السياسيون الفاشلون يهدمون الوحدة الوطنية
الوحدة الوطنية مفهوم يتألف من عنصرين هما الوحدة والوطنية ،فالوحدة تعني تجميع الأشياء المتفرقة ؛أما مفهوم الوطنية فقد اختلف الباحثون فيه ،فرأى بعضهم أنه انتماء الإنسان إلى دولة معينة ؛يحمل جنسيتها ويدين بالولاء لها ، على اعتبار أن الدولة ماهي سوى جماعة من الناس تستقر في إقليم محدد وتخضع لحكومة منظمة.
ورأى البعض أن الوطنية تعني حب الوطن بسبب طول الانتماء إليه ؛وأنها تختلف عن القومية بما تعنيه من حب للأمة بسبب ترابط أفرادها ببعضهم البعض وبسبب الاعتقاد ووحدة الأصل ؛أو الاشتراك ؛في اللغة والتاريخ والتماثل في ذكريات الماضي.
ويرى بعض الباحثين أن الوحدة بمفهوم الفكر السياسي المعاصر هي اتحاد اختياري بين المجموعات التي تدرك أن وحدتها تكسبها نمو زائدا وميزات اقتصادية وسياسية تعزز مكانتها العالمية.
وذهب البعض إلى أن مفهوم الوطنية استمد من كلمة الوطن ؛الذي هو عامل دائم وأساسي للوحدة الوطنية ومنه كانت كلمة وطني ،وهي التي يوصف بها كل شخص يقيم في الوطن كتعبير عن انتمائه لمجتمعه وتفانيه في خدمته والإخلاص له ، والأساسي في الوحدة الوطنية هو الإنسان الذي يعيش في الوطن والذي ارتبط به تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا ؛وكان اختياره له عن طيب خاطر.
واكتفاء بهذه التوطئة عن الوحدة الوطنية ندخل صلب الموضوع بدءا بتصريح رئيس الجمهورية خلال لقائه بالأطر في ولاية كيدي ماغة، حين صرح في وصفه للمعارضة أنها مجموعة من السياسيين الفاشلين اللذين يهدمون الوحدة الوطنية ،ولهذه الكلمات القليلة دلالتها ومغزاها المتضح من فحواها وما يكنه مبناها من معاني ودلائل،لكن المتأمل لما بين السطور سيجدها تجر ذيلها على كثير من السياسيين الموالين والذين يهدمون الوحدة الوطنية هم الآخرين بتصرفاتهم سواء في بعض خرجاتهم المعلنة أو في بعض لقاءاتهم الخفية بقواعدهم الانتخابية ، وما المبادرات المصاحبة لزيارات رئيس الجمهورية إلا واجهة مقيتة للظاهرة المذكورة .
لقد عجز السياسيون المعارضون للنظام الذين وصفهم الرئيس بوصفه ونعتهم بنعته عن التأثير عليه بالشكل الكافي وبالأسلوب المناسب ؛فصاروا يقزمون العملاق ويصغرون الكبير ويعظمون الصغائر ،فتراهم يركبون قضايا بسيطة وعابرة لم يعد لها اليوم ذكر ولا وجود،فمثلا أين أخبار البقع الزيتية وما صاحبها من ضجيج؟ وأين الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر ؟ وأين الأزمة مع مالي؟ وأين التشنج الدبلوماسي السينغالي ؟والإفواري؟كلها أشياء جزئية بسيطة وطبيعية؛ تحدث مع الأشقاء ويتم تجاوزها قبل وصول النهار إلى ضحاه.
ثم إن هؤلاء لينظرون إلى ماتم إنجازه على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي على أنه غير موجود ويحاولون إعدامه شرعا أما حسا فهم لا يستطيعون ،لأنه موجود وغيرهم يحسه ويرقبه ويتفاعل معه.
فمن الغريب مثلا أن يعلق معلق على تدشين مشروع لتوفير ماء شروب لمدينة بأكملها على أنه تدشين لحنفية فقط وأنه لا يساوي تكاليف الرحلة إلي عين المكان.. أليس هذا تقزيما؟ ، أو أن ينظر إلى أن هذه الزيارات مجرد زيارات كرنفالية لا تجدي نفعا ؛ثم يقارنها بسابقاتها في العقود الماضية ، مع أن البون شاسع والمقاصد متباينة.
ألم تكن زيارات الماضي عبارة عن رحلات للتزمير والتطبيل وقضاء السهرات الفنية الماجنة ؛التي لم يسلم من حضورها البر والفاجر وفرضت مزاميرها على العالم جلوسا إلى جنب الجاهل ؟ ألم تكن مظاهر البذخ فيها بادية؟ ألم تكن الحقائق فيها مغلوطة ؟ ..ولا تنسوا يوم اشتكى أحدهم من ملوحة الماء الذي تشربه مدينته وقدم نموذجا منه لرئيس الجمهورية في ذلك الزمن وهو يزور تلك المدينة ؛والذي اصطدم بتقديم أزلام النظام آنذاك لعينات من الماء المعدني في قداح مؤكدين للرئيس أن المدينة تشرب هذه المياه وأن غير هذا مجرد دعاية مغرضة وكلام حاقدين،وانخدع الرئيس طبعا لذلك..!
ألم يعد المواطن في يومنا هذا يستطيع أن يسلم رسالته التي يريد إلى رئيس الجمهورية راحة براحة دون وسيط؟.
وبالمناسبة أرجو من رئيس الجمهورية أن يطلع على الرسائل المقدمة إليه من طرف المواطنين بنفسه ؛ فمن خلالها يمكنه أن يقف على هموم ومشاكل المواطن ويحدد مطالبه ويشخص اهتماماته ، ويمكنه كذلك أن يطلع على المشاكل التي تعاني منها القطاعات الحكومية والتي لم يتسنى له الاطلاع عليها بشكل شامل ومباشر نظرا لقصر فترة الزيارة ونظرا لانتقائية المرافق المزورة والإشعار بالزيارة أصلا واستعداد المزارين لها واحترازهم وتحفظهم أمام الزائر،وأرجو من مستشاريه أن يشيروا عليه بذلك حرصا على هم المواطن وإيجادا للحلول المناسبة لمشاكله وتجاوز معاناته .
ونعود قليلا إلى موضوع المبادرات الذي ذكرنا
في البداية أنه مظهر من مظاهر هدم الوحدة الوطنية ؛ونعلل ذلك بأن هذه المبادرات التي تعتبر في أصلها خطوة إيجابية تهدف إلى الإسراع نحو الأشياء المرغوبة والتي تصب في الصالح العام وتجميع المتفرقين وتلاقي المتنافرين وتوفير الجو المؤدي إلى الشمولية والانصهار، الشيء الذي لم يحدث في هذه المبادرات السياسية المذكورة ولم تظهر له أدنى علامة ؛فالمبادرون السياسيون في بلادنا أفرغوا المبادرة من محتواها وأساؤوا إليها؛فصارت تكريسا للقبلية والفئوية فصاحب المبادرة لا يظهر معه إلا أفراد قبيلته أو بعض أفراد قبائل كانت موالية لها إبان الحروب والتفرقة والشقاق ؛وكأنهم يريدون إعادة الذاكرة إلى الماضي الصراعي الحزين الذي لم تسلم فيه قبيلة من ظلم أخرى..! في صورة مقيتة ومقززة ،وطبعا لا يخفى هدف أصحاب هذه المبادرات على ذي لب ؛فهو هدف شخصي انتفاعي بامتياز ،ومهما كانت أرضية المبادرة ومهما اختلفت شخصيات المبادرين فإن غاياتهم شخصية ومحصورة في ثلاثة أهداف رئيسية : – أولها :البحث عن التعيين إن لم يكن المبادر معينا في وظيفة سامية .
> -ثانيها :بقاؤه في مكانه الوظيفي الذي لا يبذل جهدا يثبت من خلاله أحقيته فيه إلا بقيامه بهذه المبادراة، فلا العمل أدي بالشكل المطلوب الذي يضمن له البقاء المشرف في مكانه ؛ولا الإدارة التي تحت تصرفه سلكت باب خدمتها للمواطن بالشكل القانوني المتحرر من القبيلة والمحسوبية والزبونية ..!
> ثالث هذه الأهداف: أن يتجاوز التفتيش صاحب هذه المبادرة ،فغالبية موظفينا السامين يخشون التفتيش كخشيتهم من ملائكة العذاب أو أشد من ذلك،ويصدق عليهم كثيرا “من نوقش الحساب هلك ” فكلما تمت مراجعة الحسابات مع أحدهم فإذا به سارق حارق ماحق مارق ، بل تجاوز ذلك وعاث في الأرض فسادا؛فحتى حجم السرقات لا يوحي بأن سارقها يستطيع صرفها في غايات بشرية معقولة ،بل إن كل هؤلاء المفسدين تجاوز في سرقاته احتياجاته لإقتناء منازل وسيارات وما يستلزمها من مستلزمات ؛ تجاوز حدود ذلك كله إلى أخذ المال العام فقط من أجل الأخذ وإفساده من أجل الإفساد وتبذيره وتبديده ؛حبا في التبذير والتبديد ومحاكاة ومخاللة للشياطين .
> وهنا أطلب من الكل قمة وقاعدة أن يضربوا بعرض الحائط تلك المبادرات ؛التي بادر أصحابها قبل المبادرة إلى إظهار نصرتهم لقيادة البلد إلى اعتناق مذهب ابن أبي ابن سلول ،فحقيقتهم ليست نصرة النظام وإظهار إنجازاته بقدرما هي سعي وراء مكاسب شخصية ؛ظاهرة وجلية من خلال تكرارهم لاسم صاحب المبادرة ؛الذي لا يقدم للوطن إلا الخراب والدمار ؛ونشر ثقافة القبيلة المقيتة التي تقوض الوحدة الوطنية وتقضي على أثر الدولة المدنية.
> وهنا أيضا أجدد الطلب للقمة والقاعدة بالأخذ على يد هدامي الوحدة الوطنية بدعوى القضايا الشرائحية ،صحيح أن هناك حقوق ضائعة وهناك مجموعات ظلمها التاريخ وقست عليها الجغرافيا وجلدها جلادها يوم سرق عباءة الدين والشرف ..! والدين من الظلم براء وبه يعرف الرجال لا العكس؛ فهو الحق الثابت المحفوظ من الحق جل وعلا، لكن هذه الحقوق لها مسلكها الخاص في الطلب والتحقيق في ظل الشريعة والقانون ؛بعيدا عن التفخيخ والركوب الغير شريف الذي يهدم الوحدة الوطنية ولا يحقق الهدف المطلوب بنزاهة وأمان،بل يوصل إلى تفكيك المجتمع الذي يستمد قوته من تنوعه وتزداد لحمته بتدينه.