جمهورية الــمَانْدَارين
مخجلٌ أن يصبح الشروعُ فى جريمة قتلٍ أمرًا حلالاً بسبب بُرتقالةٍ حرام . ومخجلٌ أكثر أن يكون المعتدِي من عائلة رئيس الجمهورية، وأن يكون المعتدَى عليه مواطنا بسيطا يدافع عن مصدر رزقه بكرامةٍ ورباطة جأش
لا أظن الرئيس محمد ولد عبد العزيز فخوراً بمحيطٍ عائلي تحوَّل بعضُ أفراده إلى كتيبة من القناصة والدواعش ترعب المواطنين الأبرياء.
أكيد أنه كان سيفرح – ونحن فى سنة التعليم- لو أن أحد أبناءه نال مرتبة الشرف من إحدى أعرق الجامعات العالمية،أو فاز بالمرتبة الأولى فى باكلوريا الرياضيات بإحدى المدارس العمومية، أو تميَّزَ بالنبوغ فى إحدى مَحاظر موريتانيا الأعماق.
لكن – وللأسف- يبدو أن القدر أوْكل إلى بعض أفراد عائلة الرئيس مهمة إطلاق “برنامج الرصاص مقابل الغذاء”، أي أنه ، إذا استمر الوضع على ما هو عليه حاليا، لن يجد بعض المواطنين الأبرياء قوتَ يومهم إلا إذا صادفهم قناصٌ “رئاسي”، فأصابهم بجراحٍ “مليونية”.
وفى حاضرٍ مأساوي كالذي نعيشه، وبدل أن تستشرف لنا مستقبلا أكثر أمانا وأبقَى لبلدنا المهدد فى الصميم، تتنافس نُخَبُنا فى التنابز بالألقاب،والتنكر لبطولات الآباء والأجداد،والتشكيك فى ولاءهم للوطن و مقاومة الإستعمار.
إن آباءنا وأجدادنا يتبرؤون منا فى قبورهم، لأننا نسُبُّهم كل يوم، ولأننا مفرِّطون فى كِيانٍ رووا أطرافه المترامية بدماءهم الزكية.
لو كان لي من الأمر شيء لحَرَمتُ نُخَبَ السفسطائيين من نقاش عقيم حول عقيقةِ نُطفةٍ لا تزال فى الأرحام، ولَكنتُ خلَّدتُ ذكر البطل المرحوم أحمد ولد بوسيف بإطلاق اسمه على المطار المثير للجدل، دون أن أُقحِمَ قاصدي ذلك المطار فى خلافات تاريخية وتأويلات لا تقدم ولا تؤخر.
إن تسمية مطار حُمِلَ كَرْهًا، وسوف يُولدُ كرْها، ولا ندري متى سيكون فِصالُه ليست أولوية بالنسبة لبلد مهدد فى بقاءه، فيه ” كلٌّ يُداجِى على البغضاء صاحبَه” بعنصرية مَقيتة وجهويةٍ جاهلية.
لقد انتهى مفعولُ سياسةِ المهدِّئات: “صلاة الغائب” و ” مثلث الأمل”، و” رئيس الفقراء” و “محاربة الفساد”، وبدأ بركان العنصرية يقذف حِمَمَه سعيرا كلاميا طغتْ فيه فخرياتُ ابن كلثوم وهجائياتُ الحطيئة على حكمةِ زهيرٍ واعتدالِ لَبيد.
إننا نوشكُ أن نعودَ إلى عصورِ اللادولة، وتتحولَ موريتانيا إلى حلبةٍ للمصارعة بين ظواهرَ بشريةِ صَنَعها النظامُ ومخابراتُه، فخرجتْ – فى ظرفٍ قياسي- عن سيطرةِ النظامِ ومخابراتِه، وصارتْ جزءًا من مؤامرةٍ كبيرةٍ ضد استقرارِ بلدٍ به من عواملِ الإضطرابِ ما يكفي لإشعالِ قارةٍ كاملة.
نحن اليوم ندفع ثمن ارتجالية النظام وعجزه عن إدارة الأزمات التي ورثها أو افتعلها لإطالة عمره، والتي يتعامل معها بسطحية مخجلة، لا تتجاوز الإستهلاك الدعائي الظرفي.
وحذار أن يُزايد عليَّ أحدٌ من المعارضة أو الموالاة استحسانًا أو استهجانًا، فلكلٍّ من الطرفين عندي جوابٌ- نصيحة.
إن على معارضة الرئيس عزيز الصبرَ على حرب الإستنزاف الداخلية فى صفوفها، والتي يجُرُّ فيها بعض قادتها الحديدَ إلى الموالاة، تموقُعًا فى انتظار البطل المنقذ الذي تُعِدُّ المعارضة العُدَّة لاستقباله بجِيادٍ ما لَهنَّ قوائم.
أما موالاة الرئيس عزيز، إن كانت موالاة ناصحة ووفية، فإن عليها أن تقنعه بالإستقالة والتفرغ لإصلاح محيطه العائلي،فذلك أوجب عليه وأسهل من إصلاح بلدٍ يمكن لقناص متهور من محيطه أن يستبيح فيه دمك لأنك طلبتَ منه ثمنَ حبة “ماندارين
باباه سيدي عبدالله