التعصب هو عنوان الخلاف في هذا الزمان

من الملاحظ تعصب أكثرنا اليوم لآرائهم، بل يحول التعصب للرأي في كثير من الأحيان صاحبه إلى عدو مبغض لكل من يخالفه رغم أن المشكل موجود أصلا بين الأفكار والتوجهات لا بين حامليها من الأفراد، فنحن كبشر مفطورون على الخلاف، نادرا ما نتفق بسبب قناعاتنا المختلفة وحظوظ أنفسنا الطاغية ..

فهل يليق أن يكره الواحد منا أخوه لمجرد اختلافه معه في الرأي؟ هل يليق أن يعتمد على التعصب لرأيه أكثر من إعتماده على البرهان والحجة؟..

البعض منا لا يطيق سماع مخالفه أو القراءة له، أو رؤيته، وقد يكون في ذلك فائدة له إذ ربما يكون الحق مع مخالفه لا معه! فلا حل يوصله إليه إلا الترفق في البحث والقبول، ولن يخسر شيئا إن هو ألقى حججه، وتأمل بصدق حجج غيره، فهو في هذه الحال إما أن يستفيد أو يفيد بما عنده..

ومن الملاحظ – وهو دليل على أن فاعله على باطل -، أن بعض الأشخاص ينغلق على ما يعتقده، ويتجنب وصوله إلى من لا يوافقه فيه، وحجته في ذلك أنها منحة ربانية والحقيقة أنها قد تكون شيطانية، وأنها علوم خاصة لا يفهمها إلا أمثاله من الخاصة، وقد يكون أغبى الأغبياء! وهذه الحجة داحضة خصوصا إذا تعلقت بأمور الدين، فالدين ليس فيه خاصة وعامة، فهو كله على بعضه للنشر العام، فهو للجميع، وما هذه التسميات من تصوف وتشيع وسلفية إلا أمور محدثة ميزت أهل الباطل عن أهل الحق، فعلى سبيل المثال: ينغلق بعض الصوفية على أسرار طريقته، ولا تراه ينادي بها في المساجد والتجمعات العامة، ويترفع على من خالفه فيها، ويتهمه بالتطرف والجهل، ويسخر منه ويهمزه ويلمزه زاعما تميزه عليه في الفهم والحظ! وهو على العكس من ذلك تماما، وهذا وحده دليل على بطلان تلك الطرق الصوفية الصامتة التي لا يحب أفرادها الإختلاط بالآخرين ولا مناقشتهم، ويتهمونهم بقصور الفهم والتوقف عند الظاهر، والحقيقة أنه لا وجود للباطن في الإسلام، فالإسلام دين واضح من أهم الدلائل على صحته وقوته: ابتعاده عن الخفاء والظلام والرهبنة والأسرار السوداء والفتوحات الشيطانية، وعبادة الأشخاص، وإضفاء صفات الربوبية والملائكية على الناس، الأمر الذي لا تجرؤ تلك الطرق على إعلان اعتمادها له أمام الجميع لأنها تعلم أن اغلبهم لا يرضاه، وذلك وحده دليل على وجود الخلل فيها..

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

ومشكلتي أنا وغيري من الذين لا يعتقدون في التصوف – وذلك طبيعي فالمسلمين ليسوا كلهم صوفية -، هي المعاملة كأعداء للصوفية وشيوخها، وكثير منا لا يسعى إلا إلى النصح لإخوته الصوفية المحبوبين، وإحقاق الحق، ولا يكره مسلما لبدعة غير مكفرة، ولا لذنب يمكنه إنقاذه منه بكلمة طيبة، مما جعل أكثر علماء السلفية اليوم في بلدنا على الأقل، يفضلون السكوت عن أهل البدع وتركهم في عماهم المطبق على فتح جبهات حرب عليهم وعلى مصالحهم، رغم أن كيد الشيطان ضعيف، ولن يصيب الإنسان إلا ما كتب الله له.

وقد كنت أشن الحرب على العلماء الساكتين عن البدع وأهلها، ولكني اعتذر لهم اليوم من على منبر هذا المقال المتواضع، واعتذر كذلك للصوفية فلا أقصد أذيتهم، بل أتخيل أحيانا أنني أولى بالسكوت من العلماء، فلا يليق بجاهل صغير مثلي أن يفتح فمه أمام سكوت علماء كبار، وهم معذورون..

ولا حظ معي سبب السكوت الذي هو أحد أهم أسباب تفشي الباطل والبدع وانتشارها، وهو سوء الفهم للخلاف، والإندفاع في التعصب حمية للنفس والشيطان، فما الذي يضر الطرفين المختلفين من الجلوس إلى طاولة واحدة، والتحاور بنية صافية وأدب من يعلم أن المشكلة إن وجدت فهي بين الآراء لا بين حامليها، خصوصا أن الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام واحد يجب أن يسعى الجميع إلى معرفته والتمسك به لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من البدع أشد التحذير في الأحاديث الصحاح، والإختلاف في جميع الأحوال قدر لا يمكن تجنبه، لكن يمكننا تجنب نتائجه التي تبعدنا عن الصواب..

لماذا أكره أخي الصوفي الذي عشت معه؟ لماذا يكرهني لأنني خالفته فيما أرى أنه على بدعة فيه؟ لماذا أصمت ويصمت ويصمت العلماء؟ أخوفا من الشجار والتباغض؟ أأصبح الحوار والتناصح طريقا من طرق البغضاء والشحناء إلى هذه الدرجة؟ أيحمي البعض الباطل الذي يؤمن به بأشواك البغضاء؟ ويسد الطريق في وجه أبسط وسائل الإصلاح من تناصح ونشر للمعتقدات حتى يتمكن الجميع من مناقشتها على الأقل؟

إن الهدف من كتابة هذا المقال هو الحديث عن تعصب المخالفين ضد كل ما يمت للدين وأهله، فمثلا تجد العلمانيين والليبراليين والجهلة في الدين عندما يتحدثون عن أهله، ومن يدعي أنه من أهله (كالإخوان مثلا)، تجدهم لا يجدون غير التعصب ضده لأن الجاهل بالشيء عدو له، ولك أن تناقش من يؤيد العلمانيين في مصر ضد الذين خرجوا مضحين بأرواحهم لمؤازرة الإسلام، وستجد نوعا من التعصب والتشدد العجيب، فهو لا يطيقهم ولا يطيق سماع اسم الإسلام في السياسة، ولا اعتماد الأخلاق الإسلامية، وقد يعتقد رغم كل ذلك أنه على حق!..

وقد رأينا نتائج هذه النظرة المتعصبة إلى الغير في مصر اليوم، فصاحبها لا يتورع عن قتل من يخالفه وارتكاب أبشع الجرائم ضدهن وضد كل من يتعاطف معه، والمفروض أن يؤاخيه في الإسلام ويقبله ويقبل منه الحق لو كان يعلم، فما هي أسباب هذا التطرف القاتل ضد الإسلام وممثليه؟

أعتقد أن أهم الأسباب هو الجهل، وذلك بسبب النشأة الغير إسلامية، وهو أمر غريب في بلداننا المحبة للإسلام، فرضه علينا المستعمر والصهيونية العالمية، وشجعوا عملائهم (حكامنا) على إبعاد وتهميش كل ما يمت للدين بصلة من حياة المواطنين حتى ينشئوا نشأة الغربيين، فالدين غير مقبول في السياسة رغم أنه مبني عليها! والدين غير موجود في النظم التربوية رغم تشعب مواده وحاجتها إلى أن تدرس لأبناء المسلمين لينشئوا أسوياء نافعين قابلين لشريعة ربهم السمحاء..

ولك أن تلاحظ المناهج التعليمية الموجودة اليوم وستستغرب من قضاء الطالب عمره يستيقظ في كل صباح بارد أو ممطر ليبدأ رحلة تعليم شاقة لا تنتهي إلا بالغروب، وذلك على مدى أكثر من عشرين سنة، حتى يتخرج من الجامعة، وهو لا يدرى أحكام السهو الضرورية لصلاته وهي أول ما سيسأل عنه بعد موته، ولا يعرف مصطلح الحديث، ولا أصول التفسير، ولا التجويد، ولا السيرة العطرة التي تنفعه في حياته. فهل ننتظر منه عدم معاداة ما يجهل والمرء عدو لما يجهل؟ هل تستبعد أن يكون علمانيا قحا، أو جاهلا متمردا على كل ما يمت للعلم بصلة ويضعف من أسهمه؟

ويمكن لفترة الدراسة بين الإعدادية و الباكالوريا، وهي أكثر من 12 سنة أن تخرج لنا طلبة علماء في الدين، أو على الأقل فاهمين له يجنبونا مثل هذه الحرب الطاحنة الدائرة اليوم بين محبي الإسلام والجهلة به، كما يجنبنا كثرة ضحايا البدع من الجهلة الذين يسهل الإستحواذ على عقولهم بسبب بعدهم عن المعرفة المحصنة، وامتصاص خيراتهم..

مثلا مادة الرياضيات، وهي أصعب مواد التعليم النظامي قبل وبعد الباكالوريا، هذه المادة يمكن تدريس مقررها من البداية وحتى مستوى الباكالوريا في 4 سنين بدلا من 12 سنة لأن مقررها قبل الباكالوريا هو مجرد تعريفات وحشو مضيع للوقت والعمر بدليل أن أستاذها في بداية سنة الباكالوريا يمكنه أن يأتي على ملخص شامل لذلك الحشو في أسبوعين، فلماذا نضيع على أبنائنا كل هذا الوقت، ولا نستغله في تعليمهم مواد دينهم المفيدة التي نحتج بضيق الوقت عنها، ثم ما الذي يستفيده دارس الرياضيات والمعلوماتية من علوم الآخرة؟ أتوجه تلك المواد إلى معالي الأخلاق؟ أتفهم دارسها الفرق بين العنصرية والحقد وسوء الأدب؟ أتعلمه احترام الطوابير وإشارات المرور، وتوقير الكبار، وعدم الكذب والغش والخيانة؟

إننا اليوم بحاجة إلى إعطاء الأولوية لتدريس العلوم الشرعية النافعة إلى جانب علوم العمل والدولار، فهي الحل لكل أزماتنا الخلقية الإجتماعية، فهي لا تقل أهمية عن المناهج الغربية، كما يجب اعتماد مواد الحياة الكثيرة التي تجعل الطالب يفهم الحياة، ويحسن العيش فيها وفق فهم صحيح، ولكل عام دراسي ما يناسبه بشرط أن يكون هدف التدريس هو تشرب الطالب للمادة لا شربها عنوة ليلة الإمتحان ثم تقيؤها في يومه، ومما يساعد تقبله لها تخفيفها حتى تكون بردا وسلاما على حافظته، وتبسيط منهجها وتجميله بالقصص والمحفزات، واختيار الأساتذة المحبين لها، المضحين في سبيلها، الناصحين لأبنائها..

فهذه وسيلة مهمة للعودة بالمسلمين إلى جادة الصواب لأن الجهل المتفشي اليوم هو أعظم عدو نواجهه، فهو سبب التغلغل في البدع، وهو سبب التعصب والقتل على الرأي الذي نرى في مصر..

ولولا الجهل لما صدق أحد هذه الأكاذيب الصارخة المنتشرة التي يدحضها العقل قبل الدليل، وما أكثر تلك الأكاذيب التي لا تنطلي إلا على من غيبهم الجهل في ظلماته، ومن تلك الأكاذيب ما لو أشرت إليه هنا لشتمني الصوفية والعلمانيون! وهي أكاذيب يردها العقل قبل النقل.
منها الزعم بأن أمريكا حليفة للإخوان والمسلمين! ومنها أن المتظاهرين السلميين هم الذين يقتلون أنفسهم بأيديهم ويحرقون جثثهم بأرجلهم؟ ومنها أن المسلمين المسالمين الخائفين من سفك الدماء قتلة إرهابيون، وهو أمر يجعلنا نعيد النظر في كل أخبار التفجير لأن أكثر من 90 في المائة منها قد يكون مكذوبا ملفقا كقتل المخابرات المصرية لأفراد الجيش في سيناء والزعم بأن فاعل ذلك هو الإخوان الإرهابيون!، وقد شوهدت مروحة عسكرية مصرية تقصف مقرا للأمن في سيناء! وأدلة الكذب كثيرة على اليوتوب، منها مثلا تصوير عسكري وهو يفرغ أسلحته في خيمة للمتظاهرين لتصويرها والزعم بأنها للمتظاهرين!..

وهي نفس أكاذيب أمريكا التي أجزم أن أكثر من مائة بالمائة من العمليات الإنتحارية ضدها من تدبيرها هي والمجنونة المتخلفة إسرائيل، وأين هي الأسلحة النووية التي أحتل العراق بكذبتها، وأين هي الأسلحة التي زعموا أنها تحت منصة ميدان رابعة؟

كلها أكاذيب صارخة لولا الضعف المعرفي للمسلمين لما قبلها أحد، ولم أكذب عندما كتبت مقالة جعلت عنوانها: “الكذب هو أهم الأسلحة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية اليوم”..
فلنعد إلى ديننا الصحيح، ولنجعله أساس حياتنا وسياستنا فذلك هو أبسط حقوقنا في بلداننا ولا يملك أحد حق مناقشتنا فيه، وليتحمل بعضنا بعضا رغم الخلاف، فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولنتناصح بصدق وإخلاص فكلنا أحرار في قناعاتنا، لكن تلك القناعات ليست قرآنا منزلا بل تحتمل الخطأ والضلال، فلم لا نناقشها على الملأ لنربح الحق والنجاة..

sidisid1@yahoo.fr

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى