لوحدهم النتائج السلبية لانخفاض أسعار الحديد عالميا، وذلك في وقت لم تقبل فيه الحكومة بأن يكون لانخفاض أسعار المحروقات أي أثر إيجابي على مستوى معيشة المواطن؟
3 ـ يتحدث البعض عن تسييس الإضراب، وينسى هؤلاء بأن الحكومة هي من أدخلت الشركة في مستنفع العمل السياسي، وذلك عندما أرسلت مدير الشركة أكثر من مرة في حملات انتخابية، وسمحت له بأن يبدد أموال الشركة في تلك الحملات. ثم إن الحكومة قد رفضت أيضا أن تتخذ موقفا حياديا بين العمال والإدارة، واختارت أن تنحاز وبشكل فاضح للإدارة. وقد يكون من المهم أن أذكر هنا بأن نظام “ولد الطايع” ورغم كل عيوبه إلا أنه مع ذلك ظل يبعد هذه الشركة عن التجاذبات السياسية، كما أنه تمكن من الحفاظ عليها في ظرفية اقتصادية صعبة جدا، كانت فيها أسعار الحديد متدنية جدا.
4 ـ لو أن الشركة استجابت لمطالب العمال المضربين في وقت مبكر لمكنها ذلك من توفير مبالغ كبيرة خسرتها الشركة وستخسرها مستقبلا بسبب تعنتها، وبسب رفضها لأن تتحاور مع العمال المضربين.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
elvadel@gmail.com