المحاظر كنز بلاد شنقيط | عبد الرزاق سيدي محمد
يدين الموريتانيون للمحاظر بالكثير من الفضل، لأنها حافظت على هوية البلاد الحضارية والثقافية ووفرت فرص التعليم المجاني لجميع الموريتانيين بدون استثناء، وحسب المصادر الرسمية فإن الحكومة تسعي إلي حمايتها من تغلل التطرف والإرهاب مع وجود حالات عديدة علي التحاق العديد من ابناء “المحاظر” بالجماعات الارهابية، وهو ليس مقياسا علي أنها تحمل الفكر المتشدد، فهناك الالاف من خريجي الجماعات المدنية العصرية في مختلف انحاء العالم العربي والاسلامي والغربي التحقوا بـ”القاعدة” و”داعش”، لذلك جاءت خطة الحكومة لحماية “المحاظر” من الارهاب والتشدد ولتستمر في أداء رسالتها بحفظ التراث وتعليم الاسلام الوسطي المعتدل….
قبل قيام الدولة الموريتانية الحديثة، بأكثر من سبعة قرون تقريبًا، عرف الموريتانيون كتاتيب تعليم الشريعة الإسلامية واللغة العربية وأطلقوا عليها تسمية “المحاظر” وهي مدرسة دينية تقليدية، قريبة الشبه من الكتاتيب المصرية، وأغلب الروايات ترى أن تأسيس ” المحاظر” كان مع بداية تشكل دولة “المرابطون” حيث يرى هؤلاء أن الأمير اللمتوني “أبا بكر بن عمر” بعد انفصاله عن “ابن تاشفين” بالمغرب وعودته إلى الصحراء اصطحب معه فقهاء قاموا بتأسيس مدارس دينية كانت هي نواة تشكُل مؤسسة ” المحظرة” الشنقيطية.
“المحظرة” تتبنّى منهجاً دراسياً يعتمد على الحفظ والتلقين وقد عرفت تاريخياً بكونها مكاناً لتدريس القرآن وعلومه والعقيدة وعلوم الحديث والفقه والنحو والصرف واللغة والأدب وعلم العروض والمنطق والبيان، ولا تزال تلعب الدور نفسه.
ويبدأ الطالب الملتحق بـ”المحظرة”، عادة بدراسة اللغة العربية وعلومها، ثم يتسع ليشمل علوم الشريعة الإسلامية بما فيها من آراءِ وتخريجاتِ علماء الفروع، باعتبارها منطلقًا أساسيًا لمعظم سكان البلاد أصحاب النزعة الأشعرية المالكية.
ما يزال الموريتانيون يذكرون، ضمن ثقافتهم المحظرية، المقولة المشهورة: “نحن قوم خليليون، نسبة لخليل بن اسحاق المالكي، إن ضلّ خليل ضللنا”، التي تعكس ارتباطهم بالمذهب المالكي، وتوضح المكانة التي تحتلها العقيدة الأشعرية السٌنية، نسبة لأبي الحسن الأشعري، في نفوسهم.
ورأي مراقبون ومتابعون ، أن هناك تراجع للمذهب المالكي، وتقلص الآخذين بالعقيدة الأشعرية ذات المنبع الصوفي، وزيادة في النهج والفكر السلفي، أو ما يعرف بـ”المدٍّ السلفي” ، وهو ما أدي الي إقبال عدد من الطلبة الأجانب ذوي الميول السلفية الجهادية.
مع طفرة في التشدد وظهور الجماعات الارهابية، كتنظيم “داعش” و”بوكو حرام” و”القاعدة” وغيرها ، تعالت دعوات المراقبون مطالبة بمراجعة المنهج المتبع في المحاظر وفرض مزيد من الرقابة عليه، خاصة بعد أن سُجلت بضع حالات انخرط أصحابها في تنظيمات جهادية توصف بـ”التشدد”، بعد أن مروا خلال مسيرتهم العلمية بالمحظرة، ما جعل البعض يتهمها، تلميحا أو تصريحا، باحتضان الفكر الأصولي المُغَذي للحركات الإسلامية المتشددة في المغرب العربي.
وتراقب السلطات الأمنية تحركات الدارسين في المعاهد الدينية، خصوصا من غير الموريتانيين، خشية سيطرة جماعات متشددة عليهم، ورغم أن مسيري هذه المدارس يؤكدون أن تمويلها يتم عن طريق أشخاص وجمعيات خيرية إسلامية والمنح الدراسية التي تعطى للطلاب، فقد ركزت السلطات الأمنية على نشاط بعض هذه المدارس المتهمة بالتعاون مع تنظيم القاعدة، بعدما شنت القاعدة هجمات داخل موريتانيا وأصبح الطلاب يخضعون للتدقيق من قبل قوات أمننا.
وبدأ الجيش الوطني، منذ أكثر من ثلاث أعوام، يشن هجمات تستهدف التحركات العسكرية والأمنية وحتى التجارية التي يعتمد عليها تنظيم القاعدة في المغرب العربي وشمال افريقيا، وحقق نجاحات مقدرة أحكمت الخناق على تحركات مجموعات القاعدة العسكرية في المجال الصحراوي المتاخم للعديد من الولايات والمدن الحدودية مع مناطق تواجد هذه التنظيمات.
ويصل عدد المحاظر في موريتانيا –حسب وزير سابق- يصل 7 آلاف محظرة في بلد يضرب فيه الإسلام والتدين بجذور عميقة، وأكد المسح الإحصائي الشامل الأول من نوعه في موريتانيا – أن عدد المحاظر بلغ 6718 محظرة، و5082 مدرسة قرآنية، تضم 163912 طالبا، وبلغ عدد المساجد الإجمالي 8000 مسجدا، منها 1813 جامعا و4337 مصلى والباقي مساجد.
خلاصة الكلام أن “المحاظر” أو المدارس الشَّنقيطية التقليدية، التي تعرف بالجامعات الصحراوية المتنقلة حيث تدرس علوم الدين والقرآن تبقي كنز لهذه الأرض لا يجب إغلاقها أو بعضها ،غير أنها لايجب كذلك استغلالها لنشر الفكر الإسلامي السياسي واتخاذها منابر للدعاية السياسية وكذلك أن تساير العصر..
بقلم:عبد الرزاق سيدي محمد