من روائع الجمال في انشيري

بعد المعارك الطويلة مع الرائد المكلف بحراسة العرض العسكري، وبعد كر وفر مع جنوده ومحاولة اقناعهم بانني لست مشاغبا ولا انوي دخول المنصة الرسمية المخصصة للرؤساء والقادة العسكرين والمدنين.
وبعد التزامي لضابط الصف بانني سوف اذهب الى المكان المخصص للصحافين فقط.
سمح لي ذلك الضابط مشكورا بالدخول بعد ان كدت أفقد وعيي نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وطول المكوث.
دخلت الخيمة الواقعة يسار المنصة الرسمية.
واول ما وقعت عليه عيناي فراشتان كانهن بيض مكنون ما يميز تلك الفراشات الجميلات المتقاربات سنا ان لم تكونا توأمتان هو الزي الموريتاني التقلدي النيلة.
تبدوا على الفتاتين ملامح الترف والوقار، يجلس بجانبهما شاب في مرحلة الكهول، تجاوز مراحل الشباب ولم يدخل في مرحلة الشيخوخة بعد.
يرتدي ثيابا بيضا، يعامل الرجل الفراشات بلطف، ويحرص عليهن كل الحرص.
لم اعرف هل هو ابالهن ام اخا ام زوجا لإحداهن.
القيت عليهم التحية ورد الجميع باحسن منها.
خاطبت الرجل هل من الممكن الجلوس على المقعد ام انه محجوز لغيري، رد بابتسامة واحترام تفضل اهلا بيك.
صمت الكل قليلا في انتظار انطلاقة العرض العسكري، حينها سألتني احدى الفتيات قائلة انت من سكان اكجوجت ؟ قلت لها لا والله مجرد زائر، وساعود الى نواكشوط مساء اليوم.
سألتني ثانية : انت من اهل الكبلة كما توحي ملامحك ؟ اجبتها لا والله انا من ولاية لبراكنة.
شاحت تلك الرقيقة بوجههاعني قليلا وهمست في اذن شقيقتها قائلة بالتأكيد هو امرابط وواضح انه صحفي او هكذا اتصور.
رن هاتفها واخرجته من حقيبتها الراقية المصنوعة من جلد النمر، وردت على المتصل وفهمت من خلال المكالمة ان المتصلة صديقة لها تسأل عن حضور الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وكذلك توقيت بدء العرض العسكري، وهل الإجراءات الأمنية مشددة ام لا.
انهت الجميلة المكالمة والتفتت الي من جديد لتمطرني بوابل من الأسئلة دارت كلها حول مدينة اكجوجت وهل اعجبتني وكيف ارى الحضور وهل هو على المستوى.
اجبتها بجملة واحدة المدينة جميلة بساكنتها كما يقول المشارقة.
في تلك اللحظة الجميلة حلقت فوق رؤوسنا الطائرة الممهدة لانطلاقة العرض العسكري، وبعد دقيقة من تحليق تلك الطائرة مرت من امامنا عربة مدرعة وعلى متنها قائد الأركان المساعد الذي سيشرف على العروض العسكرية، واثناء متابعة الجميع للاستعراض الذي قامت به الفرق والوحدات المشاركة في الحفل.
استطعت مواصلة الحديث مع الفراشات وتعميقه.
كن على المستوى عقلا ونضجا ولياقة.
كان حديثا شيقا يطبعه الحياء من ناحية، ويتخلله الخوف من ناحية اخرى.
صراحة نسيت كل المتاعب وما تعرضت له من مضايقات حين ظفرت بلقاء تلك الفراشات اللائي ضربن اروع الأمثلة في الحسن والرقة والبياض الناصع حيث لا مساحيق ولامؤثرات خارجية.
جمال خالص لا تشوبه شائبة يغذيه ادب وكلام ساحر وانوثة طافحة كما وصفها الشاعر الجهالي النابغة الذبياني
الذي يقول :

بَیِضاءُ کالشّمْسِ وافَتْ یَومَ أسْعَدها

لَمْ تُؤذِ أهلاً ولم تُفحش علی جار

أقولُ وَالنّجْمُ قَدْ مَالَتْ أواخِرُهُ

إلی المَغیبِ تُبیتُ نظرة حارِ

أَلَمْحَةٌ مِنْ سَنا بَرْقٍ رَأی بَصَري

أمْ وَجْهُ نعمٍ بَدا لِي، أمْ سَنَا ناَرِ؟

بَلْ وَجُهُ نُعمٍ بَدا، وَالَّلیْلُ مُعْتَکرٌ

فَلاحَ مِنْ بَیْنِ أَثْوابٍ وَأَسْتارِ.

ودعت مدينة اكجوجت وكلي حسرة على فراق الجمال ورقة المشاعر والاناقة الفطرية إضافة الى جمال الأرض المسطحة التي يجول فيها البصر وينتهي في مرتفعاتها الجبلية الشاهقة.
حينها تذكرت مقولة ابن زيدون .
اني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق الطلق ومرأى الأرض قد راقا
وداعا لمدنة الجمال والجميلات اكجوجت.

الصحفي الأديب

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى