“فرسانٌ” سيوفهم من خشب..!!!
سالَ مدادٌ كثيرٌ في الأيّام الأخيرة؛ بعد شهادة الرّائد صالح ولد حننَّ على العصر، وتخندقَ الأنصار والحواريُّون؛ كلٌّ يغنِّي على ليلاه؛ غير راعٍ إلاًّ ولا ذمَّةً في أدبيات الحوار، ولا الاختلاف ولا النقاش.. وتلك مسلكياتٌ لنا معها تاريخٌ طويلٌ؛ إذ اعتدنا أن تُغطِّي عواطفنا ـ بمنتهى السُّمك ـ على عقولنا؛ ولأنَّني لا أرى أياًّ من “الفريقين” يمتلك الصَّواب المطلق؛ ولا ـ بالمقابل ـ الخطأ المطلق؛ بالإضافة إلى أنَّني لا أرى “المجد” الّذي يتقاتلون عليه يستحقُّ كلَّ الّذي سمعنا من “الصَّليل” و”الصَّهيل” ولأنّ “المبارزة” أبانتْ عن سياقاتٍ أخرى، وجوانب أخرى لـ”الفرسان”.. لذلك كلِّه قرَّرتُ أن ألج تلك “المعركة” الَّتي كانت لي فيها ـ يوماً ـ ناقةٌ، وكان لي فيها جملٌ..
خلَّفت المحاولات الانقلابية لـ”فرسان التَّغيير” للشّعب الموريتانيِّ وللدّولة الموريتانية سلسلةً من المآسي والجروح الغائرة؛ لمَّا تندملْ بعد..! بدءاً بـ”مَرْكَزَةِ” القوّة العسكرية للدّولة بـ”كتيبة الرِّئاسة” (الأمر الّذي أدّى أوّلا إلى وأد أول حلمٍ بالدِّيمقراطية والتَّداول السلميّ السَّلس للسُّلطة؛ ولا يزال يشكِّل خطراً على الاستقرار المستقبليِّ؛ ليس على الدِّيمقراطية فحسب؛ وإنَّما على “الكيان” بصورةٍ عامّةٍ) إضافةً إلى سفك دم أربعة عشر شخصاً بريئاً.. ومئات البيوت المفجوعة في “أبناءٍ” و”معيلين” ما بين “أسيرٍ” و”طريدٍ”.. وتصدُّع اللُّحمة المجتمعية؛ عبر “تهييج” الحمية القبلية والجهوية… وبالرّغم من كلّ هذه السّيّئات.. وبالرّغم من البعد الانتمائي “الضيّق” لأولئك “الفرسان” والّذي كان حاضراً وبارزاً؛ زغردتْ غالبية الحناجر ورفعت الأيدي أولئك “الفرسان” عالياً على الهامات.. واعتبروهم ـ دوماً ـ أبطالاً؛ غاضِّين أبصارهم عن كلّ المثالب والنّواقص؛ عن كلّ سياقٍ من شأنه تشويه الصُّورة الجميلة الّتي ركَّبتها الذّاكرة الجمعية؛ لكنّ “براقش” ـ وعلى عادتها ـ لا تريد الخير لنفسها..!
سياقاتٌ متعدِّدةٌ تفرض علينا مراجعة ذلك التاريخ؛ ليس أقلّها اللَّحظة الّتي اختارها “الفرسان” لمبارزاتهم؛ لأنّها ـ دون شكٍّ ـ تشي بأنّ “الوطن” آخر ما كانوا يفكِّرون فيه عندما كانوا يركبون الصِّعاب من أجل “التّغيير” فلا يخفى على أيٍّ كان أنّ “المرحلة” الّتي نمرُّ بها اليوم؛ ليستْ ـ بالمطلق ـ أحسن من تلك الّتي أيقظت “ضمائرهم” ذات يومٍ.. أو كما توهَّمنا..!
هيبة الدّولة تتهاوى تحت قصص المتاجرة بالمخدّرات، وممارسة الرّذيلة، والسّلوك “المافيوي” والدّستور يهيأ للانقلاب عليه، والثّروات تنهب، وجيوب المواطنين تستنزف بشتى الوسائل؛ من الزّيادة الفاحشة لأسعار الوقود، إلى الضّرائب على التّنقيب عن “الوهم” وأنتم يا “فرسان” الحيّ، يا من كنتم الأمل؛ تنشغلون، وتُشغلون معكم غيركم بالجدل والسّباب حول أيّكم سبق إلى القصر الرّئاسي يوم الثامن يوليو؛ أو أيّكم كان يقود “هَبُّولْ” دبّابته… كم سَخِرْتُمْ منّا.. ومن هِمَمِكُمْ يا “هؤلاء”…!!!
سامحوني؛ لأنّني عاتبٌ عليكم.. مع أنّني أُدرك أنّ اللعبة سرعانَما أصبحت أكبر منكم، ومن أحلامكم؛ وربّما من الوطن؛ فيوم احتضنكم “الجناح المدنيّ” تغيّر قانون اللّعبة، وتغيّرت معه أماكن بعض “البيادق” لتتزعزع الثّقة بينكم؛ وليوحي تعاطيكم ـ لاحقاً ـ أنّكم لم تكونوا أصحاب “مشروعٍ” وإن كانت تَباينَتْ تجلِّيات ذلك؛ ففي الوقت الّذي حرص الرّئيس صالح على “الشّكل” في تناوله للأمر؛ وظلَّت مفرداته وقورةً هادئةً؛ وإن كانت “المضامين” جارحةً يملؤها “الأنا” الإيجابي، ويغيب عنها “الآخر” إلا “من” سياقٍ سلبي.. في ذات الوقت جنح بعض “الرّفاق” إلى لغةٍ نابيةٍ (حتّى لا أقول ساقطةٍ) ..!
صالح ولد حننّ ـ وعلى أخلاقه ولباقته ـ وقع في خطأين جسيمين؛ أو دُفِعَ إليهما دفعاً؛ لعلّ أوّل ذيْنك الخطأين أنّه استبدل رفاق”الضّرّاء” بالشُّركاء الجدد “المدنيين” أو الصّيغة المنقّحة من “حاسم” ..! صحيحٌ أنّه يدين لهم ـ شأنه شأن ولد شيخنَ ـ بتهريبه غداة الانقلاب الثّاني، وصحيحٌ أنّ هذه يدٌ بيضاء؛ وأنّ من لا يشكر النّاس لا يشكر الله.. لكنّ ذلك لا يُسوّغ ـ بالمطلق ـ التّخلِّي عن زملاء وضعوا أرواحهم على أكفِّهم من أجل “مشروعه”..!
الخطأ الثّاني؛ تحميل كلّ مسؤوليات “الفشل” للرّفاق “الغائبين” وإظهارهم ما بين خائنٍ وجبانٍ ومتمرِّدٍ.. الشّيء الّذي قد يرى فيه البعض؛ تصفية حساباتٍ على مواقف سياسيةٍ لاحقةٍ لكلّ المحاولات الانقلابية الفاشلة..!
والحقيقة أنّ “الرّفاق” ـ أيضاً ـ لم يكونوا صبورين؛ وإن كان في الأمر ما يبرّره؛ فالرّجل ـ دون شكٍّ ـ جرحهم (وكما يقولون البادئ أظلم) غير أنّهم ـ مع كلّ ذلك ـ تجاوزُوا حدود السّكينة والوقار؛ وبَدَوْا معنيِّين بالدّفاع عن صورهم الذّاتية؛ أكثر من “فكرٍ” أو “مشروعٍ” بل أكثر من ذلك حرصوا كثيراً على تشويه صورة “الزّعيم” وتقزيم دوره؛ ليظهر مُدَّعياً مُلَفِّقاً في كلِّ الّذي يقوله؛ لكنَّ الأدهى والأمرّ من كلّ تلك الأمور؛ أنّ دوافع “أنصار” كلا الفريقين دوافع أقلّ ما يمكن أن يقال عنها إنّها “مشبوهةٌ”.. أمورٌ أدَّت في مجملها إلى قلب الطّاولة بمن عليها؛ لكنّ الخاسر في كلّ ذلك هو “وطنٌ” أسيرٌ خدعوه مرّة، وشعبٌ طيِّبٌ علَّق عليهم أملاً ذات يومٍ.. ودولةٌ وضعوها رهينةً إلى الأبد بيد ثلّةٍ فاسدةٍ مفسدةٍ من العسكر..!
هكذا, ندركُ أنّه ساهم “رافدان” أساسيان في توسيع الهوة، وتنائي الخنادق؛ ومن ثمّ تغيير الصُّورة النّمطية لـ”الفرسان” في الذّاكرة، وهما رافد “القبيلة” ورافد “الإيديولوجيا” إذ كان لكلٍّ من الطّرفين حاضنته الّتي لم تبخل عليه بشيءٍ؛ بدءاً بالحشد؛ وليس انتهاءً بالدِّفاع والهجوم..
وإذا كان “القائد” قد انتصر على “جيشه” و”الإيديولوجيا” انتصرت على “القبيلة” و”الجهة” وربّما الحزب؛ فإنّ “الوطنية” قد هُزمت، وهُزمت “الفروسية” وهُزمت أحلام أمّةٍ وآمالها.. وظهرت سيوف “الفرسان” من خشب..!!!
إضافة: المختار ولد عبد السلام