الصحافة الوطنية بين تهارش الذئاب ولقاء الأسود

رغم الدعوات إلى الكتمان وتقاسم الكعكة اليابسة خلف أستار التجمعات والنقابات– إن وُجد كعك أصلا-، تتكشف في هذه الأيام عورات الصحفيين، ويتجلى بؤس الصحافة، وسواد مجالها، وقلة صفو موردها، الأمر الذي يجعلني أحمد الله مجددا على نعمة الإبتعاد عن طريقها وطريق التعليم، فهما متشابهين في الفشل والخبث والسوء، رغم أن الأصل فيهما الشرف، لكن بشرط وجود الشرفاء، وهم قلة! جربتهما قليلا، وخرجت منهما بانطباع مؤسف، لا أقول ذلك تبرئة لنفسي من العيب، ووقوعا في غيري، بل تجلية لحقيقة يزعجني تعريها أمامي!.. لقد ولت البركة هاربة من أمام شياطين القائمين على هذين المجالين والمتمرسين في الخبث فيه.. نعم، إن مشكلة التعليم، والصحافة، والصحة، هي قلة البركة.. والسبب: قلة المباركين!! وأين البركة ممن يعبد مصالحه الأنانية، ولا يتق الله في خلقه؟

لقد تحولت هذه القطاعات الحيوية في هذا البلد إلى ساحة للعبث، حتى وصل الأمر إلى تلوث الحلول المقترحة للإصلاح بسموم الأنانية المتوارثة!.. فمن فكر وقدر، عَلِم أن حل مشكلة التعليم يكمن في أمرين، الأول: كنس 99 في المائة من المعلمين والأساتذة، ومعهم أكثر الجالسين تحت مكيفات الوزارة بدون فائدة! كنسهم تماما من هذه المهنة.. ونفس الحل ينطبق أيضا على مجال الصحافة.. الثاني: تربية فراخ، عفوا أقصد حملة إصلاح مستقبليين، أو استدعاء طواقم من كواكب أخرى، لا تعرف التنافس الشرس في “تحصيل شيء”، ولا الكذب، والنفاق، والأنانية، والشخصية الخامرة!.. وأين مثل أولئك منا؟!

وسأتحدث طبعا عن لقاء الرئيس بالصحافة، فالأمر أيضا يتعلق بلعنة الصحافة في هذا البلد..

لقد سمعت – ولم أر، والحمد لله – أن منتسبا إلى الصحافة شن هجوما على الصحفيات في حفلهن الذي أقيم حديثا من أجل الإصلاح في الأرض، ويا له من إصلاح! إصلاح كسكس!.. ورأيت ردود بعض بلابل الفيس بوك من أهل الصحافة والتدوين الخامر، ممن يغرد بكل شيء، حتى بما يفعله داخل الرحاض! وعلى طريقة صاحب الموقع المعروف الذي امتلأ موقعه بسب وشتم رئيس الجمهورية!، لا تقرأ إلا كلمات عفنة ركيكة لا أخلاقية، يزعم كاتبها أنه صاحب رأي! فأي رأي يا هذا، وأنت بمثل هذه الدونية؟! احترم نفسك أولا، وفرق بين الأشخاص ومنتوجهم!.. هذه هي الحقيقة، الأمور متسيبة عندنا، والكلمات كئيبة تفضح سوء طريق أصحابها من أهل الصحافة!..

أيها الصحفي المسكين، لايمكنك الجمع بين الهردة والتسلط على الناس!، فكر في نفسك، أنت الضعيف الكئيب الآكل للأوراق، المنافق، ألا ترى أنك لعنة حتى على بيتك؟!، فيا ويلها، ويا سوء لياليها من خُدعت فيك وقبلتك!! يدل على هذا قلة علمك، وانعدام ورعك، وسوء أدبك.. اسمحوا لي أيها القراء.. سأحدث أهل السلاطة بالقليل منها، تجلية لهم، وحتى تتضح الصورة القاتمة التي التقطتها لهم..

وفي نفس الإطار تفرجت على برنامج في إحدى القنوات الكئيبة، كان موضوعه حول واقع الصحافة المزري، وطرق إنقاذه من المأساة التي يعيش فيها.. كان من الواضح أن أكثر العاملين فيه، ممن يزعمون أنهم لا يريدون إلا الإصلاح في الأرض! بعيدون عن طريق الإصلاح!، تبينت ذلك من كلامهم، بدأ الأصغر سنا، وهو صاحب اتحاد المواقع، حديثه بالتناقض، فقال: “إن مجال الصحافة لا يمكنه أن يكون وجهة لكل عاطل عن العمل”؟!

تأمل في هذه الأنانية والقتامة!! ألم ينطبق هذا الوصف عليه يوما، حتى اندفع مثل الصاروخ نحو موقعه الخامر؟ وكذلك على أمثاله؟ أم أن ذلك حرام على غيرهم؟، كنت في التسعينات أحمل مقالاتي قبل تطور التقنية إلى الجرائد المعدودة على الأصابع لتنشرها لي، فأين كان هو؟ لقد استفزني هذا الطرح رغم بعدي عن مجاله، فكرت في أنها أنانية وإزاحة للغير!، فمن لا يوافق هؤلاء المتحزبين في ميثاقهم – في مجال المواقع وغيرها -، فلا يمكنه فتح موقع، ولا صحيفة، ولا يحزنون! ألا يعلم هؤلاء أن حرية فتح المواقع مكفولة لكل الناس؟، وأن البعض ممن لا يوافقهم في شيء قد سبق أكثرهم إلى فتحها! بعض الناس لا يريد منهم شيئا، لأنهم في الواقع، لا يملكون شيئا، لا هم، ولا اتحاداتهم، ولا نقاباتهم، فكيف يحددون بنظام التحزب ما الذي يجب فعله، وما الذي لا يجب فعله، وعلى أي معيار؟ الأمر يتطلب عقولا أكثر انفتاحا، وأقل أنانية من عقولهم المتوارثة!..

وعلى سبيل المثال، توجد شبه جملة تتردد كثيرا في وسائل الإعلام، وهي ظرف لكل خبث وسوء وضلال! مفادها أن “كل شيء يمكن التحدث في مجاله بالنقد إلا الدين والوحدة الوطنية فهي أمور مقدسة!.. فإذا نظرنا إلى الدين، وجدنا أن سن قانون يقوم على هذه الجملة سيمنع كل ناصح من فتح فمه فضحا لأهل الضلال، لأن ذلك من المقدسات! وبالتالي يتم تحصينهم ضد الإفتضاح، فضحهم الله.. ومن المعلوم بالضرورة أن الدين النصيحة، وأن على كل واحد منا تبيين الحق وكشف أباطيل المبطلين، والبدع كثيرة للأسف، وليست من الدين في شيء! وقل نفس الشيء عن أي قانون يحرم الكتابة والصحافة على الناس.. فعلينا أولا تحديد الصواب ثم العمل من أجل تحقيقه.. ما هو الأصوب؟ هذا أمر لا أعتقد أن هؤلاء قادرون على تحديده لقلة مهنيتهم وإندساسيتهم وطلبهم للإفساد وجمع الدراهم أكثر من طلبهم للإصلاح..

فإذا هم أي نقابي أو حزبي منهم بتحريم الكتابة في هذا الزمن على من لا يحمل بادجا أو علامة “صحفي” على وركه مثل البعير!، فلن يقدر، لأن الإنفتاح اليوم اكبر من إنغلاقهم.. فعليهم أن يقولو: لنواجه الرأي بالرأي، والمواقع بالمواقع، دون احتكار أو دكتاتورية، فنحن بالكاد بدأنا ننسى الدكتاتورية بفضل خرجات هذا الرئيس النجم الصحفية الجميلة وآخرها هذه ، ويأتي هؤلاء ليعيدونا إليها؟..

الحجر غير مقبول، ولا معقول، نحن نكتب لنعبر عن آرائنا لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، فما لم ننافسكم على النقابة، وعلى ما في جيب الحكومة المتسولة، فدعونا في حالنا.. لماذا كلما تحدثتم عن الصحافة نظرتم فقط إلى من في كهفكم االمظلم من الحرافيش؟ نعم.. يجب حظر كل ما فيه إساءة للدين – لا للبدع –، وللأشخاص – لا لآرائهم!..

وكان في البرنامج التلفزيوني الطريف شيخ من اهل الحصافة، جاء يسعى من أقصى الثمانينات – أطال الله في عمره وأدخله الجنة-، أبدى بصراحة، يُشكر عليها، تضايقه من موجة الخبث والهردة الصحفية التي يمر بها الشباب البغيض، فالشباب في هذا البلد للأسف، أسوأ من الكهول!!، لا أحد يبحث عن غير إشباع شهوة بطنه وفرجه وعقله الفارغ بالدراهيم الحرام وبأكاذيب الإحساس بالتميز التافه، ولو تأمل في ما حوله لوجد أنه يبني نضاله في غير الطريق إلى الجنة، فالشاب اليوم يعيش من أجل أن يكون مثقفا! ومتحررا! وديمقراطيا! ونقابيا! ومعارضا مجنونا مصاب بالهذيان والغثيان!.. إلخ ذلك من أنواع الأباطيل!

يا أخي الكاتب، ويا أختي النقابية، ويا عدوي الصحفي، ويا رئيسي النجم، أفق، أنت أداة صغيرة في لعبة عالمية خبيثة كبيرة يحركها اليهود، تهدف إلى إفساد معاشك ومآلك!.. فالثقافة تفاهة إذا كان المسلم لا يعرفها معها شيئا عن دينه، ولا يتحدث عنه، ولا يدافع، ولا يناضل! فهذا النوع من المثقفين ليس ممن جعل حياته ومماته لله رب العالمين، والعياذ بالله، ألا يكفي هذا للإبتعاد ولو قليلا عن أوهام هذه الثقافة التعيسة، التي لا بركة فيها؟!

كذلك: الحرية غباء، فبواسطتها يخرج الأحرار من بيوتهم إلى الشوارع مرددين “حرية.. حرية.. سلمية.. سلمية”، والنتيجة هي استعباد الخراب وانعدام الأمن لهم!.. وقل مثل ذلك عن كل هذه المصطلحات الغبية الدخيلة على المسلمين، وأولها السياسة وديمقراطيتها، وكل ما يعبده المثقفون والسياسيون من أصنام جديدة تلهي عن الدين والسداد!!

أعرف أن هذا الرأي مضحك لبعضكم، لكني أدعوكم إلى التفكير بجدية في مراجعة اتجاهاتكم فأنتم لم تخلقوا إلا لعبادة الله وحده، وإعزاز دينه، ذلك هو السبيل الوحيدة إلى الغنى والسعادة الأبدية..

ورد أحد الصحفيين الصغار من أهل المواقع والأخبار، على الشيخ المؤمن، ودار بينهما سجال أضحكني، وبالمناسبة، ذلك أمر عادي، كلنا بشر ، نخطئ ونصيب ونختلف، ونتحدث بعواطفنا أكثر من عقولنا، ولن ينفع كتم الحقائق، والكذب على الناس، كفعل الصحفية العاقلة التي أرادت أن تغطي خلافهما بطرف ملحفتها!

بصراحة، وباختصار، البلد تعبان وجيعان!، الصحافة شبه فاشلة، وهذه حقيقة أول من يعرفها أهلها، والمجالات كلها متسيبة، ليست أكثر من دكاكين لا هدف لإصحابها إلا التحصيل، ولو كان على حساب الأبرياء، فالربا كثير، والغش كثير، بل وصل ذلك إلى حليب الأطفال الرضع، والأدوية!

وبعض المتاعيس يظهر نفاقه بوقاحة، ويسأل الناس في الطرقات بإسم الصحافة والفن! ولا يستحي مثل الشياطين، لذا يتبرء غيره من العاملين معه في نفس المجال منه، والله أعلم به بهم، عامل الله كل خبيث بما يستحق، وجعل فقره بين عينه، وأنساه الفرح في الدنيا قبل الآخرة..

أما لقاء الرئيس بالصحافة، فأنا شخصيا مع الرئيس لأنه رئيس! ولا تعجب أيها الغراب الناعق بما ينعق به الخوارج من الإخوان وداعش والقاعدة (وكلهم فرقة واحدة أصلها الإخوان، هم أول من قال بكفر الحكام وخرج عليهم، والقاعدة منبثقة من الإخوان).. بهذا أمرني ربي عز وجل، وثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم.. وكأني أسمعك تهمس “هذا ما هو رئيس!!”، أقول لك يا أخي: وأنت مانك مواطن عاقل!..

لكن.. اسمحوا لي بقليل من إنتقاد هذا الرئيس.. لقد بدا أمام زمرة الصحفيين كمعلم مدرسة في الفصل الأول، يأمر بالنظام، وينتقد الإطالة في السؤال! فهل بلغ بهم الجهل بمهنتهم إلى درجة السماح لمتطفل عليها بالإدلاء برأيه في طريقتهم فيها؟ إن في هذا وحده دليل على أننا لا نملك صحفيين حقيقيين..

لكن ما أضحكني هو أن الرئيس نسي أنه سيمضي ساعتين أو أكثر يثرثر، فلم الإحتجاج على صحفي مسكين ينتظر إحسانا في الوقت وفي غيره، سهى وطرح سؤاله في مدة لا تصل إلى الخمس دقائق؟!

ثم تحدث الرئيس عن المسابقات الوطنية، كأنها بالنسبة له مثالا يحتذى به، ولا يعلم الرئيس أنني شخصيا – وأمثالي ممن ظلمتهم هذه المسابقات كثيرا – لا زلت أدعو على من قام عليها من المجرمين الذين كانوا سببا في إخراجي من نوافذها رغم استحقاقي للنجاح ! كل ذلك بسبب المحسوبية والقبلية لا بارك الله في أصحابها..

ثم تحدث الرئيس بأريحية مطلقة، وبدا أن المحاورين موافقين له في كل ما يقوله، وذلك أفضل من الإعتراض الفظ عليه، على طريقة الصحفي السابق الذي ساومه في كيفية طرح الأسئلة كما لو كانا يجلسان في سوق!

لكن ما لا أوافق الرئيس فيه، هو هذا الحوار، وتلك السياسة التي لم نر منها غير استئساد الضباع، وتصدر الرويبضة، حتى أصبح كل من يملك وجها حديديا، ولسانا قاطعا، ونفاقا مستشريا، وحرصا على المنافع الدنيوية الأنانية، يطرق أبواب الدولة إما من باب السياسة أو المظاهرات! ومرحبا به منافقا لمن هو فوقه في بادئ الأمر، ولئيما على من تحته في آخره!..

الرئيس يعمل، ويتجول، ويحاور، لكن المهم هو النتيجة، النتيجة هي المهمة، فأين هي النتيجة المقنعة المرضية أيها الرئيس؟!..

ثم استعرض الرئيس ثقافته الواسعة – يبدو أنه مثقف جدا جدا-، فقد طرح أسئلة مثقفة جدا جدا جدا على بعض المحيطين به من أهل الجهل والأمية مقارنة به، حتى أنه أربك بعضهم وأظهر عجزه وفشله وادعائه للثقافة!، فكان اللقاء فصلا ابتدائيا مميزا، الرئيس المعلم، والأطفال الصحفيين هم التلاميذ! وكان الإناث أكثر بساطة وبعدا من النفاق من الرجال..

ولو كنت معهم لكنت سألت الرئيس عن مكان الدين في مخططه الإصلاحي الطويل، عن مكان الصالحين في بلاطه الفسيح، عن مكان اللغة العربية في قاموسه العريض.. ما الذي تم بنائه من لبنات الإسلام والتوحيد مما لا نهوض لنا بدونه في هذا البلد؟ ما الذي تم إنجازه من طرق مؤدية إلى جنة النعيم، ومنقذة من لعنة الشياطين؟

ثم تحدث الرئيس عن التعليم، وذكر أن المعلمين سيتم اكتتاب العقدويين منهم، وكشهادة مني للتاريخ، لو ترك أمر الإكتتاب بيد شياطين وزارة التهذيب والتعذيب فلن يتم اكتتاب إلا أبناء عمومتهم وقرابتهم، حتى إن كانوا لا يحملون الشهادات المطلوبة، ليست مشكلة! وهذا أمر جربته شخصيا، أحكيه لكم هنا بالمناسبة، فقد تقدمت مرة كأستاذ عقدوي إلى مزبلة بوحديدة الجهوية الواقعة قرب مدرستها، وطبعا أملك الشهادة المطلوبة كأستاذ للرياضيات، وكان من بين الحضور من تم قبوله كمتاعقد في السنة الماضية طلب مني كتابة طلب له باللغة الفرنسية، وأخبرني بسرية أنه لا يملك شهادة في الرياضيات، لكن ابن عمه دسه بين أصحاب التخصص إنقاذا له من البطالة!! وهكذا أحتل مكاني ومكان غيره ممن هو مطلوب للدولة ومستحق للمهنة، حتى أنهم عندما يروننا قادمين يعبسون بدل الإستبشار، وهم في أشد الحاجة إلى أمثالنا.. وهكذا عشنا في البطالة رغم أحقيتهنا بالعمل في ذلك المجال أكثر من غيرنا! لكنها دولة البيظان!

وطبعا لم أسمع بعد التقدم بملفي، طيلة العام شيئا عن نتائج تلك المسابقة المشئومة، لكني أعرف يقينا أن العدد المطلوب قد تم توفيره في السر، وأنهم أخذوا أمكنتنا! وكلهم من نوافذ المحسوبية والقبلية البغيضة! أكتب هذا كشهادة على هؤلاء الظلمة جزاهم الله بما يستحقون، وتحذيرا من القائمين على هذه القاطاعات من الذئاب عليهم من الله ما يستحقون..

إخوتي لن يصلح حال هذا البلد إلا بقوم صالحين، فأين هم؟ والغريب أننا بعد النعمة والسعة، أصبحنا نعيش آثار قلة البركة، من إلحاد، وضيق في معاشنا وطرقنا، وعدم احتمال لبعضنا البعض، فماذا ننتظر غير البلاء، أعاذنا الله وإياكم منه..

سيد محمد ولد أحمد

sidisid1@yahoo.fr

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى