قراءة سريعة في رسالة الوزير الأمين العام للرئاسة
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قرأت على عجل رسالة الوزير الأمين العام للرئاسة التي أرسلها إلى رؤساء الأحزاب السياسية يوم الأربعاء 12 أغسطس 2015، ولقد خرجتُ بجملة من الملاحظات السريعة بعد تلك القراءة السريعة، ولعل من أهم الملاحظات التي خرجتُ بها:
1 ـ أن الوزير الأمين العام للرئاسة قد أراد أن يقول من خلال رسالته، بأنه لا يعترف بأي تكتل سياسي معارض موريتانيا، ولذلك فإنه لم يبعث برسالته إلى المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، ولا إلى كتلة المعاهدة، وإنما بعث بها إلى رؤساء الأحزاب السياسية. ولعلكم تتذكرون أن وثيقة الوزير الأول للحوار أو رسالته التي أرسلها يوم 14 يناير 2015، أي منذ حوالي سبعة أشهر، لم يبعث بها إلى الأحزاب السياسية، وإنما بعث بها إلى الكتل الكبرى (المنتدى ـ المعاهدة).
إن الاستنتاج السريع الذي يمكن أن نخرج به من تغير العناوين في رسالة الوزير الأول والوزير الأمين العام للرئاسة هو أن السلطة لم تعد تخفي بأنها لا تعترف بالكتل السياسية المعارضة (المنتدى ـ المعاهدة) كشريك، وإنما تعترف فقط بالأحزاب السياسية المعارضة.
ويشكل تغيير العناوين رسالة سلبية للتكتلين الكبيرين، وخاصة المنتدى الذي يضم ثلاث أقطاب بالإضافة إلى قطبه السياسي. إن بعث رسائل للأحزاب السياسية المنخرطة في المنتدى، وتجاهل الأقطاب الثلاثة الأخرى ليعد محاولة خبيثة من السلطة من أجل تفكيك المنتدى.
يضاف إلى ذلك بأن للمنتدى رسالة توجد الآن في بريد السلطة، وهو لا يزال ينتظر ردا عليها، ولذلك فأن تبعث السلطة برسالة لقطب من أقطابه، وأن لا يكون في تلك الرسالة أي رد على رسالة المنتدى الموجودة في صندوق بريد السلطة منذ ما يقترب من ثلاثة أشهر، إن في ذلك لكثير من الاستفزاز. وإنه بالإضافة إلى ذلك ليزيد من عدم الثقة، فهذه السلطة التي بدأت مسارا تفاوضيا مع المنتدى، ثم فجأة تقرر أن تقطع ذلك المسار، وأن تبدأ مسارا جديدا بتوجيه رسائل للأحزاب السياسية متجاهلة الرد على المنتدى، إن مثل هذه السلطة ستبقى غير جديرة بالثقة. فلنفترض جدلا بأن الأحزاب السياسية قررت أن ترد بشكل إيجابي على رسالة الوزير الأمين العام للرئاسة، فمن ذا الذي يمكنه أن يضمن لتلك الأحزاب بأن هذا المسار سيتواصل، فربما تقرر السلطة أن تقطع ذلك المسار وأن تبدأ مسارا جديدا وفقا لتقلبات مزاجها، تماما كما تفعل الآن بعدم ردها على المنتدى، وبقرارها المفاجئ والداعي لحوار جديد بمقاييس وبتفاصيل جديدة.
إن أي رد إيجابي من طرف الأحزاب السياسية على رسالة الوزير الأمين العام، وسواء كانت تلك الأحزاب منخرطة في المنتدى أو في المعاهدة سيكون بمثابة اعتراف ضمني من هذه الأحزاب بعدم جدوائية، بل وبعدم أهمية بقاء الكتلتين (المعاهدة والمنتدى)، وبأنه قد آن الأوان لتفكيك هذه الكتل السياسية.
إن لدى المعاهدة والمنتدى صناديق بريد معروفة لاستقبال الرسائل القادمة من السلطة، وإن إرسال أي رسائل عن طريق صناديق بريد أخرى ليعتبر إساءة كبيرة وصريحة للمنتدى وللمعاهدة.
2 ـ تُظهر هذه الرسالة بأن هناك عدم جدية في الحوار، وبأن هناك نظرة غير سوية للحوار، فالحوار عند السلطة يعني شيئا آخر غير الحوار المعروف عند الجميع، فالحوار عند السلطة قد يعني دورة تكوينية أو ورشة أو أيام تفكيرية يكون فيها من حق الداعي أو المنظم أن يحدد التاريخ المناسب، وأن يحدد طبيعة المواضيع التي سيتم نقاشها، وما على المدعوين إلا أن يأتوا صاغرين أو لا يأتوا.
لقد حدد الوزير الأمين العام للرئاسة موعدا للورشة التي يفكر في تنظيمها، عفوا للحوار، بعيدا عن الأحزاب السياسية، وحدد طبيعة المواضيع التي سيتم نقاشها، ثم أرسل من بعد ذلك دعواته للأحزاب السياسية، وكأنه أراد بذلك أن يقول : إنكم لستم شركاء، وإنما أنتم مجرد “ملحقات” لا تستشارون في موعد الحوار، ولا في طبيعة المواضيع التي ستناقش، وإنما ترسل إليكم الأوامر، عفوا الدعوات، وما عليكم إلا أن تأتوننا أذلة أو لا تأتوا.
3 ـ وحتى تكتمل مظاهر الاحتقار فإن الوزير الأمين العام للرئاسة كان قد بعث برسالة على شكل تعميم إداري يمكن إرساله لأي جهة. ولقد استكثر الوزير الأمين العام على تلك الأحزاب، أن يسميها في رسالته، أو أن يسمي رؤساءها. كما أنه تعمد أن يرسل رسالته التعميم على غير رأسية، وهو ما كان قد تم انتقاده في وقت سابق عندما بعث الوزير الأول برسالته أو وثيقته الداعية للحوار, والتي لا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ مقارنتها برسالة الوزير الأمين العام للرئاسة، فرسالة الوزير الأمين العام للرئاسة، وبالإضافة إلى أنها كررت أخطاء رسالة الوزير الأول، إلا أنها زيادة على ذلك جاءت بأخطاء جديدة خاصة بها لم تظهر في رسالة الوزير الأول.
4 ـ لقد أكدت رسالة الوزير الأمين العام للرئاسة بأن السلطة غير جادة في دعوتها للحوار، وبأنها لا تريد حوارا جديا، وإنما تريد حوارا شكليا، وبمن حضر، ولا أعتقد بأن الحضور سيكون لافتا لحوارها القادم، وهو بالتأكيد سيكون أقل من حوار 2011، وهو الحوار الذي أصبح من الواضح بأنه لم يحل الأزمة السياسية، وإنما زاد من تعقيدها.
فلماذا تقرر اليوم السلطة، أن تكرر نفس الخطأ الذي ارتكبته في العام 2011؟ ولماذا تفكر الآن في أن تنظم حوارا بمن حضر؟
لا أجد جوابا على ذلك، وإن كانت تحضرني الآن كلمة تقول بأن الفاشل هو ذلك الذي يكرر نفس الأساليب ويتوقع نتائج مختلفة.
حفظ الله موريتانيا.