ولد ابريد الليل يكتب : القمة العربية بين قصف الغربيين وهرج العرب ( خاص )
نواكشوط – مراسلون – ينعقد مؤتمر القمة العربية هذه الأيام في سياق لم يعد يحتاج إلى نعت ولا إلى شرح حتى بالنسبة لآخر خادمة منزل وآخر راعي حيوانات من الداخلة على شاطئ المحيط إلى رأس الخيمة على الخليج.
إن وضوح رؤية البسطاء محير، ومحير ليس لأن الوضع العربي العام بحاجة إلى جهود أو كفاءة خارقة لإبرازها ــ إنها جلية ـــ وإنما لأن رشاد أو صواب عقل العموم يناقض تيه وذهول النخب.
ان انعقاد مؤتمر قمة ليس فيه مايدعو للإستغراب.المستغرب أن لايكون مؤتمر القمة العربية منعقدا بإستمرار، وإذا كان مبرر انعقادها يكون في ظروف مقلقة او خطيرة أو ميؤوس منها، فهل هناك شيئ مثير للقلق أو أكثر خطرا أو يدعو لليأس أكثر من شعب تلعب في رقابه منذ سنوات عديدة الموت العمياء. شعب يقدر أمواته ومصابوه، وأرامله ويتاماه ولاجيئوه بعشرات الملايين؟
إنه شعب دمرت بنيته التحتية وأعيدت أنظمته الصحية والتعليمية إلى حالة بور، وإقتصاده إلى حالة خراب متقدم، وإضافة إلى ذلك فإن البؤس والأمية، الذين تنازلا عن مجالات واسعة خلال عشرات السنين الماضية، عادا بوتيرة سريعة يسوقان أفواجا كثيفة من الأطفال مادين أيديهم ليختبروا سخاء وشفقة الإخوة الذين لم يسقطوا حتى الآن في دائرة الجحيم.
إذا كان كل شيئ يدعو إلى وثبة استثنائية، إلى تعبئة عامة غير مسبوقة، إلى التخلي عن الثياب البالية والأسلحة المثلمة والمقاربات غير الفعالة في زمن الأزمات الطاحنة، كل شيئ، على العكس، يبرهن أن النخب والقادة واقعون في حالة انبهار وفتور جعلتهم في مايبدو عاجزين عن التفكير والتصرف. انهم فقدوا كل معالمهم واشاراتهم، وأصبحوا لايصدقون أعينهم. انهم يتخبطون كالغرقى متعلقين بأي عود خشب فار متملص، وهم في هرج مثير للشفقة.
لم يعودوا يتحملون تلك الحقيقة الفظيعة، تلك الوقائع التي لاتطاق، وهي لارجعة فيها نهائيا.
ان هناك حالة تشبه الحاجة إلى ابجدية جديدة لقراءة أشياء هي في الواقع لامجادلة فيها. ان الكتابة العادية لم تعد مجدية للفهم، ناهيك عن العمل .
إن هذا هو محل الإعتراف بالجميل للملك فيصل بن عبد العزيز والرئيس هواري بومدين اللذين بقيا صامدين عام 1967 و1973 عندما سقط كل شيئ.
مع كل البلبلة السائدة في أذهان البعض اليوم فإن الأمور ليس فيها أدنى غموض. الوضع يتلخص في الآتي :
1 – الغرب الذي لم يضيع فرصة سلام مع العرب مرة واحدة، كان يلتزم بهدنة من طرف واحد والآن قد أنهى تلك الهدنة وشن هجوما عاما ضد العرب وضد دولهم وضد حكامهم .
الغرب يعتبر أن السيطرة على العرب هي مسألة حياة أو موت بالنسبة له. والواقع أن كل تماس في التاريخ مع الأوربيين كان عبارة عن نزاع. ليس هناك جديد منذ عهد المصريين القدامى أيام طيبة، قبل أربعة آلاف سنة. في الترتيب السائد عندهم آنذاك بين الأمم، كانوا يعتبرون أن جنسهم يليه السود والذين يلونهم الآسيويون، أما الذي يلونهم فالأوروبيون الذين هم في شرع أهل طيبة أسوأ الأمم و “أكثرها همجية”.
يبدو أنهم فعلا كانوا على صلة بهم . إن “داعش”لاتقول شيئا آخر.
لن يقول أحد إن رومين رولاه،وإمانويل مونيه،وجان جوريس، هم ناس شريرون أو أن برنارد شاو وبرتراند راسل هم شيئ آخر إلا أنهم إنسانويون. داعش نفسها لن تقول قطعا إن جان بيير شفينماه ودومينيك دي فيلبيه هم أعداء للعرب، بل إن القرائن تشير الى ان هذين الرجلين بإمكانهما الدخول إلى المناطق التي تسيطر عليها داعش بدون خطر. ليس من بين العرب احد، مهما كان ضيق ذهنه سيلتبس لديه الإنسانويون والتقدميون الغربيون مع الإستعماريين الجدد الذين يحكمون الغرب.
ماذا يجمع بوش الأب والإبن وعائلة كلينتون مع نعام شومسكي ؟
هناك سلسلة أخرى: لورد بالفور، والإشتراكيون الفرنسيون أصحاب العدوان الثلاثي، عام 1956، والجنرالات الفرنسيون الشهيرون بالإبادة في الجزائر العاصمة وفي جبال الأوراس، وليندون جونصون في عدوان 1967 وريشارد نيكصون في حرب 1973، هؤلاء الأشرار وأمثالهم هم المثل اليوم والقدوة بالنسبة لحكام الغرب.
2- ان الدولة القطرية المولودة من سيكس بيكوهات الكثيرة قد سقطت . لم يعد بإمكان احد أن يزعم ان بإمكانها أو في مقدورها أن تحمي السكان وتضمن لهم الأمن أو الحد الادنى من الظروف المادية لحياة مقبولة.
إنها لم تعد قادرة على حماية نفسها. إنها تنهار في الإتجاهات الأربعة كقصر الورق. إن الدولة القطرية التي مازالت قائمة مسوسة الدعائم والغرب لها بالمرصاد ينتظر ينعها للقطف، وأن يأتي الوقت المناسب ليعطي إشارة الإقتحام النهائي تحت طائلة البحث عن “إرهابي” وهمي مختبئ في القصر الجمهوري أو القصر الملكي أو أي ذريعة أخرى .
3- البديهة الثالثة المميزة للمرحلة الحالية هي أن الشعب العربي يفتقد للقيادة. إن هذا النقص أو هذا الإفتقار توضحه وتبرهن عليه ظاهرتان جليتان:
أ. التنافس المحموم ولكن الصامت الذي تتواجه فيه دولتان اجنبيتان : إيران وتركيا، منذ عشر سنوات، لإنتزاع المركز الشاغر وإعادة تمثيل أدوار الفلم القديم الذي لم ينس العرب، رغم الزمن، فظائعه ولم تندمل جروحه. ان تركيا وإيران، حقا، تتصرفان هذه المرة، عكس عادتهما، بحذر وعناية وكأنهما يتجنبان”سب المستقبل” وقطع الطريق مستقبلا ــ من يدري ـــ أمام ضرورات الزمن وخاصة الإضطرار إلى تقاسم “مناطق نفوذ في العالم العربي” دائما بإسم “الأخوة الإسلامية” التي حكم بإسمها البويهيون والعثمانيون العرب على ابشع صورة.
ب. البزوغ الكاسح لـ”داعش” الدولة الإسلامية، التي أختطفت الزعامة، تحت مرأى ومسمع الجميع. فعلا، إن الطبيعة تكره الفراغ.
إن الزعامة القومية لايجمعها شيء مع الزعامة القطرية الا في حالات نادرة.
إن هناك من الزعامات القطرية ما يساوي عدد الأقطار العربية. ان نمط بروز شكلي الزعامة مختلف تماما . إنهما لايخضعان لنفس القوانين ولايخرجان من نفس الباب.
إن الزعامة القطرية تبدأ بالإستلاء على السلطة والحفاظ عليها بواسطة القوة أو صناديق الاقتراع أي عن طريق المال داخل الديمقراطية التي يصدرها الغرب للدول النامية. ان دخول التنافس في الإنتخابات دون المال هو غباوة مضحكة. إن الفرق بين الديمقراطية الأصيلة والديمقراطية التي يصدرها الغربيون هو من نفس الطبيعة مع تلك التي تفصل بين قطع الغيار الأصلية وقطع غيار تيوان المعروفة جيدا لدى العاملين في مجال تصليح السيارات.
الزعامة القطرية تعني فقط من يحملون نفس بطاقة التعريف. انهم يعتبرون العرب الآخرين اجانب. انهم تعودوا على الحياة والتفكير في إطار قطري وليس لديهم الوعي الكافي ليتحدثوا عن المستقبل البعيد وعن الإستراتيجية، وإنما يتحدثون عن الحاضر أساسا ويعوضون عن تفاهة الظواهر والأشياء بالمبالغة في العبارات والمغالات في الكلام وأوهام الخيال.
أصحاب التفكير القطري يتكلمون بإستمرار عن السعادة الوهمية والمستقبل الزاهر والتنمية الإقتصادية المغرضة وعن عظمة البلد التي هي أصلا مبنية على التجزئة وصغر الدولة. إن أصواتهم وأفعالهم هي تحت الحد المسموع والمرئي في عالم يطغى فيه العمالقة.
ان الزعامة، على المستوى القومي، ليست سلطة، على الأغلب، وإنما هي قوة ناعمة مبنية على الولاء الطوعي وقناعة جماهيرية ليست بالضرورة تحت سلطة الزعامة القومية ولكنها تنفذ من تلقاء نفسها توجيهاتها وأوامرها بمجرد إشارة أو كلمة. إن الزعامة القومية طاغية على الأنفس وتحتل تلقائيا القلوب، متسللة إلى بيوت الفقراء والأميين وقصور المتنفذين، لافرق .
الزعامة القومية لاتحتاج إلى القوة والمال، لأنها هي نفسها قوة وغنى، الزعامة القومية تشتغل بالطاقة الملتهبة والموحدة التي لاتقهر لـ400 مليون عربي.
الزعامة على المستوى العربي لاتأتي بمرسوم وإنما هي تُستحق. اذا كانت لاتأتي بمرسوم فإنها مع ذلك تُلتمس ولكن كيف؟ بمجرد التوضيح والتعبير عن تطلعات العرب…اذا كنا نريد تركيز أو تلخيص هذه التطلعات في كلمة واحدة فهي كلمة : الكرامة . من يمنع للعرب الكرامة منذ أن تخلصوا من سيطرة تركيا قبل قرن من الآن؟ يجب تحديد المجرم! ماهي ماهية هذه الكرامة ؟ ماهو الشيء الذي من شأنه أن يعيد للعرب، وهم في بؤسهم السياسي والمعنوي الحالي، هذه الكرامة ؟ يجب النطق به.
الخطوة الأولى تبدأ، لامحالة، بتحديد وتعيين العدو الرئيسي للعرب : الغرب. الخطوة الثانية، تتمثل في تحديد الماهية التي تأتي من خلالها الكرامة : تكوين الدولة الوحدوية.
ان داعش احتلت قلوب ملايين العرب لأنها، أساسا، حددت بدون مجاملة عدو العرب. لو كانت داعش تبنت مشروع العرب القومي، المسيطر على قلوبهم، والذي ينتظر منذ قرن، لصارت ليس فقط لاتقهر وإنما لايمكن خلع زعامتها.
ولكن داعش لم تتبنى المطلب الرئيسي للعرب ولهذا السبب بقيت زعامتها زعامة بالغياب، لأن لا أحد كان أكثر صراحة ليستحق الهالة الحقيقية التي سيخضع لها العرب تلقائيا .
مع كل هذا فإن داعش صارت أكثر تقدما من الآخرين، إلى درجة ان من بين الناس المتناقضين تماما مع صيٌغها وإيدلوجيتها من لايقبلون المشاركة في حملات التشهير بها لكي لايكونوا بطريقة غير مباشرة في خدمة الغرب واسرائيل .
انه من طبيعة الأشياء ان تعطي تنازلات للعدو الثانوي لضرب العدو الرئيسي. هذا هو الدرس الذي اعطاه لنا الغرب عندما شن على العرب هجومه الشامل، طويل النفس، إنه اعطى تنازلات، فاجأت البعض، لعدو ثانوي هو إيران عدو العرب الآخر الذي لايتغير سواء حكمه شاه أو آية الله .
إنه لمن الصعوبة بمكان، في ظل الظرف الحالي، قول مايمكن أن يفعله القادة العرب وهم تحت ضغوط وتهديدات وابتزاز الغربيين. أصبح خارج الأخلاق التحامل على القادة العرب في الوقت الذي ينظر فيه الغرب إليهم بشكل عام ـــ عدا فرد أو إثنين ـــ كأعداء يجب الإنقضاض عليهم. علينا أن لانساعد، تحت أي طائلة العدو، بالضبط مثل داعش التي لايمكن تبرير المشاركة في الحملة ضدها.
مايمكن لحكامنا أن يفعلوه الآن يتمثل في النظر بإمعان في شمس منتصف النهار بدون رمش. هل هذا ممكن ؟ نعم عندما يكون تحليلنا للواقع الحالي واقعي، بدون تهرب. وفي جميع الأحوال فما يمكن للعرب فعله اليوم مرتبط إلى حد ما بدرجة الشجاعة التي بمقدورهم التحلي بها.
قال تشي غيفارا ذات مرة، أن هناك شيئ يحيره في تصرف الشيوعيين”الأرتودكس”. قال إنهم مستعدون ليُقطعوا إربا إربا دون أن يبوحوا بأي سر من اسرار الحزب الشيوعي، ولكنهم عاجزون عن حمل السلاح دفاعا عن مبادئهم.
هذه ليست قطعا حالة الرئيس عبد الفتاح السيسي. ولكن حالة الرئيس السيسي، الذي لايمكن لأحد أن يشكك في شجاعته وإقدامه، تذكر بإحدى الأساطير والقصص الشعبية الموريتانية القديمة . تقول الحكاية : إن الأسد، ملك الحيوانات، له تعامل خاص مع فريسته. عندما يقتل فريسته، فإذا كانت جملا يحمله على ظهره إلى عرينه، أما إذا كانت شاة غنم فإنه يجرها نحو مخبئه.
ومهما يكن من أمر فإن الرئيس السيسي لم يعتبر أن من المفيد أو من الممكن أو من المناسب ان يتكلم بإسم الشعب العربي في محنته هذه ويصارحه بقول الحقيقة التي هو بحاجة إليها اليوم.
الكثير من العرب المصابين بالحيرة والاضطراب يعتبرون أيضا إنه على القيادة السعودية واجب أخلاقي يملي عليها أخذ زمام المركب العربي الذي تتقاذفه الأمواج.
وثمة آخرون يرون أن على القيادة السعودية والرئيس السيسي التعاون وتحمل المسؤولية العربية العامة كي يعيدوا للعرب الثقة في أنفسهم، ويضعا معا إستراتيجية إنقاذ وقيادة المسيرة العامة وتوجيه البوصلة للإتجاه الصحيح.
ماهو ضروري وملح يمكن تلخيصه في نقاط محدودة أو محددة ؟
1- ضرورة تحديد الأعداء بأسمائهم. إن أولئك الأعداء يجب تحديدهم على أساس معايير موضوعية لاجدال فيها. فهم أولا الأجانب الذين يحملون السلاح على أرضنا. فهؤلاء هم أساسا، الغربيون وإيران. أما حالة الروس فهي حالة خاصة وحساسة إذ يصعب وضع الروس في نفس الخانة، مع الأعداء التاريخيين.
إن روسيا لم تكن يوما واحدا عدوتنا، على العكس فإنها كانت دائما إلى جانبنا، خلال القرن الماضي في صراعنا مع الغربيين والإسرائيليين .
هذا الماضي المشرف، والذي لاينسى، لايبرر لهم الإمعان في تقتيلنا اليوم. على العكس، كان من شأنه أن يحفزهم على عدم تبذير هذا الرصيد الإيجابي والحفاظ على صورتهم لدى العرب، بعيدا عن المثل البغيض الذي لن يتنازعه أي أحد مع الغرب واسرائيل. إذا كان الروس قد إضطروا للسقوط في هذا الشرك خوفا من فقدان مواقعهم الإستراتيجية وبمفعول مراوغات ومناورات الـ”نيتو” فإننا نتفهم ذلك.
إنه من واجبهم، إذا كانوا حريصين على صداقة العرب القديمة، أن يجدوا مخرجا سريعا وإنه لمن حق رؤساء الدول العربية، بالطبع، أن يحددوا الخطوط الحمر التي لايجوز تجاوزها.
2- يجب تحديد استراتيجية مشتركة جديدة فكما أنه بات من المسلم به أننا اليوم نتعرض للعدوان فعلينا ان نواجهه بما يلي :
أ. البحث عن حلفاء جدد. الحلفاء المحتملون لايعدون بالآلاف. المعيار الأول لإختيار الحلفاء هو إستقلاليتهم عن العدو الرئيسي الذي هو الغرب، وفي اعتبار ثاني قدرتهم التكنلوجية والإقتصادية والعسكرية. إن هذه المعايير تتمثل بالدرجة الأولى في روسيا والصين. ان كوريا الشمالية هي حليف طبيعي آخر.
ب. كفاءة جديدة في المقاومة والدفاع عن النفس، وتلك لعمري لن يوفرها بالدرجة المطلوبة إلا تأسيس”جيش عربي”يمكن لأي مواطن عربي ان ينخرط فيه متطوعا، شريطة أن لاتحوم الشكوك حوله. إن جيشا عربيا سيكون رادعا للأعداء وبإمكانه أن يعمل، بدون مضايقة ودون التوجس أو الخوف من الإنحياز، كقوة فاصلة بين متحاربين وأن يلعب دور الحفاظ على الأمن في المناطق المضطربة تلك التي تشهد حالة نزاعات أو حروب أهلية. الجيش العربي لايحل محل الجيوش القطرية بالطبع، وإنما يكملها ويدعمها وفي حالات الإضطرار يعوض ويحل محل الجيوش القطرية التي لم يعد لها وجود حقيقي وأصبحت تمتاز بالطابع الكريه للميليشيات المدمرة في العراق وليبيا واليمن.
3- إنه أصبح من المنطقي تبني اقتصاد الحرب والتقشف. ان الإنجازات الفخمة والمشاريع الكبرى لم يعد لها معنى. كما رأينا في الأقطار التي دمرت، فإنها ستكون أهدافا للطيران الغربي، عندما يأتي قريبا دور الأقطار الأخرى. اليوم لم يعد هناك شيئي يحتفظ بمعنى سوى تنظيم المقاومة والدفاع.
4- إذا كنا نريد الحفاظ على حد أدنى من المصداقية لدى الجماهير الواسعة من المواطنين العرب علينا بدون مجاملة، أن نطلب من الأجانب المسلحين أن يغادروا ويرحلوا دون تأخير. فليس هناك سبب ولاذريعة يمكن أن تبرر وجودهم على أرضنا، وفي كل الحالات أي وجود لايتم بموافقة ورضى الجماهير، هو فضيحة وعار.
في خضم الحرب والفوضى الحالية التي تسبب فيها الغرب، فإن كل الجهود الحميدة والقرارات الحكيمة للحكام لم تعد تكفي. لابد من مشاركة أكبر عدد من الكفاءات والإرادات الحسنة من أجل محاولة السيطرة على مارد الفوضى.
قد يكون من المناسب التساؤل عن إمكانية استحداث “قمة المجتمع المدني”، بالتزامن مع قمة رؤساء الدول،”قمة” تقدم اقتراحاتها وتحاليلها إلى الرؤساء، في وضع لايجوز الإستغناء فيه عن أي دور إيجابي.
المجتمع المدني المعني هنا هو المجتمع العربي وليس المنظمات القطرية.
ان على المجتمع المدني نفسه ان يبادر ويخرج عن حالة الخمول ويتخذ مبادرات امام وضع غاية في الخطورة وينبئ بالمزيد من التهديدات والأخطار المحدقة بنا في المستقبل المنظور. ان الاحتمالات الأسوأ مازالت بالتأكيد أمامنا.
بعض الأشخاص النزهاء والمخلصون لقضية شعبهم يرون أنه مازال ممكنا ربط حوار مع الغرب ويمضون أبعد من ذلك إلى درجة أنه مازال ممكنا إقناعه بقبول إعطاء العرب حق تقرير المصير ومن ثم استشفاف إمكانية التعايش السلمي. لاشك أن الدخول في حوار لايفقدنا شيئا ولاتترتب عليه أية خسارة، إما أن تتأكد قناعتنا المتشائمة ـــ وهو الإحتمال الأرجح ــــ وإما أن نكتشف، بمفاجأة سارة، أن اعداءنا رجعوا إلى الصواب، وتوقفوا عن تقتيلنا وتخلوا عن الأحكام المسبقة وجنحوا للسلم. حقا، لاتوجد حرب دون نهاية.
في حالة قيام حوار، هناك مجموعتان يجب إقصاؤهما : المجموعة الأولى هي الحكومات لأنها رهائن عند الغرب ولاتتمتع بحرية التصرف والتعبير. ولأن الغربيين في الواقع يحتقرون هذه الحكومات ولايقيمون لها وزنا لأنها ببساطة، حسب رأيهم، لاتمثل شعوبها ومن ثم لايمكن الوثوق في تعهداتها.
النوعية الثانية التي لايمكن أن تمثل العرب هي المجموعات المرتبطة عقائديا بالغرب إلى درجة أنهم لم يعودوا يفكرون بأنفسهم، وصاروا أبواقا تردد بشكل مبتذل، شعارات ودعاية العدو، فهي مجردة من الأهلية لتمثيل العرب لا في نقاش ولاحوار. لابد من أن يكون الشخص يوحي بالثقة ويكون فوق كل شك وريبة على مستوى النزاهة الفكرية وأن يتمتع بشجاعة التعبير عن رأيه.
ليس من الضروري أن يتمتع الإنسان بشجاعة شريف مكة، الحسين، أو مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، وليس من الضروري أيضا أن يكون له الإيمان القسوسي أو الصوفي بالعروبة عند ميشيل عفلق. كما انه قد يكون من الممكن أن يكون الإنسان على صلة وثيقة بالغرب دون أن يبيع روحه للشيطان.
إذا كان الغربيون يبحثون، أو يقبلون أن يتوصلوا مع العرب إلى أرضية تفاهم، فإن الخطوات الأولى يجب أن تقوم بها مجموعة شخصيات مهتمة وواعية لمأساة العرب وقضيتهم وإنشغالاتهم الأساسية، وفي هذا الإتجاه يمكن التفكير في الشخصيات التالية للعب مثل هذا الدور:
– الأمير هشام بن عبد الله العلوي
– الدبلوماسي المحنك الأخضر الإبراهيمي
– المثقف الفلسطيني عزمي بشارة
– المثقف اللبناني جلبير أشقر
– شيخ الأزهر الشريف
– بابا مصر (الأرثودوكس)
– مفتي القدس
– أسقف القدس
– ممثل مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، الذي يضم عددا كبيرا من كبار المثقفين النوعيين والذين اختاروا أن يكون مجهودهم في إطار الإنشغال الأكبر للعرب. وربما من المناسب والطبيعي أن يكون هذا المركز حاضنة لسكرتيرية يعهد إليها بهذه المهمة.
ليس من السهل إقناع العرب بمبادرة كهذه وبإحتمال النوايا الحسنة للغربيين. من اللازم ان نقول بوضوح ان هذه المقاربة عليها أن تتمتع بتغطية، إذا صح التعبير، وأن تحصل على المباركة المعنوية لأبرز المقاومين الحاليين للطغيان الغربي وأكثرهم انسجاما ألا وهو الرجل الذي نذر حياته، منذ نعومة أظافره، للنضال من أجل انعتاق الشعب العربي وتحقيق كرامته. ليست هناك حاجة إلى تسمية عزة ابراهيم الدوري.
النقاش مع الغربيين ولكن أي الغربيين؟ أولئك الذين يملكون السلطة، المعتدين، أولئك الذين يقتلوننا ويخربون أرضنا ويواصلون الإعتداء علينا، وفي حالة رفض هؤلاء أو بدا أن الإتصالات معهم غير مجدية فعلينا عندئذ أن نناقش مجتمعهم المدني وقادة الرأي فيهم وزعاماتهم السياسية والفكرية التي ليس لها حقد وبإمكانها أن تعترف بحقوقنا المشروعة ومطالبنا العادلة.
ان مطلبنا الرئيسي هو حقنا في تشكيل دولتنا القومية، التي بدونها لن تكون لنا كرامة. الدولة الوحدوية هي الإختيار الوحيد الذي من شأنه أن ينقذ العرب، هو المشروع الوحيد الذي سيغير مصير العرب تغييرا نوعيا.
الحياة في الإطار الضيق، إطار الدولة القطرية، زرع في نفوس الناس وساستنا عقدة الدونية وعادة الشعور والإحساس بالتبعية للغير إلى درجة أن تلك العادة أصبحت طبيعة.
المشروع الوحدوي سيصنع من العرب رجالا غير منقوصين وسيرفعهم من درجة المنبوذين والممثلين الصامتين في لعبة الأمم إلى شركاء محترمين، لأن الوحدة ثورة راديكالية . كان الشريف الحسين صاحب”الثورة العربية الكبرى”، يطالب بــ”المملكة العربية”. حتى ولو كانت مملكة تبقى دولة الوحدة، بطبيعتها، ثورة، بينما كل ثورة مقصورة على إطار قطر هي بطبيعتها رجعية ومأزق لأنها سجن دائم للجماهير ومقدراتها.
بعضنا كان دائما يحلم بحمهورية بدون جهاز عقيم مبطل للطاقات والعطاء، جمهورية تتداخل فيها تصورات ميشيل عفلق وليون تروتسكي والأفكار المضيئة لـ تشي كيفارا وهربرت ماركوز مع مساواة كراكشوس بابف. ولكن إذا وجد ملك يتبنى وحدة العرب سيكونون هم أصدق مسانديه، ستكون سعادتهم بخدمته كمنظفين للشوارع أكبر من سعادتهم بوظيفة وزير في دولة قطرية.
لا أحد يعرف أين سيقودنا عمى وزيغ الغربيين . التيمن الذي راهنا عليه، قبل سنوات بإنتخاب باراك اوباما وفرانسوا هولاند لم يتأكد والإنفصام القديم بين الإنتاج الفكري لهؤلاء الغربيين وتصرفاتهم كان سحيقا ومثيرا بإستمرار.
هؤلاء الناس أنتجوا ثقافة رائعة من شأنها أن لاتنجب إلا قلوبا نبيلة ونفوسا رفيعة، ومع ذلك فإن التخطيط للعدوان وتنفيذه والإمعان في تقتيل الآخرين بات نهجهم السياسي.
لم يبق للعرب، في هذه الظروف، إلا أن يكونوا جبهة واحدة وأن يصمدوا، وبكلمة واحدة أن يموتوا وهم واقفين.
م.ي.ب
إميه ولد أحمد مسكة