الزراعة السياسية في شمامة (تحقيق مصور)

1 – زراعة السياسة .. زراعة الكذب
2 – مندوب الحكومة
3 – حذاء الوزير
4 – مزرعة الرئيس .. تذكر ولا ترى
5 – لمصيدي .. السر الغامض
6 – أزمة ثقة بين الرئيس والمزارعين
7 – اسنات .. مقبرة المليارات والآليات الثقيلة
8 – كل أمة تلعن سابقتها
9 – “الذهب في القمامة”
10 – شراء المحصول .. عودة “الأرز الموريتاني”
11 – زراعة القمح .. مصر تتعلم منا
12 – مشروع السكر .. أضغاث أحلام
13 – القرض الزراعي .. اللعبة الكبيرة
14 – القرض الزراعي .. يد النظام التي يبطش بها
15 – تقرير اللجنة .. الجريمة الاقتصادية
16 – الدعم الحكومي .. عين الفساد
17 – صور وشهادات


في سهل شمامة، على الضفة اليمنى لنهر السنغال، مدينة القوارب عاصمة ولاية اترارزة، مدينة تعيش على وقع الحملة الزراعية. هذا يبحث عن حاصدة للأرز ويتابع أحوال الطقس خوفا من الأمطار، وذاك يبحث عن جرار لحرث الأرض، ثم عن البذور.

6-12.jpg

3-35.jpg

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر
  • هؤلاء اضطروا إلى حرق مزارعهم، يئسوا من حصاد ما تبقى منها، بعد آفات الطيور، والأرز البري “انجيم”، هذه النبتة الخبيثة التي تقتل الأرز ولا تقتلها المبيدات السامة، نبتة أرقت أهل مزرعة امبوري.
    11-47.jpg
    للزراعة في مدينة القوارب حكايات طويلة، معاناة وإخفاق، آمال ونجاح، قصص يرويها المزارعون بحماس شديد أو بامتعاض، غير آبهين بشعور المستمعين بالضجر والملل، شروح وأرقام زائفة في الغالب.

وكالة صحفي للأنباء تروي لكم في هذا التقرير الاستقصائي المصور ما توصلت إليه من أمور معينة على فهم المسألة.

أقول، معينة فقط على فهم المسألة، فلا ندعي أننا توصلنا إلى حقائق ثابتة أو أدلة دامغة على ما نقول، لكن بالمقابل لم نتنازل عن أي من مبادئ الموضوعية، والحياد، وتحري الصدق. ومعاذ الله أن نكون أيضا، قد استهدفنا أيا من الأشخاص أو المؤسسات الواردة أسماؤها في سياق النص، لأسباب ذاتية.

رجال تولوا مسؤليات عامة أو استفادوا من قروض وامتيازات من الدولة أو مؤسسات حصلت على صفقات عمومية فحسب، ولا تربطنا بهم صلات شخصية.

صحيح أننا لم نبذل مجهودا كبيرا لمقابلتهم واستفسارهم، فسمعة الصحفيين لدى رجال الأعمال والمسؤولين الكبار سيئة للغاية.

نظرات الإزدراء بادية في عيون الكاتبه لمن يأتي ويقول : “أنا صحفي أريد مقابلة المدير”.
كما أنه من السهل أن يفقد الصحفي شيئا من كرامته في قاعات انتظار المسؤولين الكبار.
ورغم ذلك حاولنا لقاء بعضهم في أماكن عملهم فلم نجدهم، وتركنا لهم رسائل ولم نجد أي رد. وجدنا صاحب القرض الزراعي الجديد (صندوق الإيداع والتنمية CDD) في مكتبىه لكنه رفض استقبالنا متذرعا بأنه لم يبدأ العمل، وطلب منا التوجه إلى القرض الزراعي القديم أو أخذ المعلومات من الملصقات على الجدران في الخارج، كما رفض استلام الرسالة الموجه إليه بشأن التحقيق لأن الكاتبة غير موجودة.

تركنا رسائل لكل من إدارة سونادير SONADER واسنات SNAAT ولم نجد أي رد، كما أننا زرنا وزارة التنمية الريفية في نواكشوط فوجدناها غارقة في مياه الأمطار ومكتب المستشار الإعلامي مغلق. المندوب الجهوي لوزارة التنمية في رصو وحده هو الذي استقبلنا على الفور في مكتبه وقدم لنا شروحا وإجابات.

4-22.jpg

في آخر أيام شهر أغسطس 2013، وصلنا إلى الجانب القديم لمزرعة امبوري، رفقة اثنين من “حملة الشهادات” فأعجبتنا تلك المساحات الخضراء، قالوا لنا “هذه الخضارة دليل على فساد الأرز، فلو صلحت المزارع لكانت في موسم الحصاد صفراء، لا خضراء، فذلك لون الأرز البري “انجيم” تلك النبتة الخبيثة التي أفسدت مزارعنا هذا العام”.

– أنتم دائما غير راضين، الحكومة أعطت لكل واحد منكم 10 هكتارات مستصلحة، وأعطتكم المال والقطع الأرضية والأبقار، ومع ذلك أنتم غير راضين ؟

– نعم غير راضين لأن الحكومة خدعتنا خدعة كبيرة، فالأرض التي أعطتنا في القطاعات 1، 2، 3 في امبوري أرض موبوءة بالأرز البري، وفي القطاعات الأخرى أرض غير مستصلحة، أعدت على عجل من أجل أن تقول الحكومة في تقريرها السنوي إنها استصلحت تلك الأراضى، فهذه جريمة نكراء.

– جريمة نكراء، كيف ذلك ؟

– نعم جريمة نكراء، أخذوا 65 شابا يحملون شهادات عالية وأعطوهم أرضا غير صالحة وديونا ليحولوهم من عاطلين غير مدينين إلى مزارعين فاشلين مثقلين بالديون.

– منكم من نجحوا واشتروا السيارات وأقاموا حفلات فاخرة أو هكذا قيل ؟

– صحيح، نجح بعضنا نجاحا كبيرا غطى على إخفاق الأكثرية الصامتة.

– ماذا تريدون الآن ؟

– نريد ما اتفقنا عليه في العقد مع الحكومة، وهو 10 هكتارات صالحة للزراعة غير موبوءة، خاضعة لمعايير الاستصلاح العلمية. لا نريد أن نكون ضحية لحملة إعلامية سياسية زائفة. نريد واقعا على الأرض، فنحن جاهزون ومستعدون للعمل، والدليل على ذلك أننا ما زلنا هنا صامدين.

– قيل إن من بينكم نساء ؟

– نعم، ثلاث نساء، نجحن في البداية نجاحا كبيرا لكنهن الآن يواجهن مصاعب.
جميعهن كن نموذجا رائعا في الجد والمثابرة.

آمنة بنت بزيد حالفها الحظ أن حصلت في القرعة على الرقم الموالي لرقم شقيقها في امبوريه، وهو خبير دولي في الزراعة كان يمارسها في روسيا قبل عودته إلى الوطن لأسباب عائلية. جاءت إلى شمامة وهي مرضعة وصائمة، كانت تترك ابنها عند صديقتها وتمضي في الصباح الباكر إلى المزرعة، لم تثنها شمش شمامة الحارقة عن تولي شؤون مزرعتها بنفسها.

11111-10.jpgالنجاة بنت اكليب، حصلت على مزرعة في القطاع القديم لامبوريه، وهي الآن من ضحايا انجيم، وتتزعم جماعة الـ 65 في التفاوض مع الحكومة.

ثابرت وصبرت على مزرعتها إلى أن وصلت موسم الحصاد ولم تجد حاصدة، وداهمتها الأمطار، والبعوض، قالت لهم “دونكم المزرعة، جاهزة للحصاد، إن شئتم حصدتموها وسددتم من ثمنها ديون القرض، وإن تركتموها تفسد فذلك شأنكم، أنا ذاهبة، أنا ذاهبة..”
444.jpg
النجاة بنت اكليب وآمنة بنت بزيد يحضرن درسا ميدانيا خلال الدورة التكوينية التي نظمتها الوزارة في بوغى لصالح حملة الشاهادات قبيل انطلاق المشروع.

  • 1 – زراعة السياسة .. زراعة الكذب

الحديث عن زراعة السياسة في مدينة القوارب هو في الحقيقة حديث عن زراعة الكذب، فالحكومة الموريتانية أصبحت رهينة لكذبات سابقة صغيرة بيضاء، لكن كذبة واحدة صغيرة بيضاء تفرض على صاحبها في المرحلة الموالية أن يختار بين أمرين : إما أن يعترف بكذبته الصغيرة ويفقد جزءا يسيرا من مصداقيته أو ينتج كذبة جديدة أكبر قليلا من الأولى ويمضي قدما في سلسلة من الكذبات أكبر فأكبر حتى ينخرط في مشروع ضخم بحجم الدولة من الأرقام الكاذبة.

جميع الأرقام التي تعلنها الحكومة الموريتانية عبارة عن خلاصة “سليمة” لسلسلة من الأرقام الزائفة، بعيدة كل البعد عن الواقع.

الكذبة الأولى يشارك فيها المزارع نفسه، فعندما يسأله مندوب الحكومة عن مساحة مزرعته، فإن كان لديه 5 هكتارات يقول لدي عشرون أو ثلاثون ليحصل على نصيب أوفر من الأسمدة والمبيدات بثمن مدعوم من الحكومة، فيبيع الفائض في السوق عسى أن يعوض بثمنه الخسارة المنتظرة.

المزارعون – جميعم – مستعدون لدفع رشاوى لمندوب الحكومة.

مندوب الحكومة يريد أرقاما كبيرة يقدمها لرئيس المصلحة، والمدير يريد رقما كبيرا يقدمه في تقريره إلى الوزير ليبرر حجم الإنفاق وحجم الطلبات.

الوزير الأول، والرئيس، والبرلمان، يريدون أرقاما جميلة لإقناع الممولين الأجانب والمستثمرين بالمضي قدما في تمويل المشاريع الكبيرة.

المساحات المستصلحة، المساحات المزروعة، كمية الأسمدة، كمية المبيدات، عدد الحاصدات، حجم الحصاد، شراء الإنتاج، والغلاف المالي للحملة الزراعية، كلها أمور مترابطة في ما بينها، فإما أن تصدق فيها جميعا أو تكذب فيها جميعا.

إما أن تصدق الحكومة فيها جميعا، وذلك خيار مستبعد، فتقول إن الوضع كارثي، أو تستمر في كذبتها – فيها جميعا – وتقول إن الوضع جيد وفي تحسن.

  • 2 – مندوب الحكومة

المندوب الجهوي للتنمية الريفية ينفي نفيا قاطعا ان يكون المزارعون يغالطون الإدارة في التصريح بمساحات مزارعهم.

وقال في اللقاء المطول الذي خصنا به بمكتبه زوال الأربعاء 24 سبتمبر 2013 إن الكذب في الأرقام مستحيل وغير وارد.

مستحيل لأن الإجراءات المتبعة للحصول على المدخلات الزراعية صارمة ودقيقة إلى حد لا يسمح بالمغالطة.

يطلب من المزارع ان يقدم وثائق ثبوتية من الشركة التي قامت بتقليب التربة كـ أسنات SNAAT أوغيرها، وبعد ذلك يتم إرسال بعثة من المندوبية لديها خبرة كبيرة في قياس المزارع مزودة بجهاز جى بى أس GPS، للمعاينة.

أما كونها غير واردة، فيقول المندوب إن المزارعين ليست لديهم مصلحة في تضخيم المساحات المزروعة، “فإن كان من أجل الحصول على نصيب أوفر من الأسمدة لبيع الفائض في السوق السوداء كما تتصورون، فلن يجدوا من يشتريها فكل من لديه مزرعة يحصل على حصته منها بسهولة”.

كان اللقاء مع المندوب مثمرا، فقد شرح لنا أمورا كنا نجهلها في الزراعة، لكننا لم نقتنع بكل ما قال.

لم نقتنع بما قاله في مسألة المساحات المزروعة. أولا، لأن جميع الذين التقيناهم قالوا لنا عكس ذلك، وثانيا لأن الفارق بين أسعار الأسمدة لدى الحكومة والسوق السوداء، يبرر الشك.

سعر الطن من السماد الأبيض uré في السوق السوداء هو 105 آلاف أوقية، بينما سعره المدعوم هو 118 ألف أوقية تتحمل الدولة منها النصف، وذلك يعني أن التعاونيات الوهمية التي ليست لها مزارع أغرقت السوق بحصصها من السماد المدعوم . ووجدنا أيضا أن السماد المدعوم يهرب إلى السنغال.

الزبناء الوهميون للقرض الزراعي، يستفيدون مرتين، أولا من القروض الميسرة التي غالبا ما تعفي عنها الحكومة في وقت لاحق لأسباب سياسية دعائية، وثانيا من المدخلات الزراعية المدعومة، ولا حاجة لهم في الزراعة.

  • 3 – حذاء الوزير

المزارعون ينكتون على وزير التنمية الريفية. عندما يشتد الحر ليلا، يأخذون حذاء ويقولون هذا حذاء الوزير ثم يعلقونه في الخيام والأكواخ فتأتي الرياح من كل حدب وصوب.
يعبرون بالدعابة والمزاح عن خيبة أملهم من وعود الوزارة بتوفير البذور والأسمدة والحاصدات في آجالها.

من أغرب الأمور التي توصلنا إليها خلال التحقيق هو أن الوزارة عندما عجزت عن توفير البذور والأسمدة في الآجال المحددة خلال الحملة الزراعية 2012 طلبت من وكلاء الجمارك التغاضي سرا عن المهربين من السنغال لتلك المواد من أجل التغطية على العجز في تموين السوق. حل مبتكر وغريب أربك وكلاء الجمارك. يخالفون القانون بأمر من قادتهم تطبيقا للسياسة الزراعية للقطاع.

عندما تستقيل الحكومة من مهمتها التي جاءت من أجلها أو تعجز عنها، تركن إلى حلول مهدئة، آنية، سهلة وقريبة، أقراص أسبرين.

  • 4 – مزرعة الرئيس .. تذكر ولا ترى

من المواضيع التي لا يتحدث عنها المزارعون في العلن موضوع التجربة الشخصية للرئيس في الزراعة، يقولون سرا إن الرئيس يعاني من عقدة مركبة من الزراعة. العقدة الأولى هي أنه كان مزارعا فاشلا أيام الانقلاب، والعقدة الثانية هي أن سلفه الرئيس المخلوع سيد ولد الشيخ عبد الله هو الذي وضع الإطار الاستراتيجي للسياسة الزراعية الحالية وضخ الأموال الكثيرة على شكل قروض وشراء الآليات 2007 – 2008.

تلك الحملة التي يتحدث عنها المزارعون بحنين ويقولون إنها كانت ناجحة، لكننا لا ندري المقاييس التي يقيمون بها السياسة الزراعية، والظاهر أنهم يعتمدون في الغالب على حجم القروض الميسرة التي يستفيدونها من الدولة.

ولد عبد العزيز ينفي نفيا قاطعا أن يكون قد مارس الزراعة في شمامه. فقد سئل مرة عنها فأغضبه الأمر وقال بتشنج “لست مزارعا في شمامه، ولا أملك من المزارع إلا شجيرات قليلة في بنشاب، وليست لدي أي علاقة بالزراعة في شمامة.”

المعلومات التي تحصلت عليها وكالة صحفي للأنباء لا تكفي لنفي أو تأكيد مسألة المزرعة، وربما تعلق الأمر بمزرعة لأحد المقربين من الرئيس. فالمجتمع الموريتاني ينظر دائما إلى أقارب الرئيس نظرة خاصة، وكلما استثمر أحدهم أمواله في أي مجال، يقال تلك أموال الرئيس، وإذا عين في وطيفة سامية لكفاءته يقال “هو ابن عم الرئيس أو خال الرئيس”.

  • 5 – لمصيدي .. السر الغامض

إجراء المياه في قنواة الري المفتوحة في المناطق الرعوية المحاذية للمزارع وانعدام الجسور أدى إلى قطع الطريق أمام المواشي وعزلها عن مجالها الحيوي. صراع دائم بين المرعى والمزرعة، بين الضرع والسنبلة، بين المنمي والفلاح.

في شمامة، خطوط التماس بين المجال الرعوي والمجال الزراعي خاضعة هي الأخرى لمقتضيات السياسة.

55-3.jpgطفل يحاول مساعدة المواشي على اجتياز قناة للري حالت بينها مع المراعي في الجانب الآخر الذي به مزارع.


مسألة لمصيدي عكرت صفو زيارة الرئيس لمدينة كرميسين، الأهالي من السكان المحليين يرفضون بناء قناة ري رئيسية بحجة أنها تضر بالمراعي، وطرحوا قضيتهم على الرئيس ونظموا اعتصاما في المكان، بعضهم كتب على الجدران ليلة الزيارة عبارة “ارحل”. بيدل ولد هميد عجز عن إقناع الرئيس بوقف أعمال الحفر، عجز عن ذلك وهو في أعز أيامه مع النظام، أيام التهديد بمقاطعة الانتخابات.

أرسلت الرئاسة بعثة فنية مستقلة من أجل تحديد ما إذا كانت الأرض المتنازع عليها صالحة للزراعة، كما يدعي صاحب المشروع، أم صالحة للمرعى، كما يقول السكان المحليون.
خلصت اللجنة الفنية إلى أن الأرض أرض زراعية، وأمرت السلطات الإدارية بمتابعة المشروع ووفرت له الحماية. يقول الأهالي إن اللجنة الفنية انحازت لصالح صاحب المشروع لحظوته لدى النظام.

صاحب المشروع مدعوم من قبل متنفذين في الدولة، تربطه علاقات اجتماعية مع الجنرال ولد الغزواني قائد أركان الجيش، والسياسة في موريتانيا تدار من قبل القادة العسكريين، لهم نصيب الأسد من النفوذ.

  • 6 – أزمة ثقة بين الرئيس والمزارعين

الفاعلون في المجال الزراعي يريدون إعفاء من الديون القديمة، والرئيس الحالي مصمم على استرجاع تلك الأموال التي يرى أنها أنفقت في ظروف غامضة وأنها جزء من الفساد الذي أعلن محاربته مهما كلفه ذلك من ثمن.

حتى أنه هدد مرة في أحد اجتماعاته مع المزارعين بنشر الاسماء والمبالغ، لكنه لم يفعل.

والواضح أن الفاعلين في المجال الزراعي يعانون من أزمة ثقة مع الرئيس، فهو يعتبرهم مخادعين غير جادين، وهم أيضا لا يثقون بقدرته على وضع استراتيجية زراعية ناجعة، ولديهم مآخذ على القرارات التي يصفونها بالمرتجلة والمسيسة في الغالب.

يسوقون أمثلة على تلك القرارات، منها قرار استصلاح الأراضي في بكمون لصالح التعاونيات الزراعية، ومنها مصادرة أراضي أهل انويكظ واهل عبد الله وإعطاؤها لحملة الشهادات، وكذلك تكليف شركة اسنات بالاستصلاح الريفي، وتسييس القرض الزراعي، وشراء المحصول من قبل الدولة، وزراعة القمح، والسكر ..

قرارات العسكر، “ازرعوا أرض شمامة بسرعة”، “هذه الأرض، نريدها خضراء”،
“هيا نفذوا الأوامر قبل زيارة الرئيس، وقبل الانتخابات”.

يعتبرون أن التعاونيات غير موجودة على أرض الواقع وانها في الحقيقة عبارة عن أشخاص لديهم ملفات تحمل توقيعات إدارية فحسب، وليست لديهم مزارع ولا مزارعون، وإنما أوراق أعدت للاستفادة من الدعم الحكومي.

وزير التنمية الريفية يسأل إحدى النساء التي جاءت تطلب المساعدة “هل لديك تعاونية ؟” ثم يأمر بتسجيلها لتستفيد من مزرعة في بكمون.

أما مصادرة أراضى أهل انويكظ وأهل عبد الله وآخرون، فيرون أن الدافع الرئيسي من ورائها هو تصفية الحسابات مع معارضين من أعوان ولد الطايع، للضغط عليهم، وحملهم على التراجع.
مصادرة عارضتها وزيرة التنمية الريفية آنذاك مسعودة بنت بحام، معتبرة أن تلك المصادرة، تتعارض مع مبدإ استمرارية الدولة التي هي نفسها المانح لرخص الاستغلال.

غير أن الوزير الحالي نفذ تلك المصادرة ولم يواجه صعوبات قانونية تذكر لهشاشة المببررات المقدمة أصلا للحصول على تلك الأراضى في امبوريه، كانت مبررات سياسية بحتة، حتى أن شركات إسرائيلية تولت استصلاح بعض تلك الأراضي، أيام التطبيع.

  • 7 – اسنات .. مقبرة المليارات والآليات الثقيلة

أما تعيين مقرب من الرئيس على إدارة شركة اسنات وتكليفه بتسيير الآليات الثقيلة فيقول بعض المزارعين المعارضين إن ذلك من أجل إحكام القبضة من قبل الرئيس وأعوانه على الإنفاق العمومي في المجال الزراعي، وضمان احتكار مقربين للصفقات الزراعية الكبيرة، لعمر ولد ودادي ومحمد الحسن ولد الحاج.

DSC02347.jpg


اسنات تؤجر مقرها في روصو ومستودع الآليات من نائب رئيس مجلس الشيوخ محمد الحسن ولد الحاج.


2222222.jpg

  • شركة أنفقت 16 مليارا لشراء الآليات خلال خمس سنوات.

00000.jpg

  • تلك الآليات وضعت في العراء إلى أن أصبحت الآن معطلة بنسبة %40 وتحولت – بفعل النهب والفساد – إلى قطع غيار لجميع الآليات المماثلة في الوطن.

    كلفتها الدولة بمهمتين لم تنجز أي منهما على الوجه المطلوب، مهمة الاستصلاح الريفي (فك العزلة عن المناطق الزراعية وبناء السدود) ومهمة الاستصلاح الزراعي (استصلاح الأراضي الزراعية والحصاد). تعثرت في بناء طريق اعويفيه كرمسين في إطار مهمتها الأولى..

وكان استصلاحها لامبوريه الجديدة – في إطار مهمتها الثانية – عجالة رديئة، فقنوات التفريغ اختلطت مع قنوات الري التي حذف بعضها بسسب تلك العجلة.

وقد فشلت فشلا ذريعا في حصاد الحملة الصيفية هذا العام، فنالت بذلك أكبر نصيب من لعنات المزارعين العاجزين عن حصد الأزر بسبب نقص وسوء تسيير الحاصدات.
IMG_0707.jpg
وعد الوزير بتوفير 20 حاصدة إضافية قبل موعد حصاد الحملة الصيفية 2013، تسلمت الشركة الحاصدات في الموعد المذكور، غير أنها خيبت آمال الذين عولوا عليها هذا العام. حاصدات عصرية تتكلم بالصينية بصوت عال كلما حاول الفنيون التدخل في أجهزتها الداخلية للإصلاح أو الصيانة، لكنها صغيرة وضعيفة لا تتجاوز قدرتها 1 أو 2 هكتارا لليوم.

تلك الحاصدات شاركت بجدارة في حملة استقبال الرئيس، فقد أرسلت إلى المزارع المحاذية للطريق ليشاهد الرئيس تلك الحاصدات في المزارع وتنجح الزيارة، كان ذلك بالفعل مشهدا رائعا، حاصدات في الحقول تغدو وتروح. لكن تلك الحاصدات لم تحصد هكتارا واحدا من مزرعة امبوريه بعد مغادرة الرئيس.

أمر القائمون على تحضير الزيارة بقطع الأشجار على جانب الطريق الأيمن في مدخل المدينة لذلك الغرض، بينما تركت الاشجار على الجانب الايسر لتستر القمامة في محيط مسلخة المدينة.

مزارع يقول :

“من سوء حظي أن مزرعتي كانت بعيدة عن الطريق يوم زيارة الرئيس ولم تأتنا حاصدة واحدة، لعنة الجغرافيا.”

صفقة الحاصدات أعطيت لشركة غامضة، لم نتمكن من الوقوف على حقيقتها. لكنها صفقة تفوح منها رائحة الفساد. 800 مليون أعطيت بالتراضي لمقرب من الرئيس.

قررت الحكومة التخلص فجأة من الشركة في ظرف استعجالي سبتمبر 2013، أخذت منها الاستصلاح والحصاد، ويستعد رجال الأعمال الآن لتقاسم “التركة” أو “الغنيمة”.

شركة للدولة يقال إن مديرها العام يملك صهاريج وقلابات زراعية خاصة به.

طلبنا مقابلة المدير فلم نجده في مكتبه ليومين متتاليين، كان اليوم الأول في اجتماع بالولاية، وفي اليوم الثاني لم نجده وتركنا له رسالة مطبوعة توضح طبيعة التحقيق، ولم يتصل.

سألنا عن الصهاريج والقلابات الزراعية التي قيل لنا إنها ملك لمدير الشركة، فاختلف لنا في
ذلك. وجدنا مصدران متعارضان، أحدهما ينفي والثاني يؤكد. يقول الأول إن والد المدير – رحمه الله – كان مزارعا في شمامة وترك مزرعة لعائلته هنالك، وأن والدة المدير هي التي تشرف الآن على تسيير شؤون تلك المزرعة، ولم يلاحظ الجيران نشاطا مشبوها لآليات الشركة هنالك.

أما المصدر الثاني فيقول إن الصهاريج والقلابات المملوكة من قبل المدير مؤجرة من قبل شركة اسنات نفسها، وأن الفرق بينها مع الآليات الأخرى التي لا يملكها المدير هو أن ثمن كرائها يحتسب حتى ولو كانت في حالة تعطيل لأنها مملوكة من قبل المدير.

  • 8 – كل أمة تلعن سابقتها

في الزراعة أمور غامضة يصعب التحقق منها لانعدام أطراف محايدة ومستعدة للإدلاء بشهادات في هذه المواضيع الحساسة، لكن الواضح أن تاريخ الزراعة يرتبط ارتباطا وثيقا بأسماء مقربين من الرؤساء : أهل انويكظ وأهل عبد الله أيام ولد الطايع، ولد الواقف وغيره في عهد ولد الشيخ عبد الله، و لعمر ولد ودادي ومحمد الحسن ولد الحاج في عهد ولد عبد العزيز.

لقائل أن يقول إن أموال أهل انويكظ وأهل عبد الله سبقت ولد الطايع بكثير، وأن أموال أهل غده وأهل ودادي سبقت ولد عبد العزيز. هذا صحيح ولا غبار عليه.

لكن، إن صدق هذا في هؤلاء، فلم يصدق في غيرهم، وكثير.

كما أن الأطر المنحدرين من المحيط الاجتماعي والروحي لسيد ولد الشيخ عبد الله تغلغلوا بجدارة في مفاصل أجهزة التنمية الريفية والمؤسسات الحكومية منذ نشأة الدولة الموريتانية إلى اليوم. لديهم الكفاءات العالية والمرجعيات الأكاديمية التي تخولهم ذلك. نعم، كانت استفادتهم في عهد ولد الشيخ عبد الله وقبله معاوية، أكبر.

والآن اصبحت استفادتهم أقل، في عهد ولد عبد العزيز. ينظر إليهم النظام، بذات العين التي ينظرون إليه بها، عين الريبة.

ابوه ولد التار في القرض الزراعي، ولد تاج الدين في PDIAIM، سيد ولد بي في مفوضية الأمن الغذائي وأدي ولد الزين في مشروع السكر…

كل أمة تلعن التي سبقتها، لكن القادة في موريتانيا يقعون دائما في الأخطاء ذاتها التي وقع فيها أسلافهم. وعقدة كل رئيس من سابقه كعقدة الزوجة الجديدة من “ضرتها” السابقة. تغير الأثاث والخدم، وتلغي جميع الاتفاقيات.

ينظر الرئيس إلى ما سبقه من إصلاح بعين السخط، وينظر إلى ما يصنعه هو أو مقربوه من فساد بعين الرضى، وهكذا.

  • 9 – “الذهب في القمامة”

الفاعلون في المجال الزراعي جلهم من الوافدين إلى شمامة – من غير أهلها – منهم “المفلسون” في مجال الصيد، تلقفوا القروض الميسرة والأراضي المستصلحة التي وزعتها الدولة لدعم الزراعة في شمامة. أهل شمامة يقولون لهم “الغزاة”، وهم ينعتون أهل شمامة بالعجز والكسل.

– “لديكم هذه الأرض الخصبة والموارد المائية الهائلة ومع ذلك أنتم فقراء، لا تمارسون إلا الزراعة تحت الأقدام، أنتم كسلاء”.

– أرضنا سلبت منا وأعطيت لغيرنا، أعطيت لكم أنتم، ثم استوليتم على القروض والآليات بالتمالؤ مع الإدارة، أخذتم كل شيء ولم تتركوا لنا إلا الغبار والحشائش الضارة. أنتم تطبقون في شمامة سياسة “خذ خيرها ولا تجعلها وطنا”.

لخص أحد العارفين بالمجال الزراعي مسألة المردودية الكبيرة للزراعة في شمامة بالقول “هي بمثابة الذهب الملقى في القمامة”.

أرض شمامة صالحة لإنتاج أجود أنواع الأرز في العالم. بعض المزارعين برهنوا على ذلك بشكل ملموس. اختاروا بذورا حقيقية وأشرفوا بأنفسهم على تسوية الأرض بالليزر، وأقاموا قنوات ري وقنوات تفريغ خاضعة للمعايير العلمية، وأنتجو أرزا عالي الجودة، حرصوا على تقشيره تقشيرا كاملا، وباعوه لمستهلكين وطنيين وأجانب يقدرون جودة هذا الأرز ونظافته لخلوه من المواد الكيميائية المعقدة. السفارات الأجنبية كانت تتزود بالأرز المعروف باسم “بسمتي” من هنا، من مدينة روصو، لكن عملية “شراء المحصول” أفسدت كل شيئء.

  • 10 – شراء المحصول .. عودة “الأرز الموريتاني”

تنفق الدولة مبالغ ضخمة كل عام في عملية شراء المحصول الزراعي بأسعار تضمن للممزارعين استقرار سعر الأرز في مستويات مقبولة. لكن الأمر ليس بتلك البساطة. شراء المحصول أدى بالفعل إلى حماية المزارعين من الخسارة، لكن ذلك على حساب الجودة في التصنيع.

فقد تضررت في الآونة الأخيرة سمعة الأرز الموريتاني جراء رداءة التقشير، بعد ان أصبحت دكاكين التضامن تبيع الأرز المقشر جزئيا وتشتريه الدولة من السوق بغض النظر عن رداءته.
يخشى المزارعون الآن أن يعود الأرز الموريتاني إلى وضعه القديم، بعد أن حطم الدعم الحكومي روح المنافسة لدى المصانع في جودة التقشير والتبييض والتخزين، فقد أصبحوا يتنافسون في إنتاج كمية أكبر، بجودة أقل، لأن السعر مضمون.

وضع محير، إذا امتنعت الدولة عن شراء الانتاج يتضرر المزارعون الصغار ويبيعون بالخسارة، و إذا دعمت الانتاج تتراجع الجودة، ويعود “الأرز الموريتاني” سيء الصيت إلى السوق، ويعود التهريب، وتعود المطاردات مع الدرك والجمارك.

  • 11 – زراعة القمح .. مصر تتعلم منا

استعانت موريتانيا بخبراء مصريين ومساعدة من المنظمة العربية للتنمية الزراعية بتمويل سعودي للإشراف على إنجاز أكبر مشاريع الزراعة إثارة للسخرية : زراعة القمح.
فكرة عرضت على الرئيس السابق سيد ولد الشيخ عبد الله، شوهدت في الخليج وسيناء، واقتنع بها في اطار سياسة التنويع الزراعي.

تلقف المسؤولون في الوزارة – مثل الدجاج – فكرة القمح لأسباب سياسية، ورأوا فيها فرصة لضخ أموال جديدة في القطاع. لم يغير الإنقلاب شيئا في الموضوع، أقنعوا الرئيس الجديد بناء على نتائج مغلوطة لدراسات حول المردودية.

يقول المصريون المشرفون على التجربة “بلغت الإنتاجية 4 أطنان للهكتار الواحد” بناء على حالة استثنائية واحدة حدثت في كوركول وتلك مغالطة كبيرة، يوهمون السامع أن المعدل هو 4 أطنان للهكتار الواحد بينما المعدل لم يتجاوز 1.8 طن في أحسن الأحوال، حسب المصادر الرسمية، DPCSE – 2011 في وزارة التنمية الريفية.

المصريون جاءوا ليعلمونا زراعة القمح فعلمناهم زراعة الأرقام الكاذبة.

المغاربة أيضا دعموا التجربة الموريتانية بتقديم البذور، كما عين مقرب آخر من الرئيس المهندس المراكشي مديرا للمشروع، وهو في نفس الوقت مديرا جهويا بشركة سونادير، وظيفتان متعارضتان : مدير مشروع ومدير مؤسسة، وقد عين أيضا مديرا فنيا لمشروع جبار مثير هو الآخر للجدل، والسخرية : السكر.

  • 12 – مشروع السكر .. أضغاث أحلام

وقعت موريتانيا 2010 اتفاقا مع شركة سودانية رائدة في مجال السكر : كنانه.
ينص الاتفاق على تولي الشركة السودانية تنفيذ المشروع وتسييره خلال أربع سنوات، ومن ثم تسلمه بالكامل إلى الجهة الموريتانية.

عينت الحكومة ادي ولد الزين مديرا للمشروع، وقرر المدير الجديد – فور تسلمه لمهامه – إعادة ترتيب اللعبة على أسس جديدة، قائلا إن الاتفاق لا يخدم المصلحة الموريتانية، واعترض على الأسعار التي اعتبرها باهظة مقارنة مع السوق.

تعثر الاتفاق مع السودان جراء السياسة الجديدة وانسحبت منه إحدى الشركات التابعة لكنانة، شركة كانت تتولى بناء المنشئات بموجب الاتفاق.

تصريحات الرئيس وتباهيه بالمشروع، وتعيين رئيس الحزب الحاكم رئيسا لمجلس إدارته، وكذا تعيين مقرب من الرئيس مديرا فنيا، أضفت طابعا سياسيا على المشروع أفقد الشركاء السودانيين حماسهم، وزاد من تخوفاتهم حيال الجانب الفني.

ضخت الحكومة أموال صندوق الضمان الصحي ومؤسسات عمومية أخرى في المشروع، حتى وصلت المبالغ المعبأة إلى 7 مليارات أوقية كمساهمة في رأس المال البالغ 464 مليون دولارا. قدم البنك الإسلامي منها 130 مليون دولارا، والبنك الكويتي 30 مليون بالإضافة إلى إعلان البنك السعودي نيته المساهمة بـ 50 مليونا من الدولارات.

بدأ المشروع يصرف الأموال بدون حساب، لكن لم ينجز منه حتى الآن على أرض الواقع سوى مشتلة صغيرة من 5 هكتارات في فم لكليته، أو سيارات فخمة وضعت عليها لوحات تحمل رقم الولاية 04، محاباة للأهالي في كركل، وهو إجراء سياسي دعائي بامتياز.

أمور لا تكفي وحدها لزراعة القصب وإنتاج السكر بشكل جدي.

مدير المشروع يجوب جميع دول العالم بحثا عن حل للمعضله، الرئيس والحكومة ينتظرون النتائج، ولن يصبروا طويلا، ندموا على تفريطهم في الاتفاق الأصلي مع كنانة. كنانة قادرة – لريادتها في المجال – على إنجاز المشروع في الآجال المحددة لكن بأسعار باهظه ثمنا لقدرتها على جلب التمويلات الكبيرة التي كانت ستتولى تسييرها بنفسها.

المشروع الآن تغلب على أصعب التحديات وهو الحصول على المكان، مساحة 10 ألاف هكتار قرب مصدر للماء، فم لكليتة.

غير أن فم لكليته مصدر غير دائم للماء، وهل سيكفي ماؤه لري 10 آلاف هكتار من قصب السكر، إضافة إلى مصنع ضخم كالذي كانت كنانة ستبنيه وفق مواصفات المشروع الأصلي ؟
إنتاج السكر مشروع جبار، حلم كبير راود الرؤساء منذ عهد بعيد. فالمصنع الذي بناه ولد داداه في مطلع السبعينيات آل أمره إلى النسيان، وهذا الذي ينوي ولد عبد العزيز بناءه هذا العام آئل أمره – لا محالة – إلى ضجة إعلامية، ومساءلات أمام البرلمان أو قضاة المحاكم التجارية، كما هو الحال بالنسبة للقرض الزراعي.

  • 13 – القرض الزراعي .. اللعبة الكبيرة

أصدرت الحكومة قرارا مرتجلا 2012 يقضي بإلغاء القرض الزراعي وتصفيته لصالح صندوق الإيداع والتنميةCDD ، وتكليف الأخير بملف القرض الزراعي بفائدة 6 %، لكن شروط الاقتراض من CDD غير متوفرة لدى جل المزارعين إذ يتعين الضمان بالسندات العقارية titre foncier وهو ما جعل الحكومة تعود وتكلف “القرض الزراعي” من جديد بمنح القروض بفوائد عالية 12% خارج الإطار القانوني.

حملة الشهادات أدخلوا روحا جديدا على الزراعة، أضافوا أنماطا حية من التعامل مع المشكلات المطروحة، لكنهم أيضا يتأثرون للأبعاد السياسية للقرارات المتخذة في المجال الزراعي. منهم الداعم للرئيس، ومنهم المعارض، ومنهم المهادن.

اعترضوا في اليوم الأول على العقود المقترحة مع القرض، اعترضوا أولا على كونها محررة باللغة الفرنسية، وثانيا على كونها لا تتماشى مع النظام المصرفي الإسلامي.

لكنهم تفاجأوا عندما جاءوا ليسددوا ديونهم حين رفض القرض استلام تلك المبالغ بذرائع مختلفة. “انتظروا حتى ننتهي من إعداد الوثائق”، “لماذا تريدون تسديد ديون لم يطالبكم أحد بتسديدها ؟”، “احتفظوا بنقودكم أو اصرفوها كيف شئتم، دعوكم من هذا”.

لم يفهم حملة الشهادات اللعبة في البداية. لم يفهموا أن القائمين على القرض يسعون إلى الوقوع بهم في فخ المديونية، يريدون جرهم إلى صف العاجزين عن تسديد الديون، كما فعلوا مع التعاونيات الزراعية الصغيرة، يريدون تقوية الأصوات المطالبة بإلغاء الديون القديمة للتغطية على حجم النهب والفساد الذي يتعرض له القرض الزراعي على مر السنين.

مدير القرض الزراعي هو الآخر كهربائي متقاعد، لا علاقة له بالمجال، ولا ندري هل يعول عليه كثيرا في وضع تصور ناجع للقرض الزراعي يتماشى مع النظام المصرفي الإسلامي الذي يطالب المزارعون بتطبيقه. حملة الشهادات وغيرهم منزعجون من أكل الربا، ويطالبون بتمويلات حكومية خالية من الفوائد. بعضهم يرفض رفضا قاطعا تسديد الفوائد على الديون، ولا يقرون بها.

  • 14 – القرض الزراعي .. يد النظام التي يبطش بها

أظهر ولد عبد العزيز تصميما قويا ـ بداية أمره في إطار حملته على الفساد ـ على استرجاع أموال القرض الزراعي المنهوبة. تصميم زائف، فلو كان جادا لما فاته ذلك، فلا هو بجبان، ولا هو بضعيف.

ما هو بجبان، لأننا رأيناه حطم يوم تسلمه للسلطة كبرياء أعتى قلاع الغطرسة والجبروت في موريتانيا. حطم كبرياء السفير الإسرائيلي بالطرد، وإرسال الجرافات إلى مبنى السفارة تزيل الحواجز في وضح النهار، في مشهد رمزي، يذكر بتجريف إسرائل لمنازل الفلسطينيين في القدس العتيقة، بعيد من الجبن.

ولا هو بضعيف، فقد رأيناه حقق في مالي ما استعصى على الجيوش الكبيرة، هزيمة القاعدة في معاقلها. رأيناه أيضا أظهر قدرة فائقة في مواجهة المصاعب الناجمة عن إصابته بالرصاص، عفى عن الضابط فورا وأدلى بتصريح للشعب وهو في سرير المستشفى، بعيد من الضعف.

لكن لكل نظام يده التي يبطش بها في السياسة وفي الاقتصاد، و”القرض الزراعي” في موريتانيا هو يد النظام التي يبطش بها في الزراعة.

في دجمبر 2010 أرسل مجلس إدارة القرض بعثة فنية رفيعة المستوى إلى المستفيدين من الديون الكبيرة من أجل استرجاع تلك المبالغ أو بعضها.

قالت البعثة المؤلفة من ثلاثة إداريين برآسة عبد الودود ماحمادي وعضوية كل من محمدو ولد كليه و نيانج، إنها اتصلت بالمدينين الذين عجزوا أو لم يرغبوا في توقيع اتفاق التفاهم المقترح آنذاك من قبل الحكومة، والقاضي بإلغاء الفوائد، وتقسيط الأصول.

لم تفلح البعثة في استرجاع أوقية واحدة من 3 مليارات تقاسمها هؤلاء، ولم يتركوا لها أثرا.
الأشخاص المعنيون، حسب النسخة التي حصلت عليها وكالة صحفي للأنباء من التقرير، هم : لعمر ولد ودادي 247 مليونا، لعمر أيضا 292 مليونا، كان عبد الوهاب 325 مليونا، محمد ولد جولي 79 مليونا، سيد محمد ولد الفايده 15 مليون، محمد يحظيه 60 مليون، لام عبد الرحمان 65 مليونا، محمد عبد الله ولد جيلي بوغى و كيهيدي 553 مليونا، محمد عبد الله ولد جيلي أيضا روصو وأعالي النهر 1 مليار و 243 مليونا.

بعد شهرين من الطاردات والمماطلات، سجلت البعثة ردود المعنيين في تقريرها إلى مجلس الإدارة في الرابع يناير 2011، فجاءت تلك الردود متشابهة وسطحية. “هذا لا يعنيني”، “مبالغ دفعت في حسابي من غير علمي وسوف أقدم الذين فعلوا ذلك إلى المحكمة”، “أعرف الشخص المعني بهذا القرض وسوف أكلمه، لكنه ليس أنا”، “لا أعرف شيئا عن الموضوع”، ..
خلص التقرير إلى أن المسألة لا تعدو كونها عملية اختلاس منظمة ومكشوفة، فالوثائق والمستندات أعدمت، أو اختفت، إن كانت قد وجدت أصلا لدى إدارة القرض الزراعي، محملا مجلس الإدارة المسؤولية التاريخية عن عملية الاختلاس تلك، مطالبا أياه ببذل كل ما في وسعه من أجل استرجاع تلك الأموال.

0-28.jpg

في ما يلي ترجمة كاملة لنص تقرير عبد الودود ماحمادي وفق النسخة الفرنسية التي حصلت عليها وكالة صحفي للأنباء :

  • 15 – تقرير اللجنة .. الجريمة الاقتصادية

تقرير مأمورية

عين مجلس إدارة القرض الزراعي UNCACEM خلال دورته 04/12/2010 لجنة مكلفة بالاتصال بزبناء القرض الذين – إلى حد الساعة – لم يتمكنوا أو لم يرغبوا في توقيع اتفاق بشأن ديونهم بناء على قرار الحكومة القاضي بتصفية المديونية بإعفاء الفوائد وتقسيط الأصول بالنسبة لكل زبون.

تتشكل اللجنة من الإداريين :

1 – عبد الودود ماحمادي، رئيسا؛

2 – محمدو ولد كليه، عضوا؛

3 – نيانج، عضوا.

وقد تسلمت اللجنة القائمة التالية لأسماء الزبناء و التزاماتهم :

00-11.jpg

*- SAG (لعمر) 247188230 أوقية

SOMAB (لعمر) 292962514 أوقية

KAW (كان عبد الوهاب) 325573023 أوقية

GSA/HF (جى أس آ – أعالي النهر) 293521395 أوقية

محمد ولد جولي 79245227 أوقية

سيد محمد ولد الفايدة 1500000 أوقية

ARECO-Sarl (محمد يحظيه) 60000000 أوقية

Dialadé (لام عبد الرحمان) 65000000 أوقية

Pool Boghé (فرع بوغى) 58273323 أوقية

Pool Kaedi (فرع بوغى) 495141686 أوقية

GSA Rosso (جى أس آ بوغى) 950371106 أوقية

المجموع : 2882276504 أوقية

اتصلت اللجنة بهؤلاء الزبناء كل على حدة وسجلت أجوبتهم التالية :

  • 1 – لعمر بالتزام إجمالي يبلغ : 540 مليونا، 150 ألفا ، 744 أوقية

ينكر تسلمه لهذا المبلغ، لكنه يقر بمعرفة الشخص المعني، وقال إن ذلك الشخص كان قد استقبل بعثة من القرض أرست للتفاوض بشأن المبلغ المذكور، لكن خلافات تفصيلية حالت دون توصل الطرفين إلى اتفاق، حسب لعمر.

  • 2 – كان عبد الوهاب بمبلغ 325 مليونا 573 ألفا 023 أوقية

ينكر بدوره أن يكون قد استلم هذا المبلغ لكنه يعترف بكونه قاد مفاوضات مع محمد ولد جيلي وابوه ولد التار بشأن شراء مصنع للأرز في كيهيدي لكن الصفقة لم تتم والدليل على ذلك أنه لم يتسلم أبدا ذلك المصنع معبرا عن نيته توضيح الأمر مع الشخصين المعنيين، قائلا إنه سوف يبحث معهما عن حل للمسألة.

  • 3 – محمد ولد جولي

يعترف أنه استلم بالفعل مبلغ 79 مليونا و 245 ألفا و 227 أوقية، لكنه حوله بموافقة القرض إلى حساب تعاونية، وقد سلم له القرض شهادة عدم مديونية، حسب قوله.

  • 4 – ARECO محمد يحظيه بالتزام يبلغ 60 مليون أوقية

لا يعترف إلا بعشرة ملايين قائلا إن الباقي وهو 50 مليونا لا يعنيه.

  • 5 – سيد محمد ولد الفايده بالتزام يبلغ 15 مليون أوقية

جميع محاولات الاتصال به باءت بالفشل لعدم دقة العناوين التي قدمت إلينا.

  • 6 – DIALDE SA (لام عبد الله) بالتزام يبلغ 65 مليونا أوقية

لا يعترف بأي مبلغ تحصل عليه من القرض الزراعي ويقول إن كل هذا المبلغ حول إلى حسابه دون علمه من قبل القرض الزراعي ولعمر ولد ودادي وينوي اليوم تقديمهما للمحاكم المختصة، هذا وقد سلم لنا رسالة يشرح فيها حيثيات المسألة.

  • 7 – POOL ابول بوكى وكيهيدي بالتزام إجمالي يبلغ 553 مليونا 415 ألفا 009 أوقية

محمد عبد الله ولد جيلي هو الذي كان يتزعم هذه المنشأة التي لم يعد لها أي وجود – حسب علمنا – بعد سنة 1996، وقد استجوبناه بخصوص هذا المبلغ الذي استفادت منه المنشأة 2008، وقال لنا بكل بساطة إنه لا علم له بهذا المبلغ.

  • 8 – GSA روصو وأعالي النهر، بمبلغ 1 مليار 243 مليونا و 892 ألفا و 501 أوقية

هنا أيضا، محمد عبد الله ولد جيلي هو الذي كان مسؤولا عن الشركة، وقد استجوبناه حول المبلغ الذي قال إنه عبارة عن مساعدة كانت الدولة ستدفعها لـ GSA، يمثل المبلغ جزء سعر الحصاد المدعوم من قبل الحكومة والتي لم تدفع المبلغ.

يجدر بالذكر، إثر هذا العرض المفصل لمختلف الأجوبة، إن هذه المبالغ دفعت في تناقض صارخ مع الطرق المعمول بها لمنح القروض كما هي منصوصة في دفتر الإجراءات للقرض الزراعي.
هكذا لا يوجد أي اتفاق قرض بخصوص هذه المبالغ لدى اللجان الفرغية CAC ولا لدى القرض نفسه UNCACEM.

ولا توجد فضلا عن ذلك أية ملفات لهذه المبالغ وهو ما يقلل من حظوظ القرض في اللجوء إلى المحاكم المختصة من أجل استرجاع تلك الأموال.

وآن للقرض الزراعي UNCACEM، أن يدرك أنه أمام عملية نهب، تدل للأسف على درجة العجز، وعدم الشفافية، والفوضوية، التي طالما اتسم بها تسيير القرض الزراعي.

إن جسامة هذا النهب (ثلاثة مليارات أوقية)، تضع مجلس إدارة القرض أمام مسؤوليته في بذل كل ما في وسعه، من أجل استرجاع هذه الأموال بكافة الوسائل الشرعية المتاحة، وإلا فعليه، أن يتحمل مسؤوليته في هذا النهب الذي سيسأل عنه عاجلا، أم آجلا.

نواكشوط، 10 يناير 2011

عن اللجنة

الرئيس

ولد عبد العزير في حيرة من أمره حيال أموال القرض.

إن هو أمر بالقبض على الأشخاص المشمولين في الملف، فلن يجد أدلة ضدهم، فالملفات أعدمت، ولا وجود لها وسوف يقال “ديكتاوري يسجن الناس خارج القانون”. إن كان منهم معارضون يقال “تصفية الحسابات” وإن كانوا اقارب أو موالين يقال : “خلافات شخصية مفتعلة”، وإذا تركهم، وتغاضى عنهم، يقال “هو متواطئ ومستفيد”.

لكن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق المسؤولين في القرض الزراعي ومجلس إدارته لأنهم فرطوا في “أم الدين”، ضيعوا المستندات والعقود أو اشتركوا في جريمة إخفاءها، إن كانت قد وجدت أصلا.

  • 16 – الدعم الحكومي .. عين الفساد

تصرف الدولة كل عام في استصلاح الأراضي، ودعم البذور والأسمدة والري والآليات، أموالا طائلة، لا يصل منها إلا القليل.

صرفت في استصلاح سهل انتيكان 896 مليون أوقية، 600 هكتار أعطيت بالتراضي لشركة سليمان ولد شماد SOBRI، شركت ليست لديها أية تجربة في مجال الاستصلاح الزراعي.
ومثله بكمون 665 هكتارا، وأيرنبار600 هكتارا.

عندما تصرف الدولة أموال الفقراء من الشعب في دعم رجال أعمال أغنياء ومزارعين وهميين، أو شراء بذور وأسمدة تباع في السوق السوداء بالمزاد، فهذا عين الفساد.

وحين تلغي الحكومة ذلك الدعم وتترك المزارعين الحقيقيين يواجهون الآفات وقوانين السوق التي لا ترحم، بمفردهم، فيفشلوا وتفسد مزارعهم، فذلك هو الفساد بعينه.

الدعم الحكومي وكر من أوكار الفساد. يفوز مقربون من النظام بصفقات كبيرة أعدت في ظروف الاستعجال، صفقات التراضي.

يأخذ الزبناء البارعون في تزوير المستندات نصيب الأسد. وتحرم أغلبية المستهدفين الأصليين، أصحاب الحق، بحجة الإجراءات والمعايير الناقصة.

هكذا يكون الدعم الحكومي – في النهاية – “عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”، فالمال مال الشعب، وليس مال الحكومة، والمستحق هو المواطن البسيط، هو الجاهل، هو المريض، هو الفقير ..

خبراء البنك الدولي ينصحون دائما بوقف الدعم الحكومي في البلدان الفقيرة، لكثرة ما شاهدوا فيه من الغبن والفساد.

القرارات الجميلة والحلول السهلة التي يصفق لها الناس، ليست بالضرورة هي القرارات الصائبة.

أما القرارات الصعبة والشجاعة، والحلول العويصة التي تقتضيها المعضلات الزراعية الكبيرة، تتطلب تصميما وقدرة على التنفيذ لا تمتلكها الحكومات الضعيفة.

الأنظمة السياسية الضعيفة ترى في الدعم الحكومي ضامنا لولاء المجموعات التقليدية، وجالبا للأصوات الانتخابية التي يحتاجونها دائما لإسكات الأصوات المطالبة تارة بالإصلاح، وتارة أخرى بالرحيل.

لو أن الحكومة اقتصرت على وظيفتها التي جاءت من أجلها، لكفى. لو أنها صرفت همتها في بناء شبكات الطرق والماء والكهرباء في المناطق الزراعية، ووفرت الأمن والصحة والتعليم لأهلها، لما احتاج الناس إلى دعم الحكومة، ولما احتاجت هي لأصوات الزبناء، فسوف يحصد مرشحوها بجدارة أصوات الشعب دون عناء في جميع المواسم السياسية. منتخبون شرعيون قادرون على رسم سياسة ناجعة للزراعة.

وعندها، تنتهي “زراعة السياسة” في مدينة القوارب.


  • تحقيق : وكالة صحفي لأنباء
  • شارك في التحقيق الميداني كل من :
  • المختار ولد عبد السلام – أحمد ولد أحمدو – سيد ولد متالي.
  • إعداد : سيد احمد ولد مولود
    تاريخ النشر الأول : 23 آذار (مارس) 2014


  • 17 – صور وشهادات

محمد عبد الحي

33333.jpgأعطوني 10 هكتارات في امبوريه فوجدتها 7 فقط، منها اثنان لا يصل إليها الماء لأن قناة ريها أخفض من مستوى المزرعة، ظنوها قناة للتفريغ Drain. قنوات الري تكون أعلى قليلا من مستوى المزرعة بينما تكون قنوات التفريغ أخفض.

اسنات SNAAT استصلحت الأرض على عجل، واختلطت عليها قنوات الري في امبوريه الجديدة بقنوات التفريغ.

زرعت البقية لكن الكارثة حلت بنا هذا العام بسبب النقص في الحاصدات.

33-5.jpgهذه مزرعتي أفسدتها الأمطار بعد أن كانت جاهزة للحصاد، رغم أن الأمطار تأخرت عن موعدهاهذا العام واتظرنا فترة أطول، إلى أن جاءت الأمطار، وجاءت بغزارة.

العمال اليدويون كانوا أقل قدرة منا نحن أصحاب المزارع على تحمل الخسارة.

كانت أوضاعهم صعبة من الناحية النفسية، كانوا ينظرون إلى ثمرة عملهم تفسد، ولا حيلة لهم. محرجون من صاحب المزرعة، كيف يطلبون منه تسديد الأجور ومزرعته في هذه الحالة، حالة يرثى لها.

3333-2.jpg
333.jpg
4444-2.jpg

221422.jpg
444444.jpg

11111111-2.jpg

55-4.jpg

222222.jpg

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى