العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على الأمن القومي للدول الإفريقية

العقوبات الاقتصادية وهى إجراء أحادي يندرج تحت ما يعرف بالتدابير القسريه الانفرادي، تلجأ إليه الدول العظمى تجاه دولة ما لتحقيق أغراض أو مكاسب سياسيه تهدف إلى إزالة النظام القائم في تلك الدولة أو ممارسة ضغوط عليها.

ولعقدين من الزمان ظل السودان عرضة لعقوبات اقتصاديه من الولايات المتحدة الامريكية التزمت بها بعد ذلك دول الاتحاد الأوربي وكثير من المؤسسات المالية الدولية..

والعقوبات الأمريكية ناجمة عن وجود قوانين عامة سارية تُلزم الإدارة الأمريكية بتنفيذ عقوبات على دولة معينة إذا وقعت تلك الدولة تحت تصنيفات محددة مثل التخلف عن سداد المديونية أو عدم احترام الحريات الدينية، أو غيرها من المبررات.

وقد استهدفت العقوبات الأمريكية السودان تحديداً وصدرت إما كأوامر تنفيذية عن طريق الجهاز التنفيذي أو عن طريق تشريعات برلمانية من الكونغرس.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

واستخدمت بعض الدول العظمى أشكالاً متعددة من العقوبات الاقتصادية، حيث تعتبر وسيلة لمعاقبة أنظمة الحكم التي لا تتوافق معها سواء كانت هذه الذريعة مقبولة أم غير مقبولة، شرعية أم غير شرعية، فان الشعوب هي التي تتحمل التبعات الظالمة التي تترتب عليها العقوبات الاقتصادية.

هذه الازدواجية في النظرة لحقوق الإنسان فضلاً عن الآثار المدمرة المترتبة على تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد الشعوب مثل العقوبات الاقتصادية التي فرضت على دول مثل(ليبيا والسودان وسوريا وزيمباوي والصومال وجنوب أفريقيا ) وغيرها، يقوم الحصار في المعني التقليدي على قطع التواصل الدولي أو مراقبته، حيث يكون القطع وسيلة لضمان فاعلية الحصار ويشتمل الحصار في الغالب على إجراءات أكثر عمومية وإلزاماً، لذا فان الحصار الاقتصادي يعني فرض عقوبات أوسع من الحظر لأنه يستهدف قطع جميع العلاقات الاقتصادية والمالية ومن الشائع إن الحصار هو استخدام القوة لفرض احترام حظر معين.

وسائل الحصار الاقتصادي وأهدافه

الوسائل البرية: ويعني منع الاتصال الاقتصادي لبلد الهدف والعالم الخارجي عن طريق تقييد حركة التجارة الخارجية للبلد المستهدف مع العالم الخارجي بشقيها الاستيراد والتصدير من خلال منع صادرات البلد ووارداته عبر أراضي الدولة أو الدول الأخرى.

الوسائل البحرية: والذي يعني غلق الطرق بوجه السفن والوسائط الأخرى للعدو أو عزل موانئه عن العالم الخارجي ، فيهدف إلى التأثير في اقتصاد البلد المستهدف وشل قدراته من خلال تعطيل حركة التجارة الخارجية المارة عبر البحر أو من خلال تهديد موانئه التجارية وفرض الحصار عليها وفي هذا النوع من الحصار حصاراً اقتصادياً في حقيقته.

الوسائل الجوية: وهذا النوع لا يقل أهمية عن الوسائل البحرية ، لاسيما في تطور فاعلية سلاح الطيران المستخدم في تنفيذ الحصار وسرعته للإضرار بالقدرة الاقتصادية للبلد المستهدف ، كما تزداد فاعلية سلاح الطيران وتأثيره كلما تكررت الغارات الجوية في فترات دورية متقاربة بهدف شل عجلة الإنتاج بالمصانع.

أما أهدافه فهي تقييد حركة التجارة والخدمات والاستثمارات الأمريكية وغيرها من الدول الدائرة في الفلك الأمريكي مع السودان وتجميد الأموال المملوكة للدولة والمواطنين العاديين كما تم تقييد كثير من النشاطات المتعلقة بتنمية الموارد البشرية وحركة التقانة ومن ثم قبول السودان بشروط الانصياع والتعامل مع أمريكا وغيرها وفق رؤاها وإستراتيجيتها العالمية المبنية علي الهيمنة والتسلط

كما أن العقوبات الاقتصادية تستدعي استجابة معينة من السلوك الإنساني تحددها كمية من الانفعالات الشديدة المفروضة، وفي كل الأحوال فان العقوبات بيئة تستلزم تكيفاً يناسبها، وبمقدار ما ينجح الإنسان في قدراته على التكيف المناسب علي تبعات العقوبات بمقدار ما يكون بعيداً عما يحدثه الانفعال المصاحب لها.

طبيعة العقوبات ضد السودان

يصادف الثالث من نوفمبر من كل عام (الذكري السنوية) لإقرار العقوبات على السودان. إذ تم صدور قرار العقوبات الأمريكية على السودان في اليوم الثالث من نوفمبر في العام 1997م، بقرار تنفيذي رقم 13067 من الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، بموجب القانون الأمريكي للطوارئ الاقتصادية تم بموجبه تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنلوجيا الامريكيه للسودان ومن ثم حصاراً اقتصاديا يلزم الشركات الأمريكية وأي مواطن امريكى بعدم الإستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان.

جاء في: الحجز على الأصول والممتلكات السودانية في أمريكيا، وإيقاف التداول والتبادل التجاري مع السودان الأتي :

عدم استيراد أي سلع أو خدمة منشؤها سوداني.

عدم تصدير أي سلع أو خدمات أمريكية المنشأ للسودان؛ بما في ذلك التكنولوجيا الأمريكية.
منع التسهيلات عبر أشخاص أمريكان؛ بما في ذلك منع التسهيلات والوساطة المالية لأي سوداني.

عدم عمل أي عقود أو مشروعات بواسطة مواطن أمريكي للسودان.

عدم منح قروض أو تسهيلات مالية بواسطة مواطن أمريكي لصالح حكومة السودان.
عدم القيام بأي نشاطات أو إجراءات تتعلق بنقل البضائع من السودان أو إلى السودان، وبالمثل عدم التعامل مع أي وسيلة نقل مسجلة في السودان.

أما الأمر التنفيذي التالي بالرقم 13400 بتاريخ 26/4/2006 والذي أصدره الرئيس الأمريكي بوش، فكان يتعلق بحظر ممتلكات عدد من الشركات والأفراد السودانيين، وعدم تحريك ممتلكاتهم أو تصديرها أو صرف عائدها أو التعامل بها، حيث شملت 133 شركة و3 أفراد. والأمر التنفيذي الثالث رقم 13412 صدر بتاريخ 13/10/2006م ووقعه أيضاً الرئيس بوش مدعيا أن سياسات حكومة السودان تهدد أمن وسلام وسياسة أمريكا، خاصة سياسة السودان في مجال النفط.. وهو يعني تعاون السودان مع الصين وماليزيا والهند، وبالتالي فإن البترول السوداني المستخرج بواسطة شركات هذه البلدان سوف يصدر لها، ولن يكون متاحاً للسوق الأمريكي، وذلك يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي؛ أمن الطاقة 2000.

أما الرئيس أوباما : فقد قام بتجديد هذه العقوبات بتاريخ 27/10/2009م وظل يجددها عاما بعد عام، حتى هذا العام 2014م وسيمتد أثرها حتي العام الحالي 2015م. لقد ظلت هذه المقاطعة وهذه العقوبات على مدى عقدين من الزمان، وشكلت ضغطاً متعاظماً على الاقتصاد السوداني؛ بحجج أمريكية واهية.. فتارة السودان يهدد جيرانه.. وأخرى انه يدعم الإرهاب العالمي ويهدد الأمن والسلم العالميين أو بحجة النزاع الداخلي في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

رغم أن تقارير وزارة الخارجية الأمريكية نفسها تشير لعكس ذلك؛ مثلا في تقرير العام 2006م خلص إلى أن السودان كان متعاونا جداً في مكافحة الإرهاب، وأيضا تقارير الكونجرس في عام 2009م والتي أرسلت له بواسطة إدارة الأصول الخارجية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية؛ المعروف بـ OFAC، أكدت تعاون السودان في مكافحة الإرهاب .

إذن ليس هنالك أسباب جوهرية لحظر السودان تجارياً، وإصدار عقوبات اقتصادية عليه، ولكنها ادعاءات تقدم دائماً وتوجه نحو الدول التي لا تنسجم سياساتها مع المصالح الأمريكية؛ مصالح البترول والمواقف السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

الآثار الاقتصادية المترتبة على العقوبات

إذا طرحنا سؤالاً حول ، ما هي الآثار التي تترتب على هذه المقاطعات والحظر؟ عملياً فان المقاطعة أبطلت عدة معاملات مالية من المعاملات التجارية المهمة .

فمثلا عانى بنك السودان المركزي كثيراً بسبب قلة عائدات الدولار، والسعي إلى تحويل أرصدته إلى عملات أخرى مثل اليورو، كما وجد صعوبات كثيرة في إجراءات التحويلات والمعاملات المالية الخارجية عن طريق بنوك لا تلتزم بالعقوبات الأمريكية، مما زاد من تكلفة هذه التعاملات، إضافة إلى فقدانه لمبالغ محجوزة لدى أمريكا تخص حكومة السودان، أو شركات ، أو أفراد سودانيين .

كما جعلت بعض البنوك التجارية الأجنبية تهجر السودان، مثل بنك سيتي؛ البنك الأمريكي المنشأ الذي غادر السودان عام 1998م وأيضا بعض الشركات الأجنبية الأخرى في مجال الاتصالات والبترول… الخ.

•و أضرت العقوبات بالقطاع الوطني، خاصة صغار المستثمرين، وزادت تكلفة انجاز الأعمال، وحجبت عنه فرص التمويل الخارجي .

وأرغمت هذه العقوبات البنوك السودانية التعامل خارجيا من خلال عملات بعينها أو الاضطرار إلي التحول الي عملات أخري مما يعني تآكل رؤوس الاموال بسبب المبادلة بين العملات الاجنبية لتجنب الدفع بعملة الدولار الامريكي .

وبسبب ترابط المصارف عالمياً مع الولايات المتحدة بحكم قوة اقتصادها ، وإن التعامل مع السودان يشكل عبئاً للمصارف العالمية بسبب الغرامات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية علي بعض البنوك المخالفة.

ففي ظل هذه الظروف انقطعت صلة السودان بمعظم البنوك الامريكية، ثم البنوك الاوروبية، ثم بدأت بعض البنوك الخليجية التي لها مصالح كبيرة مع أمريكا تعتذر للبنوك السودانية.

وبالنسبة لأثر على العقوبات على المؤشرات الاقتصادية ففي الوقت الذي كان يلاحظ فيه أن أداء المؤشرات الاقتصادية جيداً خلال فترة التسعينيات ، وكان الاقتصاد جاذباً للاستثمار، بل كان السودان الدولة الثانية في المنطقة في جذب الاستثمار، ولكن بعد المقاطعة تغيرت بيئة الاستثمار وبدأ الاقتصاد السوداني ومؤشراته في التراجع ، وتدهورت قيمة العملة الوطنية ، فبعد أن كان الدولار الأمريكي يعادل جنيهين؛ أصبح الآن يقارب تسعة من الجنيهات، وتدنى النمو بعد أن كان 7% في العام في المتوسط تدنى إلى اقل من 3% .، كما ارتفع التضخم وزاد عجز الموازنة وزاد الدين العام الخارجي وظلت أمريكا تمنع السودان من أن يستفيد من مبادرة إعفاء الديون المصروفة (هيبك) ومبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، بسبب تأثير أمريكيا في الدول والمؤسسات الدائنة. أعفت كل الدول تقريباً ما عدا السودان رغم استيفاء كل شروط الإعفاء، وحتى البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي؛ والسودان عضو أصيل فيهما، ظلا لا يقدمان للسودان أي دعم بسبب التأثير الأمريكي عليهما، وتدخلت أمريكا أيضا ولم تسمح للسودان بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية (WTO) رغم استيفاء كل شروط الانضمام.

.كما أثرت العقوبات بشكل قوي على بعض القطاعات الحيوية مثل القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه نسبته 70% من السكان، وهي محور الأمن الغذائي والصادر. وتمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي. وبسبب المقاطعة لم تتحصل الزراعة على المعدات والآلات الأمريكية الحديثة ولم تنل حظاً من التقانات التي تساهم في رفع الإنتاج وتقليل الكلفة التي يعاني منها القطاع الزراعي . القيود علي صادرات الإنتاج الزراعي وكلفة الإنتاج أدت إلي صعوبة منافسة السوق العالمي ومن ثم أبطأت برامج التنمية الزراعية خاصة في مجال زيادة الإنتاج والإنتاجية .

و على مستوى قطاع البترول والتعدين فإنه من معلوم أن الصناعة النفطية الأمريكية هي الأكثر تطوراً في العالم… وبعد خروج شركة شيفرون الأمريكية من السودان، أوقف التعامل في مجال النفط مع السودان، بل كانت أحد أهم أسباب المقاطعة ، ما قام به السودان من استجلاب شركات صينية بدلا عن الشركات الأمريكية، وتحويل بترول السودان ( بدأ التنقيب بالشركات الأمريكية) إلى دول غير أمريكا، وبالتالي فان المقاطعة كان هدفها ألا يستخرج السودان أي بترول، وان يضطر للطلب من شركة شيفرون الأمريكية العودة للسودان ، لذلك حجبت عن السودان أي تقانة في مجال النفط، كان يمكن أن تزيد من كفاءة التنقيب والاستخراج، والمصافي، وفقد السودان فرصة الحصول على التقانة الأمريكية المتطورة ، وشملت المقاطعة الأمريكية عدد 164 شركة سودانية معظمها يعمل في مجال البترول والبتروكيماويات .

كما أن حظر تعامل المصارف العالمية مع المصارف السودانية أدى إلى توقف التعاملات المالية الخارجية لشركات التعدين مع الشركات الكبرى مما أدى إلى صعوبة فتح الاعتمادات والحصول على القروض الميسرة، كما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد والمعدات والآليات المستخدمة في عمليات التعدين وصعوبة الحصول عليها بالسرعة والوقت المطلوبين وكذلك الحصول على الاسبيرات ومدخلات الإنتاج و صعوبة انتقال التقنية الحديثة من الشركات العالمية و حرمان السودان من المشاركة في المؤتمرات والمنتديات وورش العمل العلمية المقامة بالولايات المتحدة الأمريكية .

يضاف إلى ذلك التضييق على صادرات السودان من الذهب في الأسواق العالمية الأمر الذي يحد من خيارات السودان ويقلل القدرة التنافسية لصادرات الذهب في الأسواق العالمية .

وخلاصة القول أن للعقوبات الاقتصادية أثرها السلبي البالغ على مختلف مناحي الحياة تعطيل تحقيق التنمية المستدامة ومن ثم تهديد الأمن والاستقرار .

• تنامي التطرف والإرهاب وسط الشباب والنظر للسلاح كوسيلة فاعلة لتحقيق المطالب بما يسهم في تهديد الأمن الوطني والإقليمي .

• تزايد فرص الاتجار بالبشر وانواع الجريمة المنظمة عموماً .

• تزايد انتشار المخدرات وسط الشباب بسبب الهزيمة النفسية الناجمة عن العطالة والفراغ والحرب.

• تهديد الأمن العالمي وأمن المستقبل خاصة فيما يتعلق باستخدام الموارد وحماية البيئة والرقابة الإشعاعية.

• تدهور النشاط الزراعي في السودان والذي يجذب مئات الآلاف من العمالة من دول الجوار الذي يقتاتون على ذلك ، يعني أن استمرار هذه الحالة مع تنامي معدلات التدهور البيئي مقروناً مع الأوضاع أعلاه توفير مناخ ملائم لاستمرار النزاع والحرب ونمو التطرف مما يعني أن العقوبات تجذر لحالة عدم الاستقرار وعدم الأمن وليس العكس بأن يتحول كل الإقليم من ساحل البحر الأحمر إلى خليج غينيا إلى مسرح للفوضى والتطرف وعدم الاستقرار .

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى