إنَّ إِخْوانَنَا المَغَارِبَة یَغْلُونَ عَلَیْنَا

 

آذَنَتنا بِبَيـْنِها أسْماءُ  رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منهُ الثَّواءُ ..

لقائل أن يقول :

إنَّ إِخْوانَنَا “المَغَارِبَ” یَغْلُونَ عَلَیْنَا فى قیلِهمْ إحْفَاءُ ۔۔ عَفْوًا :

إنَّ إخْوانَنَا الأَراقِمَ  یَغْلُونَ عَلَیْنا فى قِیلِهمْ إِحْفَاءُ

یَخْلِطُونَ البريء مِنَّا بِـذي الذنب ولا یَنْفَعُ الخَليَّ الخَلاءُ.

1 – المعتقد

ولقاٸل أن یقول، إن موریتانیا جزء لا یتجزأ من المغرب.

وللمملکة المغربیة أن تغرس لدى مواطنیها عقیدة مقدسة تقول : إن الصحراء جزء لا یتجزأ من المملکة۔

ولها أن تُنزِل أقصى عقوبة لتهمة الخيانة العظمى، بكل من تسول له نفسه التشكيك بذلك المعتقد، تماما مثل التشكيك في المحرقة.

لكل نظام سياسي أن يحرص على بناء المعتقدات التي تعزز دعائم حكمه، بغض النظر عن مواقف الآخرين منها.

كما لسكان هذه المستعمرة الاسبانية القديمة في الأرض الفاصلة بين المغرب وموريتانيا أن ينعموا – مثل جميع شعوب العالم – بالأمن والاستقرار؛ وأن يقرروا – بعد رحيل المستعمر – مصيرهم بأنفسهم، دون تدخل الجيران؛ قويهم وضعيفِهم، قريبِهم وبعيدِهم.

أما آن لهذا الخصام الدائر بين الإخوة الأشقاء أن يهدأ قليلا، حتى نسمع ونعي ما نقول..

إنَّ إِخْوانَنَا “المَغَارِبَه” یَغْلُونَ عَلَیْنَا فى قیلِهمْ إحْفَاءُ 

یَخْلِطُونَ “البعید” مِنَّا بِـذي “القرب”  ولا یَنْفَعِ الخَليَّ الخَلاءُ”

2 – القسمة

عندما قررت فرنسا إدارة شٶون البلاد الفاصلة بین الخط الإسباني علی مدار السرطان ونهر السنغال، انطلاقا من سان لوي، لم تستشر أحدا.

وعندما اتخذت من سان لويس عاصمة لهذا الکیان السیاسي الذي سموه موریتانیا، وکان معروفا ببلاد شنقیط،  وسکانها يقال لهم الشناقطة؛ كانت واعية أن ذلك لن يدوم طويلا.

وکانت بالمثل قد أقرت إدارة شؤون الشعب المالي أبیضه وأسوده من عاصمة واحدة باماکو، متجاهلة قواعد التاریخ والجغرافیا، خلال رسم حدود المستعمرات في بلاد النهرین؛ نهر النیجر ونهر السنغال۔

کان من سوء حظ نهر النیجر، أن فرنسا أرادت منه مُوحِدا بین شعبين مختلفين فی دولة واحدة. وكان من حسن حظ نهر السنغال، أنها جعلت منه حدودا طبيعية فاصلة بين شعبين مختلفين : عرب في الشمال، وزنوج في الجنوب.

لو قسموا بلاد النهرين وفق اللون أو المناخ إلی شمال وجنوب، لكان أوفق. في الشمال أرض بیظان، من کرمسین إلی تمبوکتو عاصمة لها؛ وفي الجنوب، أرض السودان من سان لويس إلی باماكو عاصمة لها.

 قسمة توافق الطبيعة والمناخ، فالأرض جنوب النهرين، أرض خصبة، سكانها أفارقة سود؛
 والأرض شمال النهرين، صحراوية جافة، سكانها بیظان وطوارق، قابلة للقسمة بینهما إلی شرق وغرب؛ إلى جمهوریة أزوادیة شمال مالي،  وأخرى شنقیطية  فی الجانب الغربي قبالة المحيط الأطلسي؛ موريتانيا۔

لو كانت تمبكتو عاصمة سياسية، وكان بها ملك قوي، لطالب بالحواضر الواقعة على طريق القوافل : ولاتة، تيشيت، شنقيط، وادان أو أطار إلى واد نون. يشهد له تاريخ الإشعاع الثقافي لمدينته.

3 – اللون

الفرق بین شمال مالي الآن وجنوبها، فرق شاسع؛ ولن ینجح حل الدولة الواحدة الذي فرضته فرنسا، مهما حاولت بارخان، ودول الساحل الخمس، والروس، والقوات الأممية، لسبب بسيط، هو أن وصایة الجنوب علی الشمال، لا تروق لسکان الشمال.

 البیظان والطوارق، صحراویون بداة، ینظرون إلی جمیع السود، نظرة السید إلی عبده.

 أما أبناء الملوک وأحفاد الحضارات الزنجیة العريقة، لا ینظرون بدورهم، إلی هٶلاء البداة،  إلا علی أنهم قطاع طرق، ولصوص، لا يؤمن شرهم۔

یسخرون منهم عندما یدخلون المدینة؛ یسخر منهم أطفالها کسخریة أطفال المدینة المنورة من عیینة بن حصن۔

4 – أنتم منا

إن إخواننا المغاربة يغلون علينا ..

كانوا یطالبوننا بالانضمام إلیهم لنکون دولة واحدة کبیرة وقویة. ونحن مثلهم كنا، نطالب إخواننا الأزوادیین في الشرق، والصحراويين في الشمال – بالانضمام إلینا، فنکون جمیعا أقوی وأکبر.

  إِنْ نَبَشْتُمْ مَا بَيْنَ مِلْحَةَ فَالصَّاقِبِ فِيهِ الأَمْوَاتُ وَالأَحْياءُ

مطالبة القوي بالضعيف، والغني لنعجة الفقير إلى نعاجه، عمت بها البلوى.

مطالبة المغرب بموریتانیا لیست جدیدة.

مطالبة موريتانيا بالصحراء الغربية وأزواد، ليست جديدة.

موريتانيا لا تعوزها المبررات التاريخية والثقافية للمطالبة بالمغرب. فأعظم دولة إسلامية قامت في هذه البلاد قرونا عديدة كانت دولة المرابطين، تأسست في تيدرة، قرب العاصمة الموريتانية نواكشوط.

إن نبشتم شواطئ البحر في تيدرة قرب نواكشوط، أو أساطين المساجد في مراكش، أو مَكْسَمْ ببكر بن عامر في جبال تكانت، فيه الأموات والأحياء.

لا يُقيمُ العَزيزُ بالبَلَدِ السَّهْــ** ـلِ وَلا يَنْفَعُ الذّليلَ النَّجَاءُ

كان موقف موريتانيا قويا، لدى توقيع اتفاق مدريد، وأمام المحكمة الدولية لاهاي، لكن ميزان القوة لم يكن يوما في صالحها.

واذْكُروا حِلْفَ ذي المَجَازِ وما قُدِّمَ فيه العُهودُ والكُفَلاءُ

5 – البوصلة

کان الطلاب السودانیون فی المغرب يغضبون عندما یسألهم زملاٶهم الموریتانیون : هل أنتم سودان مصر؟ إلى أن وجدوا جوابا یغضب الموریتانیین.

يقولون لهم، بعد أن تعلموا الحسانیة : “حَتَّ انتومَ سودان المغرب”.

وکان الطلاب الغینيون یغضبون عندما ینسبون إلی غینیا الاستواٸیة.  کان الموریتانیون لا یفهمون غضبهم  إلی أن

وجدوا توضيحا طريفا وساخرا؛ قالوا لنا :  “تصوروا إذا جيء بقرد، وقیل لکم هذا منکم،  هذا موریتاني استوائي (­(équato-mauritanien”

التنابز بالألقاب بین الشعوب والمجتمعات أمر مألوف، وکذلک بین الأسر، والقباٸل، والحواضر؛  کان العرب یتقون “مأثور الکلام”، لأنه یبقی ویضر بالسمعة؛ کان بنو عامر بن صعصعة یغضبون عندما یقال إن باهلة منهم، أو سلول، وحتی نمیر بعد هجاء جرير، وهم منهم۔

6 – الولاء

البیظان فی موریتانیا بداة فی الغالب، لا یقبلون الانصیاع لأي من مقتضیات الحیاة المدنیة۔

یعانون من تهمة الولاء لغير الوطن : في الجنوب یقال لهم : أنتم مع السنغال إن كانوا مريدين أو أشياخا، وفی الشرق ینسبون إلی مالي، وفی الشمال، إن كانوا من قبائل الساحل : أنتم صحراویون من جبهة البولیزاریو.

 العلويون والتروزیون يدفعون ثمن علاقتهم السياسية والثقافية المتميزة مع المغرب، منذ عهد اعل شنظورة وولد رازکه، إلى عهد ولد عمير وأحمدو ولد حرمة، ثم أحمد سالم ولد سيدي وحاب ولد محمد فال. خاصة أن الأمور كانت تأخذ منحى عسكريا، أيام “المَحَلَّه، وجيش التحرير، و 16 مارس.  

  إِنْ نَبَشْتُمْ مَا بَيْنَ مِلْحَةَ فَالصَّاقِبِ، فِيهِ الأَمْوَاتُ وَالأَحْياءُ

7 – العقدة

عقدة الموریتاني من المغربي عقدة مرکبة؛ فهي رزمة من العقد.

عقدة الفقیر من الغني، وعقدة الضعیف من القوي، وعقدة الجاهل من العالم، وعقدة البدوي من الحضري.

 ومع کل هذا، لا يشعر الموريتانيون بأي شعور بالنقص أو الهوان؛ ربما لأنهم يعتاضون عن الفقر بالسخاء، وعن الضعف بالشجاعة والإقدام، وعن الجهل بسمعة أسلافهم الشناقطة.

كما نشأت حديثا عقدة النظام السیاسي، عقدة الدولة؛ فلدی المغاربة دولة، ونظام المخزن، والمملکة، والقانون، والإتاوات، والضراٸب. أما موریتانیا، فجربوا جميع الأنظمة بدءا بنظام “السيبة” و”الغزيان”، والقباٸل المتناحرة، والإمارات، وفلول المقاومة، والخضوع للاستعمار، والاستقلال، والانقلابات، والدیمقراطیة، والدکتاتوریة، والفوضی، وانتهاء بالنظام الحالي الذي هو نظام غير مصنف؛ نظام “لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء”.

لکنهم لم یجربوا نظام المملكة يوما واحدا، ولا أظنه یصلح لهم ولا يفهمونه۔

کان حاب ولد محمد فال یفخر علی صدیقه وابن عمه محمد الکبیر العلوی؛ یقول له ممازحا : “أنا لست مثلک فأنا موریتاني أصافح الملک وأهزه بقوة، وأنت مغربی تأتیه منحنیا وتقبل یده؛ فیرد علیه محمد الکبیر ضاحکا مبتسما : “ذلک بأنک تجهل التاریخ”۔

8 – البدوي

كنت يوم الانقلاب على ولد هيدالة مع محمد الكبير ولد حرمة العلوي في مكتبه بالقصر الملكي في الرباط حين تلقى مكالمة هاتفية من “القصر” تبلغه بالانقلاب، فلم أتمالك نفسي وسألته عن ولد هيدالة، هل حدث له مكروه؟ فضمني إليه بسرعة، وقال لي لا تخف، إنه في بوجمبورا.

 لم يكن ولد هيدالة آنذاك صديقا للمغرب، وكنت حينها لا أخفي إعجابي به، رغم صداقتي مع المغاربة؛ كنت مقتنعا بقاعدة “نبغيلك بغيك ألا نكرهلك كرهك”.

لكن مهما يكن من أمر، فكان الغالب علي آنذاك هو تلك الطبيعة الصحراوية الجامحة والمتمردة على نظام المملكة، ولا أفهم القداسة التي يمنحها المغاربة لملكهم.

لم أكن أنظر إلى محمد الكبير على أنه مغربي، وأنه مستشار للملك الحسن الثاني، ولا أن مكتبه في القصر، كنت اعتبره رجلا من البيظان، موريتانيا من قبيلة إدوعل، جده العالم الجليل حرمة ولد عبد الجليل، لا غير.

کان الشناقطة في الزمن القديم، یذهبون إلی فاس، ومکناس، یبیعون العبید والذهب، یبحثون عن أهل العلم، یشترون الکتب والوبر، کانوا معجبين بالعلماء المغاربة كانوا أشياخهم، يقولون  : “فاسْ امکناسْ ما کبلتهمْ النَّاسْ۔”

أما اليوم، فيذهبون إلى المغرب من أجل الدراسة، ومن أجل العلاج، والسياحة، والتجارة، والخير الكثير.

لا یفرق البدوي الجلف القادم إلی المغرب، عندما یسیر فی شوارع الدار البیضاء، بین الناس؛ لا یفرق بین العرب والعجم، لا یفرق بین العلویین والأدارسة، ولا بین الأمازیغ فی الأطلس الأعلی، وأهل سوس، وأهل الریف۔

کما لا یفرق بین بمبارا، وسونینکی، وولف، والبولار، ودونکو، وواسولو، فی داکار وباماکو.

یقول للأفارقة السود “لکور”، وللمغاربة فی الشمال “اشلوحه”۔

لا یحترمهم جمیعا؛ یظن  أنهم  تارکون للصلاة، یشربون الخمر،  ویضربون نساءهم، ویعبدون الدرهم والإفرنک. ویلبسون لباس النصاری، ویأکلون طعامهم.

إنهم بالفعل، منبهرون بحضارة الغرب، إلى حد الاستلاب.

وهذه عقدة أخری؛ عقدة الشعور بالفوقیة، لكنها عمیقة وراسخة، مرجعیتها أخلاقیة، ودینیة، وفكرية، لا تقبل المساومة.

9 – القوة

تلک العقدة هی التی أغضبت الکاتب الفرنسی سین اکسبری حین کان طیارا فی نواذیبو، وکتب فی إحدی رساٸله إلی أمه في كتاب : lettres à ma mère.

“Apres avoir été envers les maures d´une mansuétude absolue, je commence à les diriger de façon plus coriace ; ils sont menteurs, voleurs et cruels. Ils tuent un homme comme ils tuent un poulet, mais ils déposent leurs poux par terre.

Quand ils ont un chameau, un fusil et quatre cartouches, ils croient qu’ils sont les maitres du monde, et ils vous disent que s’ils vous rencontrent à quatre pas d’ici qu’ils vont vous découper en petits morceaux.

Pourtant, ils me donnent un joli nom : le commandant des oiseaux.”

 

وبَقِينَا عَلَى الشَّنَاءَةِ تَنْمِيـ   ـنَا حُصُونٌ وَعِزَّةٌ قَعْسَاءُ

قَبْلَ مَا اليَوْمِ بَيّضَتْ بعُيُونِ النَّـ    ـاسِ فِيهَا تَغَيُّظ وَإبَاءُ

10 – خزازى

إن إخواننا المغاربة یغلون علینا؛ یطالبوننا بالانضمام إلیهم – بحجة أننا جزء منهم، نحن وإخواننا الصحراویون – جمیعا؛ لکن قولوا لنا ماذا ستعطوننا إذا قبلنا الانضمام إليكم. قولوا لنا شیٸا عن نظام الحکم المقترح، قولوا لنا شيئا عن مستقبل علاقتنا مع جارتنا وصديقتنا الجزائر.

حدثونا عن حالة “اللا حرب واللا سلم” بينكم مع الجزائر.

قولوا لنا شيئا عن موقفنا جميعا من العلاقة مع إسرائيل، هل ستبقى على حالها. نحن كنا قد اكتوينا قبلكم بنار العلاقة مع إسرائيل، ولسنا نادمين على قطعها، وقلنا لها “مضيا ولا يرجعون.”

لا يقيم العزيز بالبلد السهل ولا ينفع الذليل النجاء

حدثونا عن مصير هذا الشعب الصحراوي الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل حرية وكرامة هو جدير بها.

وبِعَينَيكَ أوقَدَتْ هِنْدٌ النَّارَ أَصِيلاً تُلْوى بِها العَلْياءْ

فتنَوَّرْتُ نارَها من بعيدٍ بِخَزَازَى هَيْهاتَ منك الصِّلاَءُ

11 – الاسم

قولوا لنا هل سنبني دولة جديدة، نكون فيها أحرارا كما نحن الآن في دولتنا، أم أننا سنضحي بتلك الحرية من أجل “لقمة العيش”.

كيف لنا أن نتنازل عن هذا الاسم الثلاثي الجميل : الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

حتى لو تنازلنا عن كلمة موريتانيا ذات الأصول المجهولة، كنا نود لو جعلنا مكانها شنقيط، فمن الصعب علينا أن نقبل بشيء غير الجمهورية والإسلامية ومن الصعب عليكم أن تقبلوا بغير المملكة.

أما آن لهذه الحدود الطويلة بين الجزائر والمغرب أن تفتح، وأن يزال هذا الجدار العازل في أرض الصحراء بين الإخوة الأشقاء.

أي حل دائم مقبول، أفضل مما نحن فيه الآن.

أيَّما خُطَّةٍ أردتمْ فأدُّوها إلينا تُشفى بها الأمْلاءُ

 

 

سيد احمد ولد مولود

نواكشوط، 23 أغسطس 2022

 

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى