المنطقة الحرة و السر الدفين

لم تكن ساكنة انواذيبو علي موعد مع قرار أنشاء منطقة حرة في مدينتهم فبعد فتور كل الشائعات التي ترددت سابقا والتي تحدثت عن زيارة وفد خليجي رفيع المستوي ل انواذيبو وما أبدوه من اهتمام بهذه المنطقة جغرافيا ، فاجأت الدولة الجميع بعرضها جملة من القوانين عام 2012 المنظمة لا نشاء مشروع منطقة حرة في انواذيبو حيث تمت المصادقة «عليها

رغم أن الجميع يجهل الظروف و التداعيات التي دفعت الدولة إلي اتخاذ هذا القرار، يتساءل البعض عما إذا كان سابقا لأوانه، و هل حقا أن الدولة بعد أن عجزت عن خلق الظروف و القياسات الملائمة لإنشاء منطقة حرة، تملك الآن من الضمانات ما يقوي فرص نجاحها، أم أنها تخفي ما الله مبديه: روح المغامرة و قلة الحيلة.

أعلنت الدولة إنشاء المنطقة الحرة في يناير 2013 فاستبشر الجميع الصغير و الكبير رجالا، نساء و أطفالا بهذا لحلم الذي طالما راود الجميع و تفاءل المواطنون خيرا رغم اختلافهم وتباينهم من تجار ومستثمرين إلي عاطلين عن العمل. عمدت الدولة اثر الإعلان مباشرة إلي تعيين اطر أكفاء علي سلطة التنظيم الهيئة المشرفة علي المنطقة الحرة ليدخل المشروع حيز التنفيذ.

مع ظهور إدارة سلطة التنظيم في انواذيبو، و دخول القوانين حيز التنفيذ، تكالبت الناس عليها ما بين مستثمر يطمح لولوج تجربة جديدة و ما بين عاطل عن العمل يري فيها مبتغاه. هنا كانت البداية صعبة حيث مورست عليها ضغوط هائلة لكنها استطاعت بفضل الله أن تأخذ هيكلها دون الاعتماد علي لجنة المسابقات أوالي أي مسابقات علنية.

في ظل الإرادة القوية لسلطة التنظيم إلي خوض غمار هذا المشروع الذي وصفه الجميع بأنه يفوق كل التحديات، تطلع الجميع إلي معرفة أهم المقاربات التي تبنتها سلطة التنظيم لضمان سير هذا المشروع و هل هناك خطط ب و ج كبدائل عند الضرورة؟ اكتتب مكتب الدراسات العالمي أجس لانجاز الخطة التنموية متعددة السنوات حسب ما يمليه القانون الصادر 2013 ، تشمل هذه الخطة دراسة المخطط العمراني للمدينة وتنمية المنطقة. استكملت الدراسة و تحددت الأولويات و قدرت تكاليف هذا المشروع بما يناهز 4000 مليار أوقية في غضون السنوات القادمة.

بعد أن قدمت كل الشروح و التوضيحات اللازمة لخطة التنمية، وبغض النظر إن كان هذا المبلغ ضئيلا مقارنة مع تقتضيه المقاييس العالمية للمنطقة الحرة إلا انه اعتبر تعجيزيا إن لم يكن مستحيلا. من هنا بدأت المهمة الصعبة و التي تتركز حولها جهود سلطة التنظيم لجلب الاستثمارات و تشجيع تنمية القطاع الخاص، إضافة إلي تنمية البنية التحتية للمنطقة.

بدأت سلطة التنظيم تتحرك شيئا فشيئا، فدعت خلال ورشة نظمتها في سبتمبر2013 كافة المستثمرين المحليين بان تكون لهم يد السبق في إنجاح الخطة التنموية للمنطقة الحرة و إلي المساهمة بشكل فعال في المخطط التنفيذي للإصلاح العمراني للمدينة. خلال السنوات الماضية تلقت المنطقة عدة زيارات لمستثمرين أجانب من بينهم ممثلين عن دول أوربية كهولندا مثلا، كما شاركت أيضا في عدة محافل دولية كان من أبرزها حضور وفد من سلطة التنظيم لاجتماعات السنوية للبنك الدولي المنعقدة في واشنطن 2014. حاولت سلطة التنظيم بكل ما أوتيت من قوة جلب أنظار المستثمرين فقدمت لهم نظاما جبائيا و جمركيا يوفر إغراءات متميزة ، كل ذلك لم يكن كافيا حتى الآن لاستمالة أي مستثمر مما يدعو للتساؤل: هل هناك عوامل أو نواقص تعرض هذا المشروع للإجهاض كما عبر بذلك احدهم؟ الم تكن الخطة التي رسمناها كافية لجلب المستثمرين أم أننا لا نمتلك حتى الآن الأرضية المؤهلة لاستقطابهم، بما في ذلك ضمانات تجعلهم ينقادون طواعية لإغراءاتنا؟ ربما كان إنشاء شركة نواذيبو للاستثمار وتنمية المنطقة الحرة في يوليو2014 نتيجة لذلك.

لم تظهر دول الخليج كعادتها دون معرفة الأسباب ، كدول عربية إسلامية صديقة تطمح دائما أن تكون سباقة لدعم و تنمية الدول العربية الصديقة، كما لا زال السر محيرا وراء تقاعس الشركة الوطنية للصناعة و المناجم أيضا لما تملكه من ضمانات لجلب المستثمرين ولجر شركائها في الدخول أو المساهمة بطريقة أو بآخري في بث الروح في هذا المشروع ؟

لم تكن مدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية بمنئى عن السياسات و الحكومات التي قادت البلاد منذ فجر الاستقلال و إلي اليوم، فهي مدينة متهالكة ، فرغم ما شهدته من تبادل تجاري و أنشطة اقتصادية عبر التاريخ لم يجنح بها إلى ادني حد من مقومات المدينة. نتيجة طبيعية لسنوات من التهميش والنسيان والعزلة، وعلى كافة الأصعدة:

– سياسات الصيد التي انتهجتها الدولة بما في ذلك من رخص للصيد و ما ترتب عليها من عائدات لم تحظ المدينة بأي نسبة منها، لا فوائد ملموسة تذكر على الأقل كما هو حال البرنامج الذي اعتمدته الدولة حديثا لاحياء المدن القديمة.

– ضعف مساهمة الشركة الوطنية للصناعة و المناجم في بناء و تنمية المدينة، حتى رماها البعض بان كل البني التحتية التي تمتلكها الشركة هي موروث سابق لشركة ميفارما الفرنسية

– مخطط عمراني فوضوي، لم يسلم من عبث الولاة، شوارع ضيقة، و ساحات عمومية استغلت وبنيت ورخص متعددة نشبت علي إثرها خصومات لا تعد ولا تحصي.

– ضعف الخدمات بشكل عام، من تعليم و صحة…الخ.

حتى الساكنة الأصلية للمدينة، تشهد بان الحياة تغيرت فلم تعد كما ألفوها من قبل، فلا هي الأيام التي عرفوها على حد تعبير احدهم
:
أمربع الغصن ذا أم تلك أعلامه لا هوّ هوّ و لا الأيام أيامه

تبدل المناخ، بعد أن كان رطبا باردا و جوا هادئا، تصاعدت روائح موكا واكتظت المدينة، كما تراجعت عائدات الصيد، و أصبحت الحياة صعبة شحيحة حتى وجد الشباب أنفسهم مضطرين إلى الهجرة إلي البلاد المجاورة.

بعد أن تراجعت مردودية قطاع الصيد وما نتج عن ذلك من ركود، عرف نواذيبو فضاء تجاريا بحكم موقعه الجغرافي كبوابة مطلة علي أوربا فانتشرت مخازن ما يسمي محليا “رباخا ” موفرة كل الحاجيات و الوسائل الضرورية بأسعار رخيصة وتوفرت السيارات بأشكالها وعرفت المدينة حركية حيث لاقي هذا القطاع رواجا و اقبل عليه الشباب و المستثمرون.

مع مجيء المنطقة الحرة و ما يمليه عليها القانون، عمدت إلي إغلاق كل المنافذ، فتراكمت السيارات عند الحدود و نفذت المخازن و بقي الشباب مكتوفي الأيدي لا يعرفون ما يصنعون وتقلصت عائدات الدولة الجمركية. بعد مضي ثلاث سنوات على هذه الحالة، دون أن تكون هناك بدائل أو حلول آنية تدع حركة المدينة انسيابية على الأقل كما كانت، ازداد الوضع سوءا وأصبحت المدينة مشلولة في انتظار ما ستقدمه المنطقة الحرة من نتائج.

كما هو من المعلوم ضرورة وما تقتضيه القوانين الدولية من المحافظة علي البيئية، أوضح القانون الصادر 2013 آن المخطط التنموي متعدد السنوات يجب أن يقوم علي أساس خطة تضمن للبيئة سلامتها و ذلك اعتمادا علي دراسة بيئية للمنطقة.

هذه الخطة تأخذ بعين الاعتبار البرنامج التخطيطي للمنطقة خلال كل 5 سنوات. هنا لوحظ غياب سلطة التنظيم حيث لم تستطع أن تتجاوز المرحلة التي يتوقف عندها نشاط المجتمع المدني، فالشواطئ لا زالت تعاني من التلوث يوما بعد يوم، وأماكن تفريغ القمامة قرب مدينة الكويرة قرب كنصادو، انعدام صرف صحي…الخ.

في انتظار وجود الممولين لخطتها العمرانية، فضلت المنطقة الحرة أن تساهم في تنظيم و ترتيب المدينة علي أن تبقي جامدة فاجرت عدة تعديلات وصفت معظمها بأنها ارتجالية:

– نظافة المدينة: بعد أن أسندت الدولة إليها هذه المهمة وقعت المنطقة الحرة خمس عقود مع شركات محلية لتنظيف المدينة لكن سرعان ما نشب الخلاف حول الحدود الجغرافية لكل شركة من جهة وحول طبيعة العمل المسند إليها من جهة أخري فكان التأويل متباينا حول نظافة الشوارع الرسمية فقط أو ما يليها. بالمقابل لم يري المواطن اختلالا على مستوي النظافة الذي كانت تقوم به البلدية سابقا.

– مراجعة المخطط العمراني والذي لم يستمر كالعادة فأغلبية المنازل باتت مستهدفة.

– تحويل مكان بيع المواشي و الذبح العمومي عند مدخل المدينة: لا يختلف اثنان على أن حركة المواشي وأماكنها التصديرية عند مدخل المدينة تضفي صورة غير لائقة بمشروع المنطقة الحرة، زد على ذلك الروائح المتأججة التي تفرض نفسها على كل قادم. ناهيك عما يجده المواطنون من صعوبة التنقل إلى هذه المنطقة النائية لسد حاجياتهم.

رغبة من الدولة في تحقيق أهدافها و لدفع عجلة التنمية في هذه المدينة، حاولت جاهدة خلق فرص استثمارية جديدة لتحد من حدة الوضع، فأنشأت بنكا لتمول المشاريع المتوسطة (س د د) ليلاقي ما لا قي سابقه بنك كابك من الصعوبات، كما دشنت مصنعا للزوارق و رخصت للعديد من البنوك. أضف إلى ذلك انجاز العديد من المشاريع لدعم البني التحتية للمدينة: ميناء، مستشفي، ملعب أو مركب رياضي…الخ. لكن بقي هنا آن يذكر آن جانب السياحة لم يلق من الرواج و الدعم من طرف الدولة ما يؤهله آن يكون سندا قويا و أداة فعالة لإنجاح المنطقة الحرة.

لا شك أن مدينة نواذيبو لها ما يميزها، يجعل منها محط أنظار المستثمرين، و قبلة للوافدين و أن المنطقة الحرة خيار لا يقبل الفشل و أن التحديات جسام، لكن ذلك لا يكفي كما أن سن القوانين لا يكفي. من هنا كان لزاما علينا آن نرجع إلي ماضينا و آن نبحث عن السر وراء كل المعوقات التي عرفناها و سنعرفها لاحقا.

قلم / المهندس محمد أحمدو


إضافة سيد احمد ولد مولود إلى صحفي

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى