حالة ارتباك
بسم الله الرحمن الرحيم
قد لا يدرك الكثير من متابعي الشأن العام حجم المعاناة التي يعيشها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في أيامه هذه، ومن المؤكد بأن مؤشر معاناته سيظل في ارتفاع مستمر كلما اقترب عداد الزمن من منتصف العام 2019، فالرجل يعلم بأنه لا يستطيع البقاء في السلطة من بعد اكتمال مأموريته الثانية، ويعلم أيضا بأنه لا يستطيع أن يغادرها بسبب ملفات الفساد وبسبب ما صنع من عداوات وخصومات خلال فترة حكمه. ولعل ما يقلق الرجل أكثر هو أنه كان قد غدر بعدد غير قليل من أولئك الذين وقفوا معه منذ اللحظة الأولى من انقلابه، وأعانوه على تثبيت أركان حكمه، ولأنه قد غدر بالكثيرين فهو يتوقع أن يُغدر به في أول لحظة يترك فيها السلطة، وتبقى تجربة الرجل مع الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله هي أكثر شيء يقلقه، وذلك لأنه يعرف بأن أي قادم جديد إلى القصر الرئاسي لن يتردد في انتزاع كامل سلطته بشكل مبكر، مستفيدا بذلك من أخطاء الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله.
يعيش الرئيس محمد ولد عبد العزيز أياما صعبة، ويمر بحالة ارتباك شديدة، وذلك لأنه قد علم بعد طول تفكير بأن البقاء في السلطة من بعد اكتمال مأموريته الثانية مستحيلا وبأن الخروج منها أكثر استحالة.
تلكم كانت مقدمة كان لابد منها لنفهم مدى الارتباك والتخبط الذي يعاني منه الرجل، والذي كانت أحداث الأربعاء 26 يوليو إحدى تجلياته.
لقد بلغ الارتباك والتخبط بالرجل وبأجهزته الأمنية حدا جعلهم يرفضون الترخيص لمؤتمر صحفي كانت المعارضة الديمقراطية ستنظمه في أحد فنادق العاصمة يوم الاثنين 24 يوليو. حتى مؤتمر صحفي في قاعة فندق يحرم منه أكبر تجمع معارض في موريتانيا، والغريب أن رفض الترخيص لهذا المؤتمر جاء في قترة حملة انتخابية فتحت فيها كل قنوات الإعلام الرسمي لحملة ولد عبد العزيز وحرم المقاطعون من التعبير عن رأيهم حتى من داخل قاعة فندق في مؤتمر صحفي قد لا يغطيه الإعلام الرسمي الذي يقتات من الضرائب التي يدفعها الموريتانيون ودون تمييز بين المعارض والموالي، إن لم تكن الضرائب على المعارض أقسى.
بعد يومين من رفض الترخيص لهذا المؤتمر تم رفض الترخيص لمسيرتين من مسيرات الأربعاء 26 يوليو مع منح الضوء الأخضر لعناصر الأمن بممارسة كل أشكال التنكيل بقادة المعارضة، فأصيب في مسيرة السبخة رئيس حزب تواصل الرئيس الدوري للمنتدى ونائب رئيس التكتل إصابات في الذراع استدعت العلاج، وأصيب منسق حراك محال تغيير الدستور في القدم إصابة استدعت هي أبضا العلاج، وتعرض الوزير الأول الأسبق رئيس حزب عادل لضرب مبرح. وفي مسيرة عرفات تعرض السيناتور محمد ولد غدة للإغماء بفعل استهدافه المباشر بالقنابل المسيلة للدموع مما استدعى نقله إلى الحالات المستعجلة، وتعرض رئيس حزب حاتم رئيس اللجنة الإعلامية للمنتدى لوابل من القنابل المسيلة للدموع، ولم يسلم زعيم المعارضة الموريتانية رئيس حزب التكتل رغم سنه ورغم مكانته من بطش عناصر الأمن.
اللافت في الأمر أن أهل السياسية يُمنعون من ممارسته حقهم في التعبير عن آرائهم، سواء كان ذلك التعبير من خلال مؤتمر صحفي داخل فندق أو من خلال مسيرة سلمية، وذلك في وقت يتم في إجبار من تحرم عليه ممارسة السياسية على الدخول في معتركها، ومن أسوأ الأبواب، أي من باب المبادرات المسيئة للدستور الموريتاني، والتي تطالب بتغيير العلم وبتمديد المأموريات. هكذا أصبحنا نشاهد كبار الضباط يطلقون المبادرات السياسية، وهكذا أصبحنا نسمع عن عطلة رسمية بطول فترة الحملة الانتخابية يتم فيها تعطيل مصالح المواطنين، ويطلب فيها من الموظفين أن يشدوا الرحال إلى مناطقهم للمشاركة في الحملة الانتخابية.
يعلم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأن التعديلات الدستورية قد سقطت من بعد تصويت الشيوخ ب”لا”، وبأنه لم يعد هناك أي فرق من الناحية الدستورية والقانونية بين تمرير هذه التعديلات من خلال استفتاء غير دستوري أو تمريرها من خلال مرسوم رئاسي يقضي بتغيير العلم وبإلغاء مجلس الشيوخ، لا فرق من الناحية القانونية والدستورية بين الأمرين. ويعلم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأن الشعب الموريتاني يرفض الاستفتاء المنتظر وقد عبر عن ذلك من خلال خروجه في عدد من الولايات في مسيرات ومهرجانات رافضة للاستفتاء. يعلم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأن الشعب الموريتاني يرفض تلطيخ علمه بخط أحمر، وبأن هناك مجالات أخرى أولى بذلك الخط الأحمر، فممارسة الفساد أولى بهذا الخط الأحمر، والتطبيل والتصفيق والمبادرات المسيئة للدستور الموريتاني أولى بأن يوضع عليها خط أحمر.
يعلم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأن نظامه قد بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبأن هذا النظام قد دخل في مرحلة سكرات الموت، ويعلم أيضا بأن التنكيل بقادة الأحزاب السياسية يعد من أبرز أعراض دخول الأنظمة في مرحلة سكرات الموت. إنه يعلم كل ذلك، ولكن، وعلى الرغم من ذلك فإنه لن يتوقف عن مثل هذه الأفعال بسبب حالة الارتباك والتخبط التي يعيشها، والتي ستتجلى في قراراته وتصرفاته أكثر، كلما اقترب العداد الزمني من النصف الثاني من العام 2019.
حفظ الله موريتانيا..