ثلاثة “فرسان” على شاشة “الوطنية”
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يتوارى العقلاء ويغيب الحكماء، ويتصدر المشهد الإعلامي والسياسي فرسان الفتنة فذلك يعني بأنه قد أظلنا زمان فتنة لا تبقي ولا تذر، وكيف لا يظلنا زمان الفتنة، وقد جددت لنا المخابرات في السنوات الأخيرة، وبالتعاون مع “الصحافة الوطنية” طبقتنا السياسية والدينية والحقوقية فجاءتنا بطبقة جديدة يتصدرها: “يحظيه ولد داهي” و”بيرام ولد الداه ولد أعبيد” و”داوود ولد أحمد عيشة” و”وان بيرام” و”السعد ولد لوليد” و”صمبا تام”؟!
هؤلاء هم رجال المرحلة الذين تمكن رجال المخابرات وشركاؤهم في الإعلام من أن يدفعوا بهم لتصدر المشهد الوطني، وقد ساعد أيضا في تصدرهم للمشهد ضعف نخبنا السياسية والدينية والحقوقية المعتدلة والراشدة، والتي كان من المفترض بها أن لا تترك فراغا حقوقيا أو سياسيا أو دينيا يمكن لهؤلاء الفرسان السبعة أن يتسللوا من خلاله إلى واجهة المشهد الوطني.
لن أتحدث في هذا المقال عن “الفرسان” السبعة، بل سأكتفي بالحديث عن ثلاثة منهم، كانت قناة “الوطنية” قد استضافتهم خلال الأيام الأخيرة.
- “زعيم أحباب المباحث”
لما خف صوته، وكسدت بضاعته، وهجره أصحابه، كان لابد من فعل شيء ما لبعث روح الزعامة في فارس الفتنة هذا، ولذلك فقد سارع هو إلى تكفير بعض الموريتانيين من خلال صفحته على “الفيسبوك”، وسارعت قناة “الوطنية” بدورها لاستضافته، وذلك بوصفه فارس الشريعة الأوحد، والمواجه الأول والأخير للإلحاد و للملحدين في موريتانيا.
ولقد استغل زعيم أحباب المباحث هذه الإطلالة، فأخذ يهدد ويتوعد، وقال بأنه سيطبق هو وصحبه الشريعة إن عجزت السلطة عن تطبيقها!!
فأي قناة هذه التي تسمح ببث مثل هذا التهديد عبر شاشتها؟ وأي حكومة هذه التي ترضى بأن يسحب منها مواطن عادي حق عقاب مواطنيها؟ بل وأي بلد هذا الذي يفتي فيه مثل هذا الرجل بما شاء؟
لقد بزغ نجم زعيم أحباب المباحث، أول ما بزغ، بعد كذبة كبيرة أطلقها أحد أنصاره في مسيرة ضخمة هزت أسوار القصر الرئاسي، وأقصد هنا المسيرة الكبرى التي دعا لها بعض النشطاء الشباب، وبعض أئمة المساجد انتصارا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد نشر “ولد أمخيطير” لمقاله المسيء. فبعدما تجمع المحتجون أمام القصر الرئاسي في مسيرة حاشدة وغاضبة، فإذا بالمنادي ينادي : يا أيها الناس لقد قدم الأستاذ الجليل “محمد ولد سيدي يحيى” فأفسحوا له الطريق، ونظرا للمكانة الكبيرة التي يحتلها “ولد سيدي يحيى” في قلوب المحتجين، بل وفي قلوب كل الموريتانيين، فما كان من المشاركين في المسيرة إلا أن أفسحوا له الطريق.
لم يظهر “ولد سيدي يحيى”، وإنما ظهرت سيارة تحمل جماعة غير معروفة كان من بينها من يلوح بيده للمحتجين، وهذه الجماعة التي ظهرت فجأة هي التي ستتسمى مستقبلا بأحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي ستتولى مهمة إفشال الحراك المناصر للرسول صلى الله عليه وسلم.
إن هذه الجماعة لم تظهر في كل الاحتجاجات التي سبقت المسيرة التي اتجهت إلى القصر الرئاسي، ولم يشارك أي من أفرادها في الإعداد والتحضير لتلك المسيرة، ولا في الدعاية لها.
ومما يؤسف له هو أن المشاركين في المسيرة، لم يتوقفوا كثيرا عند تلك الكذبة الكبرى التي أطلقت في المسيرة، والتي كان يُراد منها أن تتقدم جماعة لم تكن معروفة، ولا علاقة لها بولد سيدي يحيى للحراك المدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لكي تنحرف به عن مساره الطبيعي.
ولأن الحراك لم يكن منظما، ولم تكن له قيادات ميدانية معروفة، فقد تمكنت هذه الجماعة ودون عناء من الاستيلاء على قيادة هذا الحراك للانحراف به عن مساره، خدمة للسلطة الحاكمة، وسيظهر ذلك من خلال أمرين اثنين: أولهما، وقد كان في غاية الاستعجال، ويتمثل في إبعاد الحراك عن القصر الرئاسي، وهو ما تمكنت منه هذه الجماعة، فقد كانت تلك المسيرة هي آخر مسيرة للحراك تتجه إلى القصر الرئاسي، وقد اتجهت كل المسيرات التي أعقبتها إلى مسجد ابن عباس، وقد كان ذلك بمبادرة وبأوامر من “جماعة المباحث “، والتي كانت تنفق أموالا طائلة في تلك المسيرات. أما الأمر الثاني فقد تمثل في الانحراف بهذا الحراك من حراك يطالب بمحاكمة “ولد أمخيطير”، ولا شيء غير ذلك، إلى حراك ينشغل بحرق هواتف “سامسينغ” وألبان “تفسك” وبالتهجم على “ولد شدو” و”منت المختار” وهو ما أبعد عن هذا الحراك الكثير من المناصرين.
لقد أفشل “ولد داهي” الذي يدعي تزعم جماعة أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أضخم حراك مناصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحوله من حراك يرفع مطلبا واحدا ووحيدا، وهو محاكمة كاتب المقال المسيء إلى حراك متخصص في حرق هواتف “سامسينغ” وألبان “تفسك”، وربما يكون ذلك نتيجة لثأر قديم بين “ولد داهي”مع بعض موردي الهواتف، فسيعترف “ولد داهي” لاحقا، وفي مقابلة تلفزيونية، وعلى قناة “الوطنية” أيضا، بأنه كان يهرب الهواتف من المغرب إلى موريتانيا رفقة بعض النساء!!
والآن هل عرفتم ما هي الخدمات الجليلة التي يقدمها “ولد داهي” وجماعته للسلطة القائمة؟ ونظرا لأهمية تلك الخدمات فإنه سيسمح “لولد داهي” أن يكفر من يشاء، وأن يتهجم على من يشاء، وأن يظهر في القنوات الخاصة وبأوامر عليا على أنه هو من يدافع عن المقدسات في هذا البلد، ومن الطريف جدا أن المدافع عن المقدسات في هذه البلاد سيذهب في اليوم الموالي لحادثة تمزيق المصحف الشريف إلى السعودية، ولن يعود منها إلا بعد أن يتوقف نهائيا التنديد بتلك الحادثة.
- “فارس البيظان القادم”
الفارس الثاني الذي كان قد ظهر على شاشة “الوطنية” هو فارس البيظان القادم السيد داوود ولد أحمد عيشة، والذي تمت استضافته في حلقة من برنامج جلسة وطنية، وذلك رغم أن حزبه لم يرخص له حتى الآن، ورغم أن هناك أحزابا أخرى كان قد تم تشريعها منذ مدة، ولم يحظ قادتها بالاستضافة في حلقات هذا البرنامج.
لقد قال ولد أحمد عيشة ما كان يجب أن يقوله في تلك الحلقة، ليكون الفارس القادم، ولا شك أن ما قاله سيكسبه المزيد من الأنصار، فهناك الكثير من الموريتانيين من أبناء شريحة البيظان الذين يعتقدون بأنهم قد صبروا كثيرا على الكثير من عبارات الشتم والسب التي لم تكن تفرق بين ظالم ومظلوم من هذه الشريحة، وهي عبارات كثر استخدامها في السنوات الأخيرة من طرف نشطاء: “إيرا”، و”لا تلمس جنسيتي”، و”أفلام”.
لقد سطع نجم داوود ولد عيشة في فترة قصيرة جدا، تماما كما سطع من قبله نجم بيرام في فترة قصيرة أيضا، وبالتأكيد فإن شعبية “بيرام وولد أحمد عيشة” ستظل في تصاعد مستمر، وكلاهما سيظل يكتتب بخطابه المتطرف شعبية جديدة للآخر. وإذا ما ظل الحال على حاله، فلن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي ستجدون فيه المجتمع الموريتاني وقد تكتلت غالبيته في ثلاث طوائف سياسية كبرى، متمايزة عرقيا وشرائحيا، واحدة بقيادة بيرام، والثانية بقيادة ولد أحمد عيشة، والثالثة بقيادة صمبا تام.
أعلم أن البعض منكم قد يعتبر بأن في هذا الكلام مبالغة، ولكن عليكم أن تعلموا بأن عدد من شاهد مقطع فيديو واحد لولد أحمد عيشة على موقع “بلوار ميديا” قد زاد على 40 ألف مشاهد. ولو أنا جمعنا عدد من شاهد مداخلات كل السياسيين في هذا البلد، وعلى الموقع نفسه، وفي كل البرامج، لما وصل العدد في مجموعه إلى أربعين ألف مشاهد.
- آخر الفرسان الثلاثة
الفارس الثالث الذي ظهر على شاشة “الوطنية” هو السعد ولد لوليد، والذي يصر الإعلام على أن يقدمه على أنه ناشط حقوقي، ومن المعروف بأن خطابات الحقوقيين هي من أكثر الخطابات لباقة وتهذيبا وسلمية، على العكس تماما مما عرف به السعد، والذي لا يمكن أن يتلفظ بكلمتين إلا كانت واحدة منهما مسيئة.
تلكم كانت عينة من ضيوف قناة “الوطنية” في الأيام الماضية، وبالطبع فإن ما قدمته قناة “الوطنية” في الأيام الماضية، قد لا يكون أكثر خطورة مما قدمته قناة “شنقيط” المتخصصة في عرض وتقديم المبادرات القبلية، وتلك كارثة أخرى تستحق هي أيضا مقالا خاصا بها.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
elvadel@gmail.com