مقال الوكالة الرسمية للأنباء ، حصاد الأرز ، هو أول إعتراف ، لكن ما ينقصه هو الصدق والإنصاف !
لا يخفي علي أحد الصبغة الرسمية لجريدة الشعب التي تصدر عن الوكالة الموريتانية للأنباء ، ومن هذا المنطلق ، وليس من كثرة القراء تأتي أهمية المقال الذي نشر في عددها 10762 الصادر الأربعاء 20 شوال 1436 ه ، الموافق 5 أغسطس 2015 م ، بعنوان حصاد الأرز عشر سنين ومازال اليأس مخيما على شمامة والضفة .
المقال الذي أطلعت عليه لأول مرة عن طريق موقع صحفي ، الذين نشروه بإسم المعني محمد يحي العتيق ، لكن الذي لم يوفقو فيه هو عدم الإشارة لأنه منقول من الجريدة الرسمية ، و أنه معد من قبل مدير مكتب وكالة الأنباء الرسمية في روصو ، و أنه مر مرور الكرام علي تحرير الجريدة الرسمية للدولة في بلد من العالم الثالث كحال بلدنا .
فعلا للمزارعين أحاديث كأحاديث الرعاة ، لم لا وهما طبقتان مطهدتان مسحوقتان من المجتمع ، لا تلقيان من الرعاية ما لمثيلاتها في العالم القريب و البعيد علي حد سواء ، وقد تجدان في ثرثرة الكلام من التخفيف مالا تجدان من الرحمة ، في محيط ما بين محارب معلنا و آخر يدعي الدعم و المساندة ، ولكن لا أتفق مع صاحب الوكالة في تعدد إهتماماتهم في فترة الحصاد ، فهم في تلك الفترة في حالة ذهل و طيش لما آل إليه الحصاد ، فإذا كانت الآليات القديمة التي باعتها شركة (أسنات ) قد إستنفدت عمرها الإفتراضي و زادت عليه مرات مع عدم وجود أي نوع من قطع التبديل في السوق المحلية و الوطنية و شح الحصول عليها في الجارة السينغال ، فإن الخمسين حاصدة الجديدة المستوردة رغم أن ثمنها الغالي الذي يصل 50 مليون أوقية لا يجعلها في المتناول ، فهي إما مغشوشة أو لا تصلح لظروف مناخية كتلك التي في بلدنا ، و كانت النتيجة ظهور طبقة من المضاربين أمام مرآى و مسمع الإدارة ، حيث يؤجرون حاصدات مستأجرة في الغالب من السينغال ليذهبو بالأسعار من 35 ألف للهكتار إلي 80 ألف للهكتار ، و مع أن مزرعة أمبورية تتميز بموقعها الجغرافي القريب من المدينة ، إلا أنك إذا سألت أحد المضاربين عن التسعرة أجابك بعفوية تنم عن سبق إصرار و ترصد ( الهكتار بثمانين ألف، وفي أمبورية بمائة و عشرين ألف ولا ألتزم بعربة مع الحاصدة لإخراج المنتج ) .
لقد صدق القول حين قال إن بذرة الأرز ترمي في وسط معاد ، حيث ستنافسها الأعشاب الضارة ، وتتهددها الحشرات و الحيوانات و القوارض و الفئران ، و الطيور ، و نسي الملوحة الزائدة للتربة و الأمراض الجينية التي تصيب النباتات ، و الأهم من هذا أنه قد لا ينبت إطلاقا ، لأن البذور معدومة تقريبا في موريتانيا ورديئة النوعية ، وطول أمد الحملة قد يتجاوز الستة أشهر التي ذكر ليصل سبعة أشهر لعاملين.
1 ـ إختلال دورة حياة النبات الناتج عن رداءة البذور و تغير المناخ ،
2 ـ تأخر الحصاد ، و كما قال تحتاج الزراعة لصبر أيوب ، و مال قارون ، و عمر نوح ، و أما الصبر فهو موجود عند المؤمنين المتشبثين ، و أما مال قارون فهو الغائب الأكبر ، إذ أن كل دول العالم تنفق علي الزراعة ، ونحن أمام دولة تتربح من المزارعين ، وتتسكع بإسمهم و تحرمهم ، و أما عمر نوح ، فالأعمار بيد الله ، و نرجو أن لا نكون أمة تقتل الرسل . أقصي ما يخشاه المزارع هو نزول المطر علي حصاده لأن ذلك يعني عدم إسترجاع تلك الأموال الطائلة التي مزجت بالأرض خلال تلك الأشهر التي اتسمت بالمشقة والعناء ، و من الطبيعي أن الطبقات الهشة من قرويين فقراء و من حملة شهادات فقراء أيضا لسبب و جيه و مقنع وهو أنهم (ضيعو) سنوات العمر في إكتساب العلم و الثقافة في بلد يتجه نحو تقديس و تأليه الغني علي حساب الفقير ، من الغباء الإعتقاد أن من لا يملك ضمانات أو جاه أو حظوة سينال بضاعة التجار دون دفع مسبق ، خصوصا إذا تعرض لخسارة و احدة و تركته الدولة يواجه مصيره لوحده لأنهم لن يسمحو له بفرصة ثانية ، لا كرها لإسترجاع ديونهم السابقة ، و إنما خوفا من ضياع أي ديون جديدة ، و فعلا خطر الأمطار مضاعفا في المناطق الزراعية لأن الأرز لا ينتج إلا في الأرض القوية المشتدة (شمامة) وهي قليلة النفاذ للماء سهلة الغرق .
هذه المرة أبان صاحبا عن وجه لم يعجبني منه ، لا لأنه قال إن من الأرز ما هو جيد ، و إنما لأنه أثني علي ميزان التجار و مقياسهم لجودة الأرز ، و يبدو أنه هذه المرة صم آذانه عن حديث المزارعين ، و عن أنفاسهم أصلا ، ترى كيف توصل لهذه القناعة ؟ ، وكيف تجرأ علي هذه الشهادة ؟ ،التي أرجو أن تكون لوجه الله ، لا لغيره ، فلعلمه الخاص سبق للدولة الحالية أن حددت ميزانا و مقياسا محايدين لابد من المرور بهما ، من شدة وقع تحايل بعض المقشرين و المصنعين ، و هو ما تراجعت عنه حاليا ، ضمن سلسلة تراجعاتها ، و الكل يشهد و يعلم ما يحدث من إختلاف في الوزن و قياس نسبة الجودة بين المصنع و الآخر ، و هو أمر لا يجهله أحد في هذه الربوع ، و الدليل علي عدم صدقهم هو أن نفس المنتج الذي بخسوه يمكنك أن تبيعه لأحد عملائهم في المقشرات الصغيرة أو أقاربهم بثمن بخس ليعاد بمحاصصة ربح إتفقو عليها مسبقا ، لم يسبق لنسبة 70 % أن أعطيت لمنتوج أحد حسب علمي ، ولكن الذي بلغني هو أن بعض المصانع قد خدعو الدولة حيث يقومون بفحص سيارة واحدة مقشرة تقشيرا جيد ا، و يستبدلو الكمية بحمولة شاحنة سيئة في إتجاه أنواكشوط إلي مخازن سونمكس لتعود نفس الحمولة الجيدة للفحص من جديد مع شاحنة جديدة برقم جديد و هكذا ، ولا أدل علي ذلك من أن المزارعين يزدادون فقرا و المصنعين يزدادون غنى فاحشا ، فهم لا يشغلون من المصنع سوى المقشرة خوفا من ثمن الكهرباء ، مهملين بذلك الصقل و التبييض و الفصل بين النوعيات .
الزراعة كما قال أخونا ليست حظا ، بل إمكانيات كما قال ، لكنها أيضا موعدا ، وهو مالم تسمح به بكل صراحة سياسة الدولة ، كما أن الزراعة لا تستغني عن الدولة ، و يظهر ذلك من عدم دخول المنتجات الزراعية ضمن حرية التجارة العالمية ، فرأس المال جبان و الطبقة الكادحة لا تملك الأموال اللازمة .
لايبدو إلمام الكاتب بأبجديات الزراعة ، فالسماد غذاء للنبات ، وليس مكافحا كما وصفه للأعشاب ولا لأي آفة من الآفات ، و لكن وجبت الإشارة هنا لأن الدولة لا تستورد السماد القاعدي الضروري لإخصاب التربة المعروف ب tsp، و ما تستورده من يوريا uree تحوم حوله الشكوك ، فقد سبق لبعض المزارعين أن أجرو عليه فحوصات في المغرب و السينغال أثبتت أن المادة الفعالة المعروفة بالنيتروجين n لا تتجاوز 23% بدل 46% الضرورية ، وهو ما يحد من الفعالية بإتجاه النصف ، وهنا أؤكد لكم أن المزارعين لم يلجؤو لتلك المغشوشة إلا في حالتين ، جهلهم لذلك ، أو ندرة المواد الزراعية بحيث يرتكبون أخف الضررين .
لقد أحسنتم تصنيف المزارعين أو تقسيمهم حسب أسمائهم لكنكم لم تحسنوا وصفهم ، و إن كنت أحسدكم علي معرفتكم بهم ، لأنكم استطعتم الفصل و التفريق بين نوعين طالما إمتزجا و تشابكا و اختلطا لحاجة في نفس يعقوب،
فالخصوصيون تمكنو من التخفي في التعاونبات ، تغاضيا أو تمالؤا ، و أما حملة الشهادات فلا ، لم يحصلو علي أي سماد أو مواد أخرى مجانا ، لقد فتحت علي جبهة لطالما خشيت علي الزراعة منها لفرقتها ، ولكن حملة الشهادات ليسو من جني إمتيازاتها ، و حين تصف التعامل مع حملة الشهادات بالتساهل المفرط فقد جافيت تماما الحقيقة ، فبالرغم من تأكد الإدارة من خسارة المجموعة فقد جرها صندوق القرض لمخافر الشرطة و الحجز لديها ، و منعهم القروض لحملتين قبل أن يسددو ، و هو ما دفعهم لشراء المدخلات الزراعية بأثمان باهظة من السوق السوداء ، و هي مدخلات أعطيت لتعاونيات وهمية علي أنها ستستخدم في الزراعة و هو ما جعلني حينها أكتب مقال بعنوان (دعوة لتغيير إسم المندوبية الجهوية في روصو من الزراعة للتجارة ) .
أما فيما يتعلق بحملة الشهادات فقد كان التحامل باديا ، و هو ما ينذر بمناحي خطيرة ، و مع ذلك فالأمور كلها بيد الله ، فبلادنا مرت بثلاث مراحل أساسية ، فمرحلة التأسيس كانت أصغر شهادة تسمح بالتوظيف حتي أعلي شهادة ، ثم الوسطي و هي الأطول ، أصبحت الدراسة تنظر كعائق في وجه التوظيف ، و الأخيرة أصبحت الشهادة عائقا في وجه التوظيف ، لكن حملة الشهادات المزارعين اختارو مسلكا مختلفا و هو التنازل عن مكتسبات الشهادة لصالح الوطن بالعمل في مجال الزراعة .
لا سبيل لنكران الفضل السابق ، لكن كل مزاياه سحبت مع الجفاء اللاحق ، حتي أن بعض أصحاب المشاكل لم يستفيدو من أي مزايا لأن الأمور انقلبت قبل تسوية مشاكلهم ، هذا طبعا مع الإعتراف بوجود مستفيدين سابقين كنا نطمع بأن نلحق بهم لا أن يلحقو بنا.
فعلا لقد كانت الجماعة في البداية متفهمة لأوضاعنا بدء برئيس الجمهورية للوزير الأول السابق لوزير الزراعة ، لكن الوشاية ( إن لم تثبت تركت الأثر السيئ).
فعلا نتيجة لطول أمد الحملة الأولي لستة أشهر التي ذكر صاحبنا ، فإن منحة السكن تم مدها من أربعة أشهر لستة بمبلغ 100 ألف أوقية للشهر ، لكن الأبقار جاءت في فترة الصيف من سنة قليلة الأمطار و منعنا حقنا من أعلاف أمل التي كانت سببا لثراء المشرفين عليها في المقاطعة ، و أما المزارع فكانت صنفين ، التوسعة ناقصة المساحات و سيئة الإستصلاح لعدم خبرة شركة (أسنات ) التي أنجزتها ، و أما أمبورية القديمة فهي منهكة وموبوءة بالأعشاب الضارة و عجزت عن تسييرها شرائك أجنبية قوية ، وهذا السبب وراء ما تصفه بسفههم.
و بخصوص التدليس ، لا أعرف كيف حولت الجلاد لضحية ، فالكل يعلم أن الموازين نفسها تختلف إختلافا فاضحا في ما بينها و كذاك النسب المائوية التي يعطيها التجار ، و هم الذين ثبت عليهم الغش و جلب الأرز الرديئ من السينغال ، و مخزون (سونمكس ) علي ذلك من الشاهدين .
أما بخصوص الماء المجاني ، فالإدارة لا تدعي أنه مجاني بل الفواتير لدينا تؤكد أنه ب30 ألف أوقية للهكتار الواحد أي 300 ألف لعشر هكتارات ، و كنا نتمني خفضه بعد الربط بالكهرباء حيث لا يتجاوز في مزرعة بوكي 18 الف أوقية ، و العائق أمام تأجير المزارع إذا كانت الدولة تسمح بذلك قبل أن تعطينا الملكية ، هو الخوف من أن يتحول العاجزون منا من مدينين بمياه إستخدموها ، لمياه إستخدمها تجار لا عهد لهم .
و بالنسبة للتجار الذين قلت إنهم يتجنبوننا في المعاملة ، فما نعرفه أنهم يفضلون التعامل معنا لسفاهتنا هنا أعترف لك بها ، لأنهم يقطعون آذاننا قطعا ، بمضاعفة الدين ، ولكن حضرة المدير لم يذكر كيف لقي التجار ؟ ، ولماذا لم يطلع القارئ الكريم علي أنه إضطلع علي دفاترهم داخل حوانيتهم ولم يسعو له؟،
و بذلك أهان نفسه بحشرها فيما لا يعنيها ، ولا يعنيني ، و في كل الأحوال لا توجد عينة نقية ، ولكنني أجزم أن نسبة الإنحراف في الجماعة ، ستكون بنسبة الإنحراف في اكتتابها ، هذا إذا صدقنا ما قاله ممثل الوكالة الرسمية.
وفقا لمعلومات حصلت عليها فإن مندوب الوكالة كان يسعي لدي بعض الزملاء من معارفه ليؤجروه قطعة أرضية ، رغم راتبه الشهري و علاواته و سكنه ، نسي الآية فقال أكفلنيها ، لكن داوود عليه السلام خر ساجدا ، لله بعد حكم إبنه سليمان ، وقطعا أن المدير الجهوي للأنباء لم يعد من أولويات الذين كانو يخدعوننا بالإيجار سرا . وبخصوص العفو فنصيبنا منه قليل و صادق ، أموال ضاعت في الأرض ، والقرض لا يكفي للتمويل و بقينا نحن مطالبين بسداد مال الممولين الخواص ، عكس دين الحقب الماضية الذي لم يصرف علي الزراعة . سأعتبر أن اعتراف المدير هو اعترافا للدولة بمشاكل القطاع ، و لا يوجد أي عيب في ذلك فالزراعة قطاع المشاكل ،
وهنا أقول للسيد الرئيس إستأسدو علينا واحتوو علي كل الدعم ، و طوال الفترة الماضية منعونا التسويق رغم أنه مسخر لهم ليرغموننا علي البيع بثمن بخس ، و إن لم تسعفونا إسعافات أولية فلن ندرك العلاج . سيادة الرئيس لا تنسو بداية توليكم حين كانت الطاقة مرتفعة الثمن ، وكان الغذاء يشكل طاقة بديلة ، و كانت الدولة التي لا تنتج ما تأكل ، تقدم النقود ولا تجد ما تشتري ، و حين أتي إعصار علي تايلاند التي نستورد منها الأرز قضي علي ربع إنتاجها ارتفعت الأسعار . وحدث مؤخرا في فرنسا ، أن حظرت الروس ، استيراد الخضروات الفرنسية المشحونة نحوها ، فأشترتها الحكومة الفرنسية بأغلي أثمانها نقدا ، و تركت لهم الحق ببيعها بأي ثمن باعتباره علاوة لهم.
فإما الاكتفاء أو العودة من منتصف الطريق ، و لا ثمن أعظم من أن يبذل في سبيل سيادة الغذاء.
محمد عبد الحي بومدين اليدالي