الوزير السابق محمد ولد العابد لـ “مصدر”: جائحة كورونا قد تسبب “تسونامي” اقتصادي (مقابلة)

أخـذت التأثيرات القوية لجائحة كوفيد ۱۹ أكثر من منحى، منذ ظهور أول حالة بمدينة ووهان الصينية لغاية يومنا هذا.

ولعل الكثير من المراقبين لم يكن بحسبانه أن مطلع العام ۲۰۲۰ سيسجل أعنف أزمة اقتصادية ذات بعد عالمي منذ عقود ربما.

ولأن هذا الفيروس لم يعثر له على لقاح لحد الآن فإن المجتمع الدولي لم يجد لقاحا مؤقتا أكثر نجاعة من إغلاق المدن والأسواق وتوقيف المصانع والمطارات والحد من الحركة، تفاديا لانتقال العدوى، فتم إعلان حالات طوارئ في دول عديدة، ليتعرض النشاط التجاري العالمي لضربة قاتلة قد لا يتعافى منها على المدى القريب والمتوسط.

وهنا في موريتانيا انتهجت الحكومة نفس السياسة، ففرضت إغلاقا جزئيا للأسواق وأغلقت الحدود البرية والجوية وشلت حركة الناس لساعات من اليوم.

الأمر الذي قوبل بأصوات نقابية رفضت طريقة الإدارة التي أهملت – في نظرهم – حقوق العمال وذوي الدخل المحدود.

ولتسليط الضوء على تلك التأثيرات الاقتصادية لجائحة كوفيد ۱۹، كان لنا هـذا اللقاء،

مع الخبير الاقتصادي والوزير السابق محمد ولد العابد

أجرى الحوار / سيدي الطيب ولد المجتبى
لـوكالة مصدر للأنباء
نص المقابلة:
السيد الوزير.. في ظل هذه الاجواء التي يعيشها العالم اليوم جراء انتشار فيروس كورونا وتصنيفه وباءا عالميا وما صاحب ذلك من تأثيرات على جميع الانشطة ومناحي الحياة… يرى بعض خبراء الاقتصاد بأن هذا الأمر أشبه ب”تسونامي اقتصادي”.. هل تتفقون مع هذا الوصف – باختصار-؟

بسْم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، بداية أشكركم على إتاحة الفرصة للتواصل مع رواد موقعكم الإلكتروني الرائد وأنتهز هذه السانحة لأتقدم إليهم، ومن خلالهم إلى ذويهم وكل من يعزّ عليهم بأحر التهانئ وصادق التبريكات بمناسبة عيد الفطر، ضارعا إلى الحليم الكريم أن يعيد عليهم، وعلى كل الموريتانيين والمسلمين أجمعين، شهر رمضان المبارك أعواما عديدة، وأزمنة مديدة مقروناً برضاه وعافيته وتوفيقه وعلى الأمة الاسلامية بالخير واليمن والبركة والتمكين من أسباب العز الرفاهية وأن يرفع عنها، وعن البشرية جمعاء وباء كورونا وكل الأوبئة.

لا شك أن جائحة كوفيد-۱۹ التي تجتاح العالم منذ نهاية السنة الماضية ترتبت عليها أزمة اقتصادية حادة قد تشبه في آثارها ”تسونامي اقتصادي” إن كٌتب لها، لا قدّر الله أن تطول.

موريتانيا لا تزال من الدول الأقل تضررا من هذا الوباء على الجانب الصحي – وإن جاءت تلك الأضرار متأخرة نسبيا عن بقية العالم.. لكنها دخلت من بداية الوباء في إجراءات الإغلاق والحظر كبقية العالم.. فتم إغلاق المجال الجوي وتأثرت مكاتب السفر والعديد من القطاعات الخدمية المرافقة لذلك، كما تم إلغاء موسم الحج والعمرة لهذا العام… ما تقديراتكم لتلك الخسائر؟

الخسائر المتربة على الإجراءات المتخذة من لدن السلطات العمومية لتفادي انتشار وباء كوفيد-۱۹ في البلد يمكن تقديرها بعدة عشرات مليارات الأوقية الجديدة وتزداد كلما طالت فترة تطبيق إجراءات الإغلاق والحظر .

وقد ذكر السيد رئيس الجمهورية، قبل ايّام قليلة خلال الاجتماع رفيع المستوى حول سبل تمويل التنمية في ضوء أزمة كورونا وما بعدها، المنظم بإشراف من رئيس الحكومة الكندية ورئيس حكومة جامايكا والامين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ذكر انّ نسبة النمو الاقتصادي لهذه السنة ستكون سالبة وتتراوح بين ۲% و۵% تبعا لطول الفترة التي سيستغرقها التصدي للجائحة، وأن خسائر الإيرادات الضريبية بلغت أزيد من ۲۰٪؜ (اكثر من ۸,۵ مليار أوقية جديدة) بينما زادت النفقات بأكثر من ۱۲٪؜ لتغطية تكاليف الإجراءات الصحية المتخذة للحيلولة دون تفشي وباء كوفيد-۱۹ والاجراءات المتعلقة بمؤازرة الأسر الأكثر فقرا، مما ترتب عليه رفع مستوى عجز ميزانية ۲۰۲۰ الى ۵۰٪؜ من الناتج الإجمالي الخام.

إلا انّ هذه الخسائر تهون علينا اذا ما أخذنا في الاعتبار ما ترتب على إجراءات الإغلاق والحظر من حفظ للأرواح وحيلولة دون انتشار الوباء كما حصل في بعض الدول التي تباطأت في اتخاذ مثل هذه الإجراءات.

على الجانب الاجتماعي معروف ان هناك فئة معتبرة من المجتمع تضررت بشكل مباشر من هذه الإجراءات الاحترازية كذوي الدخل اليومي وبقية الفئات الاجتماعية الاخرى الهشة في المجتمع،.. إزاء ذلك اتخذت الحكومة بعض الاجراءات الاستعجالية من توزيع بعض المواد الغذائية ومبالغ نقدية لمساعدة هذه الفئات.. هل ترون بأن هذه المساعدات ترقى لمستوى ظروف هؤلاء..؟

ما زال الوقت مبكرا لتقييم موضوعي لانعكاسات برامج الدعم الغذائي والمالي التي تنفذها الحكومة للتخفيف من وطأة الأزمة الحالية على الفئات الأكثر هشاشة من مواطنينا ما يمكن التأكيد عليه اليوم هو أن هذه البرامج استفادت منها آلاف الأسر التي تم تحديدها تبعا لمعايير موضوعية، وكانت ستعيش ظروفا قاسية لولا تدخل الدولة وأن الهيئات المشرفة على هذا التدخل تبدي رحابة صدر واستعداد لإصلاح الأخطاء المحتملة لم نعهدهما من قبل وهذا هو ما يجب التركيز عليه حتى تكون كل المرافق العمومية حريصة على خدمة المواطن على أحسن وجه.

كما أنه علينا كمواطنين أن نأخذ بعين الاعتبار خصوصية الظرفية الحالية وجسامة التحديات التي تواجهها الحكومة، وضرورة التحلي بروح المسؤولية والتضحية والصبر.

مخزون السوق المحلي من المواد الاستهلاكية والمواد الأخرى محل قلق كبير لبعض المتابعين.. نظرا لشل حركة المصانع بسبب هذا الوباء خصوصا في أسواق – مثل الصين – تعتبر مصدر تموين أساسي للسوق المحلي ببعض السلع الأساسية والمواد الأخرى في مجال البناء وغيرها.. إما بشكل مباشر أو غير مباشر – عبر أسواق أخرى.. برأيكم هل تشاركوا هؤلاء مستوى القلق بهذا الخصوص؟

في بلد يستورد جل المواد الاستهلاكية كبلدنا أتفهم تماما قلق البعض إزاء تموين السوق في ظل انتشار كوفيد-19، غير أن المعطيات المتوفرة لدينا توحي بأن الحكومة اتخذت كل التدابير الكفيلة بضمان انتظام تموين السوق بالمواد الأولية، وكذا إجراءات هامة لتحفيز الإنتاج المحلي خصوصا في قطاع الزراعة مما سيترتب عليه الحد من استيراد الحبوب.

وعلى صعيد آخر، يلاحظ أن العديد من الدول التي نستورد منها البضائع، كالصين والبلدان الأوروبية، بدأت تخفف من الإجراءات الاحترازية لكي تٌمكن مختلف قطاعاتها الإنتاجية والخدمية من استئناف نشاطاتها.

في مثل هذه الظروف الوبائية التي تحدثنا عن انعكاساتها السلبية والمدمرة للاقتصاد، أي دور لشركات التأمين في ترميم الأضرار؟

حسب علمي، شركات التأمين عندنا لا تبرم عقود تأمين على الخسائر المالية سواء كانت مترتبة على أزمة كالراهنة الناتجة عن وباء كورونا المستجد أو على أسباب أخرى كالكوارث المناخية وغيرها – وبالتالي لا أرى لها دوراً يذكر في تخفيف وطأة الآثار السلبية للأزمة الراهنة على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية.

كما أن التأمين الصحي يكاد ينحصر على ما يتكفل به الصندوق الوطني للضمان الصحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اللذَين لا يستفيد من خدماتهما إلا عدد محدود من مواطنينا، إذ يقتصر الضمان على موظفي ووكلاء الدولة وعمال القطاع الخاص المصنف، بينما يمثل القطاع غير المصنف أزيد من ۸۰% من العمالة الوطنية.

أي دور يمكن أن يلعبه القطاع المنجمي (الـذهب – النحاس – الحديد) في التخفيف من الأضرار وضمان حد أدنى من النمو؟

القطاع المنجمي، ومثله قطاع الطاقة، شهد انخفاضا كبيرا في حجم الاستثمارات على المستوى الدولي نتيجة للانخفاض الحاد للطلب ومخاوف المستثمرين الكبار من أن تطول فترة الأزمة الراهنة.

على المستوى الوطني، سبق وأن ذكرت أن نسبة النمو الاقتصادي ستكون سالبة هذه السنة، أما على المدى المتوسط، فمن المنطقي أن يساهم القطاع المنجمي، عبر صادراته، في دفع عجلة الاقتصاد الوطني فور انتهاء الأزمة وعودة الطلب الدولي على المناجم إلى مستواه قبل الأزمة أو أعلى منه.

بسبب تداعيات فيروس كورونا تأجل استخراج الغاز الموريتاني… ما مدى التأثير المترتب على ذلك التأجيل، وما هي الفوائد والفرص التي خسرتها الدولة نتيجة لذلك؟

فعلا، كان من المرتقب ان يبدأ استغلال حقل آحميم الغازي سنة ۲۰۲۲ إلّا أن التطورات الناتجة عن جائحة كورونا سيترتب عليها تأجيل بدء الإنتاج الى ۲۰۲۳ أو ۲۰۲۴ و بالطبع سيكون لهذا التأجيل تأثير على ميزانية الدولة بحكم تأخر مداخيل الغاز المباشرة وتلك غير المباشرة الناتجة عن الجباية على مختلف الخدمات المصاحبة لعملية الاستغلال، كما أن تأجيل بدء الإنتاج سيؤجل تلقائيا خلق العديد من فرص العمل المرتبطة باستخراج الغاز مباشرة أو بصفة غير مباشرة عبر مختلف الخدمات التي تحتاجها عمليات الاستخراج.

زعماء مجموعة الدول العشرين «۲۰G » أكدوا أن حكومات دولهم خصصت تدابير مالية بقيمة %۳,۵ من ناتجها المحلى الإجمالى لدعم البلدان النامية والفقيرة لمكافحة الوباء، هل تقرأ في هذا الاعلان ما يُطمئن، خاصة في ظل مطالبة صندوق النقد الدولي لمجموعة العشرين بتجميد ديون الدول الفقيرة؟

الإعلان، بطبيعة الحال، مطمئن وأملي، ككل مواطن، أن يتجسد على أرض الواقع وأن لا تكتفي الدول الغنية والهيئات الدولية والإقليمية لتمويل التنمية بتجميد الديون بل أن تقوم بإلغائها كما طالبت بذلك جل الدول النامية، وأكّد عليه، بالنسبة لبلدنا، السيد رئيس الجمهورية يوم ۲۸ مايو ۲۰۲۰ في خطابه خلال الاجتماع رفيع المستوى حول تمويل التنمية في ضوء كورونا المستجد وما بعده.

جيتا جوبيناث كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد قالت إنه إذا لم يتم إدارة أزمة الوباء بكفاءة فقد ينتهى الحال إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية في عدة دول ما لم يتدخل المجتمع الدولى ويؤدى دورا داعما للدول الأكثر فقرا من خلال التمويل الميسر وتخفيف أعباء الديون.. هل تقرأ في الأمر تهويلا أم تتفق مع خطورة الوضع؟

قبل جائحة كورونا كان العديد من الدول الأكثر فقرا يعرف أوضاعا اجتماعية صعبة تهدد السلم الأهلي وقد ازدادت هذه الأوضاع سوءاً مع الأزمة الصحية وتلك الاقتصادية، وبالتالي فإني لا أرى في ما قالته السيدة چوبيناث تهويلا للأمر ولكن الدعم المالي، مهما بلغ حجمه وحتى ولو صاحبه إلغاء تام للمديونية، لن يترتب عليه تلقائيا خروج هذه البلدان من منطقة الخطر ما لم تقم حكوماتها بإصلاحات جذرية في مجال الحكامة السياسية والاقتصادية حتى تخلُق المناخ المواتي لنجاعة مختلف السياسيات التنموية.

يرى باحثون أنه كلما استمر الهبوط المفاجئ في النشاط الاقتصادى كلما شهدت البنوك خسائر أكبر مما قد يؤثر سلبا على السياسة النقدية، واستجابة لهذا الوضع، قررت البنوك المركزية في العديد من الدول خفض أسعار الفائدة لتشجيع الائتمان – وهو ما قرره البنك المركزي الموريتاني مع بداية الازمة.. ما تقييمكم لتلك السياسة الائتمانية على المستوى المحلي؟

من الطبيعي في ظل أزمة اقتصادية كهذه التي يعيشها العالم اليوم أن تلجأ البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة قصد تحفيز الاستثمار والاستهلاك ولتفادي الركود الاقتصادي.

بالنسبة لبلدنا، لا زال الوقت مبكرا لتقييم أثر الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي وأملي أن ينتج عنها تحسن معتبر في مجال تمويل الاستثمار الخصوصي من حيث شموله أصحاب المشاريع الذين لا تتوفر لديهم ضمانات تُمكّنهم من الحصول على قروض مصرفية وتوجهيه إلى توسيع القاعدة الإنتاجية للبلد عبر استغلال كوامن النمو خصوصا في القطاع الريفي بمفهومه الواسع (الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد التقليدي) والسياحة ومختلف القطاعات الخدمية.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى