النعمة … مداخلتي في لقاء الشعب

إنكم سيدي الرئيس تيممون وجوهكم شطر مدينة النعمة وبما أن عنوان أدبياتكم هو الإطلاع عن قرب على أوضاع ساكنة المنطقة ومقاسمتهم أشجانهم وأحزانهم ومعرفة أحوالهم عن كثب، أجده لزاما علي أن أطلعكم على ماقد تحجبه عن ناظركم حشود بعضها وافد وبعضها الآخر يستقبلكم عسى أن تحققوا له حلما طالما تلاشى أنينه وباح صوته تحت صخور ‘ إديلبه ‘الصامدة بفعل وطأة الزمن وقسوة ذوي القربى. أهل مكة ـ كما يقال ـ أدرى بشعابها وأهل النعمة ادرى بمشاكلها ومتطلباتها وأحسبني أقدر من غيري على مساعدتكم في تتبع أوجه الخلل وسد الثغرات معذرة إلى ربكم وعرفانا بالجميل لحاضنة لم تضق ذرعا بي مذ ناغيت على أديم بطحائها حتى اليوم.

إنكم سيدي الرئيس تنيخون رحالكم في حاضنة علم ومركز إشعاع تاريخي يزيد عمره عن مائتي سنه ينهل من منابع ولاته وتمبكتو وكمبي صالح وتيشيت وطريق القوافل بينها يزخر بآلاف المخطوطات من مؤلفات وحوليات ومراسلات وفتاوى ودواوين شعرية ووثائق تاريخية … تحتاج منكم ألتفاتة كريمة لنفض الغبار عنها والتعريف بها وصيانتها وتسويقها فهي ذاكرة أمة ورافد من روافد السياحة الثقافية. طال هذه الكنوز من التجاهل والنسيان الممنهج عبر تاريخ الأنظمة قبلكم ماطال علماءها وفقهائها وشعرائها من تهميش حتى صار ‘الشرق’ لايوسم إلا بكونه خزانا إنتخابيا أو ـ في أحسن الأحوال ـ رافدا من روافد التنمية؛ كما كان لهذه المنطقة حظها من شرف الدفاع عن الوطن والتضحية بأبنائها في سبيل استقلاله وعرفت بالحدود الشرقية للمقاومة الموريتانية وعرفتهضاب ‘أنكادي’ صولات وجولات الفارس الكفي ولد بوسيف والشيخ ولد عبدوك (وآخرون يضيق المقام عن ذكرهم)؛ ألا تستحق ‘ إمارة أولاد أمبارك’ ـ وقد صارت جزءا من التاريخ ـ إشادة بأمجادهم وهذه آثارهم شاهدة في واقعة بحيرة ‘زوروقو’ واعترافا بجميلهم وملئ كتب المقررات المدرسية (التي لاتذكر إلا الشيخ ولد عبدوك على استحياء) بهم وبغيرهم من ابناء الولاية وبتاريخهم وأيامهم؟

إنكم سيدي الرئيس تحلون ضيفا على مدينة تتنفس عبق التاريخ ويحكي كل حائط من حوائطها وكل صخرة وزقاق من أزقتها حقبة من حقبه. تحتضن مدينة النعمة ـ وهذا مالا يعلمه الكثيرون ـ مدينة قديمة تتمتع ـ لولا الإهمال ـ بكل ماتتمتع به المدن القديمة في العالم من مساجد عتيقة وأضرحة ومزارات وزخارف وأشكال عمرانية خاصة وميثولوجيا شعبية مميزةوكثيرا ماتشــكل هذه المدن روافد سياحية اقتصادية مهمة لبلدانها. في الجانب الشمالي الشرقي من مدينة النعمة تتربع مدينة ‘ إديلبه ‘ القديمة على أكثر من قرنين من التراكمات التاريخية وتتميز بما تتميز المدينة القديمة بفاس المغربية (التي أعرفها عن كثب) من ضيق الأزقة (مما يجعل أصحاب السيارات يركنون سياراتهم خارجها) ومحافظة على النسق العمراني لهيئة المنازل وزخرفة واجهاتها وأبوابها وبها جامع عتيق وأبواب تقول الميثولوجيا الشعبية إنها لم تفتح مذ أغلقت وإن بها آبار تسكنها حيات سود وهناك صخرة كبيرة معروفة تنسج حولها الكثير من الروايات التي تشكل تراثا شفويا يفخر به أهل النعمة ويتوارثونه جيلا عن جيل. لو أن سلطاتنا وإعلامنا رعوا مدننا التاريخية حق رعايتها سيدي الرئيس لكانت قادرة على منافسة المدن التاريخية العالمية وقبلة للسياح من كل فج. وتتطلب هذه المدينة القديمة ترميما لجل منازلها وجامعها وتعريفا إعلاميا وسورا حافظا لحدودها من ‘ رحبة ول أمبابه ‘ إلى شاطئ البطحاء الشمالي وشرقا إلى ‘ لبحيره ‘ وشمالا إلى سلسلة الجبال المكونة للحدود الشمالية الشرقية لمدينة النعمة.

إنكم سيدي الرئيس تنزلون ضيفا على منطقة من المناطق التنموية بامتياز قادرة لو أولويتموها الاهتمام وأعطيتم الضوء الأخضر لتنفيذ مشاريع اعلنتموها سابقا على تأمين اكتفاء ذاتي في اللحوم الحمراء واللألبان والحبوب والأعلاف وغيرها من مشتقاتها على عموم التراب الوطني؛ ولايمكن أن يتم ذاك في ظل الآليات البدائية التي يستخدمها المنمون ولا الظلم المستشري في توزيع القطع الأرضية والعشوائية التي تطبع القطاع بشكل عام، إن أهل الحوض يعتمدون كثيرا على التنمية بشقيها الزراعية والحيوانية ولن ينسوأ لكم إن ألتفتم إليهما.

إنكم سيدي الرئيس تشدون الرحال إلى منطقة من أكثر المناطق الموريتانية كثافة سكانية (سكان الحوض حوالي 400000 نسمة) بها طاقات شبابية هائلة مهدرة لقلة الانشطة الفكرية والتوعوية من أندية رياضية ومكتبات ومسارح للترفيه في المدينة، وقد حدى ضعف الفرص التنموية في المنطقة بجل شبابها إلى الهجرة خارج الوطن. زد على ذالك تحكم طبقة “ديناصورية” من الشيوخ في المنافذ السياسية للمنطقة تعمل على ترسيخ قيم القبيلة وتوزيع صكوك الولاءات مطيلة بذالك أمد سيطرتها وهيمنتها ولا أدل على ذالك من لعبة الذراع الحديدية في الأنصار والخيول والجمال التي استقبلوكم بها. ينتظر منكم سيدي الرئيس الاهتمام بالشباب وتغيير الطبقة السياسية والعمل على ترسيخ قيم المواطنة بتفعيل دور مؤسسات الدولة وإشراك الجميع.

لفت انتباهي سيدي الرئيس خلال مقامي في المدينة العطلة الصيفية الماضية عدد من النقاط ـ أرجو أن تكون قد تحسنت ـ منها:

– عزوف المحلات عن بيع الزبدة ‘ بير’ والثلج الغذائي ‘أكلاص’ لكثرة انقطاع تيار الكهرباء في المدينة.

– هجرة أغلب سكان المدينة عنها خاصة الشباب.

– قد يصل ثمن ساعة الانترنت في المقاهي القليلة في المدينة إلى 500 أوقية مع رداءة الشبكة.

هذه المشاكل وغيرها ينتظر سكان النعمة سيدي الرئيس منكم توفير حلول لها لتشجع السكان على المقام والثبات والمشاركة في تنمية منطقتهم.

zeidaaan.jpg


زيدان ولد ابراهيم

zeid121@yahoo.fr


قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى