الديبلوماسي أحمد بابا أحمد مسكه ( رحمة الله عليه)

09-20.jpg نعرفْ بعدانَ خاصَّه:: عن بظاني بظاني
حياتوُ ديمَ ناقصَه:: يكونْ افمورتانِ
أحمد ولد احمد مسكه

كتب برتراند فيسار دفولولت
الملقب “ولد كيجه”
في يوم 5 أغسطس 1967، بدأ في نواكشوط توزيع منشور حمل تواقيع ثمانية من كبار الموظفين، بينهم ثلاثة وزراء من العيار الثقيل: محمد ولد الشيخ، يحيى ولد منكوس وأليمان ممادو كان. ويحتج هؤلاء على “تسخير القضاء لأغراض سياسية” ويعلنون “دعمهم التام والكامل لـ أحمد بابا ولد أحمد مسكه”. وكانت صحيفة “لوموند” الفرنسية واسعة التأثير، قد أفادت، قبل ذلك بيوم واحد، بقيام لجنة لدعم أحمد بابا ولد أحمد مسكه تضم من بين تشكيلتها كلا من: حمدي ولد مكناس، الهيبه ولد همدي، رئيس سابق للجمعية الوطنية والأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية.
في التاسع من أغسطس، اتخذ سيدي محمد جكانا، الذي كان يتولى تصريف الأعمال في غياب رئيس الجمهورية إجراءات عقابية بحق الموقعين على المنشور. حيث علقت وظائف كل من محمد ولد الشيخ ويحيى ولد منكوس، فيما أقيل أليمان ممادو كان. وفي يوم 13 من نفس الشهر، نشرت جريدة “الشعب” وهي لسان حال حزب الدولة الوحيد، رسالتين من حمدي ولد مكناس، وهو حينها مفوض سام للشباب والرياضة، والهيبة ولد همدي، عمدة أطار الذي أعيد انتخابه في كل مرة عضوا في المكتب السياسي للحزب منذ المؤتمر التأسيسي لهذا الأخير سنة 1961. وتضمنت الرسالتان احتجاج الرجلين لدى صحيفة “لوموند” على نشرها اسميهما على أنهما عضوين في لجنة التضامن، ويعلنان مشاركتهما في تحمل مسؤولية اعتقال أحمد بابا ولد احمد مسكه.
ولدى عودته إلى نواكشوط، يوم 23 من أغسطس، أكد المختار ولد داداه العقوبات الصادرة بحق موقعي المنشور المساند لولد أحمد مسكه، واستقبل أحمد بزيد ولد أحمد مسكه، شقيق أحمد بابا، وكان وزيرا للدفاع منذ التغيير الوزاري الحاسم، الذي جرى يوم 21 فبراير 1966، في أعقاب “الأحداث”، لكن تم تعيينه أمينا عاما للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وحل محله على رأس وزارة الدفاع بحام ولد محمد الأغظف الذي كان- إلى ذلك الوقت – وزيرا للعمل. وفي يوم 31 أغسطس عكف المكتب السياسي الوطني للحزب “على تدارس الوضع الناجم عن توزيع مناشير الأكاذيب المغرضة الهادفة إلى النيل من مصداقية المسؤولين في النظام وإلى تخريب العمل الذي يقوم به الحزب والحكومة”، مذكرا بأن ” الالتزام الذي لا يتزعزع بخيارات الحزب يبقى أمرا لا يقبل المساومة في أي وقت وفي أية ظروف، خاصة حين يتعلق الأمر بمن يضطلعون بمسؤوليات كبيرة”. وقد صدق المكتب السياسي الوطني على التعيينات آنفة الذكر واتخذ قرارا بإقصاء موقعي المنشور من الحزب.
كذلك تمت إقالة با بوكار آلفا من إدارة المستشفى الوطني، وهو الذي كان ـ بحكم عمله طبيبا في بوتليميت قبل الاستقلال، يعالج رئيس موريتانيا المقبل في كل خريف. وكان ـ إلى غاية 3 إبريل 1965 أهم وزير للشؤون الاجتماعية والوظيفة العمومية، وذلك منذ الأول من يوليو 1963، خاصة عندما ألحقت بوزارته حقيبة المالية يوم 6 نوفمبر 1963، في الوقت الذي تخلت فيه موريتانيا عن العون الفرنسي الخاص بالموازنة العامة. أما عبد الله ولد الشيخ فقد أقيل من منصبه مديرا عاما لشركة الإيراد والتصدير (سونيمكس).
ماذا حدث كي يقر المكتب السياسي مبدأ مضاعفة بعثات الاتصال مع الجماهير، وتحديدا بماذا وبمن يتعلق الأمر؟
كان أحمد بابا ولد أحمد مسكه خلال سنتين ـ من مارس 1964 إلى مارس 1966- سفيرا للجمهورية الإسلامية الموريتانية في واشنطن وممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك. وقد قدم أوراق اعتماده للرئيس ليندون جونسون يوم 6 مايو 1964، واكتسب علاقات قوية جدا داخل وزارة الخارجية الأمريكية لدرجة أنه حصل على موافقتها من أجل إقامة السفير الأمريكي لدى موريتانيا في نواكشوط، التي لم تكن حينها تحتضن سفير قوة عظمى عدا عن القوة الاستعمارية السابقة وإسبانيا، مما شكل مكسبا دبلوماسيا معتبرا في ذلك الوقت، تماما كما هو شأن حضور كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية وبقائه ليلة كاملة في مقر الممثلية الدائمة لموريتانيا في نيويورك . وتظل موريتانيا مدينة للرجل بحضورها داخل الدوائر الدبلوماسية الأكثر تأثيرا في واشنطن ونيويورك. فخلال حفل العشاء الدبلوماسي المنظم يوم 25 أكتوبر 1965، استقبل وزير الشؤون الخارجية الموريتاني والوفد المرافق له في نيويورك رئيسي وزراء وعدة وزراء خارجية وخمسة عشر سفيرا. وفي مارس 1966 تناول الأمين العام للأمم المتحدة، أو تان، الغداء على مائدة السفير الموريتاني، محاطا بممثلي الدول الأكثر نفوذا في العالم آنذاك.
ومن مواقفه الوطنية المشرفة، تأكيده، أثناء مناقشة الأزمة المالية التي كانت تعصف بالمنظمة العالمية، يوم 18 فبراير 1965، على سيادة البلد واستقلالية خياراته ومواقفه حين قال بالحرف الواحد: “إننا لا نريد أن نوكل مصيرنا جميعا لا إلى خمس قوى عظمى ولا إلى قوتين عظميين”. لقد حقق أحمد بابا ولد أحمد مسكه لبلاده، بذلك، الكثير من النجاحات المؤكدة؛ حيث اعتبره جان فرانسوا دينيو، سفير فرنسا – إذ ذاك – لدى موريتانيا “أكثر دبلوماسي موريتاني نفاذ كلمة”. “في أكتوبر 1964، فشل الوفد المغربي في الحصول على أي قرار لصالح دعواه حول موريتانيا أمام لجنة الـ 24، رغم “استنتاج” مؤداه أن تلك الهيئة في صالحه على أساس أنها اتخذت موقفا مؤيدا تماما للمملكة سنة 1963. وقد تم انتخاب موريتانيا ضمن لجنة الـ 33 (حفظ السلام)، على الرغم من حملة مغربية شعواء (هذا الموقف لا علاقة له بمشكلة الصحراء الغربية، لكنه عزز موقع موريتانيا في منظمة الأمم المتحدة، إذ كانت تلك أول هيئة أممية يتم انتخاب موريتانيا عضوا فيها). كما تم تعزيز حضور البعثة الموريتانية وإرساء العديد من الصلات والروابط مع البعثات الدولية والأمانة العامة للأمم المتحدة والصحافة الدولية. وأحرزت البلاد نجاحا خلال نقاشات الدورة العشرين للجمعية العامة، حيث انتهى النقاش لصالحها بشكل بارز؛ ونشرت مقالات تخدم القضية الموريتانية (لأول مرة) في الصحافة العالمية (مراسلون لدى الأمم المتحدة يعملون لصالح “اكريسيان ساينس مونيتور”، “جون أفريك”، “نيويورك تايمز”…الخ).
صحيح أن المغرب يمكن أن يعتبر إسهامه في قطع طريق مجلس الأمن أمام موريتانيا نجاحا له، إلا أن هذه الأخيرة، فضلا عن كونها عززت – من خلال انسحابها- موقفها الإفريقي، تمكنت من ربط صلات عديدة ومفيدة، بفعل الدعاية المغربية، وهي صلات ما تزال قائمة. زيادة على ذلك، احتفظت موريتانيا بموقع متقدم في السباق نحو دورة 1967. فقد كان “الذهن الأممي” متأثرا بالدعاية المغربية، لدرجة أن أي ذكر لـ”الصحراء الإسبانية” كان يحيل تلقائيا إلى التفكير في المغرب، ولم يعد الأمر كذلك.
يملك أحمد بابا، وهو أحد أبرز من علقوا على كتاب “الوسيط” الشهير، ملكة النفاذ إلى أي موضوع يطرقه، وهو ينحدر من قبيلة بدوية تعيش عل جانبي الحدود بين مستعمرتي فرنسا وإسبانيا السابقتين، أي الحدود الموريتانية مع الصحراء الغربية. وإذا كان قد أصبح مناضلا وسفيرا لجبهة البوليساريو، بعد 15 سنة من استقلال موريتانيا، فلأنه بكل بساطة يخوض نضالا، بشكل آخر، من أجل قضية واحدة هي توحيد المجموعة الموريتانية.
في 28 مارس 1967، نشر مقالا لافتا في صحيفة “لوموند” ، حيث لم يتولى أي منصب منذ عام، جاء فيه أن المغرب ينبغي أن يتخلى عن منطق القوة في ادعاءاته الإقليمية، فمستقبل علاقاته مع الجزائر مرهون بتطبيع علاقاته مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
في 14 إبريل 1966، سمح لأحمد بابا ولد أحمد مسكه بالعودة إلى نواكشوط، حيث خلفه في الأمم المتحدة وواشنطن، عبد الله ولد داداه، الأخ غير الشقيق لرئيس الجمهورية، القادم من سفارة موريتانيا بباريس، والذي لا يكنُ الكثير من الود لسلفه. وفي العشرين من نفس الشهر أعلن عن قراره القاضي بالاستقالة من كافة وظائفه الدبلوماسية “لأسباب شخصية”. وفي 6 يوليو تمت مساءلته بشأن التسيير المالي لمنصبه في أمريكا.
وعلاوة على كونه كان الممثل الناجح لبلاده في نيويورك، أشرك موريتانيا في النقاشات حول الصحراء المعروفة إذ ذاك بـ”الإسبانية”، كان أحمد بابا أيضا أول أمين عام لرابطة الشباب الموريتاني، التي أسسها -في روصو- شباب منشقون عن حزب الإتحاد التقدمي الموريتاني، يوم 24 نوفمبر 1955، لمساندة ترشيح شخص غير سيد المختار ولد يحيى انجاي، النائب المنتهية مأموريته، والمدعوم من قبل الإدارة الاستعمارية. وقد التحق مرشح الشباب والمستشار الإقليمي، محمد ولد جدو، لفترة من الوقت بحرمه ولد ببانا في المغرب، وهناك بدأت الصداقة بين بعض من الأطر الأكثر اندفاعا في الحركة الاستقلالية الموريتانية؛ وكان أحمد بابا ولد أحمد مسكه، بمبا ولد اليزيد، يحيى ولد منكوس ومحمد ولد الشيخ من ضمنهم، كما كان أحمد بزيد لبعض الوقت أحد هؤلاء.
وقد اختلفت التوجهات حين رأى البعض أن معارضة فرنسا، المشكوك في إرادتها إنهاء استعمارها للبلد، ينبغي أن تكون على شكل حزب سياسي؛ بينما اقتنع الآخرون بأن الرد الأنجع يتمثل في الإعلان عن دولة ومن ثم الحصول على استقلالها.
وفي المؤتمر الثاني، المنعقد مجددا في روصو، من 15 إلى 17 يوليو تم انتخاب محمد ولد الشيخ أمينا عاما، حيث انسحب أحمد بابا من القيادة قبل ذلك بقليل ليغيب مؤقتا، فيما اختير شقيقه أحمد بزيد أمينا للخزينة أولا، وشارك في اللجنة الإعلامية.
وفي المؤتمر الطارئ، المنعقد – كذلك- في روصو يومي 25 و26 ديسمبر 1957، رفضت الرابطة أي فكرة للاندماج مع أي حزب سياسي. أصبح أحمد بزيد أمينا عاما، بعد تولي عبد الله ولد الشيخ هذا المنصب بالوكالة لفترة وجيزة؛ وانشغل أحمد بابا بإدارة الجريدة، لتظهر كفاءته في هذا المجال قبل أزيد من خمسين عاما من الآن.
وفي المؤتمر الثالث، المنعقد هذه المرة في نواكشوط، من 17 إلى 19 يوليو 1958، جددت رابطة الشباب الموريتاني أنها غير سياسية، لكنها تترك لأي من أعضائها حرية إنشاء حزب سياسي إن أرادوا ذلك. وهكذا لم يحرم أحمد بابا، الذي كان الأمين العربي للجنة العليا للعمل (المكتب) نفسه من هذا الحق، فتأسس حزب النهضة في كيهيدي. وحمل المؤتمر الذي انعقد يومي 25 و26 أغسطس 1958 إلى قيادة الحزب الوليد، كلا من بوياكي ولد عابدين (رئيسا)، أحمد بابا ولد أحمد مسكه (أمينا عاما)، يحيى ولد منكوس، بمبا ولد اليزيد والهيبه ولد همدي (أعضاء في المكتب التنفيذي). وعندما انعقدت –طيلة سنة 1961- “الطاولة المستديرة” للأحزاب والتيارات السياسية، لتسفر عن اعتماد المختار ولد داداه، بالتوافق، مرشحا وحيدا للرئاسة؛ وفوق ذلك عن الاندماج الذي انبثق منه (خلال مؤتمر الوحدة، يوم 25 ديسمبر 1961) حزب الشعب الذي سيصبح –لاحقا- حزب الدولة الوحيد، كان قادة النهضة، القادمون أصلا من القيادات الأولى لرابطة الشباب الموريتاني، أكثر المندفعين في مساندة المختار ولد داداه بشكل فعال، واقترحوا إنشاء هيئة للفكر الحزبي. لقد شكلوا البنية الأساسية للحكومات المتتالية حتى شهر فبراير 1966، وكانت رابطة الشباب الموريتاني بصفتها تلك، هي التي بعثت إلى مؤتمر كيهيدي رسالة توصي فيها المؤتمرين بالوحدة وبتأطير جيد للجماهير الشعبية وتحكيم المصلحة المطلقة للحزب.
اختلفت علاقة كل من أحمد بابا ومحمد ولد الشيخ تجاه المختار ولد داداه، حتى عام 1966. فالأول عرفه منذ سن المراهقة، حيث سبق أن استقبل الرئيس المقبل في أطار من قبل “الوالد بزيد” جد أحمد بابا وأحمد بزيد. وقد تحدث المختار معه بشأن الترشح لمجلس الاتحاد الفرنسي سنة 1954، مثلما تحدث معه سنة 1946 بخصوص احتمال ترشحه للنيابيات.
كان ينظر إلى الرئيس على أنه ثمرة خيار فرنسي ويعتبر انه يخشى من خروج الحزب عن سيطرته إذا ما تولى هو شؤون القيادة الفعلية؛ ذلك أن لديه، بالتأكيد، امتياز مرجعية النهضة، بينما لم يحرز الحزب الحكومي السابق أي نجاح لدرجة أن الفريق البرلماني اضطر للحلول محل مكتبه التنفيذي. وبعد أن استمات- خلال سنة 1962- في تنظيم الأمانة الدائمة للحزب، ثم فريقه البرلماني الذي كان يرأسه في الأصل أحد القياديين السابقين في النهضة، استقال من الناحية الفعلية لكن مع ذلك أعيد انتخابه عضوا في المكتب السياسي، من قبل مؤتمر مارس 1963، والذي لم يحضر اجتماعاته فيما بعد غير محمد ولد الشيخ، المتعب. واختار بدلا من الموقع الجديد سفارة موريتانيا في أبيدجان التي كانت تشمل كذلك كوناكري؛ وهو المنصب الذي عين منه سفيرا في واشنطن، في ديسمبر 1963.
أما محمد ولد الشيخ، الأمين التنفيذي ل”الطاولة المستديرة” خلال الفصل الأخير من سنة 1961، فكان – على العكس- رجل الرئيس، ولم تحدث أية قطيعة بين أحمد بابا وهذا الأخير، لأنه لم تربطهما في الأصل أية صداقة شخصية أو سياسية حقيقية. وكان إبعاد محمد ولد الشيخ من الحكومة، بمثابة شرخ داخلي في علاقة عمل وتطابق في الرؤى الفكرية وفي الطموح الوطني. ولم يستعد الرجل موقعه السياسي بعد ذلك أبدا، وإن كان بقي رجل “الصدق في الحديث”. وقد ساهمت فرنسا في تشكيل صورة كل من الرجلين؛ إذ وجدت من مصلحتها أن تصور حزب النهضة المعارض والداعي للاستقلال على أنه تابع للمغرب، وقدمت حزب الدولة الوحيد، بل الفريق الحكومي الذي اعترف بالصين الشعبية وانسحب من منظمة الاتحاد الإفريقي والملغاشي، على أنه يستمد فكره من روح حزب الشباب الاستقلالي السابق.
ويحلل جان فرانسوا دينيو، حين كان سفيرا لفرنسا في نواكشوط، ذلك الصعود القوى – وربما المشروع المستقبلي- لمحمد ولد الشيخ؛ معتبرا أن “قضية” تسيير سفارة قد تصبح مصدر احتجاج ضد نظام بأكمله، تظل ملامح توجهاته السياسية في الأصل مدينة كثيرا لمن اعترضوا عليه بعد أن أقصاهم.
لقد كان ذلك –دون شك- بمثابة آخر مرحلة من بداية تأسيس موريتانيا العصرية. وكان بإمكان النقاش بشأن النظام الدستوري (حسم من خلال التصويت، يوم 20 مايو 1961 على دستور رئاسي) وحول مكانة ودور حزب، أو عدة أحزاب، (حسم في مؤتمر كيهيدي المنعقد من 25 إلى 31 يناير 1964 تحت رئاسة أمين عام كان ضمن أقلية في الرابع من أكتوبر من العام السابق، ومن خلال مراجعة الدستور يوم 12 يناير 1965)، أن يسفر عن معارضة شديدة من كبار الفاعلين الموريتانيين في مرحلة انتهاء الإدارة الفرنسية، تجاه القادم الجديد الذي تمثل –سنة 1957- في المختار ولد داداه.
ورغم توجهاتهم المعارضة، سواء في رئاسة الجمعية الوطنية أو في كتلة الأحزاب، غير الحزب الحاكم، إلا أن سيد المختار ولد يحيى انجاي وسليمان ولد الشيخ سيديا تصالحا في النهاية مع الرئيس، بينما توقف بوياكي ولد عابدين عن حملته الكلامية ضده وعن تحريك الجماهير. لكن محمد ولد الشيخ وأحمد بابا ولد أحمد مسكه شكلا بين 1958 و1966 بديلا إيديولوجيا، كان عبارة عن تصور للحزب تمت مناقشته في كيهيدي دون أن يعتمد، وتمثل في حزب للأطر.
واستهدف قيادي سابق آخر في رابطة الشباب والنهضة، هو بمبا ولد اليزيد، الذي كان وزيرا للمالية من 18 يناير 1965 إلى 21 فبراير 1966.. فقد أقيل من منصبه كحاكم لدائرة الحوض الشرقي، يوما واحدا بعد إبعاده من الحزب لمدة عام كامل يوم 18 أغسطس 1966 بسبب”عدم الانضباط والإهمال المتعمد”. وأعيد يحيى ولد منكوس، سفير البلاد في باريس، ليوضع تحت تصرف وزارة الداخلية، يوم 1 إبريل 1967.
في الواقع، أصبحت الأجواء السياسية في نواكشوط غير ملائمة: اجتمع المكتب السياسي من 16 إلى 18 مايو 1967 و”اتخذ الإجراءات الكفيلة بالقضاء على أية أنشطة مثيرة للقلاقل أيا كان مصدرها ومهما كان نوعها”. وفي الأول من يونيو، استقبل الرئيس –مطولا- أحمد بابا لمساءلته بشأن تسييره في الممثلية الدائمة لدى الأمم المتحدة، قبل أن يعتقل في 16 يونيو. ودون أن تكون هناك محاكمة حقيقية، تم إخلاء سبيله، بحرية مؤقتة، في 28 سبتمبر، وسافر إلى فرنسا.
بعد إقالته في 21 فبراير 1968 (في ذكرى خروجه من الحكومة قبل ذلك بعامين) لم يطلب سجين دار البركه أي شيء أبدا ولم يستفد من إعادة الاندماج التي منحت يوم 3 فبراير 1972 لكافة الموظفين الذين كانوا متابعين من 1968 إلى 1972. لكن هيبته، التي لم تتأثر حتى سنة 1978 لدى القوات المسلحة التي كان قد أنشأها، جعلته يحلم بمخرج آخر، سواء بالنسبة للحرب في الصحراء أم بالحفاظ على شرعية أكيدة للسلطة. على العكس، سيصبح بمبا ولد اليزيد عضوا في المجلس الدستوري وأحمد بابا ضمن الهيكلة الإدارية لرئاسة الجمهورية في بداية فترة حكم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. أما يحيى ولد منكوس فكان مديرا للأمن في عهد أوائل الانقلابيين، لتحضير محاكمة المختار ولد داداه غيابيا، خاصة من خلال استجواب عبد العزيز صال وسيدي ولد الشيخ عبد الله…
غير أن نقاش 1967 كان ما يزال نقاش أشخاص ورؤى فردية. ومنذ 1969، شكلت الانقسامات النقابية الجزء الظاهر من النقاشات العميقة، التي لم يكن نظام حزب الدولة الوحيد سوى أحد مواضيعها.
ظهرت على مدى الفترات اللاحقة أحزاب وتيارات (سرية بالتأكيد) وذلك ابتداء من سنة 1973، حيث اتفق الجيل الأول منها على الحزب الواحد رغم كونها – في الغالب- منبثقة، من حيث تصورها للسلطة ومن حيث شخصياتها، من تيارات معارضة للحكومات المنبثقة عن المرحلة الفرنسية. ولم يكن بإمكانها الاعتراض على نظام ساهمت في قيامه، إلا على أساس حصيلة أدائه أو تعامله مع شخصياتها القيادية. لم تكن تواصل نهجا سياسيا سابقا.
أما الجيل الثاني في النقاش السياسي فقد أجبر الشخصيات أيا كانت؛ ومهما كان انتماؤها للمعارضة أم للسلطة؛ على أن تؤسس حزبا أو يكون لها حزب. وقد استدعت عمليات المساس بالحريات، واستهداف الشخصيات من الأحزاب اتخاذ مواقف: رأينا ذلك حين تم توقيف الوزير الأول السابق، يحيى ولد أحمد الوقف عدة مرات؛ وبدا أن ذلك كان بحجة تسييره السابق على توليه وظائف حكومية عليا خلال الستينيات، على العكس، لم تكن قضايا الأشخاص تستدعي غير مواقف شخصية.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى