حظر التجول ضروري في موريتانيا.. وكذلك إنقاذ “الأولويات” من الخطر …

تم الإعلان حتى الآن عن إصابتين فقط بمرض الكورونا في موريتانيا.. ورغم أن العدد ضعيف جدا، غير أنه ينذر بخطر محدق شديد: عدد المصابين قابل للارتفاع بسرعة وبشكل كبير! كون المريضين أجنبيان وقليلا الاختلاط بالمواطنين الموريتانيين، فهذا يحد من احتمال عدواهما للناس. لكن لا ينبغي أن يدفع بنا الأمر إلى التساهل في الإجراءات الاحترازية: الداء دخل البلاد وله قوة انتشار بين البشر لا سابق لها! وثقافتنا الصحية المتخلفة لدرجة كبيرة لا تساعد على اكتشافه: كثيرا ما نصاب بالمرض ولا نعاود الطبيب مكتفين بحلول وممارسات أخرى.

يجمع الخبراء والعلميون على أن التقليل إلى أقصى حد ممكن من الاتصال بين الناس هو أنجع طريقة لسد الأبواب أمام تفشي هذا المرض. وعملا برأيهم قيم في كل البلدان تقريبا بحملات إعلامية وتحسيسية واسعة ومكثفة تدعو الناس إلى تفادي الصلات بالآخرين عن قرب.. وذهبت حكومات متزايدة العدد إلى اتخاذ قرارات وإجراءات عملية صارمة في هذا الاتجاه حيث فرضت على السكان البقاء في بيوتهم. وبدأت هذه السياسة تؤتي أكلها في الصين وفي إيطاليا رغم أن البلدين عانيا كثيرا من الفاجعة بسبب تأخرهما في سياسة الاحتواء التي فرضت عليهما نفسها أخيرا.

ونلاحظ أن نفس السبب جعل دولا أخرى أوروبية وأمريكية مثل فرنسا والولايات المتحدة تعاني من انتشار مفجع للمرض.

القارة الافريقية في سبات عميق…!

وأظهرت اليوم منظمة الصحة العالمية مخاوف شديدة بشان إفريقيا لما أعلن منذ ساعات مديرها العام الاتيوبي السيد تيدروس أدهانوم غيبريسوس أنه يجب على “إفريقيا أن تستيقظ”. ولسنا بحاجة لبذل جهد فكري كبير من أجل شرح كلامه أو فك رموزه: نحن الأفارقة، شعوبا وحكومات، في سبات عميق بينما فاجعة كوفيد-19 دخلت في بيوتنا، حسب ما يوحي به انذاره.

لقد صرحت ثلاثون دولة افريقية بإصابات داخلها بفيروس كورونا تعد بالعشرات أو أكثر في بعض البلدان مثل: السنغال، مصر، الجزائر، بوركينا فاسو، جنوب افريقيا… إلخ. كما أُعلِن اليوم عن أول ميت بسببه في افريقيا الغربية ببوركينا فاسو.

ولا تخفى على السيد تيدروس أدهانوم غيبريسوس الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها جل الدول الإفريقية والمتمثلة أساسا في الحد من التظاهرات الشعبية، الرياضية والثقافية.. ومن الحد بنسب متفاوتة حسب كل دولة من السفر إلى البلد أو الخروج منه: الرقابة المشددة على المعابر الحدودية البرية أو إغلاقها، تعليق الرحلات الجوية الدولية أو تقليصها، عدم استقبال السفن السياحية…

لكن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية على يقين فيما يبدو من أن هذه الإجراءات بعيدة من أن تكون كافية لرفع التحدي.

ليس كل الموريتانيين محمد ولد مولود…

كما أسلفنا، ففي غياب لقاح لحد الآن، تبقى أنجع وسيلة اليوم لمنع انتشار كوفيد-19 هي أن يبقى المرء في بيته، مصابا كان أم سليما، حتى لا ينقل العدوى إلى قوم آخرين. وهذا ما فعله السيد محمد ولد مولود رئيس حزب قوى الاتحاد التقدمي.

فقد ذكر موقع “صحراء ميديا” أن المعني وصل “على متن آخر رحلة قادمة من فرنسا باتجاه العاصمة السنغالية دكار ليل الثلاثاء/الأربعاء، ومن دكار توجه إلى موريتانيا عبر مدينة روصو”.

وقال ولد مولود حسب نفس المصدر”إنه أبلغ السلطات الموريتانية بأنه قادم من فرنسا، وطلب منها إخضاعه للإجراءات الاحترازية التي أعلنت عنها، فتم نقله إلى نواكشوط حيث سيتم وضعه في الحجر الصحي.”

ورغم التأويلات المتباينة، المريبة أو السليمة، التي قد تصدر عن البعض بشأن هذا التصرف لكون صاحبه زعيما سياسيا له اصدقاء كما له خصوم، فإن سلوكه ينم عن وعي صحي وخلق مدني بلدنا في أمس الحاجة إلى نشرهما في إطار مواجهته لفاجعة كورونا. لكن قل منا مع الأسف من يتعاملون مع الأمراض المعدية بهذا المنطق الاحترازي السليم.

حظر التجول ضروررة لا مناص منها..

كغيرهم من الشعوب في المجتمعات الإفريقية، يتسم الموريتانيون بكثافة العلاقات بينهم. فهم دوما مجتمعون بعضهم مع بعض: في البيوت، في العمل، في الشارع، في المحلات التجارية، في المناسبات الاجتماعية… ويكاد يكون من المستحيل تغيير هذا السلوك لديهم أيا كان السبب. وهذه اللقاءات والاجتماعات المكثفة بين الناس تشكل اليوم حاضنة خصبة لوباء الكورونا وحاملا فعالا لنشر العدوى. ويستدعي التصدي بفعالية لهذا السلوك المضر بالصحة العامة اتخاذ إجراءات حاسمة متعددة الأوجه. تكون طبعا حملات التحسيس والتوعية والتثقيف الصحي على رأسها. إلا أنه لا مفر من إجراءات ذات طبيعة اكراهية.

لأن إرشاد الناس بالبقاء في بيوتهم لن يكون مجديا: أكثريتهم لن يمتثلوا للنصح بسبب العقلية والثقافة السائدة. كما أنه لا هم ولا الدولة يتوفرون على المصادر والآليات اللوجوستية والتنظيمية الكفيلة بضمان تنفيذه مما يجعل فرض حظر التجول في المدن الكبرى والمناطق الحدودية جزءا لا يستهان به من الحلول التي ينبغي اتباعها من اجل الحد من انتشار الخطر. وقد أقبلت اليوم بلدان افريقية مثل دولة بنين على اتخاذ هذا النوع من القرارات لمواجهة انتشار الوباء. وعلينا في موريتانيا أن نعمل به تبعا لإجراءات وآليات تنفيذ تحددها السلطات.

حتى لا تلحق أضرار كبيرة ببرنامج “تعهداتي”…

خلافا للأزمة المالية عام 2008، التي تضررت أساسا منها آنذاك الدول الصناعية والدول الصاعدة أو البلدان التي تمتلك مخزونات هامة من الرساميل السيادية في البنوك والدوائر المالية العالمية، فإن الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا تمس اليوم العالم بأسره.. وحسب التوقعات الأولية فإنها ستؤثر سلبا على معدل النمو العالمي والفردي لكل دولة بنسب كبيرة وعلى الناتج الداخلي الخام لكل بلد مما ستكون له آثار سيئة على مؤشرات النمو البشري أيضا. ونرى الحكومات تسارع إلى تعديل قوانين ميزانياتها وغير ذلك من الاليات والإجراءات والميكانيسمات المالية والاقتصادية بغية مواجهة الركود الاقتصادي العالمي الذي لا ينجو منه بلد ولعلاج العواقب والتداعيات المؤلمة والمعقدة الناجمة عنه.

ونحن على يقين أن القائمين على القطاعات المعنية في بلدنا وخبراءه الاقتصاديين والسياسيين عاكفون على الأمر. فهم مطالبون بتقديم حلول لمواجهة هذه الكارثة الطارئة، ذات الأبعاد المتنوعة، الاقتصادية والاجتماعية والصحية… التي تشكل أعظم تحد يواجهه برنامج “تعهداتي” كما رسمه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني كمسار للبلد. وينبغي أن تنال محطته العظيمة الأولى التي تم إطلاقها مع بداية السنة تحت عنوان “الأولويات” قسطا كبيرا من أي إجراءات استعجالية يتم اتخاذها لمواجهة كارثة كورونا وعواقبها الضارة، الاقتصادية والاجتماعية.

تضافر الجهود.. وبيان بيرام السار والمفاجئ..

وعلى الفاعلين السياسيين أيا كانت توجهاتهم وأهدافهم، من الموالاة أم من المعارضة، أن يعملوا في هذا السبيل.

وكم كانت مفاجأتي كبيرة وسارة لما قرأت البيان الذي أصدره السيد بيرام ولد الداه ولد اعبيد باللغة العربية. حيث دعا فيه إلى “مد يد العون للقيادة الوطنية و التطوع لصالح الشعب حتى نتجاوز هذه المحنة”. وكنت أرجو منه – وما زلت- أن يصدر بيانه باللغتين الفرنسية والأنجليزية، أي بلغات يفهمها الأجانب الذين يتعامل معهم.. وبمعنى آخر، فإنني أناشده :عليك، أيها النائب بيرام، أن توجه هذا الخطاب المتزن والمسؤول أيضا إلى أنصارك وأصدقائك الغربيين، كما فعلت لما وصفت لهم موريتانيا بنظام “الأبارتايد”.

ومرة أخرى، أكرر له ولجميع الفاعلين السياسيين والجمعويين والفاعلين الاقتصادين وغيرهم: نحن كغيرنا من الدول في حرب عالمية مفاجئة، متعددة الأوجه، صحية، اقتصادية، اجتماعية… لنعمل معا من اجل تضافر الجهود.. ولنكف عن النظر إلى الوراء وعن تصفية الحسابات العقيمة.. بل ينبغي أن نتحلى بالشجاعة الفكرية والسياسية.. وأن ننظر إلى الأمام وفق رؤية توافقية بناءة تقودنا إلى التغلب على هذه المحنة الخطيرة التي تهز العالم بأسره.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى