من أجل معارضة قادرة على فرض تغيير آمن
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يعد يمتلك نظام ولد عبد العزيز من نقاط القوة إلا نقطة واحدة وهي أن الله قد أنعم عليه بمعارضة ضعيفة جدا، ولم تعد المعارضة الموريتانية تمتلك من نقاط القوة إلا نقطة واحدة، وهي أن الله قد أنعم عليها بنظام ولد عبد العزيز الذي لا يتوقف ـ وللحظة ـ عن ارتكاب المزيد من الأخطاء القاتلة.
إنه يمكننا القول بأننا ـ ومنذ فترة من الزمن ـ قد أصبحنا أمام سلطة ومعارضة تعيشان ما يمكن أن نسميه ب”التوازن في الضعف”، ولكن “توازن الضعف” هذا يمكن أن يختل في أي لحظة لصالح أي طرف سيمتلك من الشجاعة ما سيمكنه من أن يبادر بمحاسبة نفسه، فيبحث عن أخطائها، ويفتش عن نقاط ضعفها، ثم يسارع من بعد ذلك في تصحيح الأخطاء، وفي العمل الجاد من أجل التغلب على نقاط الضعف.
لقد أصبحت نقاط ضعف كل طرف من الطرفين واضحة وجلية، وفيما يخص المعارضة الموريتانية فإن لها ثلاث نقاط ضعف كبرى سيحاول هذا المقال أن يتوقف عند كل نقطة ضعف من تلك النقاط الثلاث، مع تقديم بعض المقترحات والأفكار التي قد تساعد في التغلب على نقطة الضعف تلك.
نقطة الضعف الأولى: وهذه تتمثل في غياب الرؤية، وفي غياب أي خطة إستراتيجية لدى المعارضة الموريتانية، مع اكتفاء هذه المعارضة بتسجيل ردود أفعال على تصرفات وأفعال السلطة الحاكمة.
إن التغلب على نقطة الضعف هذه يفترض على المعارضة أن ترسم ومن الآن خطة واضحة المعالم من أجل تحقيق هدف واضح ومحدد يتمثل في وصول مرشح المعارضة إلى السلطة في انتخابات العام 2019 ، ومن أجل الوصول إلى ذلك الهدف يجب على المعارضة أن تعمل على:
1 ـ الوقوف ضد أي مساس بالدستور قد يؤدي إلى مأمورية ثالثة، أو قد يؤدي إلى الانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني.
2 ـ العمل من الآن من أجل أن تكون الانتخابات القادمة انتخابات شفافة، وأن لا يظهر فيها أي انحياز للدولة لصالح مترشح دون آخر. يجب العمل على إبعاد الجيش والسلطة والدولة عن العملية الانتخابية وعن المتنافسين فيها.
3 ـ على المعارضة أن تبحث ومن الآن عن شخصية وطنية مستقلة توافقية وقابلة للتسويق لتتقدم بها كمرشح موحد في الانتخابات الرئاسية القادمة. هذا المرشح التوافقي من الأفضل أن تتم تسميته من قبل نهاية العام 2015، على أن تبدأ عملية تسويقه والدعاية له مع مطلع العام 2016. كما أن عليها أن تعد في الفترة نفسها برنامجا انتخابيا لهذا المرشح التوافقي، يركز على وضع الأسس الكفيلة لبناء دولة مؤسسات عادلة وديمقراطية.
4 ـ سيظل هناك احتمال وارد جدا، وهو أن يحدث تغيير مفاجئ وغير دستوري من قبل العام 2019، إما عن طريق انقلاب، أو ثورة، أو بأية وسيلة أخرى غير دستورية. على المعارضة أن تكون لها خطة بديلة في حالة حدوث تغيير من ذلك النوع، وعلى تلك الخطة أن تحدد الآليات والأساليب اللازم إتباعها في حالة حدوث أي تغيير مفاجئ من أجل استثمار ذلك التغيير المفاجئ فيما يخدم موريتانيا وديمقراطيتها المتعثرة.
نقطة الضعف الثانية: وتتمثل نقطة الضعف هذه في اهتزاز الثقة بين الأحزاب السياسية داخل الكتلة المعارضة الواحدة، وبين الكتل المعارضة فيما بينها، هذا فضلا عن اهتزاز الثقة بين المعارضة بكل مكوناتها والشعب الموريتاني. ومن أجل إعادة بناء الثقة المفقودة فإنه على المعارضة أن تعمل على:
1 ـ فيما يخص بناء الثقة الداخلية فإنه على المعارضة، وخاصة كتلتها الكبرى (المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة) أن تضع آليات تمكن من اتخاذ القرارات في القضايا الهامة (الحوار مع السلطة ـ المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها…) من داخل هيئات المنتدى، وأن لا يظل اتخاذ قرار المشاركة في الحوار أو في الانتخابات من القضايا التي يتم نقاشها داخل الهيئات الحزبية.على المكاتب السياسية والتنفيذية للأحزاب المنخرطة في المنتدى أن تمنح ـ وبشكل كامل ـ صلاحية اتخاذ القرار بالمشاركة أو بعدم المشاركة في أي حوار مع السلطة للقطب السياسي بالمنتدى، وأن لا يتم نقاش مثل تلك الأمور داخل هيئات كل حزب على حدة.
2 ـ أن يتم الاتفاق على أن عدم المشاركة في أي حوار مع السلطة تعني، وبشكل تلقائي، عدم المشاركة في أي انتخابات يفرزها ذلك الحوار. إنه لا معنى لأن يرفض أي حزب سياسي أن يشارك في حوار مع السلطة ثم يقرر من بعد ذلك أن يلتزم بمخرجات ذلك الحوار الذي لم يشارك فيه أصلا. إنه قد يكون من الأفضل لأي حزب سياسي سيقرر مستقبلا المشاركة في أي انتخابات سيتم الاتفاق على آليتها وموعدها من خلال حوار السابع من سبتمبر، أن يشارك في حوار السابع من سبتمبر، فمشاركته في هذا الحوار ستضمن له على الأقل التحسين ولو قليلا من مخرجات هذا الحوار.
3 ـ يجب العمل على معاقبة أو طرد كل من لا يلتزم بقرارات المنتدى التي يتخذها بإجماع، والميثاق التنظيمي للمنتدى يجيز مثل ذلك. على هيئات المنتدى أن تتخذ عقوبات صارمة ضد أي شخصية أو منظمة أو نقابة أو حزب سيقرر المشاركة في حوار السابع من سبتمبر، كما أنه على الأحزاب أن تعاقب مناضليها الذين سيقررون المشاركة في حوار 7 سبتمبر، فالمهم في هذه الفترة هو الانضباط والالتزام. أما بالنسبة لأولئك المناضلين الذين كانوا قد انسحبوا منذ سنوات، والذين كانت السلطة قد استدعتهم مؤخرا للمشاركة في الحوار باسم أحزابهم التي كانوا قد انسحبوا منها منذ سوات، فهؤلاء لم يعد بالإمكان معاقبتهم، ولكن يمكن ـ في المقابل ـ أن يتم الكشف عن حقيقتهم للرأي العام. إن على المنتدى أن لا يقبل بأن يعلن حزب صغير كان قد تم تجميد عضويته منذ مدة عن مشاركته في حوار السابع من سبتمبر، وأن يصدر ذلك الحزب البيانات الداعية والمروجة للمشاركة في الحوار، ثم يعلن في نفس الوقت بأنه سيحتفظ بعضويته داخل المنتدى الذي يقاطع ذلك الحوار.
4 ـ على الكتل والمؤسسات المعارضة ( المنتدى ـ المعاهدة ـ مؤسسة المعارضة) أن تتجنب مستقبلا أي صدام فيما بينها، وعليها أن تنسق فيما بينها فيما يمكن التنسيق فيه بما يخدم المعارضة الموريتانية، وبما يعزز من مكانتها.
5 ـ أما فيما يخص بناء الثقة فيما بين المعارضة والشعب الموريتاني فإن ذلك لن يتم إلا من خلال تجديد الأساليب النضالية ومن خلال ظهور المعارضة في هذه المرحلة، وبكل مكوناتها، بأنها لا تبحث عن مصالح شخصية أو نقابية أو حزبية ضيقة، وإنما تعتبر هذه المرحلة هي مرحلة لتقديم التضحيات، لا مرحلة للبحث عن مصالح آنية وخاصة..إنه لا معنى لأن يبحث أي حزب سياسي عن مصالح ضيقة في دولة قد أصبح كيانها مهددا.
نقطة الضعف الثالثة: وتتمثل نقطة الضعف هذه في ضعف الخطاب المعارض، وفي ضعف أو عدم فعالية الكتل المعارضة. وإذا ما اقتصرنا على المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وذلك باعتباره أكبر كتلة معارضة فإن تجاوز نقطة الضعف هذه قد يتطلب جملة من الأمور:
1 ـ لم يعد التغيير وإسقاط الأنظمة من الشعارات التي يمكن للشعوب أن تدعمها بلا قيد ولا شرط، خاصة بعد ما حدث من فتن وتفكك في بعض بلدان الربيع العربي. لقد أصبح من الضروري أن يكون الشعار المرفوع هو “التغيير الآمن” الذي يمكن من إسقاط النظام الحاكم دون إسقاط الدولة نفسها. إنه على المنتدى أن يكون خطابه واضحا في هذا المجال، وعليه أن يوضح بأن أي سلطة تقف ضد التغيير الآمن إنما تجر البلاد وتدفعها إلى تغيير غير آمن قد يتسبب في تفكك البلاد لا قدر الله.
2 ـ إن على المنتدى أن يركز في خطابه على أن الأزمة اليوم لم تعد مجرد أزمة سياسية تعني الأحزاب السياسية لوحدها، سواء كانت معارضة أو موالية، وإنما أصبحت أزمة متعددة الأوجه، وتتطلب من الجميع المساهمة في إيجاد حلول لها، ولهذا فقد تم تشكيل المنتدى الذي لا يمكن اعتباره مجرد كتلة سياسية معارضة (بالمفهوم الضيق للمعارضة)، وإنما هو كتلة وطنية تضم أطرافا غير سياسية قد تشكلت نتيجة للظرفية الصعبة التي تمر بها البلاد، والتي تفرض على الجميع، بما في ذلك غير السياسيين، أن يوحدوا جهودهم من أجل إخراج البلاد من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تتخبط فيها، والتي تكاد أن تعصف بها.
وهذا الخطاب ليس من أجل الرد على السلطة والتي كثيرا ما تنتقد منظمات المجتمع المدني والنقابات والشخصيات الوطنية المنخرطة في المنتدى على انشغالها بالعمل السياسي.
إنه لا يجوز للسلطة أن تنتقد المنظمات والنقابات المنخرطة في المنتدى، خاصة وأننا نعلم بأن السلطة كانت هي أول من أقحم منظمات المجتمع المدني في العمل السياسي. لقد كان من المفترض بأن تبقى “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان” و “رابطة العلماء الموريتانيين” بعيدتان كل البعد عن العمل السياسي، حتى ولو انخرطت فيه كل منظمات المجتمع المدني، ولكن، ورغم ذلك فسنجد بأن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ستصدر بيانا سياسيا للتنديد بموقف الأحزاب السياسية التي قررت أن تقاطع انتخابات 23 نوفمبر 2013، وسنجد بأن رابطة العلماء الموريتانيين ستصدر بيانا تعلن فيه عن دعمها لمرشحي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في تلك الانتخابات. أليس من الغريب بعد هذا كله، أن يخرج لنا من الموالاة، من يستنكر انضمام بعض منظمات المجتمع المدني للمنتدى، والذي رغم أنه يضم أغلب الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد إلا أنه مع ذلك ليس مجرد تكتل سياسي معارض، وإنما هو تكتل وطني واسع يسعى لإخراج البلاد من الأزمات العديدة التي تتخبط فيها، سياسية كانت، أو اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية.
3 ـ إن على المنتدى من أجل أن يكون فعالا أكثر أن ينفتح على الشباب المعارض، بما في ذلك الشباب الذي يعمل بشكل مستقل، أو ذلك الذي يعمل في إطار حركات أو منظمات أو اتحادات شبابية. كما أنه على الشباب أن يعلم بأنه لن يكون فعالا في نضاله ما لم ينسق أو ينخرط في أكبر كتلة تسعى لإحداث تغيير في البلاد.
لقد أصبح من الضروري أن يتم تشكيل قطب خامس بالمنتدى، وأن يكون ذلك القطب خاص بالشباب الذي يناضل من أجل إحداث تغيير في هذه البلاد المتعطشة إلى التغيير.
وعلى أولئك الطيبين المتفرجين، وما أكثرهم في هذه البلاد، أن يعلموا بأنه لم يعد اليوم بالإمكان مواصلة التفرج على بلاد تكاد تتخطفها الأزمات، فإن سلمت من هذه الأزمة فقد لا تسلم من تلك. وعليهم أن يعلموا بأن النضال في زمن تفكك دول المنطقة لم يعد من الناحية السياسية فرض كفاية، وإنما أصبح فرض عين. وعليهم أن يعلموا بأن السياسة كالحرب، وبأنها أخطر من أن تترك بيد السياسيين لوحدهم. وقديما قال”إفلاطون”: “إن الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم، هو أن يحكمهم الأشرار”.
حفظ الله موريتانيا.
محمد الأمين ولد الفاضل
elvadel@gmail.com