التطرف في موريتانيا الواقع و المتوقع / موسي سيدي ابياه
نواكشوط – موريتانيا الآن – كنت قد كتبت مقالا تحت عنوان :التطرف:الجذور والدوافع تعرضت فيه بالتحليل لظاهرة التطرف مبينا أن خطورة الفكر المتطرف تكمن في حاضنته الشعبية التي ضمنها حين رفع شعارات من تراثنا عجزنا عن تحيينها فبقيت أملا مكبوتا في الوجدان الفردي والجماعي يخلب ذكرها الألباب وتسحرنا جيلا
بعد جيل, كما ضمنها بفهم قاصر ومتزمت للدين ابتدعناه وتعصبنا له وبالحصاد المر لعقود من “تنمية التخلف” وتكريسه فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مما سهل تجنيدنا شبابا وشيبا في مشاريع التطرف المتناسخة والمتناسلة بالمنطقة.
كما أشرت إلى عدم نجاعة الخيار الأمني وحده في مواجهة الرايات السود التي ترفرف في كل الأرجاء لأن دولا كالعراق وسوريا ومصر وليبيا تعد من أطول دول العالم باعا وأكثرها تمرسا بالحلول الأمنية ومع ذلك فهي الآن مرتع للجماعات المتطرفة بل إن القدرات الأمنية للدول الغربية الكبرى لم تكلأها من طارق الإرهاب الذي ينزل بساحتها مغيرا وغازيا كيف ومتى وأين شاء.
فهل سيغني الحل الأمني عن موريتانيا شيئا أم أن ما نشهده من استقرار نسبي يرتبط بأولويات واستراتيجيات المتطرفين وفي مقدمتها الإشتغال بمعارك أكثر أهمية في انتظار أن تختمر الأمور وتنضج عندنا.
يهدف هذا المقال إلى الإجابة عن هذا السؤال مع الإشارة إلى طبيعة التغييرات التي يجب إدخالها على الاستراتيجيات المتبعة في مكافحة الإرهاب حيث ينبغي أن تركز على مكافحة التطرف أولا وكنا ميزنا في المقال السابق بين مفهوم التطرف ومفهوم الإرهاب الذي يعني تحويل أقوال ومعتقدات المتطرفين إلى أفعال.
إن ماحصل في موريتانيا هو المثال الأوضح على خطورة الفكر المتطرف وقدرته على اختراق مجتمعاتنا العربية فالموريتانيون جميعا مسلمون سنيون مالكيون أشعريون ولكن العقود الأخيرة شهدت تزايدا مطردا لأعداد الشباب المتطرفين في مناخ داخلي وعالمي معقد ترتكس فيه الحركات القومية واليسارية ويسري فيه تأثير الحركات الجهادية في أفغانستان والثورة الإسلامية في إيران وما أوحت به من إمكانية نجاح نموذج الثورات ذات الطابع الديني.
لقد اعتنق الشباب ذلك الفكر المتطرف وأمعنوا في التشدد وباتوا يجاهرون بتكفير الأشاعرة – وكل المويتانيين أشاعرة – وببدعية المتصوفين ويدعون إلى الخروج عن المذهب المالكي واتباع مذهب السلف (الذي يقتل المسلمين ويستهدف بمتفجراته قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومسجده) وصاروا يصرفون ولاءهم عن أوطانهم ليمنحوه “للمجهادين” في أفغانستان والجزائر والعراق.
المعركة الفكرية امتدت لتصل إلى العادات والطقوص الشعبية فالشباب المتحمسون حملوا شعارات تحريم التبرك وزيارة قبور الصالحين وكفروا من يذبحون عند أضرحتهم ومن يستغيثون بهم أوحتى بالرسول صلى الله عليه وسلم ودخلوا في مواجهة مع المدافعين عن المذهب المالكي الأشعري الجنيدي ومع المنافحين عن المدارس الصوفية ولم يشفع لبعض خصومهم إنكارهم لبعض هذه الطقوص وكان من نتائج هذه المواجهة الشرسة دخول أعداد متزايدة من الشباب في المذهب الجديد الذي لايزيغ عنه إلا هالك.
لقد صادف المذهب الجديد هوى في بعض النفوس الشبابية الطامحة لكسر الجمود الفكري والخروج على المألوف والمشاركة في السلطة العلمية والروحية دون تجشم عناء حفظ المتون وشروحها على طريقة الموريتانيين المعهودة وقد مكنهم ذلك من التصدر للافتاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزادهم اليسير الذي لايتجاوز في أغلب الأحيان تقصير “الثوب” وإسدال اللحية والزواج من اثنتين أو أكثر إن أسعف الحال, ومع نهاية التسعينيات من القرن الماضي سيطر هؤلا على منابر الوعظ في المساجد وفي وسائل النقل والنوادي الثقافية وسادت كلمة التكفير واتسعت دائرة الحرام وانحسرت لمسة الرحمة والجمال في الدين الجديد وانتشرت أشرطة مسجلة لشيوخ لايعلمون الناس العلوم الشرعية واللغوية وإنما يعظون بحرقة وألم ويبكون بكاء مرا ويفتحون أبواب النار على رؤوس الخلائق.
في المقابل كان الشباب قد سئموا الخطاب الفقهي الرسمي الممجد للحاكم مهما ظلم وتجبر والمدافع عن أخطائه بالكتاب والسنة والإجماع وخطب الأئمة السردية المحفوظة منذ الأزل التي تتمحور دائما حول الجنة ونعيمها والنار وجحيمها مع الغياب الكامل للمطالب المشروعة من عدل وحرية ومحاربة للفساد ومع تجاهل تام لهموم الناس كارتفاع الأسعار وانتشار البطالة, ولاغرابة أن لاتقع الإجابة لدعاء الختام (اللهم انصر الإسلام والمسلمين) فهيهات هيهات أن ينصرنا الله مالم نأخذ بأسباب النصر.
هكذا أخذ الأمر مداه وانخرط الشباب في العمل “الجهادي” الذي بدأ بما ذكرناه ومر بمرحلة التدريب والجهاد في أفغانستان والجزائر والعراق والصحراء الكبرى وانتهى بأعمال إرهابية شهدتها موريتانيا في آخر أيام نظام الرئيس ولد الطائع وفي مرحلة الرئيس سيد ولد الشيخ عبد الله وفي ظل حكم الرئيس ولد عبد العزيز.
لقد دخل ولد الطايع منذ 1994 في مواجهة مع الإسلاميين حيث سدد لهم في تلك السنة ضربة أمنية قاصمة بعد حملة اعتقالات واسعة اعترف على إثرها بعضهم بالانخراط في تنظيمات غير مرخصة وبتلقي بعض التمويلات من جهات خارجية وقد بث التلفزيون الرسمي اعترافاتهم تلك وازدادت تحرشات النظام بهم لاحقا عقب إقامته علاقات دبلماسية مع إسرائيل.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة من حكم ولد الطايع عادوا إلى السجون بتهمة الإرهاب أحيانا ودعم محاولة فرسان التغيير الإنقلابية أحيانا أخرى وبتهمة نشر المذهب الوهابي المخالف لمذهب الدولة الرسمي مرات.
وقد شفعت تلك الإجراءات بإغلاق المعهد السعودي الذي اعتبرته السلطة مصدرا للفكر المتطرف ولم يكن ولد الطايع يفرق في هذه المواجهة المفتوحة بين الإخوان والسلفية الفكرية والسلفية الجهادية
لقد قامت حكومة ولد الطايع بتسليم اثنين من مواطنيها المتهمين بالإنتماء للقاعدة للولايات المتحدة هما محمدو ولد صلاحي وأحمد ولد عبد العزيز في عملية استهجنها كل الموريتانيين لما فيها من انتقاص السيادة الوطنية والتطاول على مقام القضاء الموريتاني.
رد التنظيمات المتطرفة لم يتأخر كثيرا فقد أقدمت الجماعة المسلحة في الجزائر على مهاجمة حامية الجيش الموريتاني في لمغيطي فقتلت خمسة عشر عسكريا مع عشرات الجرحى وقد نجم عن محاولة فرسان التغيير الإنقلابية وعملية لمغيطي والتوتر القائم بين النظام والمعارضة التقليدية فضلا عن المعارضة الإسلامية إخراج ولد الطايع من المشهد السياسي على يد أركان حكمه الذين بادروا إلى التهدئة وإطلاق سراح كافة السجناء.
ومرت المرحلة الانتقالية بسلام لكن الجهاديين كروا من جديد وسددوا ضربات موجعة إلى نظام سيدي ولد الشيخ عبد الله فمن عملية قتل السياح الفرنسيين الثلاثة قرب الاك إلى قتل ثلاثة من حامية الجيش في الغلاوية إلى الهجوم على السفارة الاسرائيلية إلى معركة انواكشوط التي خاضها أفرد تنظيم المرابطين المعروف بالجماعة الموريتانية للدعوة والقتال بقيادة الخديم ولد السمان وقد انتهت تلك المعركة باعتقال من بقي حيا من أفراد المجموعة.
أعتقد أن سبب عودة الجهاديين إلى الساحة الموريتانية أيام حكم الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله هو البحث عن موطيء قدم في ظل الضربات التي تلقاها تنظيم القاعدة الأم على يد الصحوات العشائرية في العراق والمصالحات التي دشنها بوتفليقه في الجزائر ولم يكن الربيع العربي الوهمي قد تكفل بتمهيد الأرضية لهذه الجماعات التي هدمت عروشا وخربت دولا وأقامت إماراتها برعاية ومباركة علماء كبار أصدروا فتاوي تسمي هذه المحنة في سوريا وليبيا واليمن والعراق ومصر جهادا.
فشل التنظيم في “فتح “بلاد شنقيط” وإقامة “إمارة إسلامية” بها لم يعن القضاء على الخطر فقد شهدت فترة الرئيس ولد عبد العزيز أحداثا خطيرة منها عملية استهدفت قاعدة للجيش في تورين شمال البلاد استشهد فيها إثنا عشر جنديا ,ومنها قتل مواطن أمريكي في مقاطعة لكصر, وتفجير انتحاري أمام السفارة الفرنسية, واختطاف ثلاثة من المواطنين الإسبان على طريق انواكسوط/انواذيب في أقصى الشمال الغربي, فضلا عن اختطاف زوجين إيطاليين قرب الحدود المالية في أقصى الجنوب الشرقي, ثم عاد المتطرفون إلى انواكشوط حاملين كمية كبيرة من المتفجرات ليصل الخبر بمحض الصدفة إلى السلطات عن ريق رعاة الإبل ,وقد تمكنت وحدة من اجيش من مواجهتهم وتفجير الشحنة خارج العاصمة بالقرب من مقاطعة الرياض في ليلة لن ينساه سكان العاصمة التي هزها الانفجار الرهيب تماما كما هز انفجار آخر مدينة النعمة وقد استهدفت به الثكنة العسكرية هناك.
لقد كانت تلك أهم الأحداث والمواجهات التي خاضها المتطرفون في بلاد المغرب الإسلامي وبلاد شنقيط مع الأنظمة المتعاقبة على الحكم في البلاد وقد ركزت هذه الأنظمة على المقاربة الأمنية التي تتصدر بدون شك قائمة التدابير الواجب اعتمادها في هذه المرحة لكنها في المقابل ليست كافية لاستئصال الإرهاب بل هي من قبيل المهدئات توقف الألم ولاتعالج أصل المرض ومسبباته.
إن التحليل المنطقي يشير إلى أن زمام المبادرة بيدهم لابيدنا كما هو الحال في الدول التي تفوقنا تجربة وإمكانيات, فهذه الدول مع ما تملكه من وسائل ليست هي من يضع قواعد الإشتباك فالجماعات المتطرفة وحدها من يحدد وفق أجنداتها الخاصة من هو البلد الذي سيتلقى الضربة القادمة وماهو التوقيت وما طبيعة وآلية التنفيذ.
إن التطرف أشبه ما يكون بوحش مفترس يبحث في البيئات المختلفة عن مستقر له ويضع في كل بلد بيوضا تقل أوتكثر بحسب الظروف وحين تنضج تلك الظروف تفقس البيوض وتبدأ الأشبال في اختبار تلك البيئة عن طريق العبث بالأشياء المرتبة.
البيئة العربية هي الأنسب لهذا الوحش وبيوضه بما فيها من عوامل محفزة للتطرف كما بيناه مفصلا في المقال السابق فالتطرف نبتة عربية أصيلة سيظل ينبتها “ربيعنا” وخريفنا وكل فصل عندنا ما لم ننظف تراثنا من الشوائب وأيدينا من الفساد ومجتمعنا من الطائفية وأنظمتنا من التسلط والظلم.
لقد رأينا جميعا كيف نجحت تجربة الصحوات في العراق في اجتثاث القاعدة إلى حد كبير وكانت سوريا وليبيا قلعتين حصينتين لا يحوم الإرهاب حومتهما غير أنه في لحظة فارقة من الزمن أخرجت الأرض أثقالها من التطرف وخرت العروش وانهارت الدول وبعد أن تناسخت الأجيال والتنظيمات والأسماء ظهرت لنا “خلافة إسلامية في العراق والشام” بما لهذه التسمية من دلالة تاريخية فهذه الدولة بهذه التسمية تلمح إلى أنها وريثة لمجد الدولتين الأموية والعباسية معا.
المعركة في ليبيا كانت شرسة وانتهت بسقوط ليبيا وتفككها وتحولها إلى دولة فاشلة ثم هبط المتطرفون بما معهم من سلاح إلى مالي ولم يكن التدخل الفرنسي لينهي المعركة ففرنسا ليست أعظم شأنا من الولايات المتحدة التي عجزت عن الانتصار في العراق ولكن حماية “بيضة الإسلام” وخلافته في العراق والشام صرفت الأنظار و”الأنصار” إلى هناك حيث احتل الدواعش ثلثي العراق وزحفوا على سوريا لتصبح دولتهم إسما على مسمى وتأجلت معارك المغرب الإسلامي إلى حين.
إن الغرض من هذا الحديث العربي المؤلم والممل هو التأكيد على أن البيوض لم تفقس جميعا وأن الأرض لم تنبت بعد كلما بذرنا من بذور التطرف بسياساتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية العمياء.
إن المتتبع للأحداث في البلد يستطيع الجزم بأن البلد يقبع على بركان من التطرف يكاد ينشط من جديد , فحين أحرق رئيس حركة إيرا الكتب خرج الآلاف من الناس الذين استفزهم الفعل القبيح ينددون به ويطالبون بمعاقبة الجاني لكنهم أرجعوا الأمر إلى الدولة واكتفوا بالتعبير عن استيائهم وانتهت الأمور عند هذا الحد.
هذه المسألة مهمة في هذا السياق فالمحرقة تنسجم فكريا مع مبادئ المتطرفين الذين سبق أن أشرنا إلى أنهم يناصبون المذهب المالكي العداء وسيظهر الفرق جليا بين مسيرة المحرقة ومسيرة المسيء التي خرج فيها المتطرفون ورصدوا جوائز الموت لمن يقتل ولد لمخيطير ولم تستطع الدولة معاقبتهم لأنهم ركبوا موجة الغضب الشعبي, وخاضوا حملات التشويه والتهديد ضد كبار المحامين وضد عائلاتهم حتى لايستطيع أحد الدفاع عنه وتعامت الدولة عن ذلك وآثر الجميع السلامة وتظاهرو أكثر من مرة ووجدت الدولة في حرية التظاهر ما تستربه عجزها عن مواجهتهم ومع ذلك لم يكلف أحد منهم أو من شيوخهم نفسه عناء الرد على الشبه التي طرحها المسيء واحدة تلو الأخرى مع أن ذلك واجب شرعا وممكن بالعقل والنقل وأكثر فائدة ومردودا على الإسلام والمسلمين ,بل كان همهم الأوحد خلق البلبلة والمواقف المتشنجة ولم يكن تحكيم المنطق والموازنة بين المصالح والمفاسد من أدبياتهم أصلا.
المشهد ذاته تكرر عند تمزيق المصحف حيث خرجت المظاهرات السلمية أولا لكن المتطرفين دخلوا على الخط بتعبئتهم وإعلامهم وتجاوز الأمر الحد وخرج عن السيطرة وأرادوا لها أن تكون معركة فاصلة بين الحق والباطل “يعز الله فيها أولياءه ويذل أعداءه” وسقط قتيل وعدد من الجرحى في مواجهة مع الأمن سببها خبر غير موثوق.
إن مساجد انوكشوط تشي بما فيها من تطرف وغلو وكذلك بعض المحاظر والجامعات والمعاهد الدينية التي يدخل إليها التطرف من أكثر من باب كمهاجمة العقيدة الأشعرية مثلا, وحين تصبح العقيدة الأشعرية على ضلال يصير سكان البلد بقوة الأشياء كفارا لأنهم جميعا أشاعرة مما يبيح دماءهم وأموالهم في المسكوت عنه من خطاب من يدعي بطلان هذه العقيدة وهو أمر لايفوت المتطرفين ويعلمون مايترتب عليه وكيفية الاستفادة منه حين ينتقلون من القول إلى الفعل فمن علمهم تكفيرنا هو من علمهم تكفير الشيعة والعلويين والقذافيين والسيسيين والفرنسين والأتراك واختصار علمهم تكفير “الآخر” وقتله.
إن البعض منا يكرر هذه الأسطوانة بحسن نية والبعض بسوء نية -الأمر سيان مادامت له نفس النتائج – ويأخذ بها بعض أهل العلم ويسمعها منهم شاب قد لايصحبهم ولا يسمع من علمهم إلا هذه المعلومة المغلوطة عن تكفير الأشاعرة أو المتصوفة أو التشنيع على أهل الفروع ثم يعود بعد ذلك للشبكة العنكبوتية سائلا “الشيخ” كوكل عن هذه المسألة وسيقوده مؤشر البحث إلى الفتاوي المتشددة التي يحبذها الشباب وربما لا ينتهي من بحثه إلا بعد أن يتعلم صنع المتفجرت واستخدامها, هذا إن لم يقيض له الله “أخا” متطرفا يأخذ بيده إلى ساحات القتال لينال “الشهادة” أو يرجع إلى وطنه مع أفوج من “الفاتحين” من كل الجنسيات.
إننا نملك بيئة مواتية لنبتة الإرهاب وبيوض التطرف بل تكاد تكون مفصلة على مقاسهم بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وإهمال لوظيفة الدعوة والوعظ ليقوم بها كل من آنس من نفسه قدرة عليها من غير ضابط ولا نظام مثل الإفتاء تماما ومثل إمامة الجموع في المساجد يرثها الرجل عن أبيه وأخيه ولا دخل للدولة في الأمر ويقوم بها من شاء مت شاء فيوقع عن رب العالمن أما جموع الشباب وينسب أوهامه وأمراضه النفسية إلى الإسلام ويختم على “البيان” اسم الله.
إن الدول التي ضبطت كل ذلك دخل إليها الإرهاب من مداخل الفقر والإستبداد والفساد فما بالك بمن يملك كل تلك المداخل المشرعة ولا يضبط أموره ولايسد ثغوره.
إن طلائع “الفاتحين”بأعلامها السوداء راجعة لتستكمل مابدأته في مالي أوهنا أوهناك لأن الخناق قد ضاق عليهم في العراق وسوريا فاللعب في المشرق العربي له قواعده ومداياته وتوازناته بين القوى العالمية والإقليمية وقد تحقق الهدف على كل حال ونجم عن تلك التجربة من الجراحات والمآسي وبقي بين الطوائف والقوميات ودول الإقليم من الثارات ما لاتكفي العقود القادمة لإنهائه.
أما عندنا نحن وفي مالي وغيرها من دول الجوار فإن الأمر سيكون أشبه بما حصل في الصومال حيث يترك الأمر لأهله ولدول الإقليم وترفع القوى الدولية أطراف ثوبها حتى لاتلتقط الحريق وسيكون الأمر مكلفا جدا وغير مضمون العواقب إذا ما قررت فرنسا التدخل ثانيا فالمتطرفون الناجون من معارك العراق والشام أكثر بأسا وقوة وأحسن تسليحا ممن سبقهم ويخوضون معركة حياة أوموت وقد نقلوا جزءا من المعركة إلى فرنسا وعاقوها على تدخلاتها حيث لايكاد يمر أسبوع دون أن نسمع عن عملية “استشهادية” في مدينة فرنسية.
إن الأمر يتطلب مع الحل الأمني الفعال تبني استراتيجيات شاملة تركزعلى خلق الوطائف ومحاربة الفقر والإصلاح الإداري وإرساء ديمقرطية تشاركية وتناوبية غير صورية وتنظيم المساجد بحيث يصبح لكل مسجد إمام ونائباه يقيمون الصلاة ويقومون بالوعظ والتعليم ولن يتحقق ذلك إلا إذا أقامت الدولة معهدا تشرف عليه هيئة الإفتاء والمظالم بشكل كامل يقوم بتكوين الأئمة يعلمهم الفقه والنحو ويتلقون دروسا في الفلسفة وعلم الأديان والخطابة حتى يتسنى لهم الاضطلاع بمهامهم مع إلزامهم التوقيع على ميثاق شرف ودفتر التزامات خاص يلزمهم باحترام مذهب الدولة الأشعري المالكي الجنيدي وعلى كل الجامعات والمعاهد والمدارس والمحاظر الدينية الموجودة على التراب الوطني التوقيع على هذا الميثاق ودفتر الإلتزامات قبل الحصول على الترخيص الذي لايمكن مزاولة النشاط قبله.
إن إهمال هذه التفاصيل معناه ببساطة بقاء تلك المنابر مشاعة يستغلها المتطرفون لتحقيق أهدافهم بما في ذلك من يكفروننا جميعا وحين يبدأ المتطرفون في تحويل هذه الأقوال إلى أفعال نكون أمام الإرهاب الذي لاعصمة فيه لدم أومال أوعرض وقد ذقنا ذلك وذاقته كل شعوب المنطقة والعالم فهل سنتخذ التدابير اللازمة أم أننا سنجلس القرفصاء في انتظار ماهو قادم, وهو قادم لامحالة.
إضافة : إميه ولد أحمد مسكة