عُمرشريف ونورُالشريف من السينما يا الأشراف.!
Ø في الأضواء، الكلّ يُعرّف نفسه من الأشراف!..
Ø وفي الأعماق الكلّ يعتقد نفسه هو الشريف! ..
Ø الاّ انّ “الشرف” آية مقلوبة لدى البعض .. وقالبُ القلبِ لدى البعض الآخر.! ..
Ø ولذلك الكلّ يعتبر نفسه شريفٌ في نفسه وذاته وكيانه ومهنته.!
فهناك لصٌّ شريف، وقاتلٌ شريف، وكذّابٌ شريف، وساحرٌ شريف، وقوّادٌ شريف، ودجّالٌ شريف.! ..
وكلهم مجرمون من زاوية، وشرفاء من زاوية أخرى، لإعتقادهم بأنفسهم شرفاء في ذاتهم، وبإعتقاد بعض الآخرين ممن يدينون أداة (الجريمة) لا الجريمة نفسها، ودوافع (الإجرام) لا الإجرام نفسه، إنهم ليسوا من المجرمين وإن لم يكونوا من الشرفاء.!
وشاءت الأقدار في الفترة الأخيرة ان تُفقد السينما العربية والعالمية إثنان من حاملي لقب “شريف” في الإسمين.. كذلك الأقدار كانت قد شاءت قبلها بفترة غير قليلة، أني إلتقيت بأحدهما (عمر شريف) وجها لوجه في إحدى إستوديوهات دبي، وصافحته فصافحني، وكلمته فلم يكلمني، وإكتفى بالنظر في وجهي وفي الباب الذي خرجت منه انا ناطقاً وكأنّي لقلقٌ خلف الكاميرات كما كنت أمامها، ودخله هو صامتاً وكأنه قعيدٌ لايمشي بنفسه وإنما يحركه الكرسىّ المتحرك.!
وفسّرت صمته في حينه من داخلي بالتكبّر، الا أنه فسّره بنفسه من داخل الأستوديو (بالإستعداد للموت.!) .. وقال فيما قال على الشاشة في المقابلة: “البعض يفتكرني متكبّر (وقصد المتكبّرالصامت) .. إلاّ انني اخترت الصمت على النطق في الفترة الأخيرة، بعد ان أدركتُ أنني بلغتُ السابع والثمانون فجأةً، وأن اية دقيقة ولحظة أو ثانية في هذه المرحلة قد تكون هى الأخيرة لعمر شريف.”..!
كلامٌ راقٍ بالغ عمر شريف في رُقيّه على كل ما قدّمه في حياته المصرية والهوليودية من شِيَم (اللوارنس العربي) او صلابة (جنكيز خان) الجبلي بإتقان النجم العالمي، فيما قدّمه اليوم في الثوب العربي البسيط، بالإعتراف بأنّ الموت حق.!
أما نور الشريف إلتقيت به على الشاشات فقط، ولم تجمعني به الأقدارا وجهاً لوجه، إلاّ أنّي علمت بعد موته، أنه كان الممثل المصري الأكثر ثقافة وعلماً وحبّاً للعلم والثقافة والقراءة .. وأنه وُلد في القاهرة بحىّ سيدة زينب الشعبي التراثي، وتربّى في ذلك الحىّ الصوفىّ المكتظّ المدوىّ بتراتيل دراويش الولاء لأهل البيت .. وأنه رحل من دار الفناء الى دار البقاء، وبين ضلوعه قلبٌ كان ينبض بحلمٍ لم يتحقّق .. كان يحلم بآخر فلمٍ له أن يُجسّد فيه شخصية إبن بنت رسول الله (الحسين إبن علي)، حفيد رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
والشريفين الراحلين (عُمرونور) مهما قيل فيهما الكثير الكثير، ومهما أدّيا من أدوار الشرفاء على الشاشات المصرية العربية والهوليوودية العالمية، الا ان كل ما يقدمه الممثل على الشاشتين الذهبيية والفضّية، تمثيلٌ لايمثّل ما يفعله خلف الكاميرات عما يراه المشاهد أمام الكاميرات .. فقد تراه لُصّاً محترفاً يشقّ الجيوب، او جزّاراً فتّاكاً يقصّ الرقاب، او سفّاحا مصّاصاً يمتصّ الترقوات .. وفي الواقع هو ذلك المعتكف بالمسجد والمحراب الزاهد في دنياه .. أو قد تراه على الشاشة بجُبّة الشيخ وعمامة الإمام يعلو المنابر والمآذن بالتراتيل، وهو ثملٌ في لياليه الحمراء تُلويه لىّ الثعبان العُريان بين أذرع العاريات الساقاطات.!
النجم السينمائي قدرما يقال عنه في حياته الكثير الكثير، لاتسمع عنه اقل من القليل بعد مماته.!
تماماً كالنجم الرياضي، تراه على الهواء بلا إنقطاع وهو يجري في الملعب، ولن تراه دقائق على الفراش بإصابة، ولاتسمع عنه كلمة إن عاش معوّقاً بعد الإصابة او لم يعش .. أو يُرمى به خارج الملعب بمجرد أن بلغ سنّ الثلاثين بركلات “أنت متقاعد، مُت قاعداً” .. فلن تسمع إسمه حتى الممات.!
وهكذا، قد تنسى مشهداً تمثيلياً رائعاً قدمه عمالقة التمثيل في حياتهم، لكن ما كتب عنهم بعد أن قيل لورثتهم “حياتكم الباقية” قد لاتنساه، خاصة لو كان كاتب المقال صادقاً في الذات ومنصفاً في الذات الآخر، فعليه، إنني أحتمل ان تستمرّ السينما دون (عمرشريف) ودون (نورالشريف) لمن يعتبر السينما هى الحياة.!
ولكن لمن يرى الحياة على أنها هى السينما، والكائنات الحية فيها ممثلون وممثلات، فإنه لا يحتمل ان تستمرّ الحياة دون صانع الحياة .. والصنّاع ما أكثرهم الزاعمون المُدّعون من عهد فرعون ونمرود بزعم “انا أحيي وأميت” .. والعاجزون أن يأتوا بالشمس من المغرب أمام من يأتيها من المشرق! .. ذلك العاجزهو العاجز ذاته مهما أضخمته وأمهلته الشاشات، من أن يُمهل (شريف وشريف) على سرير الإحتضار دقيقة واحدة فوق الدقيقة الموقوتة..!
فإلى تلك الدقيقة الموقوتة أيها الشرفاء.!
والبقية في حياتكم.!