موريتانيا والهجرة: تصحيح المفاهيم.. حماية السيادة وبناء الشراكة الذكية

 

 

في وقت تتصاعد فيه الضجّة الإعلامية حول قضايا الهجرة وعلاقتها بموريتانيا، يأتي حديث وزير الداخلية واللامركزية، السيد محمد أحمد ولد محمد الأمين، لِيُعيد التوازن إلى النقاش العام، ويدعو إلى قراءة الواقع بعيدًا عن التهويل والمبالغات التي لا تُفيد إلا في تشويش الرؤية واستقطاب الآراء. فما قاله الوزير ليس مجرد ردٍّ على إشاعات، بل هو تأكيدٌ على منهجية الدولة في التعامل مع ملفٍّ شائك بوعي ومسؤولية.

لا يُنكر أحدٌ أن الهجرة قضية عالمية معقّدة، لكن تحويل موريتانيا إلى “مسرحٍ درامي” لأحداثٍ مبالغ فيها — كما يروّج بعض المدوّنين والصحفيين — يُعدّ إجحافًا في حق الجهود الوطنية، وتشويهًا لصورة البلاد. فالمغالاة في تصوير الوضع لا تخدم إلا أجنداتٍ خارجيةً أو فئويةً تبحث عن إثارة الرأي العام دون اعتبارٍ للتأثيرات السلبية على سمعة البلاد واستقرارها. ما أشار إليه الوزير من عدم وجود اتفاقيات قانونية ملزمة تُخصّص موريتانيا كوجهة للهجرة يُثبت أن الدولة تتعامل بمنطق السيادة وحفظ المصالح الوطنية، وليس تحت ضغوط خارجية كما يُحاول البعض الترويج.

عندما يتعلّق الأمر بشراكة موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي، فإنّ التصريحات الرسمية تؤكّد أن هذه العلاقة تقوم على أساس المنفعة المتبادلة، حيث تُعتبر موريتانيا — “المستفيد الأكبر”؛ فالتعاون مع الاتحاد لا يعني الخضوع لشروطٍ مجحفة، بل هو استثمارٌ في تعزيز القدرات الأمنية واللوجستية للتعامل مع تدفقات الهجرة بشكلٍ مُنظّم، يحمي حدود البلاد ويُحافظ على أمنها القومي، في إطار الالتزامات الدولية التي تنسجم مع مصالح موريتانيا أولًا.

إصرار الوزير على أن موريتانيا لم تُوقّع أي اتفاقيات تُقيّدها قانونيًا في ملف الهجرة يُرسّخ مبدأً أساسيًا في السياسة الخارجية للدولة: السيادة الوطنية فوق كل الاعتبارات؛ فالقوانين المنظّمة للعلاقات مع دول الجوار — والتي أشار إليها — تعكس رغبة البلاد في توطيد التعاون الإقليمي دون المساس باستقلالية القرار. وهذا النهج ليس دفاعًا عن الهوية فحسب، بل هو ضمانةٌ لعدم تحمّل موريتانيا تبعاتٍ لا تتحمّلها دولٌ أخرى بأضعف الإمكانيات.

الخطاب الواضح الذي قدّمه وزير الداخلية ليس مجرد طمأنةً للشعب الموريتاني، بل هو دعوةٌ لإعادة الثقة في مؤسسات الدولة التي تعمل — بعيدًا عن الضوضاء — على موازنة التحديات العالمية بمتطلبات الداخل.

فموريتانيا، برغم محدودية مواردها، تثبت دائمًا أنها قادرة على التعامل مع الملفات الدولية بذكاء، دون تنازلٍ عن ثوابتها؛ لذا، فإن مساندة هذا التوجّه ليست خيارًا فحسب، بل مسؤوليةً وطنية. فبدلًا من تضخيم الإشاعات، حريٌّ بنا أن نسلّط الضوء على الإنجازات التي تحققت في مجال تأمين الحدود، وتعزيز التعاون الدولي الذي يخدم الشعب الموريتاني ويُحافظ على كرامته. فالوطن ليس أرضًا فحسب، بل قرارٌ مستقلٌّ وإرادةٌ لا تُهزم.

بهذا المنطق الواضح والشفاف، تُقدّم موريتانيا نفسها كشريكٍ دوليٍّ مسؤول، وكدولةٍ تعرف كيف تحمي حدودها وشعبها دون انغلاقٍ أو استسلام. وهذا — بحد ذاته — مصدر فخرٍ لكل موريتاني.

أميه ول أحمد مسكه

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى