الأزمات السياسية والأحزاب الموريتانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الأزمات السياسية المتتالية أوقفت مسيرة التنمية وزعزعت أركان الأمن وأفشلت مؤسسات الحكم وجعلت البلاد تتراجع سنة بعد أخري في كل المجالات وخلقت أجواء من الإنزعاج والإرتباك لم ينجو منها أي طرف سواء كان مساهما ومشاركا أو مناهضا ومقاطعا .

فما هي أسبابها الحقيقية ؟

وهل هي مرتبطة بطبيعة الأحزاب السياسية أو بالعملية الديمقراطية؟

جاءت نشأت الأحزاب السياسية في موريتانيا متأخرة بالمقارنة مع بقية شعوب المنطقة ومتأثرة بالإستعمار الفرنسي وحركات التحرر ومشاريع النهوض القومي الإفريقي والعربي.

ولم تكن تلك النشأة نابعة من صميم الثقافة المحلية وطرق التنظيم والبناء الإجتماعي .

لقد كان قيام الدولة الموريتانية وممارسة سلطتها يتطلب إنشاء الأحزاب السياسية وتوظيفها لصالح مشروع الحاكم الذي نصبته فرنسا وساهمت في توجيه ممارسته السياسية ،لكن شخصية الرئيس الموريتاني المدني وحكمته – رحمه الله – سمحت بإرساء دعائم المشروع الوطني للحزب السياسي الموريتاني ، كما أتيح للحركات السياسية أن تعمل علي زرع بذور الوعي الحضاري والإديولوجي لكافة امتدادات المجتمع وأصوله العربية والإفريقية ونخبته المتعلمة. وقد أدي ذلك إلي ظهور بوادر الوعي السياسي الضروري لنشأة الأحزاب الموريتانية في نطاق الدولة الحديثة وبالإضافة إلي حزب الشعب الموريتاني الذي جسد مشروع السلطة الأولي في الدولة بعد الإستقلال الوطني، وجدت حركات سياسية مارست العمل التنظيمي داخل أطر حزبية (كالكادحين والبعثيين والناصريين والإخوان والحر ,غيرهم) لكن الظهور الواضح والفعلي للحزبية تم خلال حكم معاوية ولد الطايع الذي استجاب لضغوط خارجية وتحولات ديمقراطية شهدتها المنطقة وكان عليه أن يواكبها لعدة أسباب أهمها:

– تنفيذ إرادة الغربيين في مطالبتهم للأنظمة العسكرية في إفريقيا بتبني شعار الديمقراطية وممارساتها في إدارة الشعوب

– خلق مبررات جديدة للتمسك بالسلطة والبقاء فيها لمدة أطول

– قطع الطريق علي بقية القادة العسكريين ومنع الإستيلاء علي السطلة بالقوة

– بناء أسس الديمقراطية علي قواعد تضمن للنظام التحكم في اللعبة والتدرج في توسيع مجال ممارساتها .

وقد تطلب ما سمي ب “الإفتاح الديمقراطي” قيام الأحزاب السياسية التي لم يكن لها دور يذكر في فرض هذا التوجه أو أخذ الموقف السليم منه .فقد تمكن نظام ولد الطايع من نسج خيوط اللعبة وإدارة تفاصيل ممارستها والتحكم فيها .

تأسس إذا حزب الدولة – من جديد- في ثوب ديمقراطي وسمي بالحزب الجمهوري الديمقراطي الإجتماعي ولما كان هذا الحزب هو أول الأحزاب الحاكمة التي تتأسس في عهد الديمقراطية فقد استطاع أن يستقطب أغلب المثقفين في الحركات السياسية القومية والإسلامية واليسارية وأن يخلق تنافسا قويا بينهم للتقرب من النظام وتقلد الوظائف السياسية وتوظيف قدراتهم الذاتية لذلك .وقد وفر هذا الحزب للنظام العسكري فرصة تاريخة للقضاء علي مشاريع الوعي السياسي (وهي لاتزال في المهد) فقد ذابت الهويات السياسية العريقة واختفت المطالب الثورية ،التحررية والنهضوية وتلاشت الشعارات الكبيرة وبرزت مفاهيم المصلحة الشخصية والملكية الفردية والوظيفة والموقع ,والقبيلة والعشرة والقرية والجهة ’’’’’’

وفي مقابل حزب الدولة ولد حزب معارض هو الوريث الشرعي للوعي التاريخي وقد سمي حزب اتحاد القوي الديمقراطية وتجمعت فيه أبرز القوي التي تحمل مشاريع وعي سياسي مدني ،وأعاد هذا الحزب إلي الواجهة بعض ذكريات النظام المدني المؤسس للدولة وأدمجها مع نضال الفئات المضطهدة وعناصر من التيارات الفكرية المختلفة المشارب وترشح منه أحمد ولد داداه لأول انتخابات رآسية في البلاد .وقد أعادتنا تلك الإنتخابات – في دلالة ضمنية- إلي انتاج الصراع بين قوتين هامتين في السلطة الموريتانية :

– النظام المدني الذي أوكل له المستعمر الفرنسي تسيير نظام الحكم وبناء مؤسسات الدولة وإرساء دعائمها ومكنه من تحصيل الدراسة العلمية وشكل وعيه السياسي وركز نفوذه الشعبي في المنطقة الغربية والجنوبية من البلاد

– النظام العسكري الذي أنقذ البلاد من الحرب مع الإخوة الصحراويين وأعتمد علي نخبة ثقافية معادية للمشروع الغربي ونفوذ شعبي مستمد من شرق البلاد وشمالها .
كانت نتيجة الصراع علي السلطة في أول انتخابات رآسية في ظل الديمقراطية قد أخذت منحي غير ديمقراطي وأذكت شرارة تنافس مرير وخلقت احتقانا داخليا وتنافسا محليا وكونت وعيا معكوسا ودعوات ذات أبعاد جهوية ونفعية لاواعية .

كما أدت تلك الإنتخابات إلي تراجع الطرف المعارض عن مواصلة المشوار وترك المجال واسعا لإستحواذ حزب السلطة علي جميع مزاكز النفوذ الإنتخابي منذ أول انتخابات بلدية وبرلمانية قاطعتها المعارضة .

ولم تصمد تلك المعارضة طويلا وتوزع أبرز قادة حزبها علي أربعة أحزاب رئيسة هي ما يشكل اليوم أهم أحزاب المعارضة (هي اتحاد قوي التقدم والتحالف الشعبي وتكتل القوي الديمقراطية والتنمية والإصلاح).

لقد أدت الظروف التي نشأت فيها الديمقراطية الموريتانية علي مستوي الأحزاب السياسية إلي النتائج التالية:

– انحراف الوعي السياسي عن اتجاهاته التاريخية المتمثلة في النمو الطبيعي للأحزاب السياسية

– استمرار النظام العسكري المؤسس للديمقراطية الموريتانية في توظيف أشخاص و تكتيكات مختلفة لإستيراتيجية واحدة

– معادلة صراع الإستحواذ المناطقي والفئوي والإقتصادي التي لاتزال تحكم الأفعال السياسية
– استمرار النزيف في الجسم السياسي حتي وصلنا إلي حوالي 100حزب سياسي مرخص و35 حزب تدخل البرلمان في الإنتخابات الجارية.

هكذا يتضح أنه من أجل حل الأزمات الإنتخابية القائمة نحن بحاجة إلي العودة بالأمور إلي نقطة الإنطلاق في الديمقراطية الموريتانية من أجل:

– تأسيس أحزاب للوعي السياسي قائمة علي مرجعيات حضارية ومجتمعية وثقافية وبعيدة عن الشخصنة

– القيام بمراجعة جادة وواعية ومخلصة لوعي المجتمع ونهضته ومشروع دولته
– إفشال ديمقراطية العسكر من خلال كشف حقائق ممارستها وعدم إفساح المجال لها
– اختيار مرشح للرآسيات يكون “منقذا” للبلاد من التنافس السلبي – علي طريقة – أول انتخابات رآسية.

الحاج ولد المصطفي: hajmoustapha@gmail.com

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى